%آلـنـُّـوووضْ%
12-25-2008, 10:18 PM
@ حيـــآتـنـــآ بين آلتغـيــ ي ــــر وآلجـمـــود ؟! @
الحمد لله الذي يُغير ولا يتغير ، ويُبدِّل ولا يتبدل ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي جاء بمنهج التغيير نحو الأفضل ، وعلى آله الأخيار ، وصحابته الأطهار ، وعنا معهم برحمتك وفضلك يا عزيز يا غفّار ..
مما لاشك فيه أن دين الإسلام العظيم ، وتربيته الإسلامية السامية ، قد قرّرت قاعدة [ التغيير ] في حياة الإنسان المسلم ومن ثم في المجتمع المسلم ، وجعلتها مبنيةً على مدى قدرة الأفراد على تغييرهم لأنفسهم ، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (سورة الرعد: من الآية 11) .
ومعنى هذا أن حكمة الله تعالى وإرادته (جل جلاله) ، جعلت مسألة تغير المجتمع راجعةٌ إلى تغير ما في أنفس أفراده ، فإذا غيَّر الأفراد ما بأنفسهم نحو الأفضل تغير المجتمع نحو الأفضل ، وإن كان التغيير - والعياذ بالله - إلى الأسوأ كان تغير المجتمع نحو الأسوأ .
وهذا يؤكد أن الله (عز وجل) جعل مسألة التغيير بيد الإنسان ، وأمرٌ راجعٌ إلى خياره وقراره لأنه صانع التغيير ، وصاحب القرار الذي بيده أن يمضي فيه ويُحققه . ولعل مما يُعزز هذا قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (سورة الأنفال : من الآية 53) .
وفي هذا الشأن يقول الدكتور / علي مدكور :
" إن التغير الاجتماعي إنما يبدأ من الداخل ، أي من النفس ، وذلك بتغيير الأنماط العقائدية ، والقيميّة ،
والفكرية للإنسان ؛ فإذا ما تغيّر ذلك ، فإنه ينعكس على السلوك الخارجي للفرد والمجتمع على السواء " .
" فالتغيير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ أمرٌ يقع في نطاق البشر ، وعليهم تقع مسؤولية اختيار أحد النجدين :
نجد الهُدى والخير والصلاح ، أو نجد الضلال والشر والإفساد " .
" إن تغيير ما بالأنفُس من أفكارٍ ومفاهيم واتجاهاتٍ وميول ، أمرٌ موكولٌ للبشر بقدَّر الله ،
وذلك هو ما تُشير إليه الآيات الكريمة في قوله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا *
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } (سورة الشمس : 7 - 10) " .
..
..
وهنا يأتي سؤالٌ يطرح نفسه ويقول :
** ما الداعي للتغيير ؟ وهل هناك ما يُبرر الدعوة إليه والحرص عليه ؟
فيأتي الجواب ليوضح أن من دواعي التغيير ما يلي /
1. أن التغيير سُنةٌ كونيةٌ ، وأمرٌ فطريٌ في هذه الحياة الدنيا ؛ إذ إن حياة الإنسان قائمةٌ على مبدأ التغيير .
2. أن في التغيير إقتداءٌ بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنته الشريفة التي تُخبرنا في أكثر من موضعٍ أنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم غيّر كثيراً من شؤون حياته وحياة أصحابه القولية والفعلية .
3. أن التغيير سبيلٌ لبلوغ الكمال البشري المأمول ، وتحقيق الأهداف والغايات المنشودة ، وما دمنا لم نبلغ هذه الدرجة - ولن نبلغها - ؛ فإن علينا أن نحرص على التغيير الإيجابي المطلوب لنقترب قدر المستطاع منها .
4. أن التغيير دليلٌ على الطموح والتطلع والرغبة في تحقيق الأفضل والأجمل والأكمل .
أما المُبررات التي من أجلها يتم التغيير فكثيرةٌ جداً ، وتختلف باختلاف الحالات والظروف والزمان والمكان ، إلا أن من أبرزها ما نُلاحظه ونراه ونسمعه ونتفق جميعاً عليه ، ويتمثل في أننا نعلم أن هناك الكثير من الطاقات البشرية (المُهدرة) التي لم يُفد منها أصحابها ، ولا المجتمع من حولهم لأنها طاقاتٌ مُعطلة ، وقدراتٌ غير مُفعّلة ، وخير دليلٍ على ذلك تلك المواهب المدفونة عند الكثيرين في مختلف مجالات الحياة ، وتلك الأوقات الضائعة التي نهدرها جميعاً (إلا ما ندر) على مدار اليوم والليلة فيما لا فائدة فيه ، ولا نفع منه سواءً أكان ذلك من الأقوال أو الأفعال . إضافةً إلى مشكلة الخضوع والاستسلام لمختلف لعادات والتقاليد الخاطئة في المجتمع ، وعدم بذل أي محاولة إيجابية لتغييرها أو تعديلها أو تصحيحها أو التخلص منها .
وإليكم (إخواني ) مجموعةً من الأمثلة للطاقات والأوقات المهدرة في حياة كثيرٍ من الناس في واقعنا /
* كم من ساعةٍ يقضيها الكثير من الناس ولاسيما الشباب أمام شاشات التلفزيونات وأجهزة الحاسب الآلي ؟
* كم من ساعةٍ يقضيها الشباب - على وجه الخصوص - وهم يتجولون بسياراتهم هنا وهناك بلا فائدةٍ ولا مصلحة ؟
* كم من المكالمات يجريها كثيرٌ من الناس بلا داعٍ ولا ضرورة ؟
* كم من الساعات الزائدة ينامها كثيرٌ من الناس على مدار اليوم والليلة ؟
* كم من الفرائض تؤخر عن وقتها وربما تضيع تساهلاً وتهاونًا والعياذ بالله ؟
* كم من الكلمات التي يُطلقها الإنسان وهو لا يدري أهي محسوبةٌ له أم عليه ؟
* كم من النقود تُصرف في أشياء ليست ضرورية ولا تدعو إليها الحاجة ؟
* كم من الساعات تقضيها النساء وبعض الرجال في القيل و القال ؟
* كم من الأوقات ضاعت في ألوانٍ من اللهو والغفلة ولم يستفد منها معظم الناس في حياتهم ؟
* كم من الملابس والأثاث والممتلكات التي لم نعد نحتاج إليها في دورنا ومنازلنا ؟
* كم من النصائح والمواعظ والمواقف التي سمعناها وعرفناها وتأثرنا بها في حينها ثم نسيناها بعد ذلك ؟
* كم من الأوقات تضيع منا في كثيرٍ من المناسبات والحفلات والاجتماعات ؟
* كم من الأوقات نُهدرها في تصفح الصحف والمجلات وغيرها من المطبوعات التي لا نفع فيها ولا فائدة منها ؟
* كم الفائض من أصناف الأطعمة والمشروبات على موائدنا في الحفلات والمناسبات العامة والخاصة ؟
ثم ماذا بعد هذا كله ؟!
- هل تغير وضعنا ؟
- وهل تعدّل نمط حياتنا ؟
- وهل يمكن أن نُحدث تغييراً ولو يسيراً في واقع حياتنا ؟
- وهل حدث فرقٌ بين ما كان عليه حالنا وما هو عليه الآن ؟
..
..
وإليك - أخي القارئ - مجموعة من الأمثلة التي أقترح عليك القيام بها ، والتي يمكن - متى تم تطبيقها أو تطبيق بعضها لمدة أسبوعٍ مثلاً - أن يتحقق جزءٌ كبيرٌ من التغيير الإيجابي المطلوب في حياتك ، ومنها ما يلي /
* عوّد نفسك المحافظة على بعض الأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على مدار اليوم والليلة .
* اغتنم فترة قيادتك للسيارة (ذهاباً و إياباً) في إشغال لسانك بذكر الله تعالى تسبيحًا ، وتهليلاً ، وحمدًا ، واستغفارًا ، وتكبيرًا .
* اجعل من ضمن برنامجك الأُسبوعي زيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران للسلام والاطمئنان عليه .
* مارس رياضة المشي أو الجري الخفيف لمدة عشر دقائق يوميًا .
* عوّد نفسك الجلوس مع والديك ، أو مع أفراد أسرتك وتبادل الحديث الودي معهم ولو لوقتٍ قصيرٍ يومياً .
* احرص على التبكير في حضور مواعيدك خلال هذا الأسبوع .
* جرِّب أن تنام مبكراً خلال هذا الأسبوع .
* جرب ألاّ تزيد سرعة قيادتك للسيارة عن (80) كيلو متر في الساعة .
* احرص على أن تبدأ بالسلام على والديك يومياً وتقبيل أيديهما .
* تلطف في كلامك مع إخوانك وأصدقائك وجيرانك وكل من هم حولك .
* تصدق ولو بريالٍ واحدٍ يوميًا خلال هذا الأسبوع .
* حافظ على ذكر الله تعالى (تسبيحًا وتحميدًا وتهليلاً وتكبيرًا واستغفارًا) في أوقات الفراغ بدلاً من الصمت ، أو الغناء ، أو نحو ذلك .
* حافظ على استعمال السواك باستمرار ، أو قم بتنظيف أسنانك ثلاث مرات في اليوم والليلة .
* احرص على جمال المظهر والأناقة المعقولة والمقبولة في الملبس والمظهر والشكل العام .
* تعود على سماع وجهات نظر الآخرين وتقبُلها وإن كانت مُخالفة لوجهة نظرك الخاصة .
* قلل من فترة استماعك للأغاني والموسيقى ونحوها إن كنت من المبتلين بسماعها .
* أعد النظر في قائمة القنوات التلفزيونية التي تُشاهدها في بيتك .
* حاول تنظيم وقتك وأداء ما عليك من واجباتٍ في حينها دون تأخير .
* أعد ترتيب محتويات غرفتك أو مكتبك أو سيارتك حتى تبدو أكثر نظاماً .
* حاول زيارة المستشفى للسلام على المرضى من إخوانك المسلمين وإن لم تعرفهم .
* حافظ على زيارة المقابر والسلام على أموات المسمين والدعاء لهم .
* قم بتلبية الدعوات التي توجَّه لك ، ولاسيما من الأهل والأقارب والجيران .
* شارك في حضور المناسبات المختلفة التي تُدعى إليها .
* اجتهد أن تُصلي كل الفروض مع جماعة المسلمين في المسجد .
* زد معدل تلاوتك للقرآن الكريم في اليوم الواحد بضع آيات .
* حاول أن تقرأ عدة صفحات من كتابٍ مفيدٍ في اليوم الواحد .
* أعد النظر في محتويات رسائل الجوال المكتوبة والمرئية عندك ، وتخلّص مما لا يرضاه الله تعالى منها .
* استمع لشريطٍ إسلاميٍ واحدٍ في كل يوم لأحد الدعاة .
* قلل عدد السجائر التي تُدخنها يومياً إن كنت ممن ابتلوا أنفسهم بالتدخين .
* حافظ على أداء صلاة الوتر قبل أن تأوي إلى فراشك .
* احرص على أداء صلاة الضحى ولو ركعتين .
أخي القارئ /
لا شك أن تطبيقك لهذه الأمثلة في حياتك والمحافظة عليها ستؤدي إلى نتائج مُدهشة قد لا تتوقعها ، والتجربة أكبر برهان كما يُقال . ولاسيما أنك ستشعر - بإذن الله تعالى - بتجدد حياتك ، وتبدُل أحوالك ، وتغير قناعاتك ، وزيادة التصرفات الإيجابية في أدائك اليومي ؛ وبذلك يتحقق التغيير الإيجابي المطلوب .
وفيما يلي عددٌ من القناعات التي طالعتها في بعض الكتب ، والمطبوعات ، والمواقع الإنترنتية المختلفة ، والتي يمكن أن تُسهم إلى حدٍ ما في تحقيق التغيير الإيجابي عند الإنسان متى استوعبها وأدرك معناها و اقتنع بها ، ومنها ما يلي :
الإنسان الإيجابي يفكر في الحل
والإنسان السلبي يفكر في المشكلة .
*
الإنسان الإيجابي لا تنضب أفكاره
و الإنسان السلبي لا تنضب أعذاره
*
الإنسان الإيجابي يساعد الآخرين
و الإنسان السلبي يتوقع المساعدة من الآخرين
*
الإنسان الإيجابي يرى أن هناك حلاً لكل مشكلة
و الإنسان السلبي يرى مشكلة في كل حل
*
الإنسان الإيجابي يرى الحل صعبًا لكنه ممكن
و الإنسان السلبي يرى الحل ممكنًا لكنه صعب
*
الإنسان الإيجابي لديه آمالٌ يحققها
و الإنسان السلبي لديه أوهام وأضغاث أحلام يبددها
*
الإنسان الإيجابي يرى في العمل أمل
و الإنسان السلبي يرى في العمل ألم
*
الإنسان الإيجابي ينظر إلى المستقبل ويتطلع إلى ما هو ممكن
و الإنسان السلبي ينظر إلى الماضي ويتطلع إلى ما هو مستحيل
*
الإنسان الإيجابي يناقش بقوةٍ وبلغةٍ لطيفة
و الإنسان السلبي يناقش بضعفٍ وبلُغةٍ فظة
*
الإنسان الإيجابي يتمسك بالقيم ويتنازل عن الصغائر
و الإنسان السلبي يتشبث بالصغائر ويتنازل عن القيم
*
الإنسان الإيجابي مُتفائل في نظرته للحياة ومجرياتها
و الإنسان السلبي متشائم ونظرته للحياة سوداوية
*
وختامًا >>>>>>>
هذه بعض النقاط الرئيسة التي أرى - من وجهة نظري الخاصة - أنه لا بد من مراعاتها وتحققها عند الرغبة في التغيير ، ومنها ما يلي /
(1) استعن بالله وحده عند شروعك في مشوار التغيير ؛ فهو الذي له الأمر كُله ، وهو الذي يُقدِّر الأقدار ، وهو الذي يشاءُ ويختار .
(2) ليكن أول تغييرٍ تحرص عليه - أخي الشاب - أن تعمل على مضاعفة إيمانك بالله تعالى ، وتقويته عن طريق زيادة الأعمال الصالحة التي ترضيه سبحانه .
(3) تذكّر أن كل إنسانٍ موفّق إلى عملٍ صالحٍ من أعمال الخير ، فمن الناس من وفّق إلى الصلاة ، ومنهم من وفق إلى الصدقة ، ومنهم من وفق إلى الصيام ، ومنهم من وفق إلى الدعوة إلى الله تعالى ، ومنهم من وفق إلى الخُلق الحسن ، ومنهم من وفق للإصلاح بين الناس ، وهكذا .
(4) التغيير لا يمكن أن يكون إلاّ من الداخل ، ولا بُدأن ينبع من قناعةٍ داخل النفس ، و مهما قام الآخرون بمساعدتنا ، فلن يحدث التغيير إلا إذا رغبه الإنسان وبدأه .
(5) التغيير يحتاج إلى البدء الفوري فيه ، وسرعة المبادرة إليه ، و عدم التسويف أو التأجيل و التأخير . قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (سورة آل عمران : الآية 133) . (6) تأكد أن تحقيق التغيير المطلوب (لا ولم ولن) يحصُل بخطوةٍ واحدةٍ عملاقةٍ أو ضخمة ، ولكنه يحصل بمجموعة خطواتٍ صغيرة .
(7) لا تنس أنه حتى يكون التغيير إيجابيا ، فلابد أن يكون صادقاً ، ومستمراً ، ومنتظماً ، وشاملاً .
(8) التغيير ممكن للجميع ويناسب جميع الأعمار .
(9) إن إحداث التغيير يجب أن يُراعي قدرات الإنسان واستعداداته ، حتى لا يُحمِّل نفسه ما لا تطيق . وحتى يكون التغيير منسجمًا مع عقل الإنسان ، فلا يجنح به إلى ما يضر بمصالحه، أو يتعارض مع رغباته ، فلا يحرمه المتاع الحلال ، أو يتنافى مع أخلاقه وسلوكياته الثابتة .
(10) ليكن في علمك أنه ليس هناك تغيير إيجابي دون عناءٍ أو مشقة ، وهنا تكمن اللذة والاستمتاع بالانتصار على هوى النفس . وهذا يعني أن علينا أن نُردد العبارة الشهيرة :
" كلمة مستحيل ليست في قاموس حياتي " .
ومثلها عبارة / " لا شيء مستحيل " .
( أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لتغيير أقوالنا ، وأعمالنا ، ونوايانا ، وجميع شأننا إلى ما فيه الصلاح ، والفلاح ، والنجاح ، والحمد لله رب العالمين )
( صيد الفوآئد )
" سطور تصفحتها مع قليل من التعديل للدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المُشارك بكلية المعلمين
في جامعة الملك خالد بأبها "
( دمــتــم بحفــظ آلرحمن أينمــآ كنــتــم )
أختــكـــم /
%آلـنـُّـوووضْ%
الحمد لله الذي يُغير ولا يتغير ، ويُبدِّل ولا يتبدل ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي جاء بمنهج التغيير نحو الأفضل ، وعلى آله الأخيار ، وصحابته الأطهار ، وعنا معهم برحمتك وفضلك يا عزيز يا غفّار ..
مما لاشك فيه أن دين الإسلام العظيم ، وتربيته الإسلامية السامية ، قد قرّرت قاعدة [ التغيير ] في حياة الإنسان المسلم ومن ثم في المجتمع المسلم ، وجعلتها مبنيةً على مدى قدرة الأفراد على تغييرهم لأنفسهم ، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (سورة الرعد: من الآية 11) .
ومعنى هذا أن حكمة الله تعالى وإرادته (جل جلاله) ، جعلت مسألة تغير المجتمع راجعةٌ إلى تغير ما في أنفس أفراده ، فإذا غيَّر الأفراد ما بأنفسهم نحو الأفضل تغير المجتمع نحو الأفضل ، وإن كان التغيير - والعياذ بالله - إلى الأسوأ كان تغير المجتمع نحو الأسوأ .
وهذا يؤكد أن الله (عز وجل) جعل مسألة التغيير بيد الإنسان ، وأمرٌ راجعٌ إلى خياره وقراره لأنه صانع التغيير ، وصاحب القرار الذي بيده أن يمضي فيه ويُحققه . ولعل مما يُعزز هذا قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (سورة الأنفال : من الآية 53) .
وفي هذا الشأن يقول الدكتور / علي مدكور :
" إن التغير الاجتماعي إنما يبدأ من الداخل ، أي من النفس ، وذلك بتغيير الأنماط العقائدية ، والقيميّة ،
والفكرية للإنسان ؛ فإذا ما تغيّر ذلك ، فإنه ينعكس على السلوك الخارجي للفرد والمجتمع على السواء " .
" فالتغيير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ أمرٌ يقع في نطاق البشر ، وعليهم تقع مسؤولية اختيار أحد النجدين :
نجد الهُدى والخير والصلاح ، أو نجد الضلال والشر والإفساد " .
" إن تغيير ما بالأنفُس من أفكارٍ ومفاهيم واتجاهاتٍ وميول ، أمرٌ موكولٌ للبشر بقدَّر الله ،
وذلك هو ما تُشير إليه الآيات الكريمة في قوله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا *
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } (سورة الشمس : 7 - 10) " .
..
..
وهنا يأتي سؤالٌ يطرح نفسه ويقول :
** ما الداعي للتغيير ؟ وهل هناك ما يُبرر الدعوة إليه والحرص عليه ؟
فيأتي الجواب ليوضح أن من دواعي التغيير ما يلي /
1. أن التغيير سُنةٌ كونيةٌ ، وأمرٌ فطريٌ في هذه الحياة الدنيا ؛ إذ إن حياة الإنسان قائمةٌ على مبدأ التغيير .
2. أن في التغيير إقتداءٌ بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنته الشريفة التي تُخبرنا في أكثر من موضعٍ أنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم غيّر كثيراً من شؤون حياته وحياة أصحابه القولية والفعلية .
3. أن التغيير سبيلٌ لبلوغ الكمال البشري المأمول ، وتحقيق الأهداف والغايات المنشودة ، وما دمنا لم نبلغ هذه الدرجة - ولن نبلغها - ؛ فإن علينا أن نحرص على التغيير الإيجابي المطلوب لنقترب قدر المستطاع منها .
4. أن التغيير دليلٌ على الطموح والتطلع والرغبة في تحقيق الأفضل والأجمل والأكمل .
أما المُبررات التي من أجلها يتم التغيير فكثيرةٌ جداً ، وتختلف باختلاف الحالات والظروف والزمان والمكان ، إلا أن من أبرزها ما نُلاحظه ونراه ونسمعه ونتفق جميعاً عليه ، ويتمثل في أننا نعلم أن هناك الكثير من الطاقات البشرية (المُهدرة) التي لم يُفد منها أصحابها ، ولا المجتمع من حولهم لأنها طاقاتٌ مُعطلة ، وقدراتٌ غير مُفعّلة ، وخير دليلٍ على ذلك تلك المواهب المدفونة عند الكثيرين في مختلف مجالات الحياة ، وتلك الأوقات الضائعة التي نهدرها جميعاً (إلا ما ندر) على مدار اليوم والليلة فيما لا فائدة فيه ، ولا نفع منه سواءً أكان ذلك من الأقوال أو الأفعال . إضافةً إلى مشكلة الخضوع والاستسلام لمختلف لعادات والتقاليد الخاطئة في المجتمع ، وعدم بذل أي محاولة إيجابية لتغييرها أو تعديلها أو تصحيحها أو التخلص منها .
وإليكم (إخواني ) مجموعةً من الأمثلة للطاقات والأوقات المهدرة في حياة كثيرٍ من الناس في واقعنا /
* كم من ساعةٍ يقضيها الكثير من الناس ولاسيما الشباب أمام شاشات التلفزيونات وأجهزة الحاسب الآلي ؟
* كم من ساعةٍ يقضيها الشباب - على وجه الخصوص - وهم يتجولون بسياراتهم هنا وهناك بلا فائدةٍ ولا مصلحة ؟
* كم من المكالمات يجريها كثيرٌ من الناس بلا داعٍ ولا ضرورة ؟
* كم من الساعات الزائدة ينامها كثيرٌ من الناس على مدار اليوم والليلة ؟
* كم من الفرائض تؤخر عن وقتها وربما تضيع تساهلاً وتهاونًا والعياذ بالله ؟
* كم من الكلمات التي يُطلقها الإنسان وهو لا يدري أهي محسوبةٌ له أم عليه ؟
* كم من النقود تُصرف في أشياء ليست ضرورية ولا تدعو إليها الحاجة ؟
* كم من الساعات تقضيها النساء وبعض الرجال في القيل و القال ؟
* كم من الأوقات ضاعت في ألوانٍ من اللهو والغفلة ولم يستفد منها معظم الناس في حياتهم ؟
* كم من الملابس والأثاث والممتلكات التي لم نعد نحتاج إليها في دورنا ومنازلنا ؟
* كم من النصائح والمواعظ والمواقف التي سمعناها وعرفناها وتأثرنا بها في حينها ثم نسيناها بعد ذلك ؟
* كم من الأوقات تضيع منا في كثيرٍ من المناسبات والحفلات والاجتماعات ؟
* كم من الأوقات نُهدرها في تصفح الصحف والمجلات وغيرها من المطبوعات التي لا نفع فيها ولا فائدة منها ؟
* كم الفائض من أصناف الأطعمة والمشروبات على موائدنا في الحفلات والمناسبات العامة والخاصة ؟
ثم ماذا بعد هذا كله ؟!
- هل تغير وضعنا ؟
- وهل تعدّل نمط حياتنا ؟
- وهل يمكن أن نُحدث تغييراً ولو يسيراً في واقع حياتنا ؟
- وهل حدث فرقٌ بين ما كان عليه حالنا وما هو عليه الآن ؟
..
..
وإليك - أخي القارئ - مجموعة من الأمثلة التي أقترح عليك القيام بها ، والتي يمكن - متى تم تطبيقها أو تطبيق بعضها لمدة أسبوعٍ مثلاً - أن يتحقق جزءٌ كبيرٌ من التغيير الإيجابي المطلوب في حياتك ، ومنها ما يلي /
* عوّد نفسك المحافظة على بعض الأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على مدار اليوم والليلة .
* اغتنم فترة قيادتك للسيارة (ذهاباً و إياباً) في إشغال لسانك بذكر الله تعالى تسبيحًا ، وتهليلاً ، وحمدًا ، واستغفارًا ، وتكبيرًا .
* اجعل من ضمن برنامجك الأُسبوعي زيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران للسلام والاطمئنان عليه .
* مارس رياضة المشي أو الجري الخفيف لمدة عشر دقائق يوميًا .
* عوّد نفسك الجلوس مع والديك ، أو مع أفراد أسرتك وتبادل الحديث الودي معهم ولو لوقتٍ قصيرٍ يومياً .
* احرص على التبكير في حضور مواعيدك خلال هذا الأسبوع .
* جرِّب أن تنام مبكراً خلال هذا الأسبوع .
* جرب ألاّ تزيد سرعة قيادتك للسيارة عن (80) كيلو متر في الساعة .
* احرص على أن تبدأ بالسلام على والديك يومياً وتقبيل أيديهما .
* تلطف في كلامك مع إخوانك وأصدقائك وجيرانك وكل من هم حولك .
* تصدق ولو بريالٍ واحدٍ يوميًا خلال هذا الأسبوع .
* حافظ على ذكر الله تعالى (تسبيحًا وتحميدًا وتهليلاً وتكبيرًا واستغفارًا) في أوقات الفراغ بدلاً من الصمت ، أو الغناء ، أو نحو ذلك .
* حافظ على استعمال السواك باستمرار ، أو قم بتنظيف أسنانك ثلاث مرات في اليوم والليلة .
* احرص على جمال المظهر والأناقة المعقولة والمقبولة في الملبس والمظهر والشكل العام .
* تعود على سماع وجهات نظر الآخرين وتقبُلها وإن كانت مُخالفة لوجهة نظرك الخاصة .
* قلل من فترة استماعك للأغاني والموسيقى ونحوها إن كنت من المبتلين بسماعها .
* أعد النظر في قائمة القنوات التلفزيونية التي تُشاهدها في بيتك .
* حاول تنظيم وقتك وأداء ما عليك من واجباتٍ في حينها دون تأخير .
* أعد ترتيب محتويات غرفتك أو مكتبك أو سيارتك حتى تبدو أكثر نظاماً .
* حاول زيارة المستشفى للسلام على المرضى من إخوانك المسلمين وإن لم تعرفهم .
* حافظ على زيارة المقابر والسلام على أموات المسمين والدعاء لهم .
* قم بتلبية الدعوات التي توجَّه لك ، ولاسيما من الأهل والأقارب والجيران .
* شارك في حضور المناسبات المختلفة التي تُدعى إليها .
* اجتهد أن تُصلي كل الفروض مع جماعة المسلمين في المسجد .
* زد معدل تلاوتك للقرآن الكريم في اليوم الواحد بضع آيات .
* حاول أن تقرأ عدة صفحات من كتابٍ مفيدٍ في اليوم الواحد .
* أعد النظر في محتويات رسائل الجوال المكتوبة والمرئية عندك ، وتخلّص مما لا يرضاه الله تعالى منها .
* استمع لشريطٍ إسلاميٍ واحدٍ في كل يوم لأحد الدعاة .
* قلل عدد السجائر التي تُدخنها يومياً إن كنت ممن ابتلوا أنفسهم بالتدخين .
* حافظ على أداء صلاة الوتر قبل أن تأوي إلى فراشك .
* احرص على أداء صلاة الضحى ولو ركعتين .
أخي القارئ /
لا شك أن تطبيقك لهذه الأمثلة في حياتك والمحافظة عليها ستؤدي إلى نتائج مُدهشة قد لا تتوقعها ، والتجربة أكبر برهان كما يُقال . ولاسيما أنك ستشعر - بإذن الله تعالى - بتجدد حياتك ، وتبدُل أحوالك ، وتغير قناعاتك ، وزيادة التصرفات الإيجابية في أدائك اليومي ؛ وبذلك يتحقق التغيير الإيجابي المطلوب .
وفيما يلي عددٌ من القناعات التي طالعتها في بعض الكتب ، والمطبوعات ، والمواقع الإنترنتية المختلفة ، والتي يمكن أن تُسهم إلى حدٍ ما في تحقيق التغيير الإيجابي عند الإنسان متى استوعبها وأدرك معناها و اقتنع بها ، ومنها ما يلي :
الإنسان الإيجابي يفكر في الحل
والإنسان السلبي يفكر في المشكلة .
*
الإنسان الإيجابي لا تنضب أفكاره
و الإنسان السلبي لا تنضب أعذاره
*
الإنسان الإيجابي يساعد الآخرين
و الإنسان السلبي يتوقع المساعدة من الآخرين
*
الإنسان الإيجابي يرى أن هناك حلاً لكل مشكلة
و الإنسان السلبي يرى مشكلة في كل حل
*
الإنسان الإيجابي يرى الحل صعبًا لكنه ممكن
و الإنسان السلبي يرى الحل ممكنًا لكنه صعب
*
الإنسان الإيجابي لديه آمالٌ يحققها
و الإنسان السلبي لديه أوهام وأضغاث أحلام يبددها
*
الإنسان الإيجابي يرى في العمل أمل
و الإنسان السلبي يرى في العمل ألم
*
الإنسان الإيجابي ينظر إلى المستقبل ويتطلع إلى ما هو ممكن
و الإنسان السلبي ينظر إلى الماضي ويتطلع إلى ما هو مستحيل
*
الإنسان الإيجابي يناقش بقوةٍ وبلغةٍ لطيفة
و الإنسان السلبي يناقش بضعفٍ وبلُغةٍ فظة
*
الإنسان الإيجابي يتمسك بالقيم ويتنازل عن الصغائر
و الإنسان السلبي يتشبث بالصغائر ويتنازل عن القيم
*
الإنسان الإيجابي مُتفائل في نظرته للحياة ومجرياتها
و الإنسان السلبي متشائم ونظرته للحياة سوداوية
*
وختامًا >>>>>>>
هذه بعض النقاط الرئيسة التي أرى - من وجهة نظري الخاصة - أنه لا بد من مراعاتها وتحققها عند الرغبة في التغيير ، ومنها ما يلي /
(1) استعن بالله وحده عند شروعك في مشوار التغيير ؛ فهو الذي له الأمر كُله ، وهو الذي يُقدِّر الأقدار ، وهو الذي يشاءُ ويختار .
(2) ليكن أول تغييرٍ تحرص عليه - أخي الشاب - أن تعمل على مضاعفة إيمانك بالله تعالى ، وتقويته عن طريق زيادة الأعمال الصالحة التي ترضيه سبحانه .
(3) تذكّر أن كل إنسانٍ موفّق إلى عملٍ صالحٍ من أعمال الخير ، فمن الناس من وفّق إلى الصلاة ، ومنهم من وفق إلى الصدقة ، ومنهم من وفق إلى الصيام ، ومنهم من وفق إلى الدعوة إلى الله تعالى ، ومنهم من وفق إلى الخُلق الحسن ، ومنهم من وفق للإصلاح بين الناس ، وهكذا .
(4) التغيير لا يمكن أن يكون إلاّ من الداخل ، ولا بُدأن ينبع من قناعةٍ داخل النفس ، و مهما قام الآخرون بمساعدتنا ، فلن يحدث التغيير إلا إذا رغبه الإنسان وبدأه .
(5) التغيير يحتاج إلى البدء الفوري فيه ، وسرعة المبادرة إليه ، و عدم التسويف أو التأجيل و التأخير . قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (سورة آل عمران : الآية 133) . (6) تأكد أن تحقيق التغيير المطلوب (لا ولم ولن) يحصُل بخطوةٍ واحدةٍ عملاقةٍ أو ضخمة ، ولكنه يحصل بمجموعة خطواتٍ صغيرة .
(7) لا تنس أنه حتى يكون التغيير إيجابيا ، فلابد أن يكون صادقاً ، ومستمراً ، ومنتظماً ، وشاملاً .
(8) التغيير ممكن للجميع ويناسب جميع الأعمار .
(9) إن إحداث التغيير يجب أن يُراعي قدرات الإنسان واستعداداته ، حتى لا يُحمِّل نفسه ما لا تطيق . وحتى يكون التغيير منسجمًا مع عقل الإنسان ، فلا يجنح به إلى ما يضر بمصالحه، أو يتعارض مع رغباته ، فلا يحرمه المتاع الحلال ، أو يتنافى مع أخلاقه وسلوكياته الثابتة .
(10) ليكن في علمك أنه ليس هناك تغيير إيجابي دون عناءٍ أو مشقة ، وهنا تكمن اللذة والاستمتاع بالانتصار على هوى النفس . وهذا يعني أن علينا أن نُردد العبارة الشهيرة :
" كلمة مستحيل ليست في قاموس حياتي " .
ومثلها عبارة / " لا شيء مستحيل " .
( أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا لتغيير أقوالنا ، وأعمالنا ، ونوايانا ، وجميع شأننا إلى ما فيه الصلاح ، والفلاح ، والنجاح ، والحمد لله رب العالمين )
( صيد الفوآئد )
" سطور تصفحتها مع قليل من التعديل للدكتور / صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية المُشارك بكلية المعلمين
في جامعة الملك خالد بأبها "
( دمــتــم بحفــظ آلرحمن أينمــآ كنــتــم )
أختــكـــم /
%آلـنـُّـوووضْ%