احمد العتيبي-1
03-14-2009, 12:23 PM
الذين صمتوا
طارق عميرة
خلع معطفه وأشعل التلفاز وجلس يتأمل المذيعة البلهاء على الشاشة .. بابتسامتها الدائمة وكأنها تتلو خطاب السيد الرئيس الذى يهدد الأعداء فيه, يشعر أنها متحمسة ولكن لا يدرك لأى شيء, كاد يحول القناة الى قناة أخرى عندما جاءت صورة الأقصى وأمامه شخص يصرخ محركا يديه بعصبية وعنف.. (http://kawarith.blogspot.com/2008/11/blog-post_18.html)
http://deretna.com/vb/attachment.php?attachmentid=18766&stc=1&d=1237029347 http://deretna.com/vb/attachment.php?attachmentid=18767&stc=1&d=1237029347
تجمدت يده على زر التحويل وسرعان ما انتقلت أصابعه الى زر الصوت.. أخذ يرفع الصوت والمذيعة تتحدث.. تتحدث عن مهاجمة الأقصى مرة أخرى.. وهو يرفع الصوت غير مصدق..حتى وصل الصوت الى اعلى مداه.. يكاد يصم الآذان ويسمع المارة بالأسفل ولكن يبدو انه لم ينتبه.. فقط ظل ينصت.. ينصت للهول الذى تقوله المذيعة التى انتهت ووضعت أوراقها.. وقالت بذات ابتسامتها البلهاء:- نعود بعد فاصل اعلانى قصير!
شعر بالاختناق.. يقولون أنه عصبي لكنه لم يشعر بهذا حتى وهو يقوم ويتشبث بالشاشة يستنجد بها أن تنقل له الصورة مرة أخرى, ولم يشعر أنه عصبي كذلك وهو يمسك بالتلفاز الكبير ويرفعه ويلقى به أرضا للتناثر قطع بلاستيكية وزجاجية منه فى جميع الجهات, يهدأ قليلا فيفكر فيما رآه.. المذيعة البلهاء كانت تبتسم.. أتراها كانت مزحة؟ كلا, هذه نشرة الأخبار الحقيقية.. ربما لا تشعر بما تقوله؟ أم ربما يكون مسجد سيدى متولى بنهطاى قد تم تغيير اسمه الى المسجد الاقصى وهو ما يحدث به هذه الأحداث؟ ازداد شعوره بالاختناق.. تطلع الى بقايا التلفاز الذى كان كبيرًا منذ قليل.. بصق عليها بشدة.. وارتدى معطفه ومضى ..
***
على المقهى يجلس. .يمسك بالنارجيلة ويجذب نفسًا منها, يبدو له دخانها مسومًا.. سم يتغلغل فى صدره وفى عروقه, ربما هى سموم الحسرة, عبقرى من اخترع أداة السم هذه, يمنحك الانتحار على طبق ذهبي, تستمتع بالحياة ودخان النارجيلة معًا عالما أنها تقتص من عمرك شئت أم أبيت ولكن ماذا يفعل؟ الشاشات الفضائية تعرض الأمر بحماسة غير عادية, حرمات الأقصى تنتهك.. حرمات الأقصى تنتهك.. ولا يوجد رجل يقف فى وجه المعتدين, الآثمون أيديهم ملوثة بالغدر والدم فبماذا ستتلوث أيضًا؟ ما انفك الجميع يتحدثون.. لبيك يا أقصى .. لبيك يا أقصى.. ولكن يبدو أن الأقصى أكرم من الجميع فأبى أن يدافع عنه احد وآثر الدفاع عن نفسه بنفسه فلا ترى أثرا لمُلبّي.
الأقصى.. قضية كبيرة. ربما أخذت أكبر من حجمها.. يجب أن يتم منع اذاعة أن هناك أقصى من الأساس حتى لا ننفعل معه, هناك من يموت بأزمات صحية عندما يعلم بهذا الأمر.. أهذا ما يريدوه لنا, أن نموت جميعا بمثل هذه الأزمات؟ لا شيء نفعله حيال الأقصى, الشعور بالعجز يخيم على الجميع, ربما صمت الكبار أدى الى تحجيم الصغار, الكل متورط , والكل يعلم النتيجة مسبقًا, فعلام الحزن؟ هذا متوقع منذ تورط الأوغاد للمرة الأولى موقعين على بيع القدس التى أبى الشرفاء بيعها, فلنعترف معًا بجمهورية الطغيان, فلنعترف ولو كان اقصانا فى اراضيهم, ألم يريدوأ الأقصى؟ فليأخذوه.. ويريدون يثرب؟ فلينالوها..
اللعنة على هذه النارجيلة, لماذا كفت عن ضخ السم فى عروقه؟ يبدو أن وقودها قد انتهى . بعض السعال وبعض اللعنات تنهال عليها وعليهم.. يلف خرطومها حول الحديد المؤذى ويسعل مرة أخرى وهو يقسم فى أعماقه بأن لا يعود اليها ثانية ما دام مذاقها كريها هكذا, ولكنه يعرف انه سيعود, يقترب منه رجل طاعن فى السن ويجلس بجواره ويقول:
الخونة .. العملاء .. الله يرحم أيام ما كان الواحد فيه صحة.. لو فتحوا باب الجهاد والنعمه لأروح من بكرة.. ألا تريد الجهاد أنت أيضاً؟
يتأمل العجوز فى صمت ويخرج من جيبه بعض الورقات ويضعها على حافة النارجيلة ويقوم وهو يبصق ويقول:
- ليعطنا الله الصحة !
***
والآن يري نفسه يتقدم نحو الأقصى.. بيديه مدفعين رشاشين يبيدان جند الصهاينة من حوله, وعلى الأرض مئات الجثث بل الآلاف منها من ضحاياه, انه البطل, صلاح الدين الجديد الذى قتل راس الأفعى وداس على قلب الكتلة الصهيونية فشل حركتها, يتقدم ويطلق رصاص مدفعه على القفل الذى يزين الباب العملاق الخارجى للمسجد لتتناثر أشلاء القفل ويبقى الباب مفتوحًا الى ما شاء الله.. هيه, أخيراً حرر الاقصى بعد كل هذه السنين من الحصار والقتل والاعتثال والذل والقهر, المواجهة كانت دامية ولكنه قام بجزء كبير منها, الليلة ستعرض الفضائيات العالمية مشهد الرئيس الصهيونى وهو يموت برصاص مدفعه.
يفيق, آه.. يا ليت ما يشعرنا به الحشيش حقيقي.. الأحلام المترنحة الجميلة, لماذا وضعه المخدر فى هذه المواجهة رغم أنه يأخذه كل مرة الى عوالم ساحرة أخرى لا تمت للواقع بصلة؟ هل شعر المخدر بما يعتمل فى أعماقه فوضعه فى هذه المواجهة التى أثلجت صدره؟ ربما ترى.. هل الأقصى هو الأقصى حقًا؟ ومن احتل الآخر.. فلسطين أم اسرائيل؟ يبدو ان القذافى كان محقًا حين قال ليجعلوها اسراطين! هل فلسطين على الخريطة؟ ولو كانت على الخريطة فاين اسرائيل؟ هل سيأتى اليوم الذى تكون فيه اسرامصر ؟ أسئلة كثيرة حقًا..! يبدو أن الحشيش له دور كبير فى تفتيح الذهن !
***
على سريره يرقد رافعًا بصره إلى السماء ينظر الى سقف الحجرة ..لا يدرى ماذا يفعل , التلفاز شاشته متناثرة على أرض الصالة, ولا توجد وسيلة أخرى لتسلية وقته ها هنا, لماذا لا يحدث شيئا لهؤلاء الصهاينة؟ ألا يستطيع أحد فعل شئ حقًا؟ أهم أقوياء الى هذه الدرجة؟ أم أنهم لا يريدون فعل شيء؟
.. جيد .. توصلنا الى أنهم لا يريدون فعل شيء ..السؤال التالى, لماذا لا يريدون فعل شئ؟ هل كل هذه الدماء رخيصة عليهم إلى هذا الحد؟ هل الأقصى هين الى هذه الدرجة؟ يبقى السؤال معلقًا ولا اجابة له, هناك اجابة واحده لكنها قاسية الى حد لا يمكن تخيله, قاسية الى حد مخيف, ولكن يبدو أنها الاجابة الصحيحة ما دام الامر ممكنا ولا يوجد أى نفي له ولا يوجد سبب آخر, لا بد أنهم قبضوا الثمن.
..انتفض عن سريره عندما جاء هذا الخاطر.. وكأن روحه قد بثت فيها الحياة مرة أخرى, الآن يعرف ماذا سيفعل!
***
فى أروقة المبنى العملاق يسير, يتجول بين العسكر والثياب السوداء المحيطة به , تائه لا يعرف ماذا يفعل, تائه العقل والقلب والبصر, يتوجه الى القاعة التى يعلم أنه سيجد ضالته بها, يدخل بينما القاضى يستمع الى أحد الأشخاص.. يقلب صفحات الملف الأصفر الذي تزين واجهته صورة لقبة الصخرة, يتأكد من أن كل شيء على ما يرام ويجلس منتظرًا يستمع الى بشاعة القضية المعروضة, دقائق قليلة.. شعر أن أنفاسه ليست على مايرام وأنه لن يخرج من هنا كما دخل, قواه تضعف شيئًا فشيئا, ولكنه لن يستسلم حتى يفعل آخر ما يريده.. قام بما أمكنه من قوة وتوجه ببطء نحو القاضى.. الدفاع يتكلم ولكنه لا يأبه , العسكر يتدخلون ويمنعونه, القاضى يتابع حركته المتعثرة ويرى حالته يشير إليهم أن اتركوه, يكمل طريقه ويصل الى القاضى ويضع فى يده الملف الأصفر.. لا يستطيع التفوه.. القاضى فطن ففهم ما يريد ..
سأله :- ضد من ؟
أجاب :- الذين صمتوا !
***
وفى أحد المكاتب الصغيرة فى المحكمة كان هناك موظف صغير يطالع الملف الأصفر لتصنيفه, وفى الصفحة الأخيرة وجد العبارة المألوفة له: قضية منتهية لموت أحد أطرافها! يبتسم الموظف وهويقول فى نفسه: ولو لم يمت.. لحفظت حتى مات!
-تمت -
طارق عميرة
خلع معطفه وأشعل التلفاز وجلس يتأمل المذيعة البلهاء على الشاشة .. بابتسامتها الدائمة وكأنها تتلو خطاب السيد الرئيس الذى يهدد الأعداء فيه, يشعر أنها متحمسة ولكن لا يدرك لأى شيء, كاد يحول القناة الى قناة أخرى عندما جاءت صورة الأقصى وأمامه شخص يصرخ محركا يديه بعصبية وعنف.. (http://kawarith.blogspot.com/2008/11/blog-post_18.html)
http://deretna.com/vb/attachment.php?attachmentid=18766&stc=1&d=1237029347 http://deretna.com/vb/attachment.php?attachmentid=18767&stc=1&d=1237029347
تجمدت يده على زر التحويل وسرعان ما انتقلت أصابعه الى زر الصوت.. أخذ يرفع الصوت والمذيعة تتحدث.. تتحدث عن مهاجمة الأقصى مرة أخرى.. وهو يرفع الصوت غير مصدق..حتى وصل الصوت الى اعلى مداه.. يكاد يصم الآذان ويسمع المارة بالأسفل ولكن يبدو انه لم ينتبه.. فقط ظل ينصت.. ينصت للهول الذى تقوله المذيعة التى انتهت ووضعت أوراقها.. وقالت بذات ابتسامتها البلهاء:- نعود بعد فاصل اعلانى قصير!
شعر بالاختناق.. يقولون أنه عصبي لكنه لم يشعر بهذا حتى وهو يقوم ويتشبث بالشاشة يستنجد بها أن تنقل له الصورة مرة أخرى, ولم يشعر أنه عصبي كذلك وهو يمسك بالتلفاز الكبير ويرفعه ويلقى به أرضا للتناثر قطع بلاستيكية وزجاجية منه فى جميع الجهات, يهدأ قليلا فيفكر فيما رآه.. المذيعة البلهاء كانت تبتسم.. أتراها كانت مزحة؟ كلا, هذه نشرة الأخبار الحقيقية.. ربما لا تشعر بما تقوله؟ أم ربما يكون مسجد سيدى متولى بنهطاى قد تم تغيير اسمه الى المسجد الاقصى وهو ما يحدث به هذه الأحداث؟ ازداد شعوره بالاختناق.. تطلع الى بقايا التلفاز الذى كان كبيرًا منذ قليل.. بصق عليها بشدة.. وارتدى معطفه ومضى ..
***
على المقهى يجلس. .يمسك بالنارجيلة ويجذب نفسًا منها, يبدو له دخانها مسومًا.. سم يتغلغل فى صدره وفى عروقه, ربما هى سموم الحسرة, عبقرى من اخترع أداة السم هذه, يمنحك الانتحار على طبق ذهبي, تستمتع بالحياة ودخان النارجيلة معًا عالما أنها تقتص من عمرك شئت أم أبيت ولكن ماذا يفعل؟ الشاشات الفضائية تعرض الأمر بحماسة غير عادية, حرمات الأقصى تنتهك.. حرمات الأقصى تنتهك.. ولا يوجد رجل يقف فى وجه المعتدين, الآثمون أيديهم ملوثة بالغدر والدم فبماذا ستتلوث أيضًا؟ ما انفك الجميع يتحدثون.. لبيك يا أقصى .. لبيك يا أقصى.. ولكن يبدو أن الأقصى أكرم من الجميع فأبى أن يدافع عنه احد وآثر الدفاع عن نفسه بنفسه فلا ترى أثرا لمُلبّي.
الأقصى.. قضية كبيرة. ربما أخذت أكبر من حجمها.. يجب أن يتم منع اذاعة أن هناك أقصى من الأساس حتى لا ننفعل معه, هناك من يموت بأزمات صحية عندما يعلم بهذا الأمر.. أهذا ما يريدوه لنا, أن نموت جميعا بمثل هذه الأزمات؟ لا شيء نفعله حيال الأقصى, الشعور بالعجز يخيم على الجميع, ربما صمت الكبار أدى الى تحجيم الصغار, الكل متورط , والكل يعلم النتيجة مسبقًا, فعلام الحزن؟ هذا متوقع منذ تورط الأوغاد للمرة الأولى موقعين على بيع القدس التى أبى الشرفاء بيعها, فلنعترف معًا بجمهورية الطغيان, فلنعترف ولو كان اقصانا فى اراضيهم, ألم يريدوأ الأقصى؟ فليأخذوه.. ويريدون يثرب؟ فلينالوها..
اللعنة على هذه النارجيلة, لماذا كفت عن ضخ السم فى عروقه؟ يبدو أن وقودها قد انتهى . بعض السعال وبعض اللعنات تنهال عليها وعليهم.. يلف خرطومها حول الحديد المؤذى ويسعل مرة أخرى وهو يقسم فى أعماقه بأن لا يعود اليها ثانية ما دام مذاقها كريها هكذا, ولكنه يعرف انه سيعود, يقترب منه رجل طاعن فى السن ويجلس بجواره ويقول:
الخونة .. العملاء .. الله يرحم أيام ما كان الواحد فيه صحة.. لو فتحوا باب الجهاد والنعمه لأروح من بكرة.. ألا تريد الجهاد أنت أيضاً؟
يتأمل العجوز فى صمت ويخرج من جيبه بعض الورقات ويضعها على حافة النارجيلة ويقوم وهو يبصق ويقول:
- ليعطنا الله الصحة !
***
والآن يري نفسه يتقدم نحو الأقصى.. بيديه مدفعين رشاشين يبيدان جند الصهاينة من حوله, وعلى الأرض مئات الجثث بل الآلاف منها من ضحاياه, انه البطل, صلاح الدين الجديد الذى قتل راس الأفعى وداس على قلب الكتلة الصهيونية فشل حركتها, يتقدم ويطلق رصاص مدفعه على القفل الذى يزين الباب العملاق الخارجى للمسجد لتتناثر أشلاء القفل ويبقى الباب مفتوحًا الى ما شاء الله.. هيه, أخيراً حرر الاقصى بعد كل هذه السنين من الحصار والقتل والاعتثال والذل والقهر, المواجهة كانت دامية ولكنه قام بجزء كبير منها, الليلة ستعرض الفضائيات العالمية مشهد الرئيس الصهيونى وهو يموت برصاص مدفعه.
يفيق, آه.. يا ليت ما يشعرنا به الحشيش حقيقي.. الأحلام المترنحة الجميلة, لماذا وضعه المخدر فى هذه المواجهة رغم أنه يأخذه كل مرة الى عوالم ساحرة أخرى لا تمت للواقع بصلة؟ هل شعر المخدر بما يعتمل فى أعماقه فوضعه فى هذه المواجهة التى أثلجت صدره؟ ربما ترى.. هل الأقصى هو الأقصى حقًا؟ ومن احتل الآخر.. فلسطين أم اسرائيل؟ يبدو ان القذافى كان محقًا حين قال ليجعلوها اسراطين! هل فلسطين على الخريطة؟ ولو كانت على الخريطة فاين اسرائيل؟ هل سيأتى اليوم الذى تكون فيه اسرامصر ؟ أسئلة كثيرة حقًا..! يبدو أن الحشيش له دور كبير فى تفتيح الذهن !
***
على سريره يرقد رافعًا بصره إلى السماء ينظر الى سقف الحجرة ..لا يدرى ماذا يفعل , التلفاز شاشته متناثرة على أرض الصالة, ولا توجد وسيلة أخرى لتسلية وقته ها هنا, لماذا لا يحدث شيئا لهؤلاء الصهاينة؟ ألا يستطيع أحد فعل شئ حقًا؟ أهم أقوياء الى هذه الدرجة؟ أم أنهم لا يريدون فعل شيء؟
.. جيد .. توصلنا الى أنهم لا يريدون فعل شيء ..السؤال التالى, لماذا لا يريدون فعل شئ؟ هل كل هذه الدماء رخيصة عليهم إلى هذا الحد؟ هل الأقصى هين الى هذه الدرجة؟ يبقى السؤال معلقًا ولا اجابة له, هناك اجابة واحده لكنها قاسية الى حد لا يمكن تخيله, قاسية الى حد مخيف, ولكن يبدو أنها الاجابة الصحيحة ما دام الامر ممكنا ولا يوجد أى نفي له ولا يوجد سبب آخر, لا بد أنهم قبضوا الثمن.
..انتفض عن سريره عندما جاء هذا الخاطر.. وكأن روحه قد بثت فيها الحياة مرة أخرى, الآن يعرف ماذا سيفعل!
***
فى أروقة المبنى العملاق يسير, يتجول بين العسكر والثياب السوداء المحيطة به , تائه لا يعرف ماذا يفعل, تائه العقل والقلب والبصر, يتوجه الى القاعة التى يعلم أنه سيجد ضالته بها, يدخل بينما القاضى يستمع الى أحد الأشخاص.. يقلب صفحات الملف الأصفر الذي تزين واجهته صورة لقبة الصخرة, يتأكد من أن كل شيء على ما يرام ويجلس منتظرًا يستمع الى بشاعة القضية المعروضة, دقائق قليلة.. شعر أن أنفاسه ليست على مايرام وأنه لن يخرج من هنا كما دخل, قواه تضعف شيئًا فشيئا, ولكنه لن يستسلم حتى يفعل آخر ما يريده.. قام بما أمكنه من قوة وتوجه ببطء نحو القاضى.. الدفاع يتكلم ولكنه لا يأبه , العسكر يتدخلون ويمنعونه, القاضى يتابع حركته المتعثرة ويرى حالته يشير إليهم أن اتركوه, يكمل طريقه ويصل الى القاضى ويضع فى يده الملف الأصفر.. لا يستطيع التفوه.. القاضى فطن ففهم ما يريد ..
سأله :- ضد من ؟
أجاب :- الذين صمتوا !
***
وفى أحد المكاتب الصغيرة فى المحكمة كان هناك موظف صغير يطالع الملف الأصفر لتصنيفه, وفى الصفحة الأخيرة وجد العبارة المألوفة له: قضية منتهية لموت أحد أطرافها! يبتسم الموظف وهويقول فى نفسه: ولو لم يمت.. لحفظت حتى مات!
-تمت -