احمد العتيبي-1
05-18-2009, 12:56 PM
مصير غزّة بعد اتفاقيات كامب ديفيد!
بقلم نصر شمالي
لم تعد ثمّة إشارة في خطاب بعض الحكومات العربية إلى ما تعرّض له قطاع غزة من دمار وشعبه من قتل، ولا إشارة واضحة إلى مصير برنامج إعادة إعماره الذي أقرّ في شرم الشيخ، ولا تلميح إلى ضرورة أن لا ينجو الوحوش الصهاينة بارتكاباتهم التي لا مثيل لفظاعتها، فالقضية التي طغت اليوم على جميع القضايا العظمى هي خلّية حزب الله المتهمة بتهديد أمن مصر! وبغضّ النظر عن صحّة التهمة أو عدم صحّتها فإنّ حجم موقف الحكومة المصرية يؤكّد أنّ القضية أبعد وأهمّ من ذلك بكثير، فإذا توقعنا أنّ هذا الموقف يتعلّق بصمود غزّة وعدم انكسارها رغم جميع ما أصابها على مدى السنوات الماضية، منذ الانتخابات التشريعية، يكون توقّعنا في محلّه، وإذا توقّعنا أنّ هذه المبالغات المذهلة في الموقف من خلية حزب الله هي مدخل لجولة أخرى تهدف إلى إركاع غزّة وتحقيق استسلامها يكون توقّعنا في محلّه أيضاً، فغزّة يمكن أن تكون القشّة التي تقصم ظهر البعير، أو العقبة الصغيرة التي تتسبّب في انهيار اتفاقات كامب ديفيد الكبيرة، وانهيار جميع ما ترتّب عليها من مشاريع مصرية وفلسطينية وعربية عموماً! ولإنعاش الذاكرة العربية، وكي لا يفرقوننا في حكاية الشيعة والفرس، مثلما أغرقونا من قبل في حكاية الشيوعيين والروس، نعرض هذا الموجز التاريخي عن موقع قطاع غزّة في المشاريع الاستعمارية الصهيونية، كي نتعرّف على أهميته ودوره في الأحداث التي نعيشها اليوم:
يعود ذكر قطاع غزة في المشاريع الإنكليزية/ الأميركية إلى العام 1850، أي إلى ما ينوف عن مائة وثمانية وخمسين عاماً! ففي ذلك التاريخ جاء إلى فلسطين الكابتن البريطاني وليام آلان، الموظف في جمعية المهندسين الملكية، وأعدّ دراسة عن إمكانية ربط البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت بقناة تصل ما بين خليج حيفا ووادي الأردن، وتؤمن للإنكليز طريقاً إلى الهند بدلاً من قناة السويس التي يملكها الفرنسيون، حيث يمكن أيضاً وصل البحر الميت بخليج العقبة على البحر الأحمر! وعلى الرغم من احتلال الإنكليز لمصر أواخر القرن التاسع عشر، حيث سقطت ذريعة سيطرة الفرنسيين على قناة السويس، تواصل العمل في هذا الاتجاه، ففي العام 1899 أعدّ المهندس السويسري ماكس بوركارت دراسة،عرضها على رئيس المؤتمر الصهيوني اليهودي تيودور هرتزل، تدعو إلى التحضير لمشروع يتشكّل من قناتين مائيتين تزوّدان الدولة اليهودية بعد قيامها بالكهرباء: قناة من حيفا إلى البحر الميت، وثانية من جنوب بحيرة طبريا إلى البحر الميت أيضاً، وقد تبنى هرتزل المشروع، وراح يتحدث عن عنفات مائية تقام قرب البحر الميت، على مساقط المياه المجرورة من المتوسط، تنتج كمية من الكهرباء تغذي المنطقة الصناعية اليهودية التي ستنهض على سواحل البحر الميت!
في عام 1938 أوفدت الحكومة الأميركية خبير الريّ لوذر ميلك إلى فلسطين، حيث أمضى عاماً كاملاً في إعداد تقرير لصالح الوكالة اليهودية تضمّن الفقرة التالية:" هناك أدلة كثيرة تؤكد أن استغلال منخفض وادي الأردن سيجعل مع الوقت استيطان أربعة ملايين مهاجر يهودي من أوروبا أمراً ممكناً"! ومنذ ذلك التاريخ توالت المشاريع المائية الإنكليزية الأميركية الصهيونية، التي تناولت فلسطين كأنها أرض بلا شعب، إلى أن استقرت الدراسات، بصدد ربط المتوسط بالميت، على فكرة الانطلاق بالقناة من قطاع غزة، وأنّها فكرة قابلة للتنفيذ أكثر من غيرها!
في 24/8/1980 أقرت الحكومة الإسرائيلية اعتماد الطريق التي تبدأ من منطقة القطيف قرب خان يونس، وتمرّ في النقب الشمالي جنوب بئر السبع، وتصل إلى بوكك على البحر الميت، فعلى هذه الطريق يمكن أن تشقّ قناة مفتوحة بطول 22 كيلومتراً، يليها ويكملها أنبوب قطره خمسة أمتار وطوله 80 كيلومتراً، وقرب المصبّ على البحر الميت تقام بحيرتان أو ثلاث لخزن المياه التي ستدير أربعة مولّدات كهربائية قبل أن تواصل مياه المتوسط طريقها إلى البحر الميت! وقد قدّم وفد فلسطين إلى المؤتمر الثاني عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي انعقد في بغداد (1- 6 حزيران/ يونيو 1981) مذكرة أجملت قضية المشروع الصهيوني لربط المتوسط بالميت بكل ما يعنيه ذلك وما يترتب عليه من أخطار تتناول وجود العرب ومصير فلسطين، فقد كان مستثمرون من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا قد أعلنوا حينئذ عن استعدادهم لتمويل وتنفيذ المشروع الذي ينطلق من قطاع غزة، وشكّلت لجنة قانونية صهيونية أفتت بتجاهل العرب أصحاب البلاد، وجاء في فتواها ما يلي:" كان قطاع غزة تحت الحكم المصري حتى حرب عام 1967 حيث احتله الإسرائيليون، وانتهى الحكم المصري بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد التي أزالت صفة الاحتلال، فأصبح القطاع يتمتع بالحكم الذاتي، ولذلك فإنه لا يوجد في القانون الدولي ما يمنع إسرائيل من تمرير القناة المقترحة عبر أراضي القطاع، لأن القانون الدولي ينطبق فقط على حالة وجود الاحتلال الذي لم يعد موجوداً، فلا مجال لتطبيق القانون الدولي عليه.. الخ"! لقد انطلقت هذه الفتوى الصهيونية، كالعادة، من حقّ تصرّف الصهاينة بأرض فلسطين على أنّها خالية من البشر، أو كأنها محتلّة من قبل العرب الذين ينبغي إجلاءهم عنها!
وبالفعل، فإنّ هاجس الإسرائيليين الرئيسي الأبرز، خصوصاً منذ احتلال عام 1967، هو إجلاء العرب من الضفة والقطاع "المحرّرين" أو "المستردّين" من قبل اليهود حسب المنطق الصهيوني، وقد رأينا ونرى ذلك واضحاً تمام الوضوح في جميع خطاباتهم وتصرفاتهم! وكيف لا يتصرّف الإسرائيليون كذلك والدوائر العليا الأميركية والبريطانية وحليفاتها تقف بقوة وحزم خلف مشاريعهم؟ وكيف لا يتصرّفون كذلك وقد بلغ الأمر حدّ وقوع الاختلافات والعداوات بين العرب حول "سلطة فلسطينية" في ظلّ الاحتلال؟ ثمّ كيف لا يتصرّفون كذلك وقد ضمنت لهم واشنطن تواطؤ عدد من حكومات النظام الرسمي العربي، الذي انصهر بعضه عضوياً في الاستراتيجية الأميركية الصهيونية بعد اتفاقيات كامب ديفيد، وصار موقفه من المقاومة ومن غزّة مثل مواقف الأميركيين والإسرائيليين؟
في العام 1981، أثناء تعاظم النشاط بصدد المشاريع المائية/ الكهربائية الصهيونية وبصدد مصير قطاع غزّة، قالت مجلة "يو.إس.نيوز" الأميركية: "إن القناة ستحوّل البحر الميت إلى بحيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية التي ستكفي استهلاك الأردن وسوريا والعراق وفلسطين"! وإذا كنّا قد فهمنا في حينه من الذي سيمتلك مفتاح الكهرباء في هذه البلاد العربية فإنّنا لم نفهم لماذا استثنت المجلة الأميركية لبنان من أنوار المشروع الصهيوني التي ستضيء كامل المشرق العربي، بمساحته التي تزيد على 755 ألف كيلومتر مربع وبعدد سكانه الذي يقارب الثمانين مليوناً!
بقلم نصر شمالي
لم تعد ثمّة إشارة في خطاب بعض الحكومات العربية إلى ما تعرّض له قطاع غزة من دمار وشعبه من قتل، ولا إشارة واضحة إلى مصير برنامج إعادة إعماره الذي أقرّ في شرم الشيخ، ولا تلميح إلى ضرورة أن لا ينجو الوحوش الصهاينة بارتكاباتهم التي لا مثيل لفظاعتها، فالقضية التي طغت اليوم على جميع القضايا العظمى هي خلّية حزب الله المتهمة بتهديد أمن مصر! وبغضّ النظر عن صحّة التهمة أو عدم صحّتها فإنّ حجم موقف الحكومة المصرية يؤكّد أنّ القضية أبعد وأهمّ من ذلك بكثير، فإذا توقعنا أنّ هذا الموقف يتعلّق بصمود غزّة وعدم انكسارها رغم جميع ما أصابها على مدى السنوات الماضية، منذ الانتخابات التشريعية، يكون توقّعنا في محلّه، وإذا توقّعنا أنّ هذه المبالغات المذهلة في الموقف من خلية حزب الله هي مدخل لجولة أخرى تهدف إلى إركاع غزّة وتحقيق استسلامها يكون توقّعنا في محلّه أيضاً، فغزّة يمكن أن تكون القشّة التي تقصم ظهر البعير، أو العقبة الصغيرة التي تتسبّب في انهيار اتفاقات كامب ديفيد الكبيرة، وانهيار جميع ما ترتّب عليها من مشاريع مصرية وفلسطينية وعربية عموماً! ولإنعاش الذاكرة العربية، وكي لا يفرقوننا في حكاية الشيعة والفرس، مثلما أغرقونا من قبل في حكاية الشيوعيين والروس، نعرض هذا الموجز التاريخي عن موقع قطاع غزّة في المشاريع الاستعمارية الصهيونية، كي نتعرّف على أهميته ودوره في الأحداث التي نعيشها اليوم:
يعود ذكر قطاع غزة في المشاريع الإنكليزية/ الأميركية إلى العام 1850، أي إلى ما ينوف عن مائة وثمانية وخمسين عاماً! ففي ذلك التاريخ جاء إلى فلسطين الكابتن البريطاني وليام آلان، الموظف في جمعية المهندسين الملكية، وأعدّ دراسة عن إمكانية ربط البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت بقناة تصل ما بين خليج حيفا ووادي الأردن، وتؤمن للإنكليز طريقاً إلى الهند بدلاً من قناة السويس التي يملكها الفرنسيون، حيث يمكن أيضاً وصل البحر الميت بخليج العقبة على البحر الأحمر! وعلى الرغم من احتلال الإنكليز لمصر أواخر القرن التاسع عشر، حيث سقطت ذريعة سيطرة الفرنسيين على قناة السويس، تواصل العمل في هذا الاتجاه، ففي العام 1899 أعدّ المهندس السويسري ماكس بوركارت دراسة،عرضها على رئيس المؤتمر الصهيوني اليهودي تيودور هرتزل، تدعو إلى التحضير لمشروع يتشكّل من قناتين مائيتين تزوّدان الدولة اليهودية بعد قيامها بالكهرباء: قناة من حيفا إلى البحر الميت، وثانية من جنوب بحيرة طبريا إلى البحر الميت أيضاً، وقد تبنى هرتزل المشروع، وراح يتحدث عن عنفات مائية تقام قرب البحر الميت، على مساقط المياه المجرورة من المتوسط، تنتج كمية من الكهرباء تغذي المنطقة الصناعية اليهودية التي ستنهض على سواحل البحر الميت!
في عام 1938 أوفدت الحكومة الأميركية خبير الريّ لوذر ميلك إلى فلسطين، حيث أمضى عاماً كاملاً في إعداد تقرير لصالح الوكالة اليهودية تضمّن الفقرة التالية:" هناك أدلة كثيرة تؤكد أن استغلال منخفض وادي الأردن سيجعل مع الوقت استيطان أربعة ملايين مهاجر يهودي من أوروبا أمراً ممكناً"! ومنذ ذلك التاريخ توالت المشاريع المائية الإنكليزية الأميركية الصهيونية، التي تناولت فلسطين كأنها أرض بلا شعب، إلى أن استقرت الدراسات، بصدد ربط المتوسط بالميت، على فكرة الانطلاق بالقناة من قطاع غزة، وأنّها فكرة قابلة للتنفيذ أكثر من غيرها!
في 24/8/1980 أقرت الحكومة الإسرائيلية اعتماد الطريق التي تبدأ من منطقة القطيف قرب خان يونس، وتمرّ في النقب الشمالي جنوب بئر السبع، وتصل إلى بوكك على البحر الميت، فعلى هذه الطريق يمكن أن تشقّ قناة مفتوحة بطول 22 كيلومتراً، يليها ويكملها أنبوب قطره خمسة أمتار وطوله 80 كيلومتراً، وقرب المصبّ على البحر الميت تقام بحيرتان أو ثلاث لخزن المياه التي ستدير أربعة مولّدات كهربائية قبل أن تواصل مياه المتوسط طريقها إلى البحر الميت! وقد قدّم وفد فلسطين إلى المؤتمر الثاني عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي انعقد في بغداد (1- 6 حزيران/ يونيو 1981) مذكرة أجملت قضية المشروع الصهيوني لربط المتوسط بالميت بكل ما يعنيه ذلك وما يترتب عليه من أخطار تتناول وجود العرب ومصير فلسطين، فقد كان مستثمرون من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا قد أعلنوا حينئذ عن استعدادهم لتمويل وتنفيذ المشروع الذي ينطلق من قطاع غزة، وشكّلت لجنة قانونية صهيونية أفتت بتجاهل العرب أصحاب البلاد، وجاء في فتواها ما يلي:" كان قطاع غزة تحت الحكم المصري حتى حرب عام 1967 حيث احتله الإسرائيليون، وانتهى الحكم المصري بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد التي أزالت صفة الاحتلال، فأصبح القطاع يتمتع بالحكم الذاتي، ولذلك فإنه لا يوجد في القانون الدولي ما يمنع إسرائيل من تمرير القناة المقترحة عبر أراضي القطاع، لأن القانون الدولي ينطبق فقط على حالة وجود الاحتلال الذي لم يعد موجوداً، فلا مجال لتطبيق القانون الدولي عليه.. الخ"! لقد انطلقت هذه الفتوى الصهيونية، كالعادة، من حقّ تصرّف الصهاينة بأرض فلسطين على أنّها خالية من البشر، أو كأنها محتلّة من قبل العرب الذين ينبغي إجلاءهم عنها!
وبالفعل، فإنّ هاجس الإسرائيليين الرئيسي الأبرز، خصوصاً منذ احتلال عام 1967، هو إجلاء العرب من الضفة والقطاع "المحرّرين" أو "المستردّين" من قبل اليهود حسب المنطق الصهيوني، وقد رأينا ونرى ذلك واضحاً تمام الوضوح في جميع خطاباتهم وتصرفاتهم! وكيف لا يتصرّف الإسرائيليون كذلك والدوائر العليا الأميركية والبريطانية وحليفاتها تقف بقوة وحزم خلف مشاريعهم؟ وكيف لا يتصرّفون كذلك وقد بلغ الأمر حدّ وقوع الاختلافات والعداوات بين العرب حول "سلطة فلسطينية" في ظلّ الاحتلال؟ ثمّ كيف لا يتصرّفون كذلك وقد ضمنت لهم واشنطن تواطؤ عدد من حكومات النظام الرسمي العربي، الذي انصهر بعضه عضوياً في الاستراتيجية الأميركية الصهيونية بعد اتفاقيات كامب ديفيد، وصار موقفه من المقاومة ومن غزّة مثل مواقف الأميركيين والإسرائيليين؟
في العام 1981، أثناء تعاظم النشاط بصدد المشاريع المائية/ الكهربائية الصهيونية وبصدد مصير قطاع غزّة، قالت مجلة "يو.إس.نيوز" الأميركية: "إن القناة ستحوّل البحر الميت إلى بحيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية التي ستكفي استهلاك الأردن وسوريا والعراق وفلسطين"! وإذا كنّا قد فهمنا في حينه من الذي سيمتلك مفتاح الكهرباء في هذه البلاد العربية فإنّنا لم نفهم لماذا استثنت المجلة الأميركية لبنان من أنوار المشروع الصهيوني التي ستضيء كامل المشرق العربي، بمساحته التي تزيد على 755 ألف كيلومتر مربع وبعدد سكانه الذي يقارب الثمانين مليوناً!