فلان_999
05-16-2011, 07:24 PM
كيف باع حافظ الأسد الجولان وماهو الثمن
يشير إدوارد شيهان في كتابه كيسنجر والإسرائيليين والعرب إلى واقعة مهمة جداً تلقي ضوءاً كاشفاً على وضع النظام والأسد وارتباطاته..
يقول شيهان في كتابه وهو مرافق كيسنجر في مكوكياته..
إن المخابرات الصهيونية كانت تتعمد عند عودة كيسنجر من دمشق إلى القدس أن تدهشه بإطلاعه على ما دار بينه وبين حافظ الأسد في دمشق كما تطلعه على مضمون الرسائل المتبادلة بين الأسد وبين الملوك والرؤساء العرب الآخرين.
فإذا علمنا أن أغلب لقاءات كيسنجر مع الأسد كانت مغلقة.. عرفنا جواب اللغز القائم في كلام شيهان وهذه شهادة أحد أركان نظام سورية الذي كان للأسد فيه الكلمة الأولى فهو وزير الدفاع وقائد الطيران والمتحكم الأول في القرار آنذاك يقول سامي الجندي في كتابه كسرة خبز ، وسامي الجندي هذا كان وزيراً للإعلام وعضو القيادة القطرية ومن مؤسسي حزب السلطة وهو الذي اعترف أنه أرسل سفيراً إلى باريس في مهمة سلمية..
لم أُخفِ أبداً أن النظام في سورية يعد لهزيمة وليس لاسترداد فلسطين نعم .. نعم.. لم تكن هناك أية بادرة للنصر، ولا أعني أنه كان يعد لهزيمة نفسه وإنما لهزيمة العرب الآخرين ، كي يبقى الثوري الوحيد سيد المناخ الثوري العربي ( من كتاب سامي الجندي كسرة خبز) .
ثم يتطرق الجندي إلى سبب اختياره للمهمة في باريس فيقول:
اختارني ماخوس وزير الخارجية السوري لهذه المهمة وهو لم يعدم الأشخاص ولا الوسيلة للاتصال بإسرائيل.. ثارت أقاويل في باريس نفسها عن أمين منظمة الحزب التابعة لدمشق وأنا ( وهنا بيت القصيد ) متأكد من اتصالات جرت عن طريق أكثر من دولة ثالثة وفي أكثر من عاصمة ( اتصال مع إسرائيل )... ولست بحاجة ـ بعد ذلك للقول إن إعلان سقوط القنيطرة ـ قبل أن يحصل السقوط ـ أمر يحار فيه كل تعليل يبنى على حسن النية. إن تداعي الأفكار البسيط يربط بين عدم وقف إطلاق النار والحدود سليمة والإلحاح بل الاستغاثة لوقفه بعد أن توغل الجيش الإسرائيلي في الجولان ، إشارة هنا إلى أن اليهود عرضوا وقف النار قبل توغلهم فرفض العرض. ونتابع أقوال السيد سامي الجندي بهذا الصدد فهي مهمة كونها صادرة عن إنسان مسؤول ومهم في النظام الذي سلم الجولان.
وعندما نتتبع فصول معركة الجولان نجد أن العسكريين الذين قاوموا اليهود فعلوا ذلك دون أوامر أما الذين صدرت إليهم الأوامر فقد انسحبوا بناء على خطة.
ترى ما هي الخطة؟.. ونتابع.. فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون في باريس مندوب سورية جورج طعمة في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة (وذلك من خلال البلاغ 66 الصادر عن وزير الدفاع حافظ الأسد) الذي أعلن وصول قوات إسرائيل إلى مشارف دمشق بينما المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة يؤكد أن شيئاً من كل ذلك لم يحصل .
فلماذا يصدر الأسد البلاغ المشؤوم قبل وصول القوات الإسرائيلية إلى القنيطرة بيومين؟
ولماذا يطلب الانسحاب الكيفي من الجيش؟
ولماذا يقول اللواء أحمد سويداني قائد الجيش السوري عندما سئل عن هذا البلاغ إنني كمسؤول عن الجيش لم استشر في البلاغ الذي أعلن سقوط القنيطرة، لقد سمعته من الإذاعة كغيري.. ؟ !
إن في طيات هذا الكلام كله الإجابة الشافية عن كنه خطة الانسحاب من دون قتال .
وهذه شهادة إبراهيم ماخوس وزير الخارجية السورية آنذاك.
ماخوس وأمام عدد كبير من المسؤولين العرب رداً على قول أحد هؤلاء المسؤولين ( إنها لفاجعة كبيرة ونحمد الله أن إحدى العواصم لم تمس ) . قال: وهل في ذلك غرابة لو حصل؟!.. إن الغريب في الأمر أن العواصم لم تسقط ، وإننا من جهتنا كنا عاملين حسابنا على أن دمشق ستسقط .
ويتساءل المرء.. كيف يصدق هذا الكلام والأسد يقول في أحد تصريحاته قبل بدء المعركة ونقلته (الثورة السورية 20/5/67): إننا أخذنا بعين الاعتبار تدخل الأسطول الأمريكي السادس.. إن معرفتي لإمكانياتنا يجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشل .
إن هذا الكلام لا ينسجم إلا إذا رتبنا كل ما قرأناه آنفاً جنباً إلى جنب فنفهم منه نحن وغيرنا أن صاحب القرار في سورية آنذاك ( والأسد على رأس ذلك القرار ) كانت له ارتباطاته المسبقة التي جعلته يحرض على المعركة قبل وقوعها ثم ليتلكأ في دخولها ، ثم ليصدر البلاغ 66 بسقوط القنيطرة والانسحاب الكيفي تنفيذاً لارتباطاته المتفق عليها.. والمرتبة تماماً بحيث تبدأ بعد ذلك عملية العد التنازلي في العلاقة مع الكيان الصهيوني لتصل الأمور في النهاية إلى ما هي عليه الآن.. مدريد وأخواتها .
رواية سعد جمعة رئيس وزراء الأردن آنذاك في كتابه المؤامرة ومعركة المصير صفحة 45 يقول : اتصل سفير دولة كبرى في دمشق في الخامس من حزيران بمسؤول حزبي كبير ودعاه إلى منزله لأمر هام في الحال ونقل له في اللقاء أنه تلقى برقية عاجلة من حكومته تؤكد قضاء الطيران الإسرائيلي على سلاح الجو المصري . وأن المعركة بين العرب وإسرائيل قد اتضحت نتائجها وأن كل مقاومة ستورث خسائر فادحة وأن إسرائيل لا تنوي مهاجمة النظام السوري بعد أن يستتب لها تأديب جمال عبد الناصر ، وبانتهاء الزعيم المصري تفتح الآفاق العربية أمام الثورية البعثية وأن إسرائيل بلد اشتراكي يعطف على التجربة الاشتراكية البعثية وخاصة العلوية إذ يمكنها أن تتعايش وتتفاعل معها لمصلحة الكادحين في البلدين ، واتصل الوسيط بقيادات البعث والنصيريين وأعلم السفير الوسيط بتجاوب كافة القيادات مع هذا التطلع .
رواية دريد مفتي الوزير المفوض في مدريد
جاء إلى سعد جمعة بمكتبه في لندن وعرفه على نفسه قائلاً قرأت كتابك المؤامرة ومعركة المصير عن جريمة تسليم مرتفعات الجولان المنيعة دون قتال والتي اقترفها جديد ـ أسد ـ ماخوس ، وأحب أن أزيدك بياناً فقال : يوم كنت وزيراً مفوضاً لسورية في مدريد استدعاني وزير خارجية إسبانيا لمقابلته صباح 28/7/1967م وأعلمني ووجهه يطفح سروراً أن مساعيه الطيبة أثمرت لدى أصدقائه الأمريكان بناء على تكليف السيد ماخوس البعثي النصيري ، ثم سلمني مذكرة تتضمن ما يلي : تهدي وزارة الخارجية الإسبانية تحياتها إلى السفارة السورية عبر وسيطها ، وتعلمها أنها نقلت رغبة الخارجية السورية إلى الجهات الأمريكية المختصة بأنها ترغب بالمحافظة على الحالة الناجمة عن حرب حزيران 1967 وأنه ينقل رأي الأمريكان بأن ذلك ممكن إذا حافظت سورية على هدوء المنطقة وسمحت لسكان الجولان بالهجرة من موطنهم والاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري وتعهدت بعدم القيام بنشاطات تخريبية من جهتها تعكر الوضع الراهن ( عن مجتمع الكراهية لسعد جمعة صفحة 130 ) ثم تابعوا دريد مفتي إلى لبنان وقتلوه لأنه أذاع هذا السر ولم يرض الخيانة ، ودريد ضابط بعثي سني من أريحا السورية ، نعم لقد رضيت القيادة البعثية النصيرية أن تسلم الجولان الحصين المتحكم في الأراضي المحتلة وتهجير أهله لعدة أسباب :
1ـ لا قيمة لجزء من الأرض لقاء حفاظهم على كرسي الحكم.
2 ـ لأن الجيش معظمه من الطائفة وهم حريصون على أرواحهم أن تزهق في الحرب.
3 ـ أن معظم الضباط السنيين المؤهلين فنياً قد سرحوا لأنهم ليسوا نصيريين لذا كان لابد من الاستجابة لطلب إسرائيل فسلمها الجولان لقاء البقاء على الكرسي .
قال لي إبراهيم ماخوس وزير الخارجية النصيري ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق أو حتى حمص وحلب فهذه أرض يمكن تعويضها وإعادتها أما إذا قضي على حزب البعث ( الذي تتستر خلفه الطائفة ) فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية . وجعلوا من الخيانة ذكاء ومن الخذلان نصراً ويستغرب سامي الجندي البعثي القيادي اختيار ماخوس له لمفاوضة أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل في فرنسا قبل حرب حزيران ثم يقول لعله يريد توريطي ليضمن سكوتي .
إعلان سقوط الجولان قبل 48 ساعة من إخلائها وفق الاتفاق النصيري الإسرائيلي :
في يوم السبت العاشر من حزيران سنة 1967 أعلن وزير الدفاع السوري حافظ أسد الساعة 9.30 البلاغ العسكري رقم 66 وهذا نصه :
إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة وكان طيران العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى ،وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل ، أن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن ، كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد ستأخذ مراكزها في المعركة .
وفي اليوم نفسه الساعة 12.05 ظهراً أصدر وزير الدفاع الأسد البلاغ التالي : إن قتالاً عنيفاً لا يزال يدور داخل مدينة القنيطرة وعلى مشارفها . وأن القوات السورية مازالت حتى الآن تقاتل داخل المدينة وعلى مشارفها جنباً إلى جنب مع قوات الجيش الشعبي بكل ضراوة وصمود بحيث لم يتمكن العدو من السيطرة الكاملة على مدينة القنيطرة .(وهذا يناقض البلاغ السابق القائل بالسقوط ) ذلك لكي يخدع الناس بأن المقاومة لازالت مستمرة وأنه لم يسلمها بموجب اتفاق . علماً أن كل ما أذيع من قتال في كل البلاغات لا أساس له من الصحة لأنها سلمت دون إطلاق رصاصة واحدة وأن كل من خالف قرار الانسحاب وقاوم حوكم على مخالفته الأوامر .
وفي يوم الأحد 11 حزيران 1967 أصدر وزير الدفاع السوري حافظ أسد بلاغاً جاء فيه خلال المعارك القاسية التي جرت بين قواتنا الباسلة وقوات الاستعمار الثلاثي حاول العدو اختراق خطوط دفاعنا اكثر من مرة بكل ما يملك من أسلحة وطيران متفوق وكانت قواتنا تصد تلك الهجمات المتكررة وتقصف مواقع العدو منزلة به الدمار مما يؤكد بشكل قاطع أن دول العدوان الثلاثي تساهم في المعركة وليس إسرائيل فقط وهم الآن يتمركزون في خط الدفاع الثاني الذي يبعد عن القنيطرة 40- 55 كم يعني على أبواب دمشق ( عن سقوط الجولان صفحة 170 ) يقول الدكتور سامي الجندي أحد قادة البعث في كتابه كسرة خبز صفحة : 17 لست بحاجة إلى القول بأن سقوط القنيطرة قبل أن يحصل أمر يحار منه كل تعليل مبني على حسن النية .
ويقول : فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون مندوب سورية في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة وأن قوات إسرائيل وصلت إلى مشارف دمشق والمندوب الإسرائيلي يؤكد أن شيئاً من ذلك لم يحصل واعترف أمامي الدكتور ماخوس وزير الخارجية النصيري أن قضية سقوط القنيطرة كانت خطة مدبرة لكي يكسب تأييد الأمم المتحدة .
يقول الدكتور عبد الرحمن الأكتع وزير الصحة السوري آنذاك : كنت في جولة تفقدية في الجبهة وفي مدينة القنيطرة بالذات عند إذاعة بيان سقوط القنيطرة وظننت أن خطأً قد حدث فاتصلت بوزير الدفاع حافظ أسد وأخبرته أن القنيطرة لم تسقط ولم يقترب منها جندي واحد من العدو وأنا أتحدث من القنيطرة ودهشت حقاً حين راح وزير الدفاع يشتمني شتائم مقذعة ويهددني إن تحدثت بمثلها وتدخلت فيما لا يعنيني . فاعتذرت منه وعلمت أنها مؤامرة وعدت إلى دمشق في اليوم الثاني وقدمت استقالتي .
رواية الملك حسين : عقدت سورية مع مصر معاهدة دفاع مشترك قبل الحرب بأيام وحذت الأردن حذوها وبموجب هذه المعاهدة أصبح الفريق المصري عبد المنعم رياض قائداً للجبهة الأردنية السورية والفريق محمد فوزي رئيساً لأركان القيادة الموحدة . وانطلاقاً من هذه المهمة طلب عبد المنعم رياض من سوريا إمداد الأردن ببعض الألوية لأن سورية تستطيع حماية جبهتها بثلث قواتها يقول الملك حسين في تلك الليلة 4 حزيران استخدمنا خطوط المواصلات العسكرية في طلب الإمدادات من السوريين ولكنهم لزموا الصمت ومنذ الساعة التاسعة اتصلت قيادة العمليات بالسوريين فكان جوابهم أنهم بوغتوا بالأحداث وقمنا بطلبات متكررة لالتحاق طائرات الجيش السوري بطائرات الأردن فطلبوا إمهالهم ساعة فساعة وفي الساعة الحادية عشرة أقلعت الطائرات العراقية من قواعدها لتنضم إلى سلاحنا الجوي وتساهم بالمهمة المشتركة ويمكنني أن أوضح أن تأخر الطيران السوري في التدخل فوت علينا فرصة ذهبية كان يمكن أن ننتهزها لقلب الموقف لصالح العرب ولاستطعنا اعتراض القاذفات المعادية وهي في طريق عودتها إلى قواعدها بعد قصف القواعد المصرية وقد فرغت خزاناتها من الوقود وفقدت ذخيرتها وكان بإمكاننا مفاجأتها حتى وهي جاثمة في مطاراتها تملأ خزاناتها استعداداً لشن هجمات جديدة فلولا تأخر الطيران السوري لتبدلت نتائج المعركة وخط سيرها.
وفي الإنترنت يقول صائب بارودي وهو بعثي قومي عن حرب 1967: دخلت سوريا المعركة ووصلت قواتها صفد والحولة وتمركزت قوات منها بقيادة الضابط نورس طه تحت المرتفعات المطلة على بحيرة طبرية حتى مساء اليوم السابع وعبد الناصر يتصل بعبد الكريم الجندي ويقول له : أنا لا أثق بالآخرين يعني الأسد وجديد بوقف إطلاق النار اللعبة كبيرة وخطيرة ومصر غير قادرة على التحرك وصلاح جديد يرفض واتصل الجنرال الروسي بوزير الدفاع حافظ أسد وجديد وقال : إذا كنتم مصرين على الحرب فلابد أن تضعوا خطة وأنتم حتى الساعة لم تفعلوا شيئاً… ووضعت خطة بمعرفة السوفييت وفي صباح اليوم التاسع موعد التحرك حسب خطة السوفييت أمر وزير الدفاع حافظ أسد ترك الأسلحة والتراجع الكيفي من الجبهة وترك ترسانة حربية كبيرة لليهود مع عشرات القرى في جبل الشيخ .
رواية صحيفة النهار اللبنانية : لم تبدأ سوريا الحرب إلا صباح 6/6/1967 رغم أن سورية هي سبب الحرب وهي الداعية إليها ، واقتصرت الهجمات السورية على مستعمرات (وان- تل دان ـ كرياشوف ) ولم تخرج القوات الإسرائيلية للرد بسبب انشغالها بالقتال على باقي الجبهات وقالت الصحيفة : لم يدخل الإسرائيليين المعارك الفعلية ضد سورية إلا يوم الخميس 8/6 حيث تفرغوا لجبهتها وأضافت الصحيفة أن الإسرائيليون شنوا هجوماً شاملاً على المواقع السورية وبدل أن تقصف المدافع السورية القوات الإسرائيلية المهاجمة تابعت ضرب المستعمرات المذكورة .
أما خسائر إسرائيل فكانت 115 قتيلاً و306 جريحاً .
معظم الذين تأخروا في تنفيذ أمر الانسحاب وتدمير الأسلحة أحيلوا إلى محاكم ميدانية بدل منحهم مكافآت وشهادات تقدير منهم آمر تل عزيزيات الذي استغرب صدور هذا الأمر فما كان منه إلا أن ثبت أمام الطيران الإسرائيلي ثم بعد توقف الطيران صعدت إلى التل دبابات إسرائيلية فحاول تفجير الألغام كهربائياً فوجد الكهرباء مفصولة فضرب أول دبابة وآخر دبابة ثم دمر الباقي .
وحرك قواته دون أن يفجرها فوصل القنيطرة مركز قيادة الجيش في الصباح فلم يجد أحداً من القيادة لقد هربوا جميعاً بأمر انسحاب رسمي ولم يجد يهودياً واحداً في القنيطرة ولما وصل دمشق استدعي وحوكم ميدانياً فكسرت رتبته وسرح جزاء إخلاصه ومقاومته وعدم تدمير الأسلحة والدبابات التي لديه .
حزيران والجولان... بعد ثلاثة وثلاثين عاماً
"أسئلة واضحة.. وإجابات مبهمة" !
ـ لماذا سلّمت الجولان بلا حرب عام /1967/ ، حين كان حافظ أسد وزيراً للدفاع ، وأذاع بيان سقوط القنيطرة قبل سقوطها بساعات طويلة؟
2 ـ ما الثمن الذي دفعه نظام الحكم ووزير الدفاع أحد أركانه آنذاك للشعب السوري إزاء تسليم بقعة شاسعة من أرض الوطن بلا حرب؟
3 ـ ما الثمن الذي قُبض من اليهود ، لقاء الجولان ، ومن قبضه ، وكيف؟
4 ـ ما معنى أن يُرفَّع وزير دفاع ، سبّب لبلاده أشنع هزيمة عرفتها في تاريخها.. إلى رئيس للبلاد ، ويستمر في حكمها ثلاثين عاماً؟
5 ـ لماذا قامت حرب تشرين عام /1973/ بمبادرة وتخطيط من الرئيس الذي سلم الجولان وزيراً لاسترداد الجولان تحريرها ، ثمّ لم يحرَّر شبر منها، بل ضاعت عشرات القرى الجديدة؟
6 ـ لماذا يُطلب تحرير الجولان ، أو إعادة تسليمها إلى الجهة التي سلّمتها من قبلُ بلا حرب.. لماذا يُطلب ذلك بالكلام، مجرّد الكلام ، إذا كان معلوماً لدى عقلاء البشر جميعا ً، أن القوّة التي احتلت الأرض بمدافع الدبابات ، لن تعيدها خوفاً من "مدافع الكلام"؟
7 ـ لماذا انسحب اليهود من جنوب لبنان ، ولماذا هم مطمئنون في الجولان ، لا تفزعهم طلقة من بندقية صيد؟
8 ـ إذا كان النظام الذي استولى على مقاليد البلاد بالدبابات ، قد سلّم الجولان بلا حرب ـ وهي ليست إرثاً له من أبيه ـ فماذا يسلّم الوريث ، إذا أخذ البلاد ومن عليها وما عليها ، من بشر ودواب وشجر.. وراثة عن أبيه؟ ومن يملك أن يقول له "لا" أو أن يسأله " لماذا ".. إذا سلّم البلاد كلها ، هديّة سائغة ، أو عربون مودّة ، لجيرانه اليهود..؟
هذه الأسئلة ليست من عندنا.. فمنها ما طرحته وسائل الإعلام المختلفة.. ومنها ما طرحه أبناء شعب سورية جميعا ً، ومنها ما طرحه الواقع نفسه..
وهاهي ذي الإجابات تترى.. ليس فيها شيء من عندنا . منها ما عرضه النظام نفسه ، عبر حناجر قادته ورموزه ، أو عبر أجهزة إعلامه .. ومنها ما عرضته وسائل الإعلام المتنوعة خارج سورية.. ومنها ما لقّنه النظام لأبواقه البشريّة "المؤدلجة والمرتزقة" فردّدته عن ظهر قلب كما حفظته.. ومنها ما جاء في معرض الجدّ.. ومنها ما جاء في معرض السخرية..
الجواب الأول:
إن الجولان لم تسلّم إلى العدوّ تسليماً عام /1967/ بل أخذها العدوّ الغادر عنوة . وإن إذاعة بيان سقوط القنيطرة قبل سقوطها ، إنما جاء ت إنذاراً للجيش السوري المتمركز بينها وبين حدود فلسطين المحتلّة ، ليهرب وينجو بنفسه ، فلا تستولي عليه قوات اليهود مع أرضه وسلاحه ، اللذين أخذهما اليهود غنيمة حرب . فليس مناسباً عرفاً ولا ذوقا ، أن تؤخذ القوّة الضاربة لجيش سورية كله ، غنيمة حرب..!
2 ـ أما الثمن الذي دفعه وزير الدفاع ـ الذي سلّم الجولان ـ فهو وعده بأن يخدم شعبه وبلاده طوال عمره.. رئيساً للجمهورية.. يحمل أعباء الأمّة كلها على كاهله.. دون أن يكلّ أو يملّ.. وكلما انتهت فترة حكم من فتراته ، طلب تجديد البيعة له بكميّة من التسعات الانتخابيّة ، تزيد على الكميّة التي سبقتها.. حتى ملّ الناس هذه اللعبة ، فأوعز إلى أبواقه أن ينادوا في الأسواق: " إلى الأبد.. إلى الأبد.. يا حارس البلد.." ولقد برّ السيّد "الوزير السابق " بوعده.. وخدم بلاده وشعبه " ثلاثين حجّة " رئيساً مطلقا ً، يحمل أعباء القرارات العليا والدنيا ، وتبعاتها جميعا ً، دون أي شريك.. فأيّة عقوبة أضخم من هذه وأجلّ؟
3 ـ أما الثمن الذي قبضه شعب سورية لقاء الجولان ، فهو النصر المؤزر الذي حقّقه ضدّ دويلة إسرائيل! فلقد كان اليهود " يحلمون " بإسقاط نظام الحكم ـ بمن فيه بالطبع وزير الدفاع ـ وحين انتهت الحرب بضياع الجولان فقط ، ولم تهتز شعرة في وجه الزمرة الحاكة " الوطنية المخلصة " عُدّ هذا نصراً مؤزراً لسورية وشعبها.. " فالأرض إذا ضاعت يمكن استردادها، أما الحكم الثوري إذا سقط فإن ذلك يعدّ كارثة لسورية، وللأمّة العربية بأسرها..".!
فأبشر يا شعب سورية الحبيب.. فأمامك انتصارات قادمة ، ـ وفقاً لهذا المنطق الرائع ـ لم تحلم بمثلها أمّة عبر التاريخ الإنساني كله! وأي نصر بديع تحققه ، أجلّ من أن ترى دبابات اليهود تتجول في دير الزور والحسكة والقامشلي.. وفي الوقت نفسه ترى حكامك الأشاوس ، على صهوات كراسيّهم ، راضين باسمين، مطمئنين..!
"وبالمناسبة.. إن أبواق النظام السوري ، خارج سورية ، يعرفون هذا المنطق تماما ً، وسمعوه من قادة الحكم ورموزه في حينه ، وهو مسجّل في سائر مكاتب الأرشيف في أصقاع الدنيا.. ومع ذلك يُصرّون على الاحتطاب في حبله.. لأسباب لا يعرفها سواهم ، وسوى النظام الذي يمجدونه ، وربّما.. ربّما بعض الدوائر المغلقة ، في أوروبا ، أو أمريكا.. أو .. تلّ أبيب! نقول: ربّما.. ولسنا متأكدين .
أما كيف قبض شعب سورية ثمن الجولان.. هدايا عينيّة.. أم نقوداً سائلة..؟ بالليرة السورية.. أم بالدولار.. أم بالشيكل..!؟ فهذا علمه عند شعب سورية نفسه ، الذي ضُيّعت بلاده ، وطُلب منه أن يضيّع عقله ، حين يصدّق أن الهزيمة البشعة ، هي نصر مؤزر..!
4 ـ أما ترفيع وزير الدفاع ، إلى رئيس دولة ، فقد وردت الإجابة عليه آنفاً.. فمن يحقّق النصر، لابّد له من تكريم! وإلاّ لمَ صُنعت الأوسمة ، والنياشين ، والرتب ، والكراسي..!؟
5 ـ أما حرب تشرين " التحريريّة " فقد قامت لا لتحرير الأرض ، بل " لتحرير الإرادة "! وها قد حُررت الإرادة ـ إرادة شعب سورية بأسره ـ كأروع ما يكون التحرير..
سجناء تدمر، والمزة ، والحلبوني ، والشيخ حسن.. الذين أمضوا ربع قرن في السجون الرطبة الزنازين المعتمة.. أحرار ، في أن يسعلوا كما يشاؤون.. وأن يبصقوا من دمائهم بسبب السلّ الرئوي ما يشاؤون.. وأن يموتوا بأي مرض يحبون.. وأن يلعقوا أراضي السجون ، أو جدرانها ، من الظمأ أو الجوع ، كما يرغبون.. وأيّة حرية أروع من هذه وأجمل ، وأبدع..
ومشردو سورية ، رجالاً ونساءً.. شيوخاً وأطفالاً.. مرضى وعجزة.. أحرار كذلك في التشرد حيث يشاؤون.. في مدينة أو صحراء ، أو قرية أو غابة..
أحرار في أن يطرقوا سائر أبواب الأوطان في الدنيا ، إلاّ أبواب وطنهم..
فهل ثمّة حريّة في الدنيا ، أجلّ من هذه وأسمى!
فانعم يا شعب سورية بحرية الإرادة هذه كما تريد.. حتى تأتيك ليلة ، أو ساعة ، تعرف فيها الفرق بين إرادات الأحرار، وإرادات العبيد!
وأما ضياع القرى الجديدة من الجولان ـ في حرب تشرين التحريريّة ـ فما جاء عن عبث. بل هو مقصود ومدروس ، وذلك لتحميل العدوّ الغاصب " مسؤوليات جديدة " عن الأرض التي احتلها حديثاً ، والشعب الذي شرّده أو استعبده حديثاً.. لكي يكون الوزر في رقبته أعظم ، والحمل على كاهله أضخم ، ومسؤوليته أمام الرأي العام العالمي " أفظع "!
6 ـ أما الإصرار على تحرير الجولان " بالكلام.. مجرد الكلام " فالسبب فيه واضح ، ذلك أن ( الكلام ) هو العملة الوحيدة المتداولة في ( السلام )..
و" خيار سورية الاستراتيجي " هو السلام..
وإذا كان عدونا ما يزال يحتل بلادنا بالدبابات ، فهو حرّ بفهمه للسلام ، وفهمه هذا خاطئ بالطبع ، لكنا لا نملك أن نتحكم بإفهام العباد ونكيفها كما نشاء.. حسبنا نحن فهمنا الخاص للسلام..
إن المدافع والدبابات والطائرات والصواريخ.. كلها ( عملات ) يتداولها الناس في الحروب.. ونحن مالنا وما للحروب! لقد جربنا الحروب فما أجدت سوى ويلات ودماراً..! فلنصرّ على السلام..
ويا سلام.. ما أروع السلام!
7 ـ أما لماذا انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان ، وهي مطمئنة في الجولان..! فالسبب واضح بسيط كذلك..! إذ ماذا تأخذ الريح من البلاط كما يقول المثل الدارج. المقاومة اللبنانية ومن ورائهم عاصمة لا تخاف سقوط الحكم فيها لو ضربها اليهود ـ كما فعلوا باستمرار ـ ولو احتلوها ـ كما فعلوا حقيقة في بداية الثمانينات من هذا القرن ـ فإذا سقطت الحكومة ، قدم شعب لبنان حكومة سواها.. أما إذا سقطت الحكومة في دمشق ، فمن أين يأتي شعب سورية ، بمثلها ، أو حتى بسواها!؟
وهذه النقطة الأخيرة ، هي بيت القصيد ، وهي مربط الفرس ، وهي العقدة التي وقف عندها النجار..
وعند هذه النقطة ، تثرثر أبواق النظام ، في سورية وخارجها:
سورية.. لا تنجر إلى حرب غير مستعدّة لها..
سورية.. هي التي تحدّد المكان والزمان الذي تحارب اليهود فيه..
القيادة السورية.. أذكى من أن تعطي عدوّها ذريعة لضربها .
ولم يقل أي بوق:
إن شعب سورية عشرة أمثال شعب لبنان..
وإن جيش سورية يعدل عشرين مثلاً أو حتى خمسين مثلاً من جيش لبنان ، عدّة وعدداً..
وإن أراضي سورية وثرواتها تعدل بمئات الأضعاف ، أراضي لبنان وثرواته..
وإنّ الشعب الذي قاوم اليهود بحرب عصابات في جنوب لبنان ، يوجد شعب مقاوم ، ومضحّ مثله في جنوب سورية ، وشمالها ، وشرقها وغربها.. ويمكن أن يحرر الجولان بنصف الزمن الذي تحرر فيه جنوب لبنان ، وربما بربع التكاليف ، أو حتى عشرها.. بالنظر إلى موازين القوى المتصارعة على الأرض في حرب عصابات حدوديّة..
لم يُطرح سؤال واحد من هذه الأسئلة ، من أيّ بوق داخلي أو خارجي..
لماذا؟ لأن السؤال الذي يمحق هذه الأسئلة جميعا ً، هو: وماذا يحصل إذا ضرب اليهود دمشق ، وأسقطوا نظام الحكم فيها..!؟
هنا بالطبع يدرك شهرزاد الصباح.. فتسكت عن الكلام المباح..
8 ـ أما ماذا يسلّم الوريث ـ أو يُهدي ـ من بلادنا ، إذا وَرثنا مع بلادنا عن أبيه ، الذي سلم قطعة من البلاد دون أن يرثها.. أمّا هذا السؤال ، فالجواب عليه ، قدمه أحمد عرابي ، لشعب مصر ذات يوم ، ولشعوب الأرض جميعاً:
"لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً وعقاراً.."
المصدر: منتديات قناة صفا
يشير إدوارد شيهان في كتابه كيسنجر والإسرائيليين والعرب إلى واقعة مهمة جداً تلقي ضوءاً كاشفاً على وضع النظام والأسد وارتباطاته..
يقول شيهان في كتابه وهو مرافق كيسنجر في مكوكياته..
إن المخابرات الصهيونية كانت تتعمد عند عودة كيسنجر من دمشق إلى القدس أن تدهشه بإطلاعه على ما دار بينه وبين حافظ الأسد في دمشق كما تطلعه على مضمون الرسائل المتبادلة بين الأسد وبين الملوك والرؤساء العرب الآخرين.
فإذا علمنا أن أغلب لقاءات كيسنجر مع الأسد كانت مغلقة.. عرفنا جواب اللغز القائم في كلام شيهان وهذه شهادة أحد أركان نظام سورية الذي كان للأسد فيه الكلمة الأولى فهو وزير الدفاع وقائد الطيران والمتحكم الأول في القرار آنذاك يقول سامي الجندي في كتابه كسرة خبز ، وسامي الجندي هذا كان وزيراً للإعلام وعضو القيادة القطرية ومن مؤسسي حزب السلطة وهو الذي اعترف أنه أرسل سفيراً إلى باريس في مهمة سلمية..
لم أُخفِ أبداً أن النظام في سورية يعد لهزيمة وليس لاسترداد فلسطين نعم .. نعم.. لم تكن هناك أية بادرة للنصر، ولا أعني أنه كان يعد لهزيمة نفسه وإنما لهزيمة العرب الآخرين ، كي يبقى الثوري الوحيد سيد المناخ الثوري العربي ( من كتاب سامي الجندي كسرة خبز) .
ثم يتطرق الجندي إلى سبب اختياره للمهمة في باريس فيقول:
اختارني ماخوس وزير الخارجية السوري لهذه المهمة وهو لم يعدم الأشخاص ولا الوسيلة للاتصال بإسرائيل.. ثارت أقاويل في باريس نفسها عن أمين منظمة الحزب التابعة لدمشق وأنا ( وهنا بيت القصيد ) متأكد من اتصالات جرت عن طريق أكثر من دولة ثالثة وفي أكثر من عاصمة ( اتصال مع إسرائيل )... ولست بحاجة ـ بعد ذلك للقول إن إعلان سقوط القنيطرة ـ قبل أن يحصل السقوط ـ أمر يحار فيه كل تعليل يبنى على حسن النية. إن تداعي الأفكار البسيط يربط بين عدم وقف إطلاق النار والحدود سليمة والإلحاح بل الاستغاثة لوقفه بعد أن توغل الجيش الإسرائيلي في الجولان ، إشارة هنا إلى أن اليهود عرضوا وقف النار قبل توغلهم فرفض العرض. ونتابع أقوال السيد سامي الجندي بهذا الصدد فهي مهمة كونها صادرة عن إنسان مسؤول ومهم في النظام الذي سلم الجولان.
وعندما نتتبع فصول معركة الجولان نجد أن العسكريين الذين قاوموا اليهود فعلوا ذلك دون أوامر أما الذين صدرت إليهم الأوامر فقد انسحبوا بناء على خطة.
ترى ما هي الخطة؟.. ونتابع.. فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون في باريس مندوب سورية جورج طعمة في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة (وذلك من خلال البلاغ 66 الصادر عن وزير الدفاع حافظ الأسد) الذي أعلن وصول قوات إسرائيل إلى مشارف دمشق بينما المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة يؤكد أن شيئاً من كل ذلك لم يحصل .
فلماذا يصدر الأسد البلاغ المشؤوم قبل وصول القوات الإسرائيلية إلى القنيطرة بيومين؟
ولماذا يطلب الانسحاب الكيفي من الجيش؟
ولماذا يقول اللواء أحمد سويداني قائد الجيش السوري عندما سئل عن هذا البلاغ إنني كمسؤول عن الجيش لم استشر في البلاغ الذي أعلن سقوط القنيطرة، لقد سمعته من الإذاعة كغيري.. ؟ !
إن في طيات هذا الكلام كله الإجابة الشافية عن كنه خطة الانسحاب من دون قتال .
وهذه شهادة إبراهيم ماخوس وزير الخارجية السورية آنذاك.
ماخوس وأمام عدد كبير من المسؤولين العرب رداً على قول أحد هؤلاء المسؤولين ( إنها لفاجعة كبيرة ونحمد الله أن إحدى العواصم لم تمس ) . قال: وهل في ذلك غرابة لو حصل؟!.. إن الغريب في الأمر أن العواصم لم تسقط ، وإننا من جهتنا كنا عاملين حسابنا على أن دمشق ستسقط .
ويتساءل المرء.. كيف يصدق هذا الكلام والأسد يقول في أحد تصريحاته قبل بدء المعركة ونقلته (الثورة السورية 20/5/67): إننا أخذنا بعين الاعتبار تدخل الأسطول الأمريكي السادس.. إن معرفتي لإمكانياتنا يجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشل .
إن هذا الكلام لا ينسجم إلا إذا رتبنا كل ما قرأناه آنفاً جنباً إلى جنب فنفهم منه نحن وغيرنا أن صاحب القرار في سورية آنذاك ( والأسد على رأس ذلك القرار ) كانت له ارتباطاته المسبقة التي جعلته يحرض على المعركة قبل وقوعها ثم ليتلكأ في دخولها ، ثم ليصدر البلاغ 66 بسقوط القنيطرة والانسحاب الكيفي تنفيذاً لارتباطاته المتفق عليها.. والمرتبة تماماً بحيث تبدأ بعد ذلك عملية العد التنازلي في العلاقة مع الكيان الصهيوني لتصل الأمور في النهاية إلى ما هي عليه الآن.. مدريد وأخواتها .
رواية سعد جمعة رئيس وزراء الأردن آنذاك في كتابه المؤامرة ومعركة المصير صفحة 45 يقول : اتصل سفير دولة كبرى في دمشق في الخامس من حزيران بمسؤول حزبي كبير ودعاه إلى منزله لأمر هام في الحال ونقل له في اللقاء أنه تلقى برقية عاجلة من حكومته تؤكد قضاء الطيران الإسرائيلي على سلاح الجو المصري . وأن المعركة بين العرب وإسرائيل قد اتضحت نتائجها وأن كل مقاومة ستورث خسائر فادحة وأن إسرائيل لا تنوي مهاجمة النظام السوري بعد أن يستتب لها تأديب جمال عبد الناصر ، وبانتهاء الزعيم المصري تفتح الآفاق العربية أمام الثورية البعثية وأن إسرائيل بلد اشتراكي يعطف على التجربة الاشتراكية البعثية وخاصة العلوية إذ يمكنها أن تتعايش وتتفاعل معها لمصلحة الكادحين في البلدين ، واتصل الوسيط بقيادات البعث والنصيريين وأعلم السفير الوسيط بتجاوب كافة القيادات مع هذا التطلع .
رواية دريد مفتي الوزير المفوض في مدريد
جاء إلى سعد جمعة بمكتبه في لندن وعرفه على نفسه قائلاً قرأت كتابك المؤامرة ومعركة المصير عن جريمة تسليم مرتفعات الجولان المنيعة دون قتال والتي اقترفها جديد ـ أسد ـ ماخوس ، وأحب أن أزيدك بياناً فقال : يوم كنت وزيراً مفوضاً لسورية في مدريد استدعاني وزير خارجية إسبانيا لمقابلته صباح 28/7/1967م وأعلمني ووجهه يطفح سروراً أن مساعيه الطيبة أثمرت لدى أصدقائه الأمريكان بناء على تكليف السيد ماخوس البعثي النصيري ، ثم سلمني مذكرة تتضمن ما يلي : تهدي وزارة الخارجية الإسبانية تحياتها إلى السفارة السورية عبر وسيطها ، وتعلمها أنها نقلت رغبة الخارجية السورية إلى الجهات الأمريكية المختصة بأنها ترغب بالمحافظة على الحالة الناجمة عن حرب حزيران 1967 وأنه ينقل رأي الأمريكان بأن ذلك ممكن إذا حافظت سورية على هدوء المنطقة وسمحت لسكان الجولان بالهجرة من موطنهم والاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري وتعهدت بعدم القيام بنشاطات تخريبية من جهتها تعكر الوضع الراهن ( عن مجتمع الكراهية لسعد جمعة صفحة 130 ) ثم تابعوا دريد مفتي إلى لبنان وقتلوه لأنه أذاع هذا السر ولم يرض الخيانة ، ودريد ضابط بعثي سني من أريحا السورية ، نعم لقد رضيت القيادة البعثية النصيرية أن تسلم الجولان الحصين المتحكم في الأراضي المحتلة وتهجير أهله لعدة أسباب :
1ـ لا قيمة لجزء من الأرض لقاء حفاظهم على كرسي الحكم.
2 ـ لأن الجيش معظمه من الطائفة وهم حريصون على أرواحهم أن تزهق في الحرب.
3 ـ أن معظم الضباط السنيين المؤهلين فنياً قد سرحوا لأنهم ليسوا نصيريين لذا كان لابد من الاستجابة لطلب إسرائيل فسلمها الجولان لقاء البقاء على الكرسي .
قال لي إبراهيم ماخوس وزير الخارجية النصيري ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق أو حتى حمص وحلب فهذه أرض يمكن تعويضها وإعادتها أما إذا قضي على حزب البعث ( الذي تتستر خلفه الطائفة ) فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية . وجعلوا من الخيانة ذكاء ومن الخذلان نصراً ويستغرب سامي الجندي البعثي القيادي اختيار ماخوس له لمفاوضة أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل في فرنسا قبل حرب حزيران ثم يقول لعله يريد توريطي ليضمن سكوتي .
إعلان سقوط الجولان قبل 48 ساعة من إخلائها وفق الاتفاق النصيري الإسرائيلي :
في يوم السبت العاشر من حزيران سنة 1967 أعلن وزير الدفاع السوري حافظ أسد الساعة 9.30 البلاغ العسكري رقم 66 وهذا نصه :
إن القوات الإسرائيلية استولت على القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة وكان طيران العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى ،وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل ، أن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن ، كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد ستأخذ مراكزها في المعركة .
وفي اليوم نفسه الساعة 12.05 ظهراً أصدر وزير الدفاع الأسد البلاغ التالي : إن قتالاً عنيفاً لا يزال يدور داخل مدينة القنيطرة وعلى مشارفها . وأن القوات السورية مازالت حتى الآن تقاتل داخل المدينة وعلى مشارفها جنباً إلى جنب مع قوات الجيش الشعبي بكل ضراوة وصمود بحيث لم يتمكن العدو من السيطرة الكاملة على مدينة القنيطرة .(وهذا يناقض البلاغ السابق القائل بالسقوط ) ذلك لكي يخدع الناس بأن المقاومة لازالت مستمرة وأنه لم يسلمها بموجب اتفاق . علماً أن كل ما أذيع من قتال في كل البلاغات لا أساس له من الصحة لأنها سلمت دون إطلاق رصاصة واحدة وأن كل من خالف قرار الانسحاب وقاوم حوكم على مخالفته الأوامر .
وفي يوم الأحد 11 حزيران 1967 أصدر وزير الدفاع السوري حافظ أسد بلاغاً جاء فيه خلال المعارك القاسية التي جرت بين قواتنا الباسلة وقوات الاستعمار الثلاثي حاول العدو اختراق خطوط دفاعنا اكثر من مرة بكل ما يملك من أسلحة وطيران متفوق وكانت قواتنا تصد تلك الهجمات المتكررة وتقصف مواقع العدو منزلة به الدمار مما يؤكد بشكل قاطع أن دول العدوان الثلاثي تساهم في المعركة وليس إسرائيل فقط وهم الآن يتمركزون في خط الدفاع الثاني الذي يبعد عن القنيطرة 40- 55 كم يعني على أبواب دمشق ( عن سقوط الجولان صفحة 170 ) يقول الدكتور سامي الجندي أحد قادة البعث في كتابه كسرة خبز صفحة : 17 لست بحاجة إلى القول بأن سقوط القنيطرة قبل أن يحصل أمر يحار منه كل تعليل مبني على حسن النية .
ويقول : فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون مندوب سورية في الأمم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة وأن قوات إسرائيل وصلت إلى مشارف دمشق والمندوب الإسرائيلي يؤكد أن شيئاً من ذلك لم يحصل واعترف أمامي الدكتور ماخوس وزير الخارجية النصيري أن قضية سقوط القنيطرة كانت خطة مدبرة لكي يكسب تأييد الأمم المتحدة .
يقول الدكتور عبد الرحمن الأكتع وزير الصحة السوري آنذاك : كنت في جولة تفقدية في الجبهة وفي مدينة القنيطرة بالذات عند إذاعة بيان سقوط القنيطرة وظننت أن خطأً قد حدث فاتصلت بوزير الدفاع حافظ أسد وأخبرته أن القنيطرة لم تسقط ولم يقترب منها جندي واحد من العدو وأنا أتحدث من القنيطرة ودهشت حقاً حين راح وزير الدفاع يشتمني شتائم مقذعة ويهددني إن تحدثت بمثلها وتدخلت فيما لا يعنيني . فاعتذرت منه وعلمت أنها مؤامرة وعدت إلى دمشق في اليوم الثاني وقدمت استقالتي .
رواية الملك حسين : عقدت سورية مع مصر معاهدة دفاع مشترك قبل الحرب بأيام وحذت الأردن حذوها وبموجب هذه المعاهدة أصبح الفريق المصري عبد المنعم رياض قائداً للجبهة الأردنية السورية والفريق محمد فوزي رئيساً لأركان القيادة الموحدة . وانطلاقاً من هذه المهمة طلب عبد المنعم رياض من سوريا إمداد الأردن ببعض الألوية لأن سورية تستطيع حماية جبهتها بثلث قواتها يقول الملك حسين في تلك الليلة 4 حزيران استخدمنا خطوط المواصلات العسكرية في طلب الإمدادات من السوريين ولكنهم لزموا الصمت ومنذ الساعة التاسعة اتصلت قيادة العمليات بالسوريين فكان جوابهم أنهم بوغتوا بالأحداث وقمنا بطلبات متكررة لالتحاق طائرات الجيش السوري بطائرات الأردن فطلبوا إمهالهم ساعة فساعة وفي الساعة الحادية عشرة أقلعت الطائرات العراقية من قواعدها لتنضم إلى سلاحنا الجوي وتساهم بالمهمة المشتركة ويمكنني أن أوضح أن تأخر الطيران السوري في التدخل فوت علينا فرصة ذهبية كان يمكن أن ننتهزها لقلب الموقف لصالح العرب ولاستطعنا اعتراض القاذفات المعادية وهي في طريق عودتها إلى قواعدها بعد قصف القواعد المصرية وقد فرغت خزاناتها من الوقود وفقدت ذخيرتها وكان بإمكاننا مفاجأتها حتى وهي جاثمة في مطاراتها تملأ خزاناتها استعداداً لشن هجمات جديدة فلولا تأخر الطيران السوري لتبدلت نتائج المعركة وخط سيرها.
وفي الإنترنت يقول صائب بارودي وهو بعثي قومي عن حرب 1967: دخلت سوريا المعركة ووصلت قواتها صفد والحولة وتمركزت قوات منها بقيادة الضابط نورس طه تحت المرتفعات المطلة على بحيرة طبرية حتى مساء اليوم السابع وعبد الناصر يتصل بعبد الكريم الجندي ويقول له : أنا لا أثق بالآخرين يعني الأسد وجديد بوقف إطلاق النار اللعبة كبيرة وخطيرة ومصر غير قادرة على التحرك وصلاح جديد يرفض واتصل الجنرال الروسي بوزير الدفاع حافظ أسد وجديد وقال : إذا كنتم مصرين على الحرب فلابد أن تضعوا خطة وأنتم حتى الساعة لم تفعلوا شيئاً… ووضعت خطة بمعرفة السوفييت وفي صباح اليوم التاسع موعد التحرك حسب خطة السوفييت أمر وزير الدفاع حافظ أسد ترك الأسلحة والتراجع الكيفي من الجبهة وترك ترسانة حربية كبيرة لليهود مع عشرات القرى في جبل الشيخ .
رواية صحيفة النهار اللبنانية : لم تبدأ سوريا الحرب إلا صباح 6/6/1967 رغم أن سورية هي سبب الحرب وهي الداعية إليها ، واقتصرت الهجمات السورية على مستعمرات (وان- تل دان ـ كرياشوف ) ولم تخرج القوات الإسرائيلية للرد بسبب انشغالها بالقتال على باقي الجبهات وقالت الصحيفة : لم يدخل الإسرائيليين المعارك الفعلية ضد سورية إلا يوم الخميس 8/6 حيث تفرغوا لجبهتها وأضافت الصحيفة أن الإسرائيليون شنوا هجوماً شاملاً على المواقع السورية وبدل أن تقصف المدافع السورية القوات الإسرائيلية المهاجمة تابعت ضرب المستعمرات المذكورة .
أما خسائر إسرائيل فكانت 115 قتيلاً و306 جريحاً .
معظم الذين تأخروا في تنفيذ أمر الانسحاب وتدمير الأسلحة أحيلوا إلى محاكم ميدانية بدل منحهم مكافآت وشهادات تقدير منهم آمر تل عزيزيات الذي استغرب صدور هذا الأمر فما كان منه إلا أن ثبت أمام الطيران الإسرائيلي ثم بعد توقف الطيران صعدت إلى التل دبابات إسرائيلية فحاول تفجير الألغام كهربائياً فوجد الكهرباء مفصولة فضرب أول دبابة وآخر دبابة ثم دمر الباقي .
وحرك قواته دون أن يفجرها فوصل القنيطرة مركز قيادة الجيش في الصباح فلم يجد أحداً من القيادة لقد هربوا جميعاً بأمر انسحاب رسمي ولم يجد يهودياً واحداً في القنيطرة ولما وصل دمشق استدعي وحوكم ميدانياً فكسرت رتبته وسرح جزاء إخلاصه ومقاومته وعدم تدمير الأسلحة والدبابات التي لديه .
حزيران والجولان... بعد ثلاثة وثلاثين عاماً
"أسئلة واضحة.. وإجابات مبهمة" !
ـ لماذا سلّمت الجولان بلا حرب عام /1967/ ، حين كان حافظ أسد وزيراً للدفاع ، وأذاع بيان سقوط القنيطرة قبل سقوطها بساعات طويلة؟
2 ـ ما الثمن الذي دفعه نظام الحكم ووزير الدفاع أحد أركانه آنذاك للشعب السوري إزاء تسليم بقعة شاسعة من أرض الوطن بلا حرب؟
3 ـ ما الثمن الذي قُبض من اليهود ، لقاء الجولان ، ومن قبضه ، وكيف؟
4 ـ ما معنى أن يُرفَّع وزير دفاع ، سبّب لبلاده أشنع هزيمة عرفتها في تاريخها.. إلى رئيس للبلاد ، ويستمر في حكمها ثلاثين عاماً؟
5 ـ لماذا قامت حرب تشرين عام /1973/ بمبادرة وتخطيط من الرئيس الذي سلم الجولان وزيراً لاسترداد الجولان تحريرها ، ثمّ لم يحرَّر شبر منها، بل ضاعت عشرات القرى الجديدة؟
6 ـ لماذا يُطلب تحرير الجولان ، أو إعادة تسليمها إلى الجهة التي سلّمتها من قبلُ بلا حرب.. لماذا يُطلب ذلك بالكلام، مجرّد الكلام ، إذا كان معلوماً لدى عقلاء البشر جميعا ً، أن القوّة التي احتلت الأرض بمدافع الدبابات ، لن تعيدها خوفاً من "مدافع الكلام"؟
7 ـ لماذا انسحب اليهود من جنوب لبنان ، ولماذا هم مطمئنون في الجولان ، لا تفزعهم طلقة من بندقية صيد؟
8 ـ إذا كان النظام الذي استولى على مقاليد البلاد بالدبابات ، قد سلّم الجولان بلا حرب ـ وهي ليست إرثاً له من أبيه ـ فماذا يسلّم الوريث ، إذا أخذ البلاد ومن عليها وما عليها ، من بشر ودواب وشجر.. وراثة عن أبيه؟ ومن يملك أن يقول له "لا" أو أن يسأله " لماذا ".. إذا سلّم البلاد كلها ، هديّة سائغة ، أو عربون مودّة ، لجيرانه اليهود..؟
هذه الأسئلة ليست من عندنا.. فمنها ما طرحته وسائل الإعلام المختلفة.. ومنها ما طرحه أبناء شعب سورية جميعا ً، ومنها ما طرحه الواقع نفسه..
وهاهي ذي الإجابات تترى.. ليس فيها شيء من عندنا . منها ما عرضه النظام نفسه ، عبر حناجر قادته ورموزه ، أو عبر أجهزة إعلامه .. ومنها ما عرضته وسائل الإعلام المتنوعة خارج سورية.. ومنها ما لقّنه النظام لأبواقه البشريّة "المؤدلجة والمرتزقة" فردّدته عن ظهر قلب كما حفظته.. ومنها ما جاء في معرض الجدّ.. ومنها ما جاء في معرض السخرية..
الجواب الأول:
إن الجولان لم تسلّم إلى العدوّ تسليماً عام /1967/ بل أخذها العدوّ الغادر عنوة . وإن إذاعة بيان سقوط القنيطرة قبل سقوطها ، إنما جاء ت إنذاراً للجيش السوري المتمركز بينها وبين حدود فلسطين المحتلّة ، ليهرب وينجو بنفسه ، فلا تستولي عليه قوات اليهود مع أرضه وسلاحه ، اللذين أخذهما اليهود غنيمة حرب . فليس مناسباً عرفاً ولا ذوقا ، أن تؤخذ القوّة الضاربة لجيش سورية كله ، غنيمة حرب..!
2 ـ أما الثمن الذي دفعه وزير الدفاع ـ الذي سلّم الجولان ـ فهو وعده بأن يخدم شعبه وبلاده طوال عمره.. رئيساً للجمهورية.. يحمل أعباء الأمّة كلها على كاهله.. دون أن يكلّ أو يملّ.. وكلما انتهت فترة حكم من فتراته ، طلب تجديد البيعة له بكميّة من التسعات الانتخابيّة ، تزيد على الكميّة التي سبقتها.. حتى ملّ الناس هذه اللعبة ، فأوعز إلى أبواقه أن ينادوا في الأسواق: " إلى الأبد.. إلى الأبد.. يا حارس البلد.." ولقد برّ السيّد "الوزير السابق " بوعده.. وخدم بلاده وشعبه " ثلاثين حجّة " رئيساً مطلقا ً، يحمل أعباء القرارات العليا والدنيا ، وتبعاتها جميعا ً، دون أي شريك.. فأيّة عقوبة أضخم من هذه وأجلّ؟
3 ـ أما الثمن الذي قبضه شعب سورية لقاء الجولان ، فهو النصر المؤزر الذي حقّقه ضدّ دويلة إسرائيل! فلقد كان اليهود " يحلمون " بإسقاط نظام الحكم ـ بمن فيه بالطبع وزير الدفاع ـ وحين انتهت الحرب بضياع الجولان فقط ، ولم تهتز شعرة في وجه الزمرة الحاكة " الوطنية المخلصة " عُدّ هذا نصراً مؤزراً لسورية وشعبها.. " فالأرض إذا ضاعت يمكن استردادها، أما الحكم الثوري إذا سقط فإن ذلك يعدّ كارثة لسورية، وللأمّة العربية بأسرها..".!
فأبشر يا شعب سورية الحبيب.. فأمامك انتصارات قادمة ، ـ وفقاً لهذا المنطق الرائع ـ لم تحلم بمثلها أمّة عبر التاريخ الإنساني كله! وأي نصر بديع تحققه ، أجلّ من أن ترى دبابات اليهود تتجول في دير الزور والحسكة والقامشلي.. وفي الوقت نفسه ترى حكامك الأشاوس ، على صهوات كراسيّهم ، راضين باسمين، مطمئنين..!
"وبالمناسبة.. إن أبواق النظام السوري ، خارج سورية ، يعرفون هذا المنطق تماما ً، وسمعوه من قادة الحكم ورموزه في حينه ، وهو مسجّل في سائر مكاتب الأرشيف في أصقاع الدنيا.. ومع ذلك يُصرّون على الاحتطاب في حبله.. لأسباب لا يعرفها سواهم ، وسوى النظام الذي يمجدونه ، وربّما.. ربّما بعض الدوائر المغلقة ، في أوروبا ، أو أمريكا.. أو .. تلّ أبيب! نقول: ربّما.. ولسنا متأكدين .
أما كيف قبض شعب سورية ثمن الجولان.. هدايا عينيّة.. أم نقوداً سائلة..؟ بالليرة السورية.. أم بالدولار.. أم بالشيكل..!؟ فهذا علمه عند شعب سورية نفسه ، الذي ضُيّعت بلاده ، وطُلب منه أن يضيّع عقله ، حين يصدّق أن الهزيمة البشعة ، هي نصر مؤزر..!
4 ـ أما ترفيع وزير الدفاع ، إلى رئيس دولة ، فقد وردت الإجابة عليه آنفاً.. فمن يحقّق النصر، لابّد له من تكريم! وإلاّ لمَ صُنعت الأوسمة ، والنياشين ، والرتب ، والكراسي..!؟
5 ـ أما حرب تشرين " التحريريّة " فقد قامت لا لتحرير الأرض ، بل " لتحرير الإرادة "! وها قد حُررت الإرادة ـ إرادة شعب سورية بأسره ـ كأروع ما يكون التحرير..
سجناء تدمر، والمزة ، والحلبوني ، والشيخ حسن.. الذين أمضوا ربع قرن في السجون الرطبة الزنازين المعتمة.. أحرار ، في أن يسعلوا كما يشاؤون.. وأن يبصقوا من دمائهم بسبب السلّ الرئوي ما يشاؤون.. وأن يموتوا بأي مرض يحبون.. وأن يلعقوا أراضي السجون ، أو جدرانها ، من الظمأ أو الجوع ، كما يرغبون.. وأيّة حرية أروع من هذه وأجمل ، وأبدع..
ومشردو سورية ، رجالاً ونساءً.. شيوخاً وأطفالاً.. مرضى وعجزة.. أحرار كذلك في التشرد حيث يشاؤون.. في مدينة أو صحراء ، أو قرية أو غابة..
أحرار في أن يطرقوا سائر أبواب الأوطان في الدنيا ، إلاّ أبواب وطنهم..
فهل ثمّة حريّة في الدنيا ، أجلّ من هذه وأسمى!
فانعم يا شعب سورية بحرية الإرادة هذه كما تريد.. حتى تأتيك ليلة ، أو ساعة ، تعرف فيها الفرق بين إرادات الأحرار، وإرادات العبيد!
وأما ضياع القرى الجديدة من الجولان ـ في حرب تشرين التحريريّة ـ فما جاء عن عبث. بل هو مقصود ومدروس ، وذلك لتحميل العدوّ الغاصب " مسؤوليات جديدة " عن الأرض التي احتلها حديثاً ، والشعب الذي شرّده أو استعبده حديثاً.. لكي يكون الوزر في رقبته أعظم ، والحمل على كاهله أضخم ، ومسؤوليته أمام الرأي العام العالمي " أفظع "!
6 ـ أما الإصرار على تحرير الجولان " بالكلام.. مجرد الكلام " فالسبب فيه واضح ، ذلك أن ( الكلام ) هو العملة الوحيدة المتداولة في ( السلام )..
و" خيار سورية الاستراتيجي " هو السلام..
وإذا كان عدونا ما يزال يحتل بلادنا بالدبابات ، فهو حرّ بفهمه للسلام ، وفهمه هذا خاطئ بالطبع ، لكنا لا نملك أن نتحكم بإفهام العباد ونكيفها كما نشاء.. حسبنا نحن فهمنا الخاص للسلام..
إن المدافع والدبابات والطائرات والصواريخ.. كلها ( عملات ) يتداولها الناس في الحروب.. ونحن مالنا وما للحروب! لقد جربنا الحروب فما أجدت سوى ويلات ودماراً..! فلنصرّ على السلام..
ويا سلام.. ما أروع السلام!
7 ـ أما لماذا انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان ، وهي مطمئنة في الجولان..! فالسبب واضح بسيط كذلك..! إذ ماذا تأخذ الريح من البلاط كما يقول المثل الدارج. المقاومة اللبنانية ومن ورائهم عاصمة لا تخاف سقوط الحكم فيها لو ضربها اليهود ـ كما فعلوا باستمرار ـ ولو احتلوها ـ كما فعلوا حقيقة في بداية الثمانينات من هذا القرن ـ فإذا سقطت الحكومة ، قدم شعب لبنان حكومة سواها.. أما إذا سقطت الحكومة في دمشق ، فمن أين يأتي شعب سورية ، بمثلها ، أو حتى بسواها!؟
وهذه النقطة الأخيرة ، هي بيت القصيد ، وهي مربط الفرس ، وهي العقدة التي وقف عندها النجار..
وعند هذه النقطة ، تثرثر أبواق النظام ، في سورية وخارجها:
سورية.. لا تنجر إلى حرب غير مستعدّة لها..
سورية.. هي التي تحدّد المكان والزمان الذي تحارب اليهود فيه..
القيادة السورية.. أذكى من أن تعطي عدوّها ذريعة لضربها .
ولم يقل أي بوق:
إن شعب سورية عشرة أمثال شعب لبنان..
وإن جيش سورية يعدل عشرين مثلاً أو حتى خمسين مثلاً من جيش لبنان ، عدّة وعدداً..
وإن أراضي سورية وثرواتها تعدل بمئات الأضعاف ، أراضي لبنان وثرواته..
وإنّ الشعب الذي قاوم اليهود بحرب عصابات في جنوب لبنان ، يوجد شعب مقاوم ، ومضحّ مثله في جنوب سورية ، وشمالها ، وشرقها وغربها.. ويمكن أن يحرر الجولان بنصف الزمن الذي تحرر فيه جنوب لبنان ، وربما بربع التكاليف ، أو حتى عشرها.. بالنظر إلى موازين القوى المتصارعة على الأرض في حرب عصابات حدوديّة..
لم يُطرح سؤال واحد من هذه الأسئلة ، من أيّ بوق داخلي أو خارجي..
لماذا؟ لأن السؤال الذي يمحق هذه الأسئلة جميعا ً، هو: وماذا يحصل إذا ضرب اليهود دمشق ، وأسقطوا نظام الحكم فيها..!؟
هنا بالطبع يدرك شهرزاد الصباح.. فتسكت عن الكلام المباح..
8 ـ أما ماذا يسلّم الوريث ـ أو يُهدي ـ من بلادنا ، إذا وَرثنا مع بلادنا عن أبيه ، الذي سلم قطعة من البلاد دون أن يرثها.. أمّا هذا السؤال ، فالجواب عليه ، قدمه أحمد عرابي ، لشعب مصر ذات يوم ، ولشعوب الأرض جميعاً:
"لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً وعقاراً.."
المصدر: منتديات قناة صفا