التمام
06-25-2010, 02:18 AM
مساء الخير للجميع في هذه اللحظات , أكتب وأنا لا زلت أهلل وأسبح على بعض الأمور التي يظن كثير من الناس - وأنا واحد منهم -أنها تبقى على حال واحدة من كثرة بقائها على تلك الحال , قبل مدة ليست بالطويلة سقط بين يدي ( دفتر قديم ) لأحد الشعراء المغمورين والذي كنت أظن أنه ليس بشاعر أو على الأقل ليس بهذه المفارقات العجيبة , فهو امام الناس إنسان بسيط عادي وليس لأحد من الملاحظات عليه إلا قولهم : إنسان كأي شخص آخر, وهو فعلا كذلك , ولكن في كواليس هذا الشاب تجد إبداعا في شعره ( وهذ رأي شخصي ) لا أعلم كيف قام بجمع ذلك الكم الهائل من الألفاظ المندثرة والمعاني التي فيها الكثير من التجديد مع العلم بأن هذا الشاعر لم يخرج عن التقليد والنمط المعروف للشعر القديم فقمت بتتبع لقصائده وكان فيها المكتمل والحزين والمفرح والغزلي أوالتي كتب منها بيتين ثم ترك الباقي إلخ ......
كثيرا ما أحب إضاءة الزوايا المظلمة وإبراز الجماليات المغطاة ونثرالغبار عن الإبداعات المدفونة والمهملة ومن هذا الباب أحببت مشاركتكم وأيضا أحببت أن أخص منتدانا العامر بهذه الدراسة النقدية المتواضعة ولعلمي أن هناك من سيقدر هذا المجهود الذي يشهد الله انه من صنع يدي وعصارة أفكاري .
قبل أن ألج في هذه الرحلة الممتعة والتي قضيت معها ليال جميلة ولحظات من استكشاف أغوار هذه الأبيات , قبل هذا أريد أن أقول بأني بحثت عن هذا الشاعر على محركات البحث فوجدت له نصين فقط وكلاهما موجود عندي بالدفتر .
طبعا لن أتطرق لاسم الشاعر حتى نكون حياديين في أحكامنا على القصائد , وصاحبنا يبدو من قصيده أنه متعمق بل متعلق بالماضي ومن هذا بيت له في مطلع إحدى قصائده :
عديت لولاح(ن) رفيع(ن) ومزموم=رجم(ن) طويل(ن) كل ما جيته أرقاه
وإذا تتبعنا باقي القصيدة - ولا شك أن الكثير يشاركني متعة النقد والتحقيق - وجدناها تتحدث عن موضوع رفيع وكأنك تخاطب أحد كبار السن , مع العلم أنه شاب في ريعان الشباب والآن مع باقي القصيدة :
و أخذت أجر الصوت ما نيب مليوم=من ضيقة بيـن الضلـوع المحنـاه
الله لحال من عنـاء الوقـت مثلـوم=همن يصبـح بـه و همـن تمسـاه
مثل القلم للي على الدرس مرغـوم=لا ضاق خلقه شـده و قـام يبـراه
و من الزعل كنه على البري ملزوم=و كثر عليه البري ليـن إنـه أنهـاه
هذي سواة الوقت بـي دايـم الـدوم=أجحد و أداري خافي القلب و أكماه
دنيا تخلـي ثابـت القلـب مسهـوم=يمشي بها غصب على غير مشهـاه
يا بدر بذتني و أنـا أطيـح و أقـوم=و أقصى جدايه قولتـي و آحـلالاه
عزاه و ين اللي رفيع عـن اللـوم=اللي يسايل حاجتـي قبـل لا أبـداه
و ين الرفيق اللي له السر مكتـوم=اللي ليـا ظنيـت بـه طيـب ألقـاه
يا قل جنسه كان ما هـوب معـدوم=قفـن طويـلات الليالـي بحلـيـاه
وين الرجال اللي لها طيب و سلوم=أهل المجالـس و العلـوم المسمـاه
وين الرجال مدلهـة كـل مهمـوم=لا جاهم اللـي يذكـر الهـم خـلاه
وين العرب يا بدر في وقتنا اليـوم=راحوا مع اللي راح و أقفت مطايـاه
وهذي سوالفهم بقـت عقبهـم كـوم=سولف بها الطيب على طيـب جـاه
ما كنهم عدوا علـى راس مرجـوم=الله على فعـل الزمـان و سوايـاه
واليوم أنا بسند على بدر زيزوم=وأنشد عن الطيب شبيهه وشرواه
تم الجواب و غايـة العلـم مفهـوم=و الهرج يكفي عـن بقايـاه معنـاه
أقول : هذه القصيدة تتحدث عن الأصحاب الصادقين والذين لم يعد شاعرنا - بحسب رأيه - يراهم بل اضمحلوا فهاهو يطلع على الرجم كما يفعل الأصحاب الصادقين في الزمن الماضي تماما ويبين حالته تقليدا لهم ثم ما يلب أن يدخل في وصف حالته بوصف دقيق وإن كان مطروقا قبله لكن التجديد لديه جاء في زيادته الوصف حيث قال (لا ضاق خلقه شده وقام يبراه) ولم تكغه هذه الزيادة بل أضاف :
و من الزعل كنه على البري ملزوم=و كثر عليه البري ليـن إنـه أنهـاه
فحين تتخيل منظر الطالب الصغير في أداء واجباته وأهله يكثرون عليه اللوم حتى لا يتراجع مستواه , ثم يبدأ يزمجر عليهم ويضرب بحقيبته ويسحب أقلامه منها لكي ينهي هذا الواجب الذي أصبح مصدر إزعاج له وهو لا يريده واستلم القلم الرصاص في يد ومبراة القلم في الأخرى ثم بدأ يبريه وهو في لحظات من الغضب والحقد على هذا القلم المسكين , أقول حين تتخبل هذا كله تعلم بأن صاحبنا لم يأت بهذا من فراغ بل من واقع تجربة استثمرها في إيصال ذلك إلينا عن حالته .
ومن ناحية العاطفة فتتبين عاطفته الباكية المتحسرة على ذاك الزمان وكأنه قد بلغ عمرا طويلا يذكر فيه أمورا قديمة زالت أو أدرك منها الكثير وظن بأنها لن تزول ولكنها ذهبت أو أنه مر عليه موقف أغضبه من صديق لم يتوقعه منه ففاضت قريحته بهذا - وهذا هو الأقرب - مثل قوله:
وين الرجال اللي لها طيب و سلوم=أهل المجالـس و العلـوم المسمـاه
وين الرجال مدلهـة كـل مهمـوم=لا جاهم اللـي يذكـر الهـم خـلاه
وين العرب يا بدر في وقتنا اليـوم=راحوا مع اللي راح و أقفت مطايـاه
وهذي سوالفهم بقـت عقبهـم كـوم=سولف بها الطيب على طيـب جـاه
وذلك مانقرأه بين سطور قصيدته.
كما نلاحظ فالقصيدة غنية بالكثير من المعاني والأوصاف والتي أتركها لكم فمنكم بلا شك من هو أدق مني تفكيرا وأعمق نظرا .
وهناك قصيدة أخرى - استحوذت على كامل إعجابي -وأنتم تتشوقون لها وتملك نفس المطلع ولكن هناك تضاد تام بين المطلعين , القصيدة تقول في مطلعها :
رجم رفيع تالي العصر باديه=لوحت به كني عليه مغصوبي
لو نظرنا إلى مطلع القصيدة الأول لوجدنا أن الشاعر يتردد على ذلك الرجم والسبب أنه يتوجد على أمر وزمان لن يعود فهو كلما مر بهذا الرجم تذكر الزمان الماضي ثم صعد فيه , وكما نرى ذلك معنى دقيق .
بخلاف مطلع القصيدة الثانية فلم يرقى الرجم سوى تلك المرة التي ذكرها لأن قصيدته تتحدث عن أمر واحد ومحدد وربما أن هذا الأمر لم يكن ي}رقه مثل القصيدة الأولى .
يقول في القصيدة الثانية :
لوحـت بـه مانيـب طـرب(ن) ولا أبـيـه=لا شـك هـم(ن) فــي حشـايـه يلـوبـي
عديـت بــه والـدمـع مانـيـب كامـيـه=عـن مـوق عينـي مستـزل(ن) سكـوبـي
جـرّح فـوادي قـبـل تـجـرح مجـاريـه=ويفـوح فـوح الـلـي محتـهـا الغـروبـي
علـى الـذي لـي عـدة أعــوام راجـيـه=رجـوى الغريـر اللـي يشـوف الشـروبـي
لا نــال مطلـوبـه ولا هــوب نـاسـيـه=ولا لـه علـى الرجـوى لسان(ن)طلـوبـي
وجـدي عليهـم وجــد مــن بالمتايـيـه=خلـى الصميـل ولا خــذا لــه ركـوبـي
طفـل(ن) يتيـم(ن) مـا لقـى مـن يراعيـه=من عقـب مـوت أمـه كظـوم(ن) كروبـي
وأبـوه مابيـن أقـشـر الـنـاس رامـيـه=والحـظ جـابـه بـيـن عوج(ن)وعـوبـي
مـا لـه مـع الجهـال لـعـب(ن) يسلـيـه=منـبـوذ مـطـرود(ن) كـريـه محـروبـي
في معـزل(ن) يصبـح ويمسـي وهـو فيـه=ويلـه علـى شـوف السـفـر والهـروبـي
قامـت تكسّـر فــي الضمـايـر عبـاريـه=وكبـده مـن الحسـرات خطـر(ن) تـذوبـي
شاف السفر من عقـب مـا هـوب ناسيـه=فـي ساعـة غــاب الرقـيـب الرهـوبـي
و خـل السجـون وشوفـة الصـبـح تكفـيـه=يركـض علـى البيـدا شـمـال وجنـوبـي
وطـال النهـار ولا هـب القـيـظ شـاويـه=وركّـب عليـه الخـوف مـن كـل صوبـي
ومـن الـدرك يبسـت لهـاتـه وأشافـيـه=وأصبح يشـوف الـدرب نـوب(ن) ونوبـي
وطـاح وتـذكّـر مــن تـعـزه وتغلـيـه=وتـرفـاه لا بـانـت عـلـيـه العـيـوبـي
ويلـه عليـهـا ليتـهـا الـيـوم توحـيـه=وتـشـوف صـكـات الـزمـان الغلـوبـي
قــام يتـمـنـى مـايـسـرن أمـانـيـه=تكـذح عـلـى وجـهـه ذوارى الهبـوبـي
وجـدي مثـل وجـده ولا نـيـب مهفـيـه=علـى غــزال(ن) بالوصـايـف عجـوبـي
عـز الله إنـه غـايـة الــروح وأبغـيـه=لـكـن حــط الـوقـت دوبــه ودوبــي
مـن دونهـم خـد(ن) وسـاع(ن) مناحـيـه=متايـهـة(ن) فيـهـا تضـيـع الـدروبـي
خـد(ن) خــلاوي(ن) تـطـارد ذواريــه=مضامي(ن)شهـب(ن) سـمـوم(ن) لهـوبـي
وأنـا بــراس الـرجـم والعـيـن تبكـيـه=ذكـرنـي المـرجـوم خــل(ن) طـروبـي
يقطعـك يـا رجــم(ن) تعـنـي مراقـيـه=شبـت عـلـى قـلـب المعـنّـا شبـوبـي
وحولـت منـه ومضمـر القـلـب مخفـيـه=وأقـول عنهـم والله إنــي مــا أتـوبـي
حسبـي علـى اللـي حدنـي عنـه لا أجيـه=عـز الله إنهـم بالـهـوى عــزروا بــي
عجيب أمر هذا الشاعر تراه فتقول من هذا الزمن وتقرأ له فتظنه من العصور الماضية , هل تظنون أنه سيغير من أسلوبه أو من طريقته أو من ألفاظه . . .
أريد منكم أن تدققوا فيها من خلال القصيدتين السابقتين فإذا تأملتوهما وتشبع فيكم منها التفكير فاقرؤا هذه القصيدة :
يا أبو محمد يا زبون المخلين=هل النضا الحفيات والوانياتي
ريف النشاما والرجال المسمين=هل اليمين الطلق في الموجاباتي
لا تآخذه فيه كثير المظانين=ولا تحسبني جيت بالمعجزاتي
أمر حصلي تاركه قد لي سنين=سنين من كثر البطا مرمساتي
منول والقلب في مطلب العين=يتبع هواها وين راحت وجاتي
واليوم دينا ونسينا المزايين=وألهتني الدنيا بكثر الشقاتي
ألهتني الأيام وأغناني الدين=والبال طاب ومني القلب ماتي
فلا عاد ربي في دبي يوم الاثنين=مطارها اللي به جميع اللغاتي
يوم أعترض للعين في كامل الزين=يقصر خطاه ويكثر الالتفاتي
كنه يدور حاجتن حطها وين=وقف وطالع في جميع الجهاتي
قالت مساء الخير يا أخ من وين=أبسألك إن كان أنت إماراتي
ضحكت بحجاجي وطالعت بالعين=ما ودي إظهر كلمتي من سكاتي
أخاف لا ترجح علي الموازين=وتميل سياتي بكل حسناتي
ثم جلست جنبي وطالعتها زين=وحققت في خلق بديع الصفاتي
ماهي خليجية ولا هي من الصين=من ديرتن فيها الليال الشواتي
ربي خلقها نور من تربة الطين=وأروى ورود خدودها بالنداتي
وردة ربيع في مروج البساتين=من منبع النهار تسقى الفراتي
عرفت فرق الزين يا رياض والشين=وأهتز من قلبي ركون ثباتي
هذا وأنا في نفسي أقول ذالحين=ذالحين أجاوبها وأعرّف بذاتي
عاينت فيها يسار وهي لدت يمين=وتبسمت عن بيضها الناصعاتي
ونادوا على رحلة ثمان وثمانين=نرجوا توجهكم إلى الطايراتي
جرت حقيبتها وبالكف كيسين=وأقفت ولا أدري وش يسوي سواتي
صديت ما قصدي شهامة ولا دين=ذليت لا تقطع ضميري شفاتي
واليوم أنا يا ناس ما بين نارين=أما حياة الذل وألا المماتي
هل تعلمون ماذا خطر ببالي عندما أنهيت قرآءتها ؟
مباشرة خطر ببالي الشاعر العباسي ( علي بن الجهم )
فعندما كان يعيش في الصحراء جاء للخليفة وقال يمدحه :
أنت كالكلب في حفاظك للود= وكالتيس في قراع الخطوبي
فهم القوم به ليقتلوه فقال الخليفة لهم : دعوه وليمكث ببغداد عاما واحدا , وبعد أن أتم ( علي بن الجهم ) عامه الأول طلب منه الخليفة قصيدة فقال علي :
عيون المها بين الرصافة والجسر=جلبن لي الهوى من حيث أدري ولا أدري
فانظروا كيف تغرت طريقة شاعرنا عندما نزل في دبي ورأى ما لم يره من قبل .
لا أريد أن يستحوذ إعجابي علي وأترك لك الباب مفتوحا لذكر الإيجابيات أو السلبيات وأتمنى أن تسامحوني على الاطالة وأشكر كل من استهلك من وقته لقراءة ما كتبت .
كثيرا ما أحب إضاءة الزوايا المظلمة وإبراز الجماليات المغطاة ونثرالغبار عن الإبداعات المدفونة والمهملة ومن هذا الباب أحببت مشاركتكم وأيضا أحببت أن أخص منتدانا العامر بهذه الدراسة النقدية المتواضعة ولعلمي أن هناك من سيقدر هذا المجهود الذي يشهد الله انه من صنع يدي وعصارة أفكاري .
قبل أن ألج في هذه الرحلة الممتعة والتي قضيت معها ليال جميلة ولحظات من استكشاف أغوار هذه الأبيات , قبل هذا أريد أن أقول بأني بحثت عن هذا الشاعر على محركات البحث فوجدت له نصين فقط وكلاهما موجود عندي بالدفتر .
طبعا لن أتطرق لاسم الشاعر حتى نكون حياديين في أحكامنا على القصائد , وصاحبنا يبدو من قصيده أنه متعمق بل متعلق بالماضي ومن هذا بيت له في مطلع إحدى قصائده :
عديت لولاح(ن) رفيع(ن) ومزموم=رجم(ن) طويل(ن) كل ما جيته أرقاه
وإذا تتبعنا باقي القصيدة - ولا شك أن الكثير يشاركني متعة النقد والتحقيق - وجدناها تتحدث عن موضوع رفيع وكأنك تخاطب أحد كبار السن , مع العلم أنه شاب في ريعان الشباب والآن مع باقي القصيدة :
و أخذت أجر الصوت ما نيب مليوم=من ضيقة بيـن الضلـوع المحنـاه
الله لحال من عنـاء الوقـت مثلـوم=همن يصبـح بـه و همـن تمسـاه
مثل القلم للي على الدرس مرغـوم=لا ضاق خلقه شـده و قـام يبـراه
و من الزعل كنه على البري ملزوم=و كثر عليه البري ليـن إنـه أنهـاه
هذي سواة الوقت بـي دايـم الـدوم=أجحد و أداري خافي القلب و أكماه
دنيا تخلـي ثابـت القلـب مسهـوم=يمشي بها غصب على غير مشهـاه
يا بدر بذتني و أنـا أطيـح و أقـوم=و أقصى جدايه قولتـي و آحـلالاه
عزاه و ين اللي رفيع عـن اللـوم=اللي يسايل حاجتـي قبـل لا أبـداه
و ين الرفيق اللي له السر مكتـوم=اللي ليـا ظنيـت بـه طيـب ألقـاه
يا قل جنسه كان ما هـوب معـدوم=قفـن طويـلات الليالـي بحلـيـاه
وين الرجال اللي لها طيب و سلوم=أهل المجالـس و العلـوم المسمـاه
وين الرجال مدلهـة كـل مهمـوم=لا جاهم اللـي يذكـر الهـم خـلاه
وين العرب يا بدر في وقتنا اليـوم=راحوا مع اللي راح و أقفت مطايـاه
وهذي سوالفهم بقـت عقبهـم كـوم=سولف بها الطيب على طيـب جـاه
ما كنهم عدوا علـى راس مرجـوم=الله على فعـل الزمـان و سوايـاه
واليوم أنا بسند على بدر زيزوم=وأنشد عن الطيب شبيهه وشرواه
تم الجواب و غايـة العلـم مفهـوم=و الهرج يكفي عـن بقايـاه معنـاه
أقول : هذه القصيدة تتحدث عن الأصحاب الصادقين والذين لم يعد شاعرنا - بحسب رأيه - يراهم بل اضمحلوا فهاهو يطلع على الرجم كما يفعل الأصحاب الصادقين في الزمن الماضي تماما ويبين حالته تقليدا لهم ثم ما يلب أن يدخل في وصف حالته بوصف دقيق وإن كان مطروقا قبله لكن التجديد لديه جاء في زيادته الوصف حيث قال (لا ضاق خلقه شده وقام يبراه) ولم تكغه هذه الزيادة بل أضاف :
و من الزعل كنه على البري ملزوم=و كثر عليه البري ليـن إنـه أنهـاه
فحين تتخيل منظر الطالب الصغير في أداء واجباته وأهله يكثرون عليه اللوم حتى لا يتراجع مستواه , ثم يبدأ يزمجر عليهم ويضرب بحقيبته ويسحب أقلامه منها لكي ينهي هذا الواجب الذي أصبح مصدر إزعاج له وهو لا يريده واستلم القلم الرصاص في يد ومبراة القلم في الأخرى ثم بدأ يبريه وهو في لحظات من الغضب والحقد على هذا القلم المسكين , أقول حين تتخبل هذا كله تعلم بأن صاحبنا لم يأت بهذا من فراغ بل من واقع تجربة استثمرها في إيصال ذلك إلينا عن حالته .
ومن ناحية العاطفة فتتبين عاطفته الباكية المتحسرة على ذاك الزمان وكأنه قد بلغ عمرا طويلا يذكر فيه أمورا قديمة زالت أو أدرك منها الكثير وظن بأنها لن تزول ولكنها ذهبت أو أنه مر عليه موقف أغضبه من صديق لم يتوقعه منه ففاضت قريحته بهذا - وهذا هو الأقرب - مثل قوله:
وين الرجال اللي لها طيب و سلوم=أهل المجالـس و العلـوم المسمـاه
وين الرجال مدلهـة كـل مهمـوم=لا جاهم اللـي يذكـر الهـم خـلاه
وين العرب يا بدر في وقتنا اليـوم=راحوا مع اللي راح و أقفت مطايـاه
وهذي سوالفهم بقـت عقبهـم كـوم=سولف بها الطيب على طيـب جـاه
وذلك مانقرأه بين سطور قصيدته.
كما نلاحظ فالقصيدة غنية بالكثير من المعاني والأوصاف والتي أتركها لكم فمنكم بلا شك من هو أدق مني تفكيرا وأعمق نظرا .
وهناك قصيدة أخرى - استحوذت على كامل إعجابي -وأنتم تتشوقون لها وتملك نفس المطلع ولكن هناك تضاد تام بين المطلعين , القصيدة تقول في مطلعها :
رجم رفيع تالي العصر باديه=لوحت به كني عليه مغصوبي
لو نظرنا إلى مطلع القصيدة الأول لوجدنا أن الشاعر يتردد على ذلك الرجم والسبب أنه يتوجد على أمر وزمان لن يعود فهو كلما مر بهذا الرجم تذكر الزمان الماضي ثم صعد فيه , وكما نرى ذلك معنى دقيق .
بخلاف مطلع القصيدة الثانية فلم يرقى الرجم سوى تلك المرة التي ذكرها لأن قصيدته تتحدث عن أمر واحد ومحدد وربما أن هذا الأمر لم يكن ي}رقه مثل القصيدة الأولى .
يقول في القصيدة الثانية :
لوحـت بـه مانيـب طـرب(ن) ولا أبـيـه=لا شـك هـم(ن) فــي حشـايـه يلـوبـي
عديـت بــه والـدمـع مانـيـب كامـيـه=عـن مـوق عينـي مستـزل(ن) سكـوبـي
جـرّح فـوادي قـبـل تـجـرح مجـاريـه=ويفـوح فـوح الـلـي محتـهـا الغـروبـي
علـى الـذي لـي عـدة أعــوام راجـيـه=رجـوى الغريـر اللـي يشـوف الشـروبـي
لا نــال مطلـوبـه ولا هــوب نـاسـيـه=ولا لـه علـى الرجـوى لسان(ن)طلـوبـي
وجـدي عليهـم وجــد مــن بالمتايـيـه=خلـى الصميـل ولا خــذا لــه ركـوبـي
طفـل(ن) يتيـم(ن) مـا لقـى مـن يراعيـه=من عقـب مـوت أمـه كظـوم(ن) كروبـي
وأبـوه مابيـن أقـشـر الـنـاس رامـيـه=والحـظ جـابـه بـيـن عوج(ن)وعـوبـي
مـا لـه مـع الجهـال لـعـب(ن) يسلـيـه=منـبـوذ مـطـرود(ن) كـريـه محـروبـي
في معـزل(ن) يصبـح ويمسـي وهـو فيـه=ويلـه علـى شـوف السـفـر والهـروبـي
قامـت تكسّـر فــي الضمـايـر عبـاريـه=وكبـده مـن الحسـرات خطـر(ن) تـذوبـي
شاف السفر من عقـب مـا هـوب ناسيـه=فـي ساعـة غــاب الرقـيـب الرهـوبـي
و خـل السجـون وشوفـة الصـبـح تكفـيـه=يركـض علـى البيـدا شـمـال وجنـوبـي
وطـال النهـار ولا هـب القـيـظ شـاويـه=وركّـب عليـه الخـوف مـن كـل صوبـي
ومـن الـدرك يبسـت لهـاتـه وأشافـيـه=وأصبح يشـوف الـدرب نـوب(ن) ونوبـي
وطـاح وتـذكّـر مــن تـعـزه وتغلـيـه=وتـرفـاه لا بـانـت عـلـيـه العـيـوبـي
ويلـه عليـهـا ليتـهـا الـيـوم توحـيـه=وتـشـوف صـكـات الـزمـان الغلـوبـي
قــام يتـمـنـى مـايـسـرن أمـانـيـه=تكـذح عـلـى وجـهـه ذوارى الهبـوبـي
وجـدي مثـل وجـده ولا نـيـب مهفـيـه=علـى غــزال(ن) بالوصـايـف عجـوبـي
عـز الله إنـه غـايـة الــروح وأبغـيـه=لـكـن حــط الـوقـت دوبــه ودوبــي
مـن دونهـم خـد(ن) وسـاع(ن) مناحـيـه=متايـهـة(ن) فيـهـا تضـيـع الـدروبـي
خـد(ن) خــلاوي(ن) تـطـارد ذواريــه=مضامي(ن)شهـب(ن) سـمـوم(ن) لهـوبـي
وأنـا بــراس الـرجـم والعـيـن تبكـيـه=ذكـرنـي المـرجـوم خــل(ن) طـروبـي
يقطعـك يـا رجــم(ن) تعـنـي مراقـيـه=شبـت عـلـى قـلـب المعـنّـا شبـوبـي
وحولـت منـه ومضمـر القـلـب مخفـيـه=وأقـول عنهـم والله إنــي مــا أتـوبـي
حسبـي علـى اللـي حدنـي عنـه لا أجيـه=عـز الله إنهـم بالـهـوى عــزروا بــي
عجيب أمر هذا الشاعر تراه فتقول من هذا الزمن وتقرأ له فتظنه من العصور الماضية , هل تظنون أنه سيغير من أسلوبه أو من طريقته أو من ألفاظه . . .
أريد منكم أن تدققوا فيها من خلال القصيدتين السابقتين فإذا تأملتوهما وتشبع فيكم منها التفكير فاقرؤا هذه القصيدة :
يا أبو محمد يا زبون المخلين=هل النضا الحفيات والوانياتي
ريف النشاما والرجال المسمين=هل اليمين الطلق في الموجاباتي
لا تآخذه فيه كثير المظانين=ولا تحسبني جيت بالمعجزاتي
أمر حصلي تاركه قد لي سنين=سنين من كثر البطا مرمساتي
منول والقلب في مطلب العين=يتبع هواها وين راحت وجاتي
واليوم دينا ونسينا المزايين=وألهتني الدنيا بكثر الشقاتي
ألهتني الأيام وأغناني الدين=والبال طاب ومني القلب ماتي
فلا عاد ربي في دبي يوم الاثنين=مطارها اللي به جميع اللغاتي
يوم أعترض للعين في كامل الزين=يقصر خطاه ويكثر الالتفاتي
كنه يدور حاجتن حطها وين=وقف وطالع في جميع الجهاتي
قالت مساء الخير يا أخ من وين=أبسألك إن كان أنت إماراتي
ضحكت بحجاجي وطالعت بالعين=ما ودي إظهر كلمتي من سكاتي
أخاف لا ترجح علي الموازين=وتميل سياتي بكل حسناتي
ثم جلست جنبي وطالعتها زين=وحققت في خلق بديع الصفاتي
ماهي خليجية ولا هي من الصين=من ديرتن فيها الليال الشواتي
ربي خلقها نور من تربة الطين=وأروى ورود خدودها بالنداتي
وردة ربيع في مروج البساتين=من منبع النهار تسقى الفراتي
عرفت فرق الزين يا رياض والشين=وأهتز من قلبي ركون ثباتي
هذا وأنا في نفسي أقول ذالحين=ذالحين أجاوبها وأعرّف بذاتي
عاينت فيها يسار وهي لدت يمين=وتبسمت عن بيضها الناصعاتي
ونادوا على رحلة ثمان وثمانين=نرجوا توجهكم إلى الطايراتي
جرت حقيبتها وبالكف كيسين=وأقفت ولا أدري وش يسوي سواتي
صديت ما قصدي شهامة ولا دين=ذليت لا تقطع ضميري شفاتي
واليوم أنا يا ناس ما بين نارين=أما حياة الذل وألا المماتي
هل تعلمون ماذا خطر ببالي عندما أنهيت قرآءتها ؟
مباشرة خطر ببالي الشاعر العباسي ( علي بن الجهم )
فعندما كان يعيش في الصحراء جاء للخليفة وقال يمدحه :
أنت كالكلب في حفاظك للود= وكالتيس في قراع الخطوبي
فهم القوم به ليقتلوه فقال الخليفة لهم : دعوه وليمكث ببغداد عاما واحدا , وبعد أن أتم ( علي بن الجهم ) عامه الأول طلب منه الخليفة قصيدة فقال علي :
عيون المها بين الرصافة والجسر=جلبن لي الهوى من حيث أدري ولا أدري
فانظروا كيف تغرت طريقة شاعرنا عندما نزل في دبي ورأى ما لم يره من قبل .
لا أريد أن يستحوذ إعجابي علي وأترك لك الباب مفتوحا لذكر الإيجابيات أو السلبيات وأتمنى أن تسامحوني على الاطالة وأشكر كل من استهلك من وقته لقراءة ما كتبت .