ناقل خبر
08-09-2009, 04:59 AM
لماذا نوظف مقدراتنا التراثية لخدمة النعرات والعنصريات؟!
كتب- محرر الوراق
قال أبو الهلال العسكري:
لا تعرف أنساب العرب وتواريخها وأيامها ووقائعها إلا من جملة أشعارها، فالشعر ديوان العرب وخزانة حكمتها ومستنبط آدابها ومستودع علومها.
وهذه هي مكانة الشعر عند العرب منذ جاهليتهم وحتى يومنا هذا؛ فالشعر ديوان العرب، ومع مجيء الإسلام لم يأخذ الإسلام موقفا متشددا منه بل حذر من الشعر السيئ والمنحرف والذي يذكي النزعات والعنصريات والعصبيات أو شعر الهجاء وسب الآخرين سواء كانوا أفرادا أو مجموعات.
ومن أجود أنواع الشعر وأرقاها شعر المحاورة، والذي ولد بالحجاز منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا وهو متوهج حجازيا إلا أن هذا الشعر التراثي والأصيل (قد) استخدمه البعض فيما لا ينبغي من إذكاء العنصريات مع أنه في أساسه شعر راق قائم على المعاني النبيلة وعلى طريقة الألغاز أو إخفاء المعنى.
يحلو لجمهور المحاورة أن يستشهدوا بالقصة التراثية الأقدم والأجمل في الدلالة على رقي هذا الفن بالمحاورة التي دونتها لنا كتب التراث الأدبي القديم.
حيث التقى الشاعران الكبيران الجاهليان امرؤ القيس بن حُجر وعبيد بن الأبرص الأسدي، فكان بينهما سؤال وجواب على الشعر، وهذا السؤال يتضمن لغزا ويجيب عليه الآخر ببيت شعر على القافية نفسها، فكانت بينهما محاورة جميلة؛ من ضمن ما جاء فيها:
من أن عبيد بن الأبرص الأسدي لقيه فقال له: كيف معرفتك بالأوابد؟ فقال امرؤ القيس: ألق ما شئت تجدني كما أحببت. فقال عبيد:
ما حبَّة ميتة أحيت بموتتها
درداء ما أنبتت سِناً وأضراساً
فقال امرؤ القيس:
تلك الشعيرة تسقى في سنابلها
فأخرجت بعد طول المكث أكداسا
قال عبيد:
ما السود والبيض والأسماء واحدة
لا يستطيع لهن الناس تمساسا؟
فقال امرؤ القيس:
تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها
روي بها من محول الأرض أيباسا
وللتعليق على ما تقدم كان للوراق حديث مختصر مع الشيخ بدر بن نايف الضيط الذي يرى أن شعر المحاورة شعر عريق وأصيل، وبالتالي يجب أن يكون الآن في مستوى أصالته في تراثنا العريق، وأن لا يكون هذا الفن الراقي وسيلة لاستفزار الآخرين أو إثارة الموضوعات التي لا تخدم المجتمع بحال من الأحوال.
ويضيف الشيخ الضيط: إن هذا الشعر من الممكن أن يأتي بموضوعات ذات جوانب اجتماعية تمس احتياجات الناس ومصالحهم، أو الحديث مع المسؤول بأسلوب شعري أرقى لحل مشكلة أو مناقشة همٍّ اجتماعي، وقبل ذلك وبعده، يقول الضيط: لابد أن ينمي هذا الشعر - وهو شعر له جمهور كبير- الحس الوطني عند الناس.
وتعليقا على حديث الوراق للشيخ الضيط أن بعض الشعراء ينتقص قبائل أخرى بهذا الشعر سواء كان هذا النقد مباشرا أو بالتعريض والألغاز أجاب الضيط، ولماذا لا يكون العكس وهو الثناء على القبائل والأسر الأخرى؟، ولماذا لا يستمتع بعض الناس بهذا الشعر إلا إذا كان فيه الشتم والسب.
وختم الضيط حديثه لهذا التحقيق بأن على الجيل القائم الآن من شعراء هذا الفن أن يستفيدوا من شعراء سبقوا وحققوا شهرة في مجال المحاورة ولم يسجل بحقهم إساءة للآخرين سواء كان الآخرون أشخاصا أو قبائل أو أسراً، ومثل الضيط بشعراء نبغوا في هذا الفن، وقد احترموا هذا الشعر التاريخي والأصيل واحترموا قبل ذلك أنفسهم، ومنهم مطلق الثبيتي وصياف الحربي رحمهما الله. والشاعر المعروف رشيد الزلامي، وشاعر الوطن خلف بن هذال العتيبي، وغيرهم.
ومن أسوأ صور استغلال الشعر ما نجده في بعض الكتب من ذكر لوقعات ومعارك وقتل حدثت بين أبناء الوطن الواحد قبل قيام ملحمة التوحيد على يد صقر الجزيرة العربية ومؤسس هذا الكيان الكبير الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل -طيب الله ثراه- فتجد بعض الناس حين يتحدث يتحدث عن قبيلته أو أسرته.
والأستاذ عبد الله بن محمد بن محمس له تجربة تستحق أن تسجل؛ حيث إنه ألف كتابا ضخما بعنوان (قبائل قحطان المذحجية أصولها القديمة وتفرعاتها الحديثة)، وقد طبع هذا الكتاب طبعتين وهو متداول في أوساط الباحثين والمثقفين. يقول الأستاذ ابن محمس عن عمله هذا وعن علاقة كتابه بالشعر القبلي أو الذي يحكي قصص معارك قديمة وغزوات بين أبناء الوطن الواحد بل في بعض الأحيان بين أبناء العمومة والأقارب يقول الأستاذ عبد الله:
عند تأليفي لكتابي بدأت تتجاذبني عدة آراء وأفكار حول الإشارة إلى بعض القصائد في مؤلفي وقمت بمشاورة نفسي حول هذه الموضوع وبدأت أمامي جوانب وتساؤلات منها: ما هي الفائدة من ذكر هذا الشعر مع اعترافي بأن هذا الاستشهاد يحمل سلبيات وايجابيات، وبعد عدة أيام وأنا في حيرة توصلت إلى قراري بعدم الإشارة إلى أي قصيدة فيها فخر أو مدح لقبيلة من القبائل؛ لأن هذه القصائد عديمة الجدوى وقد تسيء إلى الغير، وأنا لم أؤلف كتابي من أجل الإساءة إلى أحد، بل قصدت خدمة وطني وقبيلتي، ويضيف ابن محمس أني لم أورد أي قصيدة إلا في حالة واحدة وهي إذا كانت تحدد جدا أو تشير إليه في عمود النسب.
وختم حديثه ابن محمس: ومع أن بعضهم اقترح علي إضافة هذا النوع من القصائد إلا أني لم التفت إلى هذا المقترح، والحمد الله، هذا كتاب متداول ويلقى القبول وإن كان خاليا من هذه القصائد.
منقول من صحيفة الجزيرة صفحة وراق الجزيرة
الرابط
http://www.al-jazirah.com/277787/wo1d.htm
كتب- محرر الوراق
قال أبو الهلال العسكري:
لا تعرف أنساب العرب وتواريخها وأيامها ووقائعها إلا من جملة أشعارها، فالشعر ديوان العرب وخزانة حكمتها ومستنبط آدابها ومستودع علومها.
وهذه هي مكانة الشعر عند العرب منذ جاهليتهم وحتى يومنا هذا؛ فالشعر ديوان العرب، ومع مجيء الإسلام لم يأخذ الإسلام موقفا متشددا منه بل حذر من الشعر السيئ والمنحرف والذي يذكي النزعات والعنصريات والعصبيات أو شعر الهجاء وسب الآخرين سواء كانوا أفرادا أو مجموعات.
ومن أجود أنواع الشعر وأرقاها شعر المحاورة، والذي ولد بالحجاز منذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا وهو متوهج حجازيا إلا أن هذا الشعر التراثي والأصيل (قد) استخدمه البعض فيما لا ينبغي من إذكاء العنصريات مع أنه في أساسه شعر راق قائم على المعاني النبيلة وعلى طريقة الألغاز أو إخفاء المعنى.
يحلو لجمهور المحاورة أن يستشهدوا بالقصة التراثية الأقدم والأجمل في الدلالة على رقي هذا الفن بالمحاورة التي دونتها لنا كتب التراث الأدبي القديم.
حيث التقى الشاعران الكبيران الجاهليان امرؤ القيس بن حُجر وعبيد بن الأبرص الأسدي، فكان بينهما سؤال وجواب على الشعر، وهذا السؤال يتضمن لغزا ويجيب عليه الآخر ببيت شعر على القافية نفسها، فكانت بينهما محاورة جميلة؛ من ضمن ما جاء فيها:
من أن عبيد بن الأبرص الأسدي لقيه فقال له: كيف معرفتك بالأوابد؟ فقال امرؤ القيس: ألق ما شئت تجدني كما أحببت. فقال عبيد:
ما حبَّة ميتة أحيت بموتتها
درداء ما أنبتت سِناً وأضراساً
فقال امرؤ القيس:
تلك الشعيرة تسقى في سنابلها
فأخرجت بعد طول المكث أكداسا
قال عبيد:
ما السود والبيض والأسماء واحدة
لا يستطيع لهن الناس تمساسا؟
فقال امرؤ القيس:
تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها
روي بها من محول الأرض أيباسا
وللتعليق على ما تقدم كان للوراق حديث مختصر مع الشيخ بدر بن نايف الضيط الذي يرى أن شعر المحاورة شعر عريق وأصيل، وبالتالي يجب أن يكون الآن في مستوى أصالته في تراثنا العريق، وأن لا يكون هذا الفن الراقي وسيلة لاستفزار الآخرين أو إثارة الموضوعات التي لا تخدم المجتمع بحال من الأحوال.
ويضيف الشيخ الضيط: إن هذا الشعر من الممكن أن يأتي بموضوعات ذات جوانب اجتماعية تمس احتياجات الناس ومصالحهم، أو الحديث مع المسؤول بأسلوب شعري أرقى لحل مشكلة أو مناقشة همٍّ اجتماعي، وقبل ذلك وبعده، يقول الضيط: لابد أن ينمي هذا الشعر - وهو شعر له جمهور كبير- الحس الوطني عند الناس.
وتعليقا على حديث الوراق للشيخ الضيط أن بعض الشعراء ينتقص قبائل أخرى بهذا الشعر سواء كان هذا النقد مباشرا أو بالتعريض والألغاز أجاب الضيط، ولماذا لا يكون العكس وهو الثناء على القبائل والأسر الأخرى؟، ولماذا لا يستمتع بعض الناس بهذا الشعر إلا إذا كان فيه الشتم والسب.
وختم الضيط حديثه لهذا التحقيق بأن على الجيل القائم الآن من شعراء هذا الفن أن يستفيدوا من شعراء سبقوا وحققوا شهرة في مجال المحاورة ولم يسجل بحقهم إساءة للآخرين سواء كان الآخرون أشخاصا أو قبائل أو أسراً، ومثل الضيط بشعراء نبغوا في هذا الفن، وقد احترموا هذا الشعر التاريخي والأصيل واحترموا قبل ذلك أنفسهم، ومنهم مطلق الثبيتي وصياف الحربي رحمهما الله. والشاعر المعروف رشيد الزلامي، وشاعر الوطن خلف بن هذال العتيبي، وغيرهم.
ومن أسوأ صور استغلال الشعر ما نجده في بعض الكتب من ذكر لوقعات ومعارك وقتل حدثت بين أبناء الوطن الواحد قبل قيام ملحمة التوحيد على يد صقر الجزيرة العربية ومؤسس هذا الكيان الكبير الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل -طيب الله ثراه- فتجد بعض الناس حين يتحدث يتحدث عن قبيلته أو أسرته.
والأستاذ عبد الله بن محمد بن محمس له تجربة تستحق أن تسجل؛ حيث إنه ألف كتابا ضخما بعنوان (قبائل قحطان المذحجية أصولها القديمة وتفرعاتها الحديثة)، وقد طبع هذا الكتاب طبعتين وهو متداول في أوساط الباحثين والمثقفين. يقول الأستاذ ابن محمس عن عمله هذا وعن علاقة كتابه بالشعر القبلي أو الذي يحكي قصص معارك قديمة وغزوات بين أبناء الوطن الواحد بل في بعض الأحيان بين أبناء العمومة والأقارب يقول الأستاذ عبد الله:
عند تأليفي لكتابي بدأت تتجاذبني عدة آراء وأفكار حول الإشارة إلى بعض القصائد في مؤلفي وقمت بمشاورة نفسي حول هذه الموضوع وبدأت أمامي جوانب وتساؤلات منها: ما هي الفائدة من ذكر هذا الشعر مع اعترافي بأن هذا الاستشهاد يحمل سلبيات وايجابيات، وبعد عدة أيام وأنا في حيرة توصلت إلى قراري بعدم الإشارة إلى أي قصيدة فيها فخر أو مدح لقبيلة من القبائل؛ لأن هذه القصائد عديمة الجدوى وقد تسيء إلى الغير، وأنا لم أؤلف كتابي من أجل الإساءة إلى أحد، بل قصدت خدمة وطني وقبيلتي، ويضيف ابن محمس أني لم أورد أي قصيدة إلا في حالة واحدة وهي إذا كانت تحدد جدا أو تشير إليه في عمود النسب.
وختم حديثه ابن محمس: ومع أن بعضهم اقترح علي إضافة هذا النوع من القصائد إلا أني لم التفت إلى هذا المقترح، والحمد الله، هذا كتاب متداول ويلقى القبول وإن كان خاليا من هذه القصائد.
منقول من صحيفة الجزيرة صفحة وراق الجزيرة
الرابط
http://www.al-jazirah.com/277787/wo1d.htm