المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القرآن الكريم ودعاوي التحريف


عبدالله الدوسري
02-17-2009, 04:53 AM
القرآن الكريم ودعاوي التحريف



بسم الله الرحمن الرحيم



هل القرآن الكريم بآياته 6236 هو عمل الهي بحت ولم يتدخل فيه البشر

أو بمعنى آخر هل فيه بعض الآيات المحرفة في القرآن الجواب أن منذ ظهور مصحف عثمان و حتى الآن لم تحرف أية واحدة في القرآن واجتمعت الأمة علي صحة المصحف منذ ذلك التاريخ وحتى الآن

أما قبل ظهور مصحف عثمان للوجود فيوجد الكثير من الأقوال في القراءن وتجميعه


هل القرآن الكريم منذ نزوله علي محمد صلي الله علية وسلم وحتى ظهور مصحف عثمان وعدد أياتة 6236 لم يدخل فيه أي تحريف بشري من إي شخص في أي عصر ....؟

تاريخ المصحف الشريف
ودعاوى التحريف
بقلم فراس السواح
تاريخ النشر: 2008-07-30

يؤمن المسلمون بأنّ القرآن الكريم هو كلام الله أنزله على رسوله الكريم بواسطة الملاك جبريل. وقد استغرق نزول القرآن على النبيّ فترة اثنين وعشرين سنة، وكان كلما تلقّى شيئاً منه جمع الصحابة في اليوم التالي وقال لهم : إنّ ربكم يأمركم بكذا وينهاكم عن كذا. وتروي الأخبار المتواترة عن الصحابة وعن أزواج الرسول، أنه كان يعاني من نزول الوحي ألماً شديداً، فيتسبب عرقاً ويتصدّع رأسه، وربما أغمي عليه. وكان الوحي ينزل بآية واحدة أو بجملة آيات متتابعات، فيعمد الرسول إلى توجيه كُتّاب الوحي لأن يضعوا الآيات الجديدة في مكانها الصحيح من السياق القرآنيّ.
يتألف القرآن، وفق المصحف الذي أقرّه الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وهو المصحف المتداول اليوم، من 114 سورة. والسّورة تعني القطعة من البناء، فهي والحالة هذه قطعة أو قسم من الأقسام المكونة للقرآن. وقيل أيضاً إنّ السورة من السور، فهي تحيط بآياتها إحاطة السور بأحياء المدينة. وتتميز كلّ سورة باسم خاصّ بها يميزها عن بقية السور، مستمدّ من طبيعتها وأبرز موضوعاتها، فنقول: سورة آل عِمران، أو المائدة، أو يوسف، أو يونس، وما إلى ذلك. وتتألف كل سورة بدورها من عدد من الآيات جرى ترقيمها لسهولة الرجوع إليها. فأقصر السور يتألف من ثلاث آيات فقط، مثل سورة العصر وسورة الكوثر، وأطولها وهي سورة البقرة تحتوي على 286 آية.
والسُورة تنقسم إلى نوعين، النوع الأول يدعى بالسور المكية، وهي التي نزلت على الرسول وهو في مكة، والنوع الثاني يدعى بالسّور المدنية، وهي التي نزلت بعد هجرته إلى المدينة، سواء نزلت بالمدينة يثرب نفسها أو بمكة بعد عام الفتح، أو نزلت خلال سفر من أسفار الرسول. وتتميز السور المكية بقصر الآيات، والكلام القوي المكثف والمسجوع، واللهجة الخطابية التي يكثر فيها الوعد والوعيد؛ كما تتميز بأطروحاتها الجدلية، ووحدة موضوعاتها التي تدور حول شجب الكفر والشرك بالله، والدعوة إلى عبادة الله الواحد، وقرب يوم القيامة، ومشاهد الآخرة، والملائكة والجن والشياطين، والاستشهاد بأحداث الماضي وأخبار الأمم الغابرة . أما السُّور المدنية، فتتميز بندرة السجع، وطول نفَس الآيات، والخطاب السرديّ الهادئ، وقلّة الجدل، وقلّة أخبار الأمم الغابرة ومشاهد القيامة واليوم الآخِر، وظهور التشريع الذي نادراً ما تطرقت إليه السور المكية.
وعُسب النخل وتحفظ في بيت النبي. أما عن جمعها في كتاب واحد هو المصحف الشريف، فإنّ الأخبار متضاربة بهذا الشأن. فبعض الأخبار تقول بأنّ الجمع قد تمّ في حياة الرسول. فقد رُوي عن قتادة قال:"سألت أنس بن مالك من جمع القرآن على عهد النبي؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار، وهم أُبَيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، ونحن ورثناه"1. وعن زيد بن ثابت: "كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع"2. وعن محمد بن كعب القرظي: "جمع القرآن على عهد رسول الله خمسة من الأنصار هم معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأُبَي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أيوب الأنصاري"3. وعن علي بن إبراهيم: "إنّ النبيّ أمر بجمع القرآن الذي كان في صحف وحرير وقرطاس في بيته، لكي لا يضيع كما ضُيِّع التوراة والإنجيل"4.
وبعض الأخبار تقول بأنّ الجمع قد تمّ بعد وفاة الرسول مباشرة، وأنّ الإمام عليّ كرم الله وجهه هو من تصدّى لهذه المهمة. فيروى عن فقيه البصرة محمد بن سيرين قوله: "لما توفيّ النبيّ أقسم عليّ أن لا يرتدي برداء حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل"5. ويروى عن ابن المنادي سماعه لرواية تقول بأنّ عليّا لما رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي، أقسم أنه لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن؛ فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أوّل مصحف جُمع فيه القرآن من قبله "6. ويبدو أنّ مصحف عليّ هذا كان مرتباً حسب النزول. يقول السجستاني : " فمنهم من رتّبها على النزول، وهو مصحف عليّ كان أوّله سورة اقرأ ثم المدَّثر ثم نون ثم المزَّمل، وهكذا إلى آخر المكيّ والمدنيّ"7.
وبعض الأخبار تقول بأنّ جمع القرآن تمّ في عهد خلافة أبي بكر بتحريض من عمر بن الخطاب وإشرافه. فقد ورد في صحيح البخاري عن زيد بن ثابت، قال: أرسل إليّ أبو بكر يوم مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده. فقال أبو بكر: إنّ عمر أتاني فقال: "إنّ القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالمَواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن." قلتُ لعمر: "كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟" فقال عمر: "هذا والله خير." فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رآه عمر." قال زيد: قال أبو بكر: " إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك. وكنتَ تكتب الوحي لرسول الله. فتتبَّع القرآن فاجمعه." فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: "كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال: "هو والله خير ٌ" . فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ" حتى خاتمة السورة. فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر خلال حياته، ثم عند حفصة بنت عمر"8.
وبعض الأخبار يعزو إلى عمر في ولايته جمع القرآن. فقد رُوي عن أبي داود من طريق الحسن " أن عمر سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان قُتل يوم اليمامة، فقال: إنّا لله. وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف"9. وعن يحيى بن عبد الرحمن حاطب قال: "أراد عمر أن يجمع القرآن، فقام في الناس فقال: "من كان تلقّى من رسول الله شيئاً من القرآن فليأتنا به." وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب. وكان لا يقبل شيئاً من ذلك حتى يُشهد عليه شاهدَيْن. فجاء خزيمة فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. فقال: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ... "10. وروى ابن سعد أن أول من جمع القرآن عمر بن الخطاب. ويُروى أن عمر كان يشدّد على التزام لهجة قريش في تدوين القرآن. فقد سمع رجلاً يقرأ في الآية 25 من سورة يوسف: "ليسجُنَنَّه عتَّى عِين"، تبديل الحاء إلى عين. فقال له عمر : من أقرأك هذا؟ قال: ابن مسعود. فقال عمر: "حَتَّى حِين". ثم كتب إلى ابن مسعود يقول: سلام عليك. أما بعد. فإن الله أنزل القرآن فجعله قرآناً عربياً مبِيناً، وأنزله بلغة هذا الحيّ من قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تُقرئهم بلغة هذيل11.
وبعض الأخبار يقول بجمع الخليفة الثالث عثمان بن عفان للقرآن. فقد قال الشعبي : "لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان."12 وفي رواية ثانية أنّ عمر توفّي قبل أن تكتمل عملية جمع القرآن، فقام عثمان بن عفان فقال: من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به. وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتى يُشهد شاهدين13. وفي روايات أخرى، فإن عثمان لم يجمع القرآن وإنما أخذ المصحف الذي جُمع تحت إشراف عمر في عهد أبي بكر ، وكان محفوظاً في بيت عمر حتى قُتل، فآل إلى ابنته حفصة زوجة الرسول، وهو المعروف بمصحف حفصة. فأرسل إليها عثمان يطلبه من أجل استنساخه على أن يعيده إليها بعد انتهاء المهمة14.
ولكن شكوكاً تحوم حول أصل مصحف حفصة، لأنّ البعض يقول بأنه كان نسخة عن مصحف سابق، وأنها تدخلت أثناء نسخه في ترجيح بعض القراءات الخلافية. فعن سالم بن عبد الله، أنّ حفصة أمرت أحد الكُتّاب أن ينسخ لها مصحفاً وقالت له: إذا بلغت هذه الآية (السورة 2 الآية 238) فاكتب: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر، وقوموا لله قانتين" 15. وصلاة العصر في الآية 238 من سورة البقرة غير موجودة في المصحف العثمانيّ الموحّد، حيث ورد :"حَافِظُوا عَلَى الصَلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى، وَقُوموا لله قانتين."
وقيل أيضاً أنّ أمّ المؤمنين عائشة كانت تحتفظ بمصحف وردت فيه الآية إياها مثلما وردت في مصحف حفصة 16.
دعاوى التحريف واختلاف القراءات :

هذا الغموض الذي يحيط بعملية جمع القرآن خلال العقدين اللذين أعقبا وفاة الرسول، يوضح لنا سبب وجود اختلافات في عدد سور القرآن في مصاحف الصحابة، إضافة إلى اختلافات في القراءة. فمصحف عبد الله بن مسعود كان يحتوي على 112 سورة بدل 114 سورة في المصحف العثماني، لأنه ترك المعوَّذتين، أي سورة " قل أعوذ برب الفلق..." وسورة " قل أعوذ برب الناس" لظنه أنهما ليستا من القرآن. فقد كان يرى النبي يعوذ بهما الحسن والحسين في صغرهما مثلما كان يعوذهما بقوله: "أعوذ بكلمات الله التامة..."، وبغير ذلك مما ليس من القرآن17. وفي رواية أخرى أن مصحف ابن مسعود تنقصه الفاتحة أيضاً، وبذلك يكون عدد سوره 111 سورة18 .
أما مصحف أُبي بن كعب، فقد كان يحتوي على 116 سورة بعد أن أضاف افتتاح دعاء القنوت وظنه سورتين، لأنه رأى الرسول يدعو بهما في الصلاة فظنهما من القرآن19. وهنالك من يقول بأن السورتين الزائدتين في مصحف أُبيّ هما دعاء الخلع: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع (أي ننزع من بيننا) ونترك من يفجرك"، ودعاء الحفد: "اللهم إياك نعبد، ولك نصلّي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد (أي نأتي خفافاً)، نرجو رحمتك ونخشى نقمتك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق (أي آتٍ)"20. ويبدو أنّ غير واحد من الصحابة قد اعتبر هذين الدعاءين من القرآن، فقد روي أنّ عمر قد قرأ في صلاته بعد الركوع فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك... إلى آخر الدعاءين21.
وهنالك من يقول بأنّ مصحف أُبيّ كان يحتوي على 115 سورة لا على 116 سورة، لأنه أدمج سورة الفيل وسورة لإيلاف قريش في سورة واحدة22.
ويقال بالمقابل، أن مصحف عثمان الموحد قد أسقط من نصه أكثر من آية لعدم ثبوتها عن طريق شاهدين. ويبقى العلم عند الله أن تكون من القرآن أم لا، فقد رُوي عن عائشة قولها: "كان فيما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن"23. وروي عنها أيضاً: "لقد نزلت أية الرجم، ورضاعة الكبير عشراً. ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل الداجن فأكلها"24. ويروى أن عمر أتى بآية الرجم إلى زيد بن ثابت فلم يكتبها، لأن عمر كان وحده25. ولكن عمر بقي مصراً على موقفه، ويروى عنه أنه قال غاضباً: " لولا يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي"26 وآية الرجم تقول وفق رواية أُبيّ بن كعب: "إذا زنيا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم."27
ومن الأخبار القائلة بسقوط آيات كثيرة من مصحف عثمان، ما هو مغرق في المبالغة، ولكننا نذكره من باب العلم بالشيء. فقد رُوي عن عائشة قولها: "كانت سورة الأحزاب تُقرأ في زمن النبي مئتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن (أي 73 آية)"28. ويروى عن زر بن حبيش قال: "قال لي أُبي بن كعب كأيِّنْ تقرأون سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثاً وسبعين وإما أربعا وسبعين. قال: قط؟ إنْ كانت لتقارب سورة البقرة أو هي أطول منها، وأن كانت فيها سورة الرجم29. وقيل في سورة براءة (أو التوبة) الشيء نفسه. فقد روي عن مالك أن سورة براءة كانت تعدل بطولها سورة البقرة30.
وحول الموضوع نفسه لدينا أخبار أقل مبالغة من سابقاتها. فقد روى أبو سفيان القلاعي أنّ مسلمة بن مخلد الأنصاري قال لهم ذات يوم: أخبروني بآيتين في القرآن لم تكتبا في المصحف، فلم يخبروه وعندهم أبو الكنود سعد بن مالك. فقال لهم: "إن الذين آمنوا وهاجروا، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم، وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم، أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة عين، جزاءً بما كانوا يعملون"31. وروى المسوَّر بن مخرمة قال: قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أُنزل علينا "أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة؟" فإنا لا نجدها. قال ابن عوف: أُسقطت فيما أُسقط من القرآن32. ويُروى عن اُبي واقد الليثي قال: كان رسول الله إذا أُوحي إليه أتيناه فعلّمنا مما أوحي إليه، فجئت ذات يوم فقال: "إن الله يقول: إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. ولو أن لابن آدم وادياً لأحب أن يكون إليه الثاني، ولو كان إليه الثاني لأحبّ أن يكون غليهما الثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب"33. وهذه الآيات غير موجودة في مصحف عثمان، ويروى عن عبد الله بن عباس أنه قال: لما نزلت: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين، وَرَهطكَ مِنْهُم المُخْلصِين"34. ولا تحتوي الآية المذكورة (الشعراء : 214) في مصحف عثمان على "ورهطك منهم المخلصين". ويروى عن عبد الله بن زبير أنه كان يقرأ في مصحفه: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويستعينون بالله على ما أصابهم."35. ولا تحتوي الآية 104 من سورة آل عِمران على جملة "ويستعينون بالله على ما أصابهم." وكان ابن الزبير يقرأ أيضاً: "لا جُناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج، فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام..."36. وقد وردت الآية 198 من سورة البقرة في مصحف عثمان على الشكل التالي: "ليس عليكم من جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم، فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام..." ونلاحظ هنا أن مصحف ابن الزبير قد زاد جملة "في مواسم الحج"، كما قرأ "ليس عليكم من جناح": "لا جناح عليكم". وهذا ما يحيلنا إلى نوع آخر من الاختلافات وهو الاختلاف في القراءة. وهو ما سنلتفت إليه الآن، دون مزيد من الأمثلة بخصوص النقص و الزيادة.
فقد روى البعض أن عمر بن الخطاب صلّى في الناس فقرأ في سورة الفاتحة: "صراط من أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، وغير الضالين." وهي في مصحف عثمان "صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين." وأنه قرأ الآية الأولى من سورة آل عمران: " الم، الله لا إله إلا هو الحيّ القيام" بدلاً من الحيّ القيوم"37. ورُوي أن عبد الله بن مسعود قرأ في مصحفه الآية 40 من سور النساء: "إن الله لا يظلم مثقال نملة" بدلاً من" "مثقال ذرة". وأنه قرأ الآية 43 من سورة آل عمران: "واركعي واسجدي في الساجدين" بدلاً من "واسجدي واركعي مع الراكعين." وأنه قرأ في الآية 64 من سورة المائدة: "بل يداه بسطان" بدلاً من "بل يداه مبسوطتان". وأنه قرأ الآية 197 من سورة البقرة: "وتزودوا، وخير الزاد التقوى" بدلاً من "وتزودوا، فإن خير الزاد التقوى" وقرأ في الآية 61 من سورة البقرة: "من بقلها وقثائها وثومها" بدلاً من "من بقلها وقثائها وفومها"38.
ورُوي أنّ أصحاب ابن مسعود قرأوا في الآية 202 من سورة البقرة: "أولئك لهم نصيب ما اكتسبوا" بدلاً من "أولئك لهم نصيب مما كسبوا" وفي الآية 148 من سورة البقرة: "ولكلٍّ جعلنا قبلة يرضونها" بدلاً من "ولكل وجهة هو موليها" وفي الآية 196 من سورة البقرة: "وأقيموا الحج والعمرة للبيت" بدلاً من "وأتموا الحج والعمرة لله"، وفي الآية 144 من سورة البقرة: "وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم قِبله" بدلاً من "وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره"، وفي الآية 110 من سورة الإسراء: "ولا تُخافت بصوتك ولا تُعال به" بدلاً من "ولا تخافت بها صوتك "39. ويتابع السجستاني في كتاب المصاحف الذي نعتمد عليه هنا تعداد 130 موضعا في القرآن اختلفت فيها قراءة ابن مسعود عن قراءة مصحف عثمان. ثم ينتقل إلى مصحف ابن عباس الذي نقتطف من اختلافاته مع مصحف عثمان المواضع التالية فقد قرأ ابن عباس في الآية 158 م سورة البقرة: "فلا جناح عليه ألا يطوف بهما" بدلاً من "فلا جناح عليه أن يطوف بهما"، وفي الآية 202 من سورة البقرة: "أولئك لهم نصيب مما اكتسبوا" بدلاً من "مما كسبوا"، وفي الآية 175 من سورة آل عِمران "إنما ذلكم الشيطان يخوفكم أولياءه" بدلاً من "يخوف أولياءه"، وفي الآية 196 من سورة البقرة: "وأقيموا الحج والعمرة للبيت" بدلاً من "وأقيموا الحج والعمرة لله" وفي الآية 159 من سورة آل عمران: "وشاورهم في بعض الأمر" بدلاً من "وشاورهم في الأمر"، وفي الآية 30 من سورة ياسين: "يا حسرة العباد" بدلاً من "يا حسرة على العباد"، وفي الآية 187 من سورة الأعراف: "كأنك حفيٌّ بها" بدلاً من "كأنك حفيّ عنها" وفي الآية 227 من سورة البقرة: "و إن عزموا السراح" بدلاًً من "وإن عزموا الطلاق" وكذا الأمر في عشرة مواضع أخرى40.
وقد اختلفت قراءات التابعين مثلما اختلفت قراءات الصحابة، فقد قرأ عبيد ابن عمير الآية الأولى من سورة العلق: "سبح اسم ربك الذي خلقك" بدلاً من "الذي خلق" وقرأ عطاء الآية 175 من آل عمران: "الشيطان يخوفكم أولياءه" بدلاً من "الشيطان يخوف أولياءه" وقرأ عكرمة في الآية 184 من سورة البقرة "وعلى الذين يطوّقونه" بدلاً من "وعلى الذين يطيقونه" وقرأ مجاهد الآية 158 من سورة البقرة: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما" بدلاً من "فلا جناح عليه أن يطوف بهما" وقرأ سعيد بن جبير أيضاً في الآية 5 من سورة المائدة: "اليوم أُحلَّ لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" وجملة "من قبلكم" غير واردة في مصحف عثمان، وقرأ ابن جبير أيضاً في الآية 117 من سورة الأعراف: "فإذا هي تلقم ما يأفكون بدلاً من "تلقف ما يأفكون"، وقرأ علقمة الأسود في سورة الفاتحة: "صراط من أنعمت عليهم" بدلاً من "صراط الذين أنعمت عليهم"... وأمور أخرى من هذا القبيل41.
ومن الاختلاف في القراءات ما هو ناجم عن الاختلاف في لفظ بعض الكلمات تبعاً للهجات العرب المتباينة، فكان من سمع الآية أنه ينطقها بلهجة قومه. وهذا ما يدعى باختلاف الأحرف. وعلى الرغم من أن الرواة قد أوردوا أحاديث عن الرسول يفهم منها أنه قد أجاز مثل هذا الاختلاف، كقوله: "نزل القرآن على ثلاثة أحرف" أو "نزل القرآن على أربعة أحرف" أو "نزل القرآن على سبعة أحرف"، إلا أن الموقف الحقيقي للرسول من هذه المسألة يوضحه ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، أنه قال: اقرأني رسول الله سورة الأحقاف، فخرجت إلى المسجد فإذا رجل يقرؤها على غير ما أقرأني ما أقرأني، فقلت: من أقرأك؟ فقال: فقال: رسول الله. فقلت: يا رسول الله، هذان يخالفاني في القراءة. فغضب و تمعّر وجهه، و قال: إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف... إن الله يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما أُقرئ42. وهذا هو الموقف الذي تبناه عمر بن الخطاب عندما أمر ابن مسعود أن يقرئ القرآن بلغة قريش، مما رويناه سابقاً.
مع انتشار العرب في الأمصار عقب الفتوحات، استفحل أمر الاختلافات في القراءة، الأمر الذي دعا الخليفة الثالث عثمان بن عفان إلى القيام بخطوته الجريئة في توحيد المصاحف في مصحف قانوني واحد. و يروى عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينيا وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى... فأمر عثمان بجمع المصاحف43. ويروى عن حذيفة نفسه قوله: غزوت في فتح أرمينيا فحضرها أهل العراق وأهل الشام، فإذا أهل الشام يقرؤون على قراءة أُبي بن كعب، فيأتون بما لم يسمع به أهل العراق، فتكفرهم أهل العراق؛ وإذا أهل العراق يقرؤون بقراءة ابن مسعود فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام، فتكفرهم أهل الشام، فأمرني عثمان أن أكتب له مصحفاً44.
ويبدو أن حذيفة بن اليمان قد أوكل بمهمة الإشراف على إعداد المصحف الموحد، وأن هذه العملية قد تمت من قبل لجنة شُكلت لهذا الغرض. فقد روى السجستاني في كتاب المصاحف أن عثمان استدعى الكُتّاب وهم: زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن حارث بن هشام، وعبد الله بن الزبير، وأمرهم بإعداد المصحف الموحد، وقال لهم: ما اختلفتم فيه فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. وورد في رواية أخرى أن عدد أفراد هذه اللجنة كان اثني عشر كاتباً من المهاجرين والأنصار45. أما عن الطريقة التي اتبعتها هذه اللجنة في العمل، فيبدو أنها اعتمدت أساساً مصحف حفصة بنت عمر، بدليل الخبر القائل بأن عثمان أرسل إلى حفصة يقول: "أرسلي لي بالمصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك"46. وأن هذا المصحف قد قورن على المصاحف الأخرى، وفي مواضع الاختلاف كان يجري الاستعانة بالشهود، وذلك بدليل الرواية التي تقول بأن عثمان عندما جمع القرآن قام في الناس فقال: من كان عنده شيء من كتاب الله فليأتنا به، وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتى يُشهد شاهدين47. وبعد انتهاء العمل من المصحف الموحد، الذي دعي منذ ذلك الوقت بالمصحف العثماني، نسخٌ وزعت على الأقطار الإسلامية، وأمر عثمان بإحراق بقية المصاحف ومنع تداولها. وقد أثنى علي بن أبي طالب على ما فعله عثمان وقال: "لو وُلِّيتُ لفعلت مثل ما فعل."48 ووفق رواية ثاني: "لو كنت أنا لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان"49 . وهكذا ظهر المصحف القانونيّ الموحد قبل انقضاء أربعة عقود على وفاة الرسول الكريم.
على أنّ المشكلة لم تنته عند هذا الحد. فالحروف العربية لم تكن بعد قد قبلت الحركات الصوتية التي توضع فوق الحروف الساكنة لتحريكها وضبط أواخر الكلمات، مثلما لم تكن الحروف المتشابهة قد قبلت النقاط بعددها ومكانها من الحرف للتفريق بينها، وذلك مثل التاء والياء والباء والنون، فكلمة " " يمكن أن تقرأ "بنت" أو "بيت" أو "نبت". ولذلك كان لا بدّ من الشروع بعملية الإعجام، وهي تزويد الحروف المتشابهة بالنقاط؛ وبعملية التنقيط، وهي وضع الحركات الصوتية فوق الحروف. وهاتان العمليتان تدعيان اختصاراً بالتنقيط. وقد تم تنقيط القرآن الكريم خلال العصر الأموي. وتعزى هذه العملية إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي تارة، و إلى أبي الأسود الدؤلي تارة أخرى. وبهذه الطريقة تم ضبط القرآن بشكل نهائي مع نهاية القرن الأول الهجريّ.

1. صحيح البخاري : كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي، ج 5
2. الزركشي : البرهان في علوم القرآن، بيروت، ج 1، ص 299
3. السيوطي : الإتقان في علوم القرآن، بيروت، ج 1، ص 72
4. السجستاني : كتاب المصاحف، بيروت، ص 20
5. نفس المرجع ص 17
6. ابن النديم : الفهرست، طبعة طهران، ص 30
7. السيوطي، المرجع السابق، ج 1، ص 62
8. البخاري : كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن. و أيضاً السيوطي، المرجع السابق ج 1، ص 57
9. السيوطي : المرجع السابق، ج 1، ص 58
10. ابن سعد : الطبقات الكبرى، بيروت، ج 3، ص 211
11. الأنباري : إيضاح الوقف و الابتداء في كتاب الله. دمشق مجمع اللغة العربية، ص 13
12. الشعبي : معرفة القراء الكبار، 1 ص 27 .
13. السجستاني : كتاب المصاحف، بيروت، ص 16
14. نفس المرجع ص 26
15. نفس المرجع ص 95 - 97 .
16. نفس المرجع ص 94 .
17. ابن قتيبة : تأويل مختلف الحديث، بيروت، ص 26
18. السيوطي : الإتقان في علوم القرآن، 1 ص 142
19. ابن قتيبة : المرجع السابق، ص 26
20. السيوطي : المرجع السابق، ص 143
21. السيوطي : المرجع السابق ص 143
22. السيوطي : المرجع السابق، ص 144
23. صحيح مسلم، طبعة مصر، ج 4، ص 167
24. ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث، بيروت ص 310
25. السيوطي : الإتقان في علوم القرآن، ج 1، ص 58
26. نفس المرجع ج 2، ص 25
27. نفس المرجع ج 2، ص 25
28. نفس المرجع، ص 25
29. نفس المرجع، ص 25
30. نفس المرجع ح 1، ص 65
31. نفس المرجع ج 2، ص 25
32. نفس المرجع، ص 25
33. المرجع السابق ج2، ص 25
34. السيوطي : الدرّ المنثور، طبعة قمّ، ج5، ص 96
35. السجستاني : كتاب المصاحف، بيروت، ص 93
36. نفس المرجع، ص 92
37. نفس المرجع، ص 60 – 61
38. نفس المرجع، ص 64 - 65
39. نفس المرجع، ص 66 - 67
40. نفس المرجع، ص 86 - 87
41. نفس المرجع، ص 98 - 100
42. مسند الإمام أحمد بن حنبل، بيروت، ج1، ص 419
43. تفسير الطبري، ج 1، ص 25
44. نفس المرجع، ص 21
45. السجستاني : كتاب المصاحف، بيروت، ص 26 و 43 - 44
46. نفس المرجع، ص 26
47. نفس المرجع، ص 16
48. الزركشي : البرهان في علوم القرآن، بيروت، ج 1، ص 302
49. مكي بن أبي طالب : الإبانة عن معاني القراءات، دمشق ص 79


المصدر
Al Awan | الأوان | alawan.org |