المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نَظَرات نقديّة للبرمجة اللغويّة العصبيّة


ابوحمدان
08-23-2010, 09:16 PM
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله



مدخل بدأ ارتباطي ومعرفتي بحقل البرمجة اللغويّة العصبيّة (البرمجة اختصارًا) منذ أحد عشر عامًا، حيث بدأت رحلتي معها بقراءة كتاب عن البرمجة اللغوية العصبية وضعه الصديق الدكتور محمد التكريتي، وبعد فراغي من الكتاب والتأمل في تقنيات البرمجة المقترحة أحسست أنّه

ومما أزعجني في البرمجة أنّها تعتمد على المنهج النّفعيّ (سيأتي توضيح ذلك بالتفصيل) وغيرها من الأمور. والحقيقة أنّني حينذاك لم أكنْ على دراية بالأسس الفلسفيّة للبرمجة لعدم وقوفي على المصادر الأصليّة لها، حيث إنّها لم تكن البرمجة من جملة اهتماماتي الأساسيّة، فذهبت بضع سنوات وأنا أحمل ذات القناعات حيال البرمجة، وكنت طيلة تلك الفترة أسرب بعض قناعاتي "المبدئية" لبعض الأصدقاء وأجد تفاوتًا في الآراء.
ثم ما لبثت البرمجة أن انتشرت بشكل لم يكن يخطر على بالي (مع أنّني مصرّ على أنّها موضة أو هكذا يجب أنْ تكون!)، فتنافست مراكز التدريب وكثير من المدربين المرموقين في العالم العربيّ على التبشير بها، وجعلت جحافل الترويج للبرمجة تقرع كلّ أذن وتقع على كلّ عين، واحتدم النقاش بين مؤيّدين ومعارضين، وتوقف قوم، فلا هم من هؤلاء ولا من هؤلاء، ومع شيء من القراءة والنّقاش اتضح لي معالم جديدة في البرمجة زادت من مخاوفي السابقة، فقررت أن أبدأ رحلة أخرى مع البرمجة، رحلة أكثر عمقًا تمكّنني من الوقوف على جوهرها، فكان لزامًا عليّ أنْ أبدأ بالفلسفة التي تقوم عليها البرمجة، مرورًا بأطرها الثقافيّة والنفسيّة.
ولقد خلصت بعد ذلك إلى كتابة بحث نقديّ تضمن بعض النتائج التي رأيت أنّها جديرة بالطرح والنقاش في الساحة الثقافيّة، علّها تكون معينًا لنا على الوصول إلى الحقيقة تجاه البرمجة بكل تجرّد وموضوعيّة. ولقد حرصت على صياغة البحث بأسلوب علميّ سهل، ولذا فإنّني أرجو أنْ يجده القارئ "خفيف الظلّ"، مع التأكيد على أنّ قراءة موضوع كهذا يجب أنْ تتلبّس بالتأنّي والتأمّل.


مقدّمات حول البحث

تحاول هذه المقالة ممارسة العمل النقديّ لحقل البرمجة من حيث المنطلقات والآثار و الانعكاسات. وفي هذه الممارسة النقديّة سيتمّ التركيز على الأسس التالية:

1- الأُسس الفلسفيّة والمنهجيّة للبرمجة.

2- الأُسس الثقافيّة للبرمجة.

3- الأُسس النفسيّة.

وقبل البدء بمناقشة هذه المحاور يتعين علينا الإشارة إلى بعض القضايا الهامّة التي تشكل إطارًا يساعد على فهم الممارسة النقديّة في هذه الورقة البحثيّة.

<!--[if !supportLists]-->أ‌- <!--[endif]-->العمل النقديّ في هذه الورقة يؤمن بوجوب دوران الحركة النقديّة في فلك التحليل الحضاريّ، الذي يتفهم تموضع ووظيفة الثقافة في مسار التحضّر، ويدرك سير الأمة وتقلباتها في هذا المسار. ومع استفراغ الوسع للتلبّس بهذه الصّفة، لا تدّعي هذه الورقة أنّها حقّقت نجاحًا كبيرًا في القيام بهذه المهمة العسيرة. ونحن في هذا السياق نؤكّد على أهميّة وجود محاولات جادّة في سبيل رسم الإطار النظريّ والمفاهيميّ للحركة النقديّة الثقافيّة الحضاريّة (2).

ب- إنّ الممارسة النقديّة للبرمجة ستوجه بشكل رئيس إلى إطارها وفلسفتها ونسقها العام دون ملامسة تفاصيلها وتقنياتها وطرقها العمليّة، إلا على سبيل إيراد بعض الأمثلة والشواهد على ما نسوقه في هذه الممارسة النقديّة.
ت- إنّ هذه الممارسة لا تدّعي الإتيان على كافة القضايا المهمة المتعلقة بحقل البرمجة، وذلك طلبًا للاختصار والتركيز، مع الإشارة إلى أهميّة وجود دراسات أكثر شمولاً وعمقًا.
ث- اتّكأ هذا العمل النقديّ على مقولات ورؤى وفلسفة منظري الحقل، ممن يشهد لهم بالريادة والتأثير النظريّ والعمليّ على حقل البرمجة.

ج- تناول العمل النقديّ بعض الجوانب المتعلقة بالمتخصصين في البرمجة في العالم العربيّ الإسلاميّ، دون الدخول في مناقشة تفصيليّة لآرائهم حيال البرمجة فلسفيًا ونظريًا مع إيمان الباحث بأهميّة ذلك لانطواء بعضها على ما يستوجب العمل النقديّ الجادّ.

ح- في هذه الممارسة نثبت النصّ الإنجليزيّ لبعض القضايا الهامة بجانب الترجمة العربيّة وذلك للتوثيق العلميّ، والتأكّد من مدى وجود فهم مشترك للنّص.


وبعد هذه المقدمة المختصرة، يتعين علينا البدء بتعريف حقل البرمجة كي يكون ذلك منطلقًا لفهم واستيعاب بنية الحقل وفلسفته وأهدافه ومنهجيّته وتطبيقاته ومجالاته.


ما هي البرمجة اللغويّة العصبيّة؟

البرمجة حقل معرفي نشأ وتبلور في السبعينيّات الميلاديّة على أيدي مجموعة من المنظّرين والفلاسفة الغربيّين أبرزهما على الإطلاق "ريتشارد باندلر" و"جون قريندر(3)" Richard Bandler & John Grinder ، وشاركهما في تأسيس وتأطير وتطوير الحقل جملة من المنظرين الآخرين أمثال "روبرت ديلتس" و (4)"جوديث ديلوزير" Rober Dilts & Judith Delozier,. مع أنّه يجب أنْ نأخذ في الاعتبار أنّ هذا الحقل قد تأسس على بعض الرّؤى الفلسفيّة لمجموعة أخرى من الفلاسفة الغربيّين (5). حقل البرمجة يتعاطى مع الظواهر الإنسانيّة من خلال ثلاثة مكوّنات هي: الجهاز العصبيّ Neuro واللّغة ******************************** و البرمجة Programming، وهذه المكوّنات الأساسيّة أعطت للحقل اسمه المعروف البرمجة اللغويّة العصبيّة Neuro-Linguistic Programming (NLP) . ولعلنا نورد هنا بعض التعريفات للبرمجة، مع حرصنا على إثبات تعريفات كبار منظّري وفلاسفة حقل البرمجة. يعرف ريتشارد باندلر البرمجة بقوله:
" إنّ البرمجة اللغويّة العصبيّة هي اتجاه (أو توجه) و منهجيّة يخلفان أثرًا من جراء تطبيق بعض التقنيات"
“NLP is an attitude and a methodology, which leave behind a trail of techniques”(6)
في حين يذهب روبرت ديلتس أن "البرمجة اللغويّة العصبيّة هي كل ما يحقق النتائج"
“ NLP is whatever works” (7)

ويعضد هذه المعاني ما جاء في موسوعة البرمجة (8) المعدة من قبل اثنين من أبرز روّاد ومنظري البرمجة وهما "روبرت ديلتس" و "جوديث ديلوزير"، حيث يقولون : إنّ البرمجة اللغويّة العصبيّة مدرسة فكريّة نفعيّة – فلسفة للعلوم تعالج المستويات المتعددة في الإطار الإنسانيّ"

“NLP is a pragmatic school of thought - an 'epistemology' - that addresses the many levels involved in being human”(9) .

نقد الأساس الفلسفيّ

نقد الأُسس الفلسفيّة والمنهجيّة للبرمجة


تتمحور نظريّة المعرفة أو الابستمولوجيا أو ما يمكننا تسميته بـ"المعرفيّات" في جوهر التساؤل الفلسفيّ الكبير "عمّا يمكن اعتباره علمًا أو معرفة صحيحة، دقيقة، موضوعيّة"، وحتى لا يعترض علينا البعض ممّن لا يرى، ولا يسلّم بأنّ صفات الصّحة والدّقة والموضوعيّة هي السّمات الأساسيّة للمعرفة الإنسانيّة؛ دعونا نقل "المعرفة الإنسانيّة التي ُيرى أنّها قابلة للتفعيل في المحيط الاجتماعيّ اعتماداً على أسس يتّفق عليها مجموعة من الباحثين". ومدخل المعرفيّات – متجسدًا بذلك السؤال الضخم - يستدعي بالضرورة وضع تعريف ضابط لـ "العلم" أو "المعرفة"، وتحديد - من ثم - وسائل الحصول على المعلومات التي تشكل بنية هذا العلم أو المعرفة، وكل هذا يجب أنْ يشتمل على تأطير حدود هذا العلم أو المعرفة وتحديد صفات الرديء منه والجيّد. وهذا السؤال بذاته مبحث فلسفيّ كبير لا يسعنا الخوض فيه، بل وليس ثمّة حاجة إلى ذلك أصلاً في بحثنا هذا. إذن ما يهمّنا هنا هو الإشارة على عجالة إلى أهم الأسس الفلسفيّة المعرفيّة التي أرى أنّ حقل البرمجة قد تأسّس عليها.


البرمجة والفلسفة البراغماتيّة

يقوم هذا الحقل على ما يسمى بالمنهج النّفعيّ "البراغماتي" Pragmatic Approach ، وهو المدخل الذي يرى أنّ النّفعيّة هي المعيار لتحديد المعرفة الإنسانيّة الصّحيحة الدّقيقة أو التي تمتلك مقوّمات التفعيل في المحيط الاجتماعيّ. إنّه منهج مشابه لمن يتعاطى العلاج بالأعشاب، فكلّ عشب ينفع مع مريض يمكن أن ينفع مع الآخر المشابه في الأعراض والشكوى، دون إخضاعه للتجربة بضوابطها المنهجيّة المحكمة. وكذلك يفعل المتخصصون في البرمجة اللغويّة العصبيّة "أو البرمجيّون - اختصارًا" إذ إنّهم يطبّقون كلّ نموذج "يعمل" دون النّظر في منطلقاته الفلسفيّة والفكريّة أو صحّته التّجريبيّة. بل إنّ منظّري البرمجة يعدون هذا واحدًا من أهمّ مزاياها حيث يقول أصحاب موسوعة البرمجة "روبرت ديلتس" و "جوديث ديلوزير" ما نصه:

“Perhaps the most important aspect of NLP is its emphasis on practicality” (10).

وهنا قد يثور تساؤل جوهريّ بل أكثر مفاده :

<!--[if !supportLists]-->- <!--[endif]-->ما الخطأ في هذا المنهج النّفعيّ الذي يتبناه حقل البرمجة؟

- وهل سلم المنهج العلميّ من الأخطاء، حتى نحاكم الحقول المعرفيّة له ونحكمها بها؟

<!--[if !supportLists]-->- <!--[endif]-->يمكننا تقديم الإجابة على الشطر الثاني من السؤال - لاعتبارات منطقيّة – وذلك بالقول: إنّ المنهج العلميّ باعتباره فكرًا إنسانيًا لا يمكن الزّعم مطلقًا بخلوّه من المثالب والعيوب والصعوبات فلسفيًّا ومنهجيًّا وعمليًّا، غير أنّه أسلم المناهج الذي يمكّننا من الحصول على المعارف الإنسانيّة واختبارها وتجريبها وإنضاجها فلسفيًّا أو علميًّا أو معًا، وربّما تتّضح معالم هذا التميّز والتفوّق من خلال استعراضنا لبعض مثالب وعيوب ونتائج تبنّي المنهج النّفعيّ في الحقول المعرفيّة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ التركيز سيكون على تلك التي لها صِلة أكبر وأوثق بحقل البرمجة.


يمكننا تلخيص أهمّ عيوب المنهج النّفعيّ بالنّقاط التالية:

<!--[if !supportLists]-->1- <!--[endif]-->عدم إمكانية التحقق من نتائجه Verification باعتبار الصّحة المنهجيّة، الفلسفيّة أو التّجريبيّة وباعتبار أثر هذه النتائج من حيث ديمومتها وطبيعتها وقوّتها، وذلك لانعدام وجود معايير وطرق وخطوات منهجيّة وعمليّة للتجربة والقياس والتحقّق. وفي هذا السياق نجد أنّ أسئلة ملحةً كثيرًا ما تعرض لمن يتدرّب على البرمجة دونما إجابة مقنعة من البرمجيّين غير إيراد "مزاعم"– قد تثبت أو تنفى – عارية من كل دليل تجريبيّ أو برهان عقليّ. ويقف على رأس هذه الأسئلة عند كثير من المتدرّبين والمتابعين للبرمجة ما يتعلّق بمدى ثبوت وديمومة الأثر الذي يتحقّق من جراء تطبيق إحدى تقنيات البرمجة.


2- صعوبة تحديد من يمتلك حقّ التّصديق أو "الختم" على أنّ هذه المعرفة أو تلك نافعة "معرفة تعمل وتؤثّر وتُحدث أثرًا مرغوبًا!". وتتأكد الإشكاليّة في هذا السبيل إذا ما رُوعي أنّ حقل البرمجة نشأ وطوّر على أيدي مجموعة من المنظّرين الغربيّين الذين يمتلكون خصائص فلسفيّة ومعرفيّة ونفسيّة وكاريزميّة مميّزة. وفي هذا السّياق يحقّ للناقد أنْ يتساءل:


- هل هذه الخصائص لهؤلاء المنظّرين معياريّة؟

- هل يجب توافرها في كل من يروم تنظيرًا وإسهامًا في البرمجة؟

<!--[if !supportLists]-->- <!--[endif]-->أم ُيفتح باب الاجتهاد "النّفعيّ" لكل أحد دون شرط أو قيد مادام أنّ الحقل يعتنق المبدأ النّفعيّ؟
- هل يوافق من يرى أنّ "المَشْي على الجمر" تقنية برمجيّة نافعة؟ ولماذا لا يكون المَشْي على مسامير نافعًا أيضًا؟ ما المعيار في ذلك؟ أليس النّفعيّة؟

<!--[if !supportLists]-->- <!--[endif]-->
هذه الأسئلة - وأمثالها كثير - تحتاج إلى إجابات "منهجية" (أو قل "مقنعة!" – حتى لا يشغب علينا البرمجيّون على استخدام منهجيّ) من منظّري وفلاسفة المنهج "النّفعيّ"، بحسب قراءتي المتواضعة لأدبيّات البرمجة لم أقف على إجابات مقنعة على تلك الأسئلة الخطيرة. وهنا نتساءل مجددًا عن مدى إمكانيّة الظفر بإجابات من قبل البرمجيّين العرب والمسلمين حيال هذه القضايا ذات البعد الأيدلوجي.
g- ينتج مما سبق مشاكل و صعوبات غاية في التعقيد والخطورة والتي منها:
a- إشكاليّات كبيرة فيما يتعلق بالتعميم Generalization: يمكن استجلاء بعض الإشكاليّات التي تصاحب وتنجم عن المنهج النّفعيّ بخصوص قضية التعميم عبر طرح الأسئلة الخطيرة التالية:
- هل يمكن تعميم "نفعيّة" كل النماذج التي ثبت نفعيّتها عند كلّ أحد؟ أم يلزم ثبوتها عند رواد الحقل ومنظّروه (وفلاسفته!)؟


- هل يمكن تعميم نتائج أو آثار التطبيق؟

- هل الأثر الذي تتركه تطبيقات البرمجة دائم أم مؤقّت؟ وما المعايير في التفريق بين هذا وذاك؟
- أين دور "الثقافة" في التأثير؟


- هل يصلح المنهج النّفعيّ للإجابة على مثل هذه الأسئلة أم أنّنا نحتاج إلى المنهج العلميّ؟!.

ابوحمدان
08-23-2010, 09:18 PM
نقد الأساس الثقافي نقد أهم الأسس الثقافية للبرمجة فلاسفة البرمجة اللغوية العصبية يريدونها "أيدلوجية حياة يعتقد البعض أن البرمجة مجرد حقل معرفي يعالج بعض الظواهر الإنسانيّة، وهو الأمر الذي كنت أعتقده في بداية اطلاعي على البرمجة – منذ ما يقارب العشر

* أن البرمجة تؤمن بتأثير الإطار القيمي والفلسفي وتأثير ذلك على السلوك الإنساني Value and Philosophy-laden Approach، ولذا فالبرمجة تؤكد على أهمية مراعاة ذلك في منهجها وتطبيقاتها، وهنا تساءلت عن الأطر القيمية الفلسفية للبرمجة:
هل هي الأطر العربية الإسلامية؟ بالـتأكيد لا!
هل هي الأطر الغربية؟ بالتأكيد نعم! إذاً تستحق هذه وقفة وتسجيل.
* إنها تزعم أنها تعالج كافة الظواهر الإنسانيّة حتى الروحية منها، وفي هذا المعنى يقول أصحاب الموسوعة (روبرت ديلتس و جوديث ديلوزير): إن بحث واستكشاف بنية الخبرة الروحية قضية في غاية الأهمية بالنسبة للبرمجة اللغوية العصبية(1).
* إنها تعرض نفسها كإطار ابستمولوجي (معرفي) شامل. والابستمولوجيا - كما أقرؤها في أدبيات الفكر الغربي– هي فلسفة من نوع "ثقيل"، أي أنها ذات طابع أيدلوجي. ومما يدلل على البعد الأيدلوجي -وبوضوح- أن الأطر الابستمولوجية للفلسفات الغربية تؤسس مناهج بحث ذات بعد أيدلوجي كالفلسفة الوضعية والفلسفة التركيبية وغيرها.
* ومما يؤكد على البعد الأيدلوجي للبرمجة أن منظري وفلاسفة وكتّاب البرمجة يعرضون مبادئها وافتراضاتها كعقيدة، وفي هذا المعنى يقول -مثلاً- اوكونور O'Connor عن تلك المبادئ والافتراضات: "إنها الفلسفة الموجهة للبرمجة، إنها عقيدة للبرمجة...إنها تشكل مجموعة من المبادئ أخلاقية للحياة". 'Its guiding philosophy, its beliefs…they form a set of ethical principles for life' 2.
ومن هنا خلصت إلى نتيجة خطيرة مفادها أن البرمجة تعدت كونها حقلاً معرفياً يعالج بعض الظواهر الإنسانيّة إلى الإدعاء بأنها فلسفة "حياة" شاملة، وهنا تتضح أبعاد الخطورة –إن سلم لي بهذا– وذلك بمزاحمة ومنافسة البرمجة للدين، المكون الأساسي في بنية حياة المسلم والمشكّل الرئيس لحضارته. وربما يتأكد هذا المنحى الخطير للبرمجة بالنظر إلى بعض التعريفات التي ساقها بعض منظري (أو فلاسفة!) البرمجة والتي تتسم -برأيي– بأنها ذات بعد أيدلوجي، كما أنها في بعضها قدراً كبيراً من العمومية والضبابية لغرض أو لآخر. ولإيضاح ذلك نورد بعض التعريفات التي انطوت على هاتين السمتين. وطلباً للاختصار أكتفي بثلاثة تعريفات:
- يعرف جون قريندر البرمجة بقوله: "البرمجة اللغوية العصبية هي الابستمولوجيا التي تعيدنا إلى الحالة التي افتقدناها – حالة الامتياز (!!)"
“NLP is the epistemology of returning to what we have lost- a state of grace” 3
- بينما يقول روبرت ديلتس و جوديث ديلوزير في الموسوعة:
"إن البرمجة اللغوية العصبية علم سلوكي يقدم:
(1) ابستمولوجيا – نظام للمعرفة والقيم.
(2) منهجية – عمليات وإجراءات لتطبيق المعرفة والقيم.
(3) تقنية – مهارات للمساعدة في تطبيق المعرفة والقيم".
“NLP is a behavioral science that provides:
(1) an epistemology- a system of knowledge and values,
(2) a methodology- processes and procedures for applying knowledge and values,
(3) a technology- tools to aid in the application of knowledge and values” 4.
ويواصل روبرت ديلتس و جوديث ديلوزير القول بأن "البرمجة اللغوية العصبية ليست فقط عن الكفاءة والتميز، ولكنها عن الحكمة (الفلسفة) والرؤية"
“NLP is not only about competence and excellence, it is about wisdom and vision” 5
وفي هذا السياق أشير إلى نتيجة أخرى هي أيضاً خطيرة بل هي أخطر من سابقتها وهي ضعف اهتمام جملة البرمجيين العرب والمسلمين بالبعد الابستمولوجي (أو ما نسميه بالمعرفيات) للحقول المعرفية، وبالذات الوافدة من خارج نطاق الفكر الإسلامي، وهم - أي جملة البرمجيين - أشتات يتفرقون في الأسباب التي أدت بهم إلى مثل هذا التجاهل الذي لا يُغتفر غير أنهم يجتمعون في تحمل "الوزر" الثقافي، كل بحسبه، فمنهم من لا يكترث أصلاً بالبعد الفلسفي مكتفياً "بعضلاته" لنقل الأفكار، أي أنه يتبنى "النقل الميكانيكي" للأفكار والفلسفات، وفي هذا المسلك سطحية وخطورة بالغة. ويدخل في هذه الفئة أولئك الذين أُصيبوا برهاب وإرهاب "الانغلاق الفكري" من جراء تعرضهم لنقد –مشروع وغير مشروع– بسبب تحجرهم الفكري وعدم تبنيهم للرأي الآخر، مما أحدث عندهم ردة فعل عنيفة، أضحوا معها مرحبين " بعضلاتهم" بكل وافد فكري. وطبقة أخرى من البرمجيين ربما يكونون من أولئك الذين لا يرون أصلاً أي اختلاف بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي في قضايا كهذه، ونحن بدورنا نطالب هولاء بالرد على أو أوردناه من إشكاليات ضخمة في الفضاءات الثقافية والمنهجية والنفسية وإيراد الأدلة والأمثلة.
البرمجة اللغوية العصبية تؤله الإنسان "السوبر" و تجففه إيمانياً "
تتميز البرمجة بأنها تعين الإنسان على التعرف على طاقاته المخزونة، كما ترشده إلى كيفيات (كيف؟) مقترحة تمكنه من تفجير هذه الطاقات، وللحق أقول: إن البرمجة نجحت في هذا المجال بشكل يستحق الإشادة والتنويه. كما تجدر الإشارة إلى التأكيد على أهمية هذا المنحى التعريفي التشجيعي في التعاطي مع طاقات الإنسان المسلم - وبالذات العربي – في زمن كالذي نحياه الآن، وذلك لتعرض المسلم - وتحديداً العربي - إلى ألوان من الإهانة "النفسية" بعضها مدروس ومبرمج ومؤدلج وبعضها الآخر عشوائي.
مثل تلك الإهانات تعمد إلى برمجة المزاج العربي والعقل العربي والنفسية العربية عبر تكريس "صور ذهنية مركزة" وعجنها نفسياً وذهنياً لتتحول إلى ما يشبه الحقائق عند بعض الشرائح Stereotype، هذا العجن يحدث من جراء متاريس ثقافية ضارة وربما معادية سواء كانت داخل الفضاء العربي وخارجه. هذه الإهانات المتكررة تحاول أن ترسخ سطحية العربي وجهله وكسله وخشونته الحضارية، وهذه الإهانات ترتدي أحياناً رداء البحث العلمي الجاد تحت شعارات متعددة منها تركيبة العقل العربي، سيكولوجية الرجل العربي، وبنية المجتمع العربي (6).
إذاً نحن نقرّ بأهمية شحذ "البطارية" النفسية للإنسان العربي/ المسلم وتعريفة بطاقاته الكامنة وسبل تفجيرها، لاسيما إن كنا نقرّ بوجود شيء من الضغط النفسي والفكري على الإنسان العربي/ المسلم، كما أننا نقرّ ونؤكد على حقيقة امتلاك الإنسان لمخزون هائل من الطاقات الكامنة والتي تجعل منه – بشرط الاهتداء بالمنهج الرباني- خليفة تعمر الأرض وتشيد الحضارات الراشدة التي ينعم بها الإنسان، متلذذاً بلذائذه الفطرية والمكتسبة، محققاً بها ذاته، متمتعاً بحريته وانطلاقته في فضاءات الفكر والإنتاج والتفاعل مع بني البشر، ناشداً تحقيق أكبر قدر ممكن من التوازن بين روحه وعقله وجسده، مُريداً بذلك كله تحقيق العبودية الخالصة لربه ومولاه تبارك وتعالى.
كما أننا نقرّ بإسهام البرمجة - وببراعة عملية - في تعريف الإنسان بطاقاته وتفجيرها، غير أننا نلحظ في الوقت ذاته مظهراً بل منهجاً وفلسفة تؤمن بها البرمجة وتبني عليها إطارها الفكري ومداخلها العملية في اتجاه تفعيل طاقات الإنسان، وهذه الفلسفة لها خطورتها البالغة على البعد الإيماني، مما يجعلنا ندرك أن إيجابيات البرمجة وإنجازاتها في هذا الاتجاه ربما تغوص وتنغمر في محيط متلاطم من السلبيات والثغرات الخطيرة التي تتجه بالإنسان إلى "الركون" و"الاغترار" بقدراته الذاتية، وقدراته فحسب، دون توكل قلبي وارتباط وجداني بالخالق العظيم المدبر المهيمن الرزاق الخافض الرافع، تبارك وتعالى.
إن البرمجة تقوم على فكرة تعريف الإنسان بطاقاته ومساعدته على تفجيرها، لكنها تبالغ في هذا الاتجاه لدرجة تأليه "قدرات" الإنسان، فهي المسؤولة عن نجاح الإنسان وفشله في مشروعاته وإدارته وقيادته وتأثيره وغنائه وسعادته، حيث يغيب البعد الإيماني بأن الإنسان مخلوق ضعيف حقير "عبد لله" يسير في الكون بفضل الله ورعايته وتوفيقه وإرادته وعطائه ومنعه، فمصدر قوة المؤمن الحقيقية هو ضعفه بجانب الله تعالى وافتقاره إليه والتسليم بعجزة المطلق على الفعل والعطاء دون إرادة الله وتوفيقه ورحمته.
وهنا يجب علينا الإشارة إلى أن محاولات البرمجيين العرب -المشكورة- الرامية إلى تطعيم البرمجة بـ "نصل إيماني" –عبر بث بعض الآيات والأحاديث والآثار والأشعار والقصص- قد أسهمت بترطيب يبوسة البرمجة نوعاً ما، إلا أن الناظر و المتدبر والمستمع للبرمجة يحس بخشونتها الإيمانية ويلمس نشافتها الروحية، وهنا يحق لنا أن نتساءل -متعجبين-:
لماذا لم تفلح محاولات البرمجيين العرب في الحد من غلواء وجفاف البرمجة في البعد الإيماني؟
لأنها محاولات ترقيعية تجزيئية، فسمة الجفاف الإيماني للبرمجة وتأليه قدرات الإنسان سمة طاغية على لونها ونفسها العام، متغلغلة -بخفاء- إلى أطيافها وتفاصيلها، مما جعل تلك المحاولات -في رأيي– تبوء بفشل عام، بحسب ما أراه في الكتب أو "النسخ" النظرية لأولئك البرمجيين وتطبيقاتهم العملية. ويمكن أن يعد هذا -إن تقرر وسلم به- مظهراً من مظاهر تأثير البيئة الأصلية والمناخ العقدي الفلسفي العام على نشأة العلوم والحقول، تأثيرها على بنيتها وإطارها ونفسها وتوجهها وغايتها وثمرتها.
إذاً نقول: إن البرمجة تتجه إلى تأليه الإنسان "السوبر" وتجفيفه إيمانياً، ولا نتوقع أن تفلح محاولات ترقيعية ضعيفة - كالتي أشرنا لها - في تحقيق أي تقدم يذكر على الأرضية الحالية للبرمجة، إنها تشبه من يجلب نخلة طيبة مثمرة، حاملاً إياها على كتفه، يروم أرضاً يباباً هناك، مع علمه بأنها ليست لها أرضاً ولا مناخاً ولا سقياً. نعم البرمجة - بوضعها الراهن - مستعصية على محاولات هزيلة كهذه.
إذاً نحتاج إلى نوع آخر من التفكير... مستوى أعلى من التفكير ... يمكننا من الغوص في إشكاليات وبنية الفلسفة التي تتأسس عليها البرمجة، مع أدوات منهجية استنباطية استقرائية تحليلية في مكونات الفكر الإسلامي ومنطلقاته. ولعلّي أعرض لاحقاً إلى بعض القضايا في هذا الاتجاه علها تصلح لتكون خطوطاً عريضةً للتعاطي مع هذه الإشكالية الكبيرة.
البرمجة اللغوية العصبية "فلسفة مغرورة" !
ربما يكون البعض قد لمس ما أرمي إليه في هذا العنوان من خلال تحليله لما تقدم. على كلٍ، برز مما تقدم أن البرمجة تحاول أن تقدم نفسها كحقل معرفي يتناول كافة الظواهر الإنسانيّة بالتحليل والعلاج، و لم تكتف بهذا، بل راحت تعد بتقديم أفضل الحلول وأسرعها، تهويلاً ومبالغةً، وقد انعكس هذا المسلك المشين بجلاء على جملة البرمجيين في كتابتهم وتطبيقاتهم، إذ جعلوا يحتقرون ويقللون من شأن بقية الحقول المعرفية وإسهاماتها الضخمة في التعاطي مع مختلف الظواهر الإنسانيّة.
وهذا ضرب وقح من الغرور، نعيبه على كافة طلاب العلم وباحثي المعرفة، حيث نعده مؤشراً جلياً لانعدام أو ضعف المصداقية العلمية والبحثية، وقلة التوفيق والقبول، نعيب هذا ونزدريه ونمقته في الأشخاص، فما بالكم بحقل معرفي كامل صبغ بالغرور والتهويل والمبالغة. أفلا نكون مضطرين حينذاك لسحب القاعدة نفسها على الحقل؟ أو نخطّأ في هذا؟
من المزايا الأساسية للعلم في الفكر الإسلامي، التواضع للحق، و التواضع للناس، تواضعاً قلبياً وجدانياً نفسياً؛ يجد الإنسان فيه نفسه ضعيفاً في فهمه، ضعيفاً في حصوله على المعلومات والمعارف، ضعيفاً في تحليله، ضعيفاً في استنباطه واستقرائه، ضعيفاً في تنظيره وتطبيقه... إذاً تواضع صادق يثمر سلوكاً عملياً حميداً...
كيف والحالة هذه نفسّر سرّ سقوط جملة البرمجيين العرب في فخ الغرور والتهويل والمبالغة؟
هل يعود السبب في ذلك إلى قناعات نظرية؟ أم أسباب برغماتية؟ أم خليط بين هذا وذاك؟
هل ثمة سبب آخر لا نعرف كنهه؟
لا أملك جواباً، غير أنه يسعني ويكفيني التساؤل...
في تفاصيل البرمجة مصادمة لبعض النصوص الشرعية
ربما يكون قد تبين من المحاور السابقة أن البرمجة تتوفر على ما يعارض روح الفكر الإسلامي والفلسفة الإسلامية، وهذا البحث الإجمالي وإن كان –في رأيي- يكفي لإصدار حكم عام على البرمجة، إلا أننا مطالبون بالقيام بأبحاث تفصيلية تستهدف نقد البرمجة –أدبيات وتطبيقات- في ضوء النصوص الشرعية، قرآناً وسنةً.
ومع أن هذا البحث لا يروم القيام بهذه المهمة العسيرة، أشير إلى قضية واحدة كمثال في هذا الاتجاه. مما أرى أن فيه مصادمة لما أفهمه من النصوص الشرعية ما يتعلق بالمبدأ أو الافتراض الذي تؤمن به البرمجة والذي يعتبر من أهم مبادئ وافتراضات البرمجة، هذا المبدأ أو الافتراض يقضي بـ: "أن وراء كل سلوك نية إيجابية" Every behaviour has a positive intention 7.
لا أرى أن هذا يتوافق مع مقتضى بعض النصوص الشرعية. فمثلاً يقفز إلى ذهني في هذا السياق بعض النصوص القرآنية الكريمة التي تحدثت عن الهوى باعتباره دافعاً ومحركاً للسلوك الإنساني، كقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثـية:23]، وقوله مخاطباً النبي الكريم داود -عليه الصلاة والسلام-: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه) [ص: من الآية26]، وقوله: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) [النازعـات:40]، وقوله: ( فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى) [النساء: من الآية135].
هذه النصوص وأمثالها تشير إلى حقيقة الهوى، وتأثيره الهائل على السلوك الإنساني، لدرجة تحذير الأنبياء المعصومين من الوقوع في حبائله. إذاً يمكن لنا أن نقرر بعد هذا البيان القرآني الجلي أن أي محاولة -مباشرة أو غير مباشرة- للتقليل من أثر الهوى هي ذاتها أشد أنواع الهوى عمىً وتحيزاً. وهنا ندرك وبجلاء وجوه التعارض بين معالجة البرمجة للسلوك الإنساني على أنه نتيجة لنية طيبة وبين مدلولات الهوى في القرآن الكريم ومغزى التركيز القرآني عليه.
ولعله من السائغ وربما الواجب توجيه بعض الأسئلة للبرمجة إزاء الهوى، لنستكشف كنه الهوى وكيفية توصيفه في ضوء فلسفة البرمجة. من هذه الأسئلة ما يلي:
* ما الهوى؟ ما حقيقته؟ ما تأثيره؟
* ألا يرتكز الهوى في حقيقته على أسس غير موضوعية وغير مبررة؟
* هل يمكن اعتبار الهوى "نية إيجابية"؟ ومتى؟

نقد الأساس النفسي

نقد أهم الأسس النفسية للبرمجة

التجزيئية في الإطار النفسي


تتسم البرمجة اللغوية العصبية (كما ذكرنا سابقاً) بتجزيئية ضيقة في التعاطي مع الظاهرة العجيبة "الإنسان": روحاً وعقلاً وجسداً، إيماناً وكفراً، رشداً وضلالاً، اعتدالاً وتطرفاً، كسلاًَ ونشاطاً، إقداماً وإحجاماً، ارتفاعاً وانخفاضاً؛ نجاحاً وإخفاقاً؛ أملاً ويأساً، علماً وجهلاً؛ تجرداً وتحيزاً؛ أكثر ذكاءً وأقل ذكاءً، أكثر مهارة وأقل مهارة، منتمياً وغير منتمي. غنىً وفقراً، فردياً وجماعياً، رجلاً وامرأةً، طفلاً وشاباً ورجلاً وشيخاً وكهلاً؛ يمتلك هذه الخلطة من التفكير أو تلك...
وكل هذه الاشتباكات وأمثالها كثير تؤكد على تعقد الإنسان كظاهرة ونظام، لدرجة من التعقيد استحقت معها توجيهاً ربانياً كريماً لبني الإنسان بأن يتفكروا في أنفسهم، يقول الحق تعالى (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذريات:21]. ومع كل هذا التعقيد نجد أن البرمجة عالجت الإنسان كأجزاء متناثرة - كما

ابوحمدان
08-24-2010, 09:41 PM
يمكن لمجموعة من البرمجيين العرب والمسلمين وجملة من الباحثين في العلوم الاجتماعية، أن يبلوروا مشروعاً يؤذن بحدوث حركة تصحيحية واعية ناضجة، تفلح في توجيه بوصلة البرمجة وفق محددات خريطتهم الثقافية، بمنطلقاتها ومسلماتها ومنهجها ونَفِسها. بشرط توافر القناعة الأكيدة بأهمية ووجوب القيام بمثل هذه الحركة التصحيحية داخل البرمجة، مع بذل جهد علمي بحثي مقنن، وفق خطوات منهجيةٍ محكمة، وخطة عملية مدروسة وممرحلة. وهنا يمكننا تسجيل بعض الاقتراحات العملية للبدء بمثل هذا المشروع الكبير من خلال النقاط التالية:
- تبني المنهج العلمي في حقل البرمجة ورفض المنهج النفعي -البرغماتي- أساساً منهجياً، والعمل على تأسيس منهجية علمية في القياس والتجربة والتقييم وما إلى ذلك.
- دعوة أبرز البرمجيين العرب/المسلمين مع جملة من المتخصصين والمهتمين في بعض الفروع المعرفية مثل المتخصصين في العلوم الشرعية وعلوم النفس والاجتماع والتربية، والفلسفة، إلى ندوة تستهدف بلورة مشروع حركة التصحيح. ويمكن أن يطلب من البعض المشاركة في كتابة أوراق بحثية، تكون معيناً على استفزاز إبداع الموجودين في الندوة، وحافزاً لهم على إنضاج الرؤى والأفكار وتطويرها. وعلى هذا الأساس يمكن الإعلان عن تأسيس حركة التصحيح من خلال مؤسسة يتفق على بنيتها وأهدافها وبرامجها وهيكلها، وتعليق برامج التدريب، ريثما يتم الانتهاء من الإطار المنهجي والفكري للحركة التصحيحية للبرمجة، بناءً على خطة علمية وبرنامج زمني محدد.
- توضيح كيفية الانتساب والاشتراك والعضوية بحركة التصحيح بالنسبة للبرمجيين العرب/المسلمين من المدربين والأكاديميين والباحثين والكتّاب وغيرهم، والاستمرار في عقد الندوات البحثية، ووضع خطة عملية لإنتاج مواد وحقائب تدريبية جديدة تتناغم مع فلسفة الحركة (التصحيحية).
- بحث الأمور المتعلقة بالارتباطات الرسمية مع المنظمات والمؤسسات المهتمة بالبرمجة داخل الوطن العربي وخارجه.
وأخيراً آمل أن تسهم هذه المحاولة في التنبيه إلى أهمية تدعيم حركة النقد الثقافي الحضاري، من خلال تكثيف المحاولات الجادة في سبيل رسم الإطار النظري والمفاهيمي والإجرائي لها، ذلك أننا نؤمن بأنها وسيلة -ضمن وسائل أخرى- تمكّن من بلورة الحقول المعرفية، ومفردات التحضر في بوتقة المركّّب الحضاري الإسلامي المنبثق أساساً من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.


الدكتور عبدالله البريدي