جان دارك
06-06-2010, 12:50 PM
هذه كلمات جميلة فعلا للإمام ابن القيم عن الحزن يحسُن التذكير بها ، وأيضا تذكر المقابل الحسن وهو إدخال السرور على قلوب المسلمين وترك ضده وهو احزانهم
والله نسأل أن يوفقنا لما يحب ويرضى من القول والعمل والنيات ويصلحها لنا
...
يقول ابن القيم رحمه الله في "طريق الهجرتين" (1/418) :
"اعلم أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان، ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه، جزاء ولا ثوابا، بل نهى عنه في غير موضع، كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]،
وقال تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127]، وقال تعالى: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:26]،
وقال: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، فالحزن هو بلية من البلايا التي نسأل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر:34]، فحمدوه على أن أذهب عنهم تلك البلية، ونجاهم منها، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، أنه كان يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال".... والمقصود أن النبي جعل الحزن مما يستعاذ منه؛ وذلك لأن الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن ،قال تعالى: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة:10]، فالحزن مرض من أمراض القلب، يمنعه من نهوضه، وسيره، وتشميره، والثواب عليه، ثواب المصائب التي يبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض، والألم ونحوهما، وأما أن يكون عبادة مأمورا بتحصيلها وطلبها فلا فرق بين ما يثاب عليه العبد من المأمورات، وما يثاب عليه من البليات، ولكن يحمد في الحزن سببه ومصدره ولازمه لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن على تفريطه وتقصيره في خدمة ربه وعبوديته، وإما أن يحزن على تورطه في مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته، وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه، وعلى حياته حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه، ولو كان قلبه ميتا لم يحس بذلك ولم يحزن ولم يتألم فما لجرح بميت إيلام، وكلما كان قلبه أشد حياة كان شعوره بهذا الألم أقوى، ولكن الحزن لا يجدي عليه فإنه يضعفه كما تقدم، بل الذي ينفعه أن يستقبل السير ويجد ويشمر ويبذل جهده".
وقال أيضا رحمه الله في "مدارج السالكين" (1/505) :
"فصل ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة الحزن وليست من المنازل المطلوبة ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث؛ لأن ذلك يحزنه، فالحزن ليس بمطلوب ولا مقصود ولا فيه فائدة وقد استعاذ منه النبي
فقال : "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن" فهو قرين الهم والفرق بينهما : أن المكروه الذي يرد على القلب إن كان لما سيستقبل : أورثه الهم وإن كان لما مضى : أورثه الحزن وكلاهما مضعف للقلب عن السير مفتر للعزم ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر:34]، فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم، وأما قوله تعالى : {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة : 92] ، فلم يمدحوا على نفس الحزن، وإنما مدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم، حيث تخلفوا عن رسول الله لعجزهم عن النفقة، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم بل غبطوا نفوسهم به، وأما قوله في الحديث الصحيح : "ما يصيب المؤمن من هم، ولا نصب، ولا حزن، إلا كفر الله به من خطاياه" فهذا يدل على أنه مصيبة من الله يصيب بها العبد، يكفر بها من سيئاته، لا يدل على أنه مقام ينبغي طلبه واستيطانه، وأما حديث هند بن أبي هالة، في صفة النبي: "إنه كان متواصل الأحزان" فحديث لا يثبت، وفي إسناده من لا يعرف، وكيف يكون متواصل الأحزان وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن، بل كان دائم البشر ضحوك السن كما في صفته: "الضحوك القتال" صلوات الله وسلامه عليه وأما الخبر المروي : "إن الله يحب كل قلب حزين" فلا يعرف إسناده، ولا من رواه، ولا تعلم صحته، وعلى تقدير صحته فالحزن مصيبة من المصائب التي يبتلي الله بها عبده، فإذا ابتلى به العبد فصبر عليه أحب صبره على بلائه، وأما الأثر الآخر :"إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة، وإذا أبغض عبدا جعل في قلبه مزمارا" فأثر إسرائيلي قيل : إنه في التوراة، وله معنى صحيح فإن المؤمن حزين على ذنوبه، والفاجر لاه لاعب مترنم فرح، وأما قوله تعالى عن نبيه إسرائيل : {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف : 84]، فهو إخبار عن حاله بمصابه بفقد ولده وحبيبه وأنه ابتلاه بذلك، كما ابتلاه بالتفريق بينه وبينه، وأجمع أرباب السلوك على أن حزن الدنيا غير محمود، إلا أبا عثمان الحيري فإنه قال : الحزن بكل وجه فضيلة وزيادة للمؤمن ما لم يكن بسبب معصية قال : لأنه إن لم يوجب تخصيصا فإنه يوجب تمحيصا، فيقال لا ريب أنه محنة وبلاء من الله بمنزلة المرض، والهم، والغم، وأما أنه من منازل الطريق : فلا والله سبحانه أعلم".
نسأل الله سبحانه أن يرزقنا - جميعا- حسن الاتباع لما يحبه ويرضاه !
والله نسأل أن يوفقنا لما يحب ويرضى من القول والعمل والنيات ويصلحها لنا
...
يقول ابن القيم رحمه الله في "طريق الهجرتين" (1/418) :
"اعلم أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان، ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه، جزاء ولا ثوابا، بل نهى عنه في غير موضع، كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]،
وقال تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127]، وقال تعالى: {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة:26]،
وقال: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، فالحزن هو بلية من البلايا التي نسأل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر:34]، فحمدوه على أن أذهب عنهم تلك البلية، ونجاهم منها، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، أنه كان يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال".... والمقصود أن النبي جعل الحزن مما يستعاذ منه؛ وذلك لأن الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن ،قال تعالى: { إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة:10]، فالحزن مرض من أمراض القلب، يمنعه من نهوضه، وسيره، وتشميره، والثواب عليه، ثواب المصائب التي يبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض، والألم ونحوهما، وأما أن يكون عبادة مأمورا بتحصيلها وطلبها فلا فرق بين ما يثاب عليه العبد من المأمورات، وما يثاب عليه من البليات، ولكن يحمد في الحزن سببه ومصدره ولازمه لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن على تفريطه وتقصيره في خدمة ربه وعبوديته، وإما أن يحزن على تورطه في مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته، وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه، وعلى حياته حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه، ولو كان قلبه ميتا لم يحس بذلك ولم يحزن ولم يتألم فما لجرح بميت إيلام، وكلما كان قلبه أشد حياة كان شعوره بهذا الألم أقوى، ولكن الحزن لا يجدي عليه فإنه يضعفه كما تقدم، بل الذي ينفعه أن يستقبل السير ويجد ويشمر ويبذل جهده".
وقال أيضا رحمه الله في "مدارج السالكين" (1/505) :
"فصل ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة الحزن وليست من المنازل المطلوبة ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث؛ لأن ذلك يحزنه، فالحزن ليس بمطلوب ولا مقصود ولا فيه فائدة وقد استعاذ منه النبي
فقال : "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن" فهو قرين الهم والفرق بينهما : أن المكروه الذي يرد على القلب إن كان لما سيستقبل : أورثه الهم وإن كان لما مضى : أورثه الحزن وكلاهما مضعف للقلب عن السير مفتر للعزم ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}[فاطر:34]، فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم، وأما قوله تعالى : {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة : 92] ، فلم يمدحوا على نفس الحزن، وإنما مدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم، حيث تخلفوا عن رسول الله لعجزهم عن النفقة، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم بل غبطوا نفوسهم به، وأما قوله في الحديث الصحيح : "ما يصيب المؤمن من هم، ولا نصب، ولا حزن، إلا كفر الله به من خطاياه" فهذا يدل على أنه مصيبة من الله يصيب بها العبد، يكفر بها من سيئاته، لا يدل على أنه مقام ينبغي طلبه واستيطانه، وأما حديث هند بن أبي هالة، في صفة النبي: "إنه كان متواصل الأحزان" فحديث لا يثبت، وفي إسناده من لا يعرف، وكيف يكون متواصل الأحزان وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها، ونهاه عن الحزن على الكفار، وغفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، فمن أين يأتيه الحزن، بل كان دائم البشر ضحوك السن كما في صفته: "الضحوك القتال" صلوات الله وسلامه عليه وأما الخبر المروي : "إن الله يحب كل قلب حزين" فلا يعرف إسناده، ولا من رواه، ولا تعلم صحته، وعلى تقدير صحته فالحزن مصيبة من المصائب التي يبتلي الله بها عبده، فإذا ابتلى به العبد فصبر عليه أحب صبره على بلائه، وأما الأثر الآخر :"إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة، وإذا أبغض عبدا جعل في قلبه مزمارا" فأثر إسرائيلي قيل : إنه في التوراة، وله معنى صحيح فإن المؤمن حزين على ذنوبه، والفاجر لاه لاعب مترنم فرح، وأما قوله تعالى عن نبيه إسرائيل : {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف : 84]، فهو إخبار عن حاله بمصابه بفقد ولده وحبيبه وأنه ابتلاه بذلك، كما ابتلاه بالتفريق بينه وبينه، وأجمع أرباب السلوك على أن حزن الدنيا غير محمود، إلا أبا عثمان الحيري فإنه قال : الحزن بكل وجه فضيلة وزيادة للمؤمن ما لم يكن بسبب معصية قال : لأنه إن لم يوجب تخصيصا فإنه يوجب تمحيصا، فيقال لا ريب أنه محنة وبلاء من الله بمنزلة المرض، والهم، والغم، وأما أنه من منازل الطريق : فلا والله سبحانه أعلم".
نسأل الله سبحانه أن يرزقنا - جميعا- حسن الاتباع لما يحبه ويرضاه !