مغلي الوطن
11-03-2008, 06:37 PM
الله
أهل الثناء والمجد
بقلم الأديب الشيخ الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني
إمام وخطيب جامع الشيخ ابن باز بمكة المكرمة
والأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
قرّبوا ريشتي وهاتوا دواتي واتركوني من التي واللواتي
لم يعد في فؤاد مثلي مكان للتغني بالحب والغانيات
كم تأمّلت من أعاجيب حبّ وغرام في الأعصر الخاليات
لأناس ذابوا هياما وشوقا وافتتانا بروعة الفاتنات
كم فؤادٍ بلوعة الحبِّ يكوى وصريعٍ للأعين القاتلات
فإذا بالغرام يغدوا حديثا والمحبّون كومةً من رفاة
قصصٌ في مجالس الأنس تروى ثم ترمى في حيّز المهملات
فتعاليت عن غرام بئيس دنيوي مآله لانبثاث
وسقيت الفؤاد من نهر حبّ يوقظ القلب من عميق السبات
كم شفى الحبّ غلّة من نفوس وسقاها من سلسبيل فرات
فاستمع يا زمان هذا محبّ سوف يتلو أنشودة للرواة
يا خلايا الفؤاد يا كل نبض هات ما عندكم من الحب هات
حدثينا عن الهوى حدّثينا وأبيني بأصدق البيّنات
أشعلي جذوة الهوى في نفوس عن مراقي سعودها لاهيات
هذه نفحة من الطهر تسري في فضاء يعجّ بالمغريات
ضجّ هذا الفضاء مما دهاه من جحيم الآثام والمنكرات
وإذا بثّ في البرايا خطايا جاءك البثّ عابقاً من قناة
هذه باقة من الورد نشوى من أزاهير قلبي العاطرات
هذه قصّة من الحبّ تتلى في حروفٍ فتّانة ساحراتي
ومعاني أضحت بمحراب روحي ساهرات لربها ساجدات
هذه غرفة من الحبّ تسقي برواها ضمائراً صاديات
هذه نسمة شذاها تجلى في سماءٍ الهوى بمسكٍ فتات
وسلاف البيان يحلو مذاقاً لقلوبٍ شفافةٍ مرهفات
بعت ذاتي على حبيبٍ قريبٍ من فؤادي ومنه حبي وذاتي
تاه لبّي وذاب قلبي لربي فهو حبّي وسلوتي في حياتي
وله كل ذرّة في كياني ومماتي ومنسكي وصلاتي
يا مرادي هذه ترانيم حبٍّ من فيوض المشاعر الخاشعات
أنت أهل الثناء والمجد فامنن بعبير من الثناء المواتي
ما ثنائي عليك إلا امتنان ومثال للأنعم الفائضات
يا محبّ الثناء والمدح إني من حيائي خواطري في شتات
ذابت النفس هيبةً واحتراماً وتأبّت عن بلع ريقي لهاتي
حبّنا وامتداحنا ليس إلا ومضةً منك يا عظيم الهبات
لو نظمنا قلائداً من جمانٍ ومعانٍ خلابةٍ بالمئات
لو برينا الأشجار أقلام شكر بمداد من دجلة والفرات
لو نقشنا ثناءنا من دمانا وبذلنا أرواحنا الغاليات
لو نُشرنا في ذاته أو رُمينا برماح فتّاكةٍ مشرعات
أو جهدنا نفوسنا في قيامٍ وصيامٍ حتى غدت ذاويات
أو مزجنا نهارنا بدجانا في صلاة وألسن ذاكرات
أو قطعنا مفاوزاً من لهيبٍ ومشينا بأرجلٍ حافيات
أو سجدنا على شظايا رصاصٍ أو زحفنا زحفا على المرمضات
أو بكينا دماً وفاضت عيون بلهيب المدامع الحارقات
ما أبنّا عن همسة من معاني في حنايا نفوسنا ماكنات
ما أتينا بذرة من جلال أو شكرنا آلائك الغامرات
أي شيء يقوله الشعر لما يتغنى بخالق الكائنات
ما نسجناه من بيانٍ بديعٍ ليس إلا خواطراً قاصرات
هدي الشعر لافتراس المعاني إنما الطيبون للطيبات
أي شيء أتقى وأنقى وأرقى من حروفٍ بمدحه مترعات
فالق الحبّ والنوى جلّ شأنه وضياء الدجى ونور السّراة
قابض باسطٌ معزّ مذلٌّ لم يزل مرغما أنوف الطغاة
شافع واسعٌ حكيمٌ عليمٌ بالنوايا والغيب والخاطرات
خافض رافع سميع بصير لدبيب للنمل فوق الحصاة
يهتف العابدون من كل جنسٍ وبلادٍ على اختلاف اللغات
لم يغب عنه همسةٌ أو هتافٌ للمنادين من جميع الفئات
نافع مانع قوي شديد قاصم ظهر كل باغٍ وعات
كم تألّى ذوو عنادٍ وكفرٍ فاستحالت عروشهم خاويات
كم أتى بطشه فأردى شعوباً لاهياتٍ في دورها آمنات
ظاهر باطن حسيب رقيب ليس يخفى عليه مثل القذاة
أولٌ آخرٌ علىٌّ غنيٌّ كيف تحصى آلاءه الوافرات
باعثٌ وراثٌ كفيلٌ وكيلٌ وأمانٌ للأنفس الخائفات
وجميلٌ جماله فاض طهراً وصفاءً يرفّ بالمبدعات
بارئ حافظٌ حميد مجيد فارج الهمّ كاشف المعضلات
الوليّ المتين ما خاب ظنٌّ لنفوس في فضله طامعات
مؤمنٌ محسنٌ شكورٌ صبورٌ للأذى والجحود والافتئات
خالقٌ رازقٌ سميعٌ مجيبٌ ويداه تفيض بالأعطيات
السلام القدوس كم من فيوض نتفيا ظلالها الوارفات
وله الكبرياء هل من ولي غيره قد أباد كل الولاة
مستوٍ فوق عرشه في علوٍّ وقريب بجوده للعفاة
ليس شيء كمثله فهو ربٌّ من يضاهيه في صفاة وذات
ما أتى من صفاته فهو حقّ وكمال برغم أنف النفاة
إنه الواحد الذي لا يضاهى في معاني أسمائه والصفات
ناصرٌ قادرٌ على كل شيء وهو حيّ منزّه عن سبات
قاهرٌ غالبٌ قوي عزيزٌ ونصيرٌ للمهتدين الهداة ِ
غافرٌ راحمٌ رحيمٌ تجلى حلمه في عطائه للجناة ِ
تتألى عليه بعض البرايا وتراها في فضله راتعات ِ
مرسل البرق منزل الغيث صفوا وهو محي العظام بعد الفتات
صمدٌ تصمد البرايا إليه وأنيس الضمائر الموحشات
المليك القدير ذو الطول بشرى لمحبي توحيده بالعداة
ما أتوا كاهنا ولم يستغيثوا بقبورٍ مطمورةٍ بالكفاة
قصدهم أو دعائهم ليس إلا للكريم العظيم ذي المقدرات
تلك فحوى العقيدة الحقّ تتلى بوضوح في كتبه المنزلات
يا نبيّ الهدى ويا خير صوتٍ حين يتلى متيماً للحداة
يا محباً تعلم الحبّ منه ثم آتى ثماره الناضجات
ما رأينا في دفتر المجد أسمى منك حبّاً برغم كيد الوشاة
صغت للدهر قصّة من نضالٍ وفعالٍ أبيّةٍ ذائعات
وحروفٍ منسوجةٍ من ضياءٍ ما توارى عن شاشة الذاكرات
لو رميتم مفاتح الأرض عندي وأتيتم بالشمس والمقمرات
ليس في شرعة الهوى من نكوصٍ وعهودٍ مأجورةٍ مشتراة
والأمور الصعاب تبدو لعيني في رضى من أحبّه هيّنات
فإذا أظلم الدجى قام يدعو ويناجي بأدمعٍ واجفات
يا إلهي إن كنت راضٍ فإني لا أبالي بما أتو من أذات
ومضى ثابت الخطى لا يبالي بالتحدي والمكر والشائعات
أورق الحبّ والرضى في قلوبٍ بثّ فيها معنى التقى والأناة
أحدٌ والأحزاب والفتح تروي أروع الحبّ للأباة الكماة
بسيوفٍ غيورةٍ صارماتٍ وخيولٍ إلى الوغى ذابحات
كم رؤوس تعجّب الموت منها ودماءٍ منثورةٍ عابقات
أمهر الحبّ جعفر وخبيب بنفوسٍ من أجله زاهقات
يبتلى آل ياسرٍ ثم تهدى إلى المنايا سميّة الساميات
ضمّخت سكّة الهوى للصبايا بعبيرٍ من همّة القانتات
إنها درّة بعقدٍ مضيءٍ يتحلى بالكمّل المحصنات
وبلال في وقدة الرمل يلقى لينادي بلاته أو منات
كلّما أمعنوا عذابا ينادي أحدٌ لم تطق سواها شفاتي
وأبو جابرٍ ينادي كفاحاً ويمنّى بأحسن الأمنيات
وحبيبٌ يبضّع الجسم حيّاُ بسيوفٍ غدّارةٍ خائنات
لم يلن عزمه وما صاغ حرفاً من ذلة أو خضوعٍ للغواة
سطّروا قصّة الهوى بحروفٍ سوف تبقى عن البلا خالدات
هكذا الحبّ لوعة وامتثالٌ واشتياقٌ تصاغ في تضحيات
مبدع الكون يا لها من عقولٍ فــي تملي آياته ذاهلات
واسع الفضل كيف ترجى نجاةٌ لنفوسٍ عن هديه معرضات
هائماتٍ في غفلةٍ عن هداه غارقاتٍ في حمأة الموبقات
وقلوبٍ كئيبةٍ كيف تسلو وهي من فيض حبّه مقفرات
كيف يسري معنى الرضى في نفوس من شذا طيف أنسه خاليات
كم بهذا الوجود مما نراه من صنوفٍ بفضله شاهدات
لو تأملت صفحة الكون مما بثّ فيه من رائع المعجزات
أرسل الفكر في فضاءٍ بعيدٍ وسماءٍ تعجّ بالنيّرات
هل رأيت السماء والشمس تزهو في ضحاها والبدر في الحالكات
هل تأملت منظر النجم لمّا يسحر العين في دجى المظلمات
كلها الأرض والمجرّات تبدو عند ربي كحلقة في فلاة
هل تأملت روعة الروض لمّا يتبدى بأحسن المزهرات
من غصونٍ ريانةٍ وورودٍ وفروعٍ زكيّة مثمرات
وخرير المياه يهدي لحوناً يتهادى بين الربى والنبات
وغناءً يسري إلى كل قلبٍ لطيورٍ صدّاحةٍ شاديات
ورُخاءً مأمورةً من رياحٍ حين تمضي إلى الرُّبى لاقحات
كم ترى من حدائق مفعمات بغصونٍ قطوفها دانيات
وحقولٍ جميلةٍ لحبوبٍ تتجلى في أبدع السنبلات
هل تأملت أنهراً وبحوراً كم بها من عوالمٍ سابحات
هذه الفلك آية هل تراها وهي تفري عبابه ماخرات
منظر مذهلٌ فلول البرايا تمتطيه بأضخم الباخرات
رابط الجأش كم طوى في حشاه من ضحايا أمواجه العاتيات
لم تغيره حادثات الليالي والبرايا ما بين غادٍ وآت
هل تأملت أمة النحل تغدوا لعبيرٍ من الشذى راشفات
ثم تهدي بطونها من رضابٍ وشفاءٍ لأنفسٍ مزمنات
في بناءٍ معقدٍ هندسيٍّ يتحدى خوراق الهندسات
هل تأملت عالم النمــل فيه روعةٌ في فلوله المنشرات
في نظام ودقّة لا تبارى وتفاني في الكسب والاقتيات
ليس للخامل الكسول احترامٌ في قوانين عيشها الصارمات
وألوفّ من المخاليق تمضي في دروبٍ مرسومةٍ واضحات
من فراشٍ وزاحفٍ وطيورٍ وأليفٍ يقنى ومن كاسرات
وإذا جفّت العيون السواقي واستحالت رياضنا مجدبات
وبدا وجه أرضنا مقفهرٌّ قابلتك الغيوم بالبشريات
فإذا بالمغيث يزجي سحاباً ويفيض الثجاج بالمعصرات
تكتسي الأرض حلّة من نضار في وجوهٍ وضّاءةٍ باسمات
لو تأملت أبدع الصنع فيما بين جنبيك من بديع العضات
من فؤاد ومنطق واعتدال والنهى والدلائل الباهرات
والبلايين من خلاياك تمضي والكريّات أضخم الناقلات
لو تأمّلت في كتاب كريم في معاني آياته المحكمات
في الضحى والأنعام والنحل فيضٌ من ضياءٍ والنور والذاريات
من يعيد الرواء للأرض لما يطمس الجدب أوجهاً ضاحكات
من يعافي المريض من بعد سقمٍ وقنوطٍ من طبّ مستشفيات
من يبث السرور في كل بيتٍ بالبنين الأطهار أو بالبنات
من يسلّي النفوس بالصبر لمّا تبتلى بالنوازل القاصمات
من يغيث القلوب مما دهاها من همومٍ بئيسةٍ جاثمات
من يواري عيوبنا .. من حبانا بستورٍ من سترهِ مسدلات
من هدى العقل لاكتشافٍ بديعٍ لعلومٍ عجيبة مذهلات
كلما زادت العقول اكتشافاً وابتكاراً تتيه في المهمهات
علمها واكتشافها ليس إلا قطرةً من بحوره الزاخرات
إن في ساحة العلوم اهتداءً ودليلاً للأنفس الحائرات
كم هدينا بفضله لعلومٍ بمزايا توحيده هاتفات
إن في مسرح الحياة اعتباراً في ثنايا آياتها الماثلات
يا جهولا بربّه يا غفولاً عن صريح الآيات والبيّنات
كم نرى في حياتنا من فنونٍ ورســـومٍ خلاّبةٍ هائمات
أين عيناك عن تملّي جمالٍ في أفانين فضله الناطقات
في جمال الأكوان في كل همسٍ في بديع المسموع والمبصرات
في شروقٍ للشمس أو في غروبٍ في نجومٍ مطلّة آفلات
في انبلاج الصباح في هدئة الليل في لحون الشداة
في سحابٍ مسخّرٍ في غمامٍ في بروقٍ برّاقةٍ ضاحكات
في هتاف الطيور من كل فنٍّ في غناء الحمائم الساجعات
في الشذا في الندى في الورود في بسمة الفجر في سكون البيات
في الرُّبى في الضحى في الأنهار في طلعة البدر في الزواهر الحالمات
في التقاء البحرين ملحٌ أجاجٌ ليس يطغى على الزلال الفرات
في رحيق الأزهار في نفحة العطر في رياضها الناظرات
في دلال الملاح في رقّة الحب في المحاجر الآسرات
في قدودٍ فتّانة في خدودٍ في ثغورٍ وضّاءةٍ باسمات
في جمال الغزال في جفلة الظبي في عيون المهات
في اختيال الطاؤوس في عالم البحر في علوِّ البزاة
في هدير الجِمال في سطوة الأسد في انطلاقة الصافنات
في قضاء الأرواح في قصّة النومِ في حديثنا والسُّكات
في بديع الألون في نغمة الصوت في قلوبنا الخافقات
في اختلاف الأذواق في بسمة المرء في دموعه الذارفات
في صنوف الأرزاق من كلّ طعمٍ في فيوضات جوده المغدقات
في مذاق الثمار في باسق النخل في الجنا في النواة
إنه الله سلوةً وضياءً في سماءِ العبّادِ والعابداتِ
عد إلى ظلّه الظليل التماساً للرضى وحسن الصِّلاة
حيث يكسوك حُلّةً من حنانٍ وأمانٍ في هجمة العاديات
وترنّم بذكره فهوة غرسٌ سوف تجني ثمارهُ اليانعات
إنّ صدق المحبّ يبدو جليّاً في عيونٍ بالدمع مغرورقات
وامتثالاً لأمره واحتراما لمواثيق حبّه المبرمات
وقياماً بحقّه من صلاةٍ وصيامٍ ومنسكٍ وزكاةِ
هذه همستي إلى كل قلبٍ عاشقٍ للرضى وهذي وصاتي
ونداءٌ مضمّخٌ بعبيرٍ لأناسٍ يستروحون العظاة
فاعمر الوقت بالتراتيلِ وانصب تحت جنح الدجى وحين الغداة
واغنم العمر فالمنايا خفايا كم دهى الخطب أنفساً غافلات
ليس تغنيك توبةٌ أو بكاءٌ حين تمنى بهجمة النازعات
إنه موعدٌ وما عنه مأوى لو سكنت البروج والناطحات
أين أهل السلطان والجاهِ ممن تاه فخراً في الأعصر الماضيات
أولم يفتك الرّدى بقصورٍ وديارٍ بأهلها آهلات
كدّر الموت صفوهم ثمّ بادوا وتجلّت رسومهم دارسات
أين من غرّه جمالٌ ومالٌ من كبار السادات والسيدات
سكنوا باطن الثرى بعد عزٍّ في ظلال المنازل الشامخات
أكل الترب حسنهم وتمشى الدود يرعى في أعظمٍ باليات
إن في صرعة الزّمان اعتبارا كيف تمضي أيامه خاطفات
فلتبادر إلى اغتنام الليالي ولحوقٍ للركب قبل الفوات
حين تمضي إلى إلهٍ عظيمٍ وعليمٍ بالجهرِ والخافيات
جامع الناس في مقامٍ رهيبٍ ومعيد العظام بعد الشتات
في مقامٍ تكون فيه البرايا خاضعات لربها مهطعات
فيه تجثوا قوافل الناس خوفاً ويحل الذهول بالمرضعات
لو رأيت الأبناء ولّوا فراراً عن نداءالآباء والأمّهات
هلعٌ يُمطر الورى فاستكانوا في وجيفٍ وأعينٍ شاخصات
وبكاءٍ وحرقةٍ ثم يدنو كوكب الشمس من حفاةٍ عراة
ليس للمرء ملجأ فيه إلا بمزايا أعماله الصالحات
ولمن واجهوا فلول الخطايا بدروعٍ من التقى سابغات
ودعاة لهديه في البرايا بقلوبٍ رفيقة راحمات
يقطف المؤمنون أزهار أمنٍ ويرون البشائر المرضيات
حورُ عينٍ وسندسٍ وثمار وفيوض من أنهرٍ جاريات
في نعيم لا ينقضي ومزيدٍ لوجوهٍ لربها ناظرات
يا إلهي إني مقرّ بذنبي وخطايا جوارحٍ مسرفات
ما جهلت المقام أو كان قلبي مشرئبّاً إلى دروب العصاة
ضعف نفسي وحسن ظني بربي جرّني للقصور في واجباتي
يا رحيما بعبده يا عفوّاً يا محل الآمال والمكرمات
يا إلهي ومن إليه التجائي يا ربيع الأفكار والذكريات
رضّني بالقضاء وامنن بفضلٍ وببردٍ للعيش بعد الوفاة
يا منى خاطري وسلوى فؤادي ليس إلا إلى رضاك التفاتي
منك حولي وقوتي واتكالي يا نصيري فلا تكلني لذاتي
جِدْ على عبدك المرجّى نوالاً من عطايا آلائك المشرقات
واهدي قلبي يا خالقي وارض عنّي فالرضا منك منتهى الأمنيات
أنت ألبستني من الفضل ثوباً بل ثياباً فضفاضةً ضافيات
يا غياث الملهوف من كل كربٍ يا معيناً للمرء في المعضلات
لا تدعني لحادثات الليالي وأجرني مما به الغيب آت
وقني من لهيب نارٍ تلضّى بسياجٍ من التقى والثبات
يا جواداً بلطفه يا عفوّاً لرزايا كبائرٍ أهو هنات
يا ملاذاً تهفو إليه البرايا والمرجى لفك أسر العناة
أُمْحُ عنّي صحائفاً من ذنوبي واعف عنّي يا غافر السيّئات
فاقتراف الذنوب عنوان ضعفي والتمادي في غيّها من سماتي
يا أنيسي عُدّتي واعتمادي وملاذي في ظلمة النائبات
وسروري وبهجتي ورجائي وضيائي في مدلج الحالكات
هذه لوعتي وهذي دموعي واشتياقي وقصّتي وشكاتي
أبتغيها ذخراً ليومٍ عظيمٍ يا إلهي لعلّ فيها نجاتي
وصلاةً زكيّةً وسلاماً للنبي الكريم خير الدعاةِ
بقلم الخطيب الأديب الشيخ : د. ناصر بن مسفر الزهراني
كم نحن بحاجة إلى أن الشعراء ينضمون اجمل الأبيات الطويلة فيمن يستحق المدح الله
أهل الثناء والمجد
بقلم الأديب الشيخ الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني
إمام وخطيب جامع الشيخ ابن باز بمكة المكرمة
والأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
قرّبوا ريشتي وهاتوا دواتي واتركوني من التي واللواتي
لم يعد في فؤاد مثلي مكان للتغني بالحب والغانيات
كم تأمّلت من أعاجيب حبّ وغرام في الأعصر الخاليات
لأناس ذابوا هياما وشوقا وافتتانا بروعة الفاتنات
كم فؤادٍ بلوعة الحبِّ يكوى وصريعٍ للأعين القاتلات
فإذا بالغرام يغدوا حديثا والمحبّون كومةً من رفاة
قصصٌ في مجالس الأنس تروى ثم ترمى في حيّز المهملات
فتعاليت عن غرام بئيس دنيوي مآله لانبثاث
وسقيت الفؤاد من نهر حبّ يوقظ القلب من عميق السبات
كم شفى الحبّ غلّة من نفوس وسقاها من سلسبيل فرات
فاستمع يا زمان هذا محبّ سوف يتلو أنشودة للرواة
يا خلايا الفؤاد يا كل نبض هات ما عندكم من الحب هات
حدثينا عن الهوى حدّثينا وأبيني بأصدق البيّنات
أشعلي جذوة الهوى في نفوس عن مراقي سعودها لاهيات
هذه نفحة من الطهر تسري في فضاء يعجّ بالمغريات
ضجّ هذا الفضاء مما دهاه من جحيم الآثام والمنكرات
وإذا بثّ في البرايا خطايا جاءك البثّ عابقاً من قناة
هذه باقة من الورد نشوى من أزاهير قلبي العاطرات
هذه قصّة من الحبّ تتلى في حروفٍ فتّانة ساحراتي
ومعاني أضحت بمحراب روحي ساهرات لربها ساجدات
هذه غرفة من الحبّ تسقي برواها ضمائراً صاديات
هذه نسمة شذاها تجلى في سماءٍ الهوى بمسكٍ فتات
وسلاف البيان يحلو مذاقاً لقلوبٍ شفافةٍ مرهفات
بعت ذاتي على حبيبٍ قريبٍ من فؤادي ومنه حبي وذاتي
تاه لبّي وذاب قلبي لربي فهو حبّي وسلوتي في حياتي
وله كل ذرّة في كياني ومماتي ومنسكي وصلاتي
يا مرادي هذه ترانيم حبٍّ من فيوض المشاعر الخاشعات
أنت أهل الثناء والمجد فامنن بعبير من الثناء المواتي
ما ثنائي عليك إلا امتنان ومثال للأنعم الفائضات
يا محبّ الثناء والمدح إني من حيائي خواطري في شتات
ذابت النفس هيبةً واحتراماً وتأبّت عن بلع ريقي لهاتي
حبّنا وامتداحنا ليس إلا ومضةً منك يا عظيم الهبات
لو نظمنا قلائداً من جمانٍ ومعانٍ خلابةٍ بالمئات
لو برينا الأشجار أقلام شكر بمداد من دجلة والفرات
لو نقشنا ثناءنا من دمانا وبذلنا أرواحنا الغاليات
لو نُشرنا في ذاته أو رُمينا برماح فتّاكةٍ مشرعات
أو جهدنا نفوسنا في قيامٍ وصيامٍ حتى غدت ذاويات
أو مزجنا نهارنا بدجانا في صلاة وألسن ذاكرات
أو قطعنا مفاوزاً من لهيبٍ ومشينا بأرجلٍ حافيات
أو سجدنا على شظايا رصاصٍ أو زحفنا زحفا على المرمضات
أو بكينا دماً وفاضت عيون بلهيب المدامع الحارقات
ما أبنّا عن همسة من معاني في حنايا نفوسنا ماكنات
ما أتينا بذرة من جلال أو شكرنا آلائك الغامرات
أي شيء يقوله الشعر لما يتغنى بخالق الكائنات
ما نسجناه من بيانٍ بديعٍ ليس إلا خواطراً قاصرات
هدي الشعر لافتراس المعاني إنما الطيبون للطيبات
أي شيء أتقى وأنقى وأرقى من حروفٍ بمدحه مترعات
فالق الحبّ والنوى جلّ شأنه وضياء الدجى ونور السّراة
قابض باسطٌ معزّ مذلٌّ لم يزل مرغما أنوف الطغاة
شافع واسعٌ حكيمٌ عليمٌ بالنوايا والغيب والخاطرات
خافض رافع سميع بصير لدبيب للنمل فوق الحصاة
يهتف العابدون من كل جنسٍ وبلادٍ على اختلاف اللغات
لم يغب عنه همسةٌ أو هتافٌ للمنادين من جميع الفئات
نافع مانع قوي شديد قاصم ظهر كل باغٍ وعات
كم تألّى ذوو عنادٍ وكفرٍ فاستحالت عروشهم خاويات
كم أتى بطشه فأردى شعوباً لاهياتٍ في دورها آمنات
ظاهر باطن حسيب رقيب ليس يخفى عليه مثل القذاة
أولٌ آخرٌ علىٌّ غنيٌّ كيف تحصى آلاءه الوافرات
باعثٌ وراثٌ كفيلٌ وكيلٌ وأمانٌ للأنفس الخائفات
وجميلٌ جماله فاض طهراً وصفاءً يرفّ بالمبدعات
بارئ حافظٌ حميد مجيد فارج الهمّ كاشف المعضلات
الوليّ المتين ما خاب ظنٌّ لنفوس في فضله طامعات
مؤمنٌ محسنٌ شكورٌ صبورٌ للأذى والجحود والافتئات
خالقٌ رازقٌ سميعٌ مجيبٌ ويداه تفيض بالأعطيات
السلام القدوس كم من فيوض نتفيا ظلالها الوارفات
وله الكبرياء هل من ولي غيره قد أباد كل الولاة
مستوٍ فوق عرشه في علوٍّ وقريب بجوده للعفاة
ليس شيء كمثله فهو ربٌّ من يضاهيه في صفاة وذات
ما أتى من صفاته فهو حقّ وكمال برغم أنف النفاة
إنه الواحد الذي لا يضاهى في معاني أسمائه والصفات
ناصرٌ قادرٌ على كل شيء وهو حيّ منزّه عن سبات
قاهرٌ غالبٌ قوي عزيزٌ ونصيرٌ للمهتدين الهداة ِ
غافرٌ راحمٌ رحيمٌ تجلى حلمه في عطائه للجناة ِ
تتألى عليه بعض البرايا وتراها في فضله راتعات ِ
مرسل البرق منزل الغيث صفوا وهو محي العظام بعد الفتات
صمدٌ تصمد البرايا إليه وأنيس الضمائر الموحشات
المليك القدير ذو الطول بشرى لمحبي توحيده بالعداة
ما أتوا كاهنا ولم يستغيثوا بقبورٍ مطمورةٍ بالكفاة
قصدهم أو دعائهم ليس إلا للكريم العظيم ذي المقدرات
تلك فحوى العقيدة الحقّ تتلى بوضوح في كتبه المنزلات
يا نبيّ الهدى ويا خير صوتٍ حين يتلى متيماً للحداة
يا محباً تعلم الحبّ منه ثم آتى ثماره الناضجات
ما رأينا في دفتر المجد أسمى منك حبّاً برغم كيد الوشاة
صغت للدهر قصّة من نضالٍ وفعالٍ أبيّةٍ ذائعات
وحروفٍ منسوجةٍ من ضياءٍ ما توارى عن شاشة الذاكرات
لو رميتم مفاتح الأرض عندي وأتيتم بالشمس والمقمرات
ليس في شرعة الهوى من نكوصٍ وعهودٍ مأجورةٍ مشتراة
والأمور الصعاب تبدو لعيني في رضى من أحبّه هيّنات
فإذا أظلم الدجى قام يدعو ويناجي بأدمعٍ واجفات
يا إلهي إن كنت راضٍ فإني لا أبالي بما أتو من أذات
ومضى ثابت الخطى لا يبالي بالتحدي والمكر والشائعات
أورق الحبّ والرضى في قلوبٍ بثّ فيها معنى التقى والأناة
أحدٌ والأحزاب والفتح تروي أروع الحبّ للأباة الكماة
بسيوفٍ غيورةٍ صارماتٍ وخيولٍ إلى الوغى ذابحات
كم رؤوس تعجّب الموت منها ودماءٍ منثورةٍ عابقات
أمهر الحبّ جعفر وخبيب بنفوسٍ من أجله زاهقات
يبتلى آل ياسرٍ ثم تهدى إلى المنايا سميّة الساميات
ضمّخت سكّة الهوى للصبايا بعبيرٍ من همّة القانتات
إنها درّة بعقدٍ مضيءٍ يتحلى بالكمّل المحصنات
وبلال في وقدة الرمل يلقى لينادي بلاته أو منات
كلّما أمعنوا عذابا ينادي أحدٌ لم تطق سواها شفاتي
وأبو جابرٍ ينادي كفاحاً ويمنّى بأحسن الأمنيات
وحبيبٌ يبضّع الجسم حيّاُ بسيوفٍ غدّارةٍ خائنات
لم يلن عزمه وما صاغ حرفاً من ذلة أو خضوعٍ للغواة
سطّروا قصّة الهوى بحروفٍ سوف تبقى عن البلا خالدات
هكذا الحبّ لوعة وامتثالٌ واشتياقٌ تصاغ في تضحيات
مبدع الكون يا لها من عقولٍ فــي تملي آياته ذاهلات
واسع الفضل كيف ترجى نجاةٌ لنفوسٍ عن هديه معرضات
هائماتٍ في غفلةٍ عن هداه غارقاتٍ في حمأة الموبقات
وقلوبٍ كئيبةٍ كيف تسلو وهي من فيض حبّه مقفرات
كيف يسري معنى الرضى في نفوس من شذا طيف أنسه خاليات
كم بهذا الوجود مما نراه من صنوفٍ بفضله شاهدات
لو تأملت صفحة الكون مما بثّ فيه من رائع المعجزات
أرسل الفكر في فضاءٍ بعيدٍ وسماءٍ تعجّ بالنيّرات
هل رأيت السماء والشمس تزهو في ضحاها والبدر في الحالكات
هل تأملت منظر النجم لمّا يسحر العين في دجى المظلمات
كلها الأرض والمجرّات تبدو عند ربي كحلقة في فلاة
هل تأملت روعة الروض لمّا يتبدى بأحسن المزهرات
من غصونٍ ريانةٍ وورودٍ وفروعٍ زكيّة مثمرات
وخرير المياه يهدي لحوناً يتهادى بين الربى والنبات
وغناءً يسري إلى كل قلبٍ لطيورٍ صدّاحةٍ شاديات
ورُخاءً مأمورةً من رياحٍ حين تمضي إلى الرُّبى لاقحات
كم ترى من حدائق مفعمات بغصونٍ قطوفها دانيات
وحقولٍ جميلةٍ لحبوبٍ تتجلى في أبدع السنبلات
هل تأملت أنهراً وبحوراً كم بها من عوالمٍ سابحات
هذه الفلك آية هل تراها وهي تفري عبابه ماخرات
منظر مذهلٌ فلول البرايا تمتطيه بأضخم الباخرات
رابط الجأش كم طوى في حشاه من ضحايا أمواجه العاتيات
لم تغيره حادثات الليالي والبرايا ما بين غادٍ وآت
هل تأملت أمة النحل تغدوا لعبيرٍ من الشذى راشفات
ثم تهدي بطونها من رضابٍ وشفاءٍ لأنفسٍ مزمنات
في بناءٍ معقدٍ هندسيٍّ يتحدى خوراق الهندسات
هل تأملت عالم النمــل فيه روعةٌ في فلوله المنشرات
في نظام ودقّة لا تبارى وتفاني في الكسب والاقتيات
ليس للخامل الكسول احترامٌ في قوانين عيشها الصارمات
وألوفّ من المخاليق تمضي في دروبٍ مرسومةٍ واضحات
من فراشٍ وزاحفٍ وطيورٍ وأليفٍ يقنى ومن كاسرات
وإذا جفّت العيون السواقي واستحالت رياضنا مجدبات
وبدا وجه أرضنا مقفهرٌّ قابلتك الغيوم بالبشريات
فإذا بالمغيث يزجي سحاباً ويفيض الثجاج بالمعصرات
تكتسي الأرض حلّة من نضار في وجوهٍ وضّاءةٍ باسمات
لو تأملت أبدع الصنع فيما بين جنبيك من بديع العضات
من فؤاد ومنطق واعتدال والنهى والدلائل الباهرات
والبلايين من خلاياك تمضي والكريّات أضخم الناقلات
لو تأمّلت في كتاب كريم في معاني آياته المحكمات
في الضحى والأنعام والنحل فيضٌ من ضياءٍ والنور والذاريات
من يعيد الرواء للأرض لما يطمس الجدب أوجهاً ضاحكات
من يعافي المريض من بعد سقمٍ وقنوطٍ من طبّ مستشفيات
من يبث السرور في كل بيتٍ بالبنين الأطهار أو بالبنات
من يسلّي النفوس بالصبر لمّا تبتلى بالنوازل القاصمات
من يغيث القلوب مما دهاها من همومٍ بئيسةٍ جاثمات
من يواري عيوبنا .. من حبانا بستورٍ من سترهِ مسدلات
من هدى العقل لاكتشافٍ بديعٍ لعلومٍ عجيبة مذهلات
كلما زادت العقول اكتشافاً وابتكاراً تتيه في المهمهات
علمها واكتشافها ليس إلا قطرةً من بحوره الزاخرات
إن في ساحة العلوم اهتداءً ودليلاً للأنفس الحائرات
كم هدينا بفضله لعلومٍ بمزايا توحيده هاتفات
إن في مسرح الحياة اعتباراً في ثنايا آياتها الماثلات
يا جهولا بربّه يا غفولاً عن صريح الآيات والبيّنات
كم نرى في حياتنا من فنونٍ ورســـومٍ خلاّبةٍ هائمات
أين عيناك عن تملّي جمالٍ في أفانين فضله الناطقات
في جمال الأكوان في كل همسٍ في بديع المسموع والمبصرات
في شروقٍ للشمس أو في غروبٍ في نجومٍ مطلّة آفلات
في انبلاج الصباح في هدئة الليل في لحون الشداة
في سحابٍ مسخّرٍ في غمامٍ في بروقٍ برّاقةٍ ضاحكات
في هتاف الطيور من كل فنٍّ في غناء الحمائم الساجعات
في الشذا في الندى في الورود في بسمة الفجر في سكون البيات
في الرُّبى في الضحى في الأنهار في طلعة البدر في الزواهر الحالمات
في التقاء البحرين ملحٌ أجاجٌ ليس يطغى على الزلال الفرات
في رحيق الأزهار في نفحة العطر في رياضها الناظرات
في دلال الملاح في رقّة الحب في المحاجر الآسرات
في قدودٍ فتّانة في خدودٍ في ثغورٍ وضّاءةٍ باسمات
في جمال الغزال في جفلة الظبي في عيون المهات
في اختيال الطاؤوس في عالم البحر في علوِّ البزاة
في هدير الجِمال في سطوة الأسد في انطلاقة الصافنات
في قضاء الأرواح في قصّة النومِ في حديثنا والسُّكات
في بديع الألون في نغمة الصوت في قلوبنا الخافقات
في اختلاف الأذواق في بسمة المرء في دموعه الذارفات
في صنوف الأرزاق من كلّ طعمٍ في فيوضات جوده المغدقات
في مذاق الثمار في باسق النخل في الجنا في النواة
إنه الله سلوةً وضياءً في سماءِ العبّادِ والعابداتِ
عد إلى ظلّه الظليل التماساً للرضى وحسن الصِّلاة
حيث يكسوك حُلّةً من حنانٍ وأمانٍ في هجمة العاديات
وترنّم بذكره فهوة غرسٌ سوف تجني ثمارهُ اليانعات
إنّ صدق المحبّ يبدو جليّاً في عيونٍ بالدمع مغرورقات
وامتثالاً لأمره واحتراما لمواثيق حبّه المبرمات
وقياماً بحقّه من صلاةٍ وصيامٍ ومنسكٍ وزكاةِ
هذه همستي إلى كل قلبٍ عاشقٍ للرضى وهذي وصاتي
ونداءٌ مضمّخٌ بعبيرٍ لأناسٍ يستروحون العظاة
فاعمر الوقت بالتراتيلِ وانصب تحت جنح الدجى وحين الغداة
واغنم العمر فالمنايا خفايا كم دهى الخطب أنفساً غافلات
ليس تغنيك توبةٌ أو بكاءٌ حين تمنى بهجمة النازعات
إنه موعدٌ وما عنه مأوى لو سكنت البروج والناطحات
أين أهل السلطان والجاهِ ممن تاه فخراً في الأعصر الماضيات
أولم يفتك الرّدى بقصورٍ وديارٍ بأهلها آهلات
كدّر الموت صفوهم ثمّ بادوا وتجلّت رسومهم دارسات
أين من غرّه جمالٌ ومالٌ من كبار السادات والسيدات
سكنوا باطن الثرى بعد عزٍّ في ظلال المنازل الشامخات
أكل الترب حسنهم وتمشى الدود يرعى في أعظمٍ باليات
إن في صرعة الزّمان اعتبارا كيف تمضي أيامه خاطفات
فلتبادر إلى اغتنام الليالي ولحوقٍ للركب قبل الفوات
حين تمضي إلى إلهٍ عظيمٍ وعليمٍ بالجهرِ والخافيات
جامع الناس في مقامٍ رهيبٍ ومعيد العظام بعد الشتات
في مقامٍ تكون فيه البرايا خاضعات لربها مهطعات
فيه تجثوا قوافل الناس خوفاً ويحل الذهول بالمرضعات
لو رأيت الأبناء ولّوا فراراً عن نداءالآباء والأمّهات
هلعٌ يُمطر الورى فاستكانوا في وجيفٍ وأعينٍ شاخصات
وبكاءٍ وحرقةٍ ثم يدنو كوكب الشمس من حفاةٍ عراة
ليس للمرء ملجأ فيه إلا بمزايا أعماله الصالحات
ولمن واجهوا فلول الخطايا بدروعٍ من التقى سابغات
ودعاة لهديه في البرايا بقلوبٍ رفيقة راحمات
يقطف المؤمنون أزهار أمنٍ ويرون البشائر المرضيات
حورُ عينٍ وسندسٍ وثمار وفيوض من أنهرٍ جاريات
في نعيم لا ينقضي ومزيدٍ لوجوهٍ لربها ناظرات
يا إلهي إني مقرّ بذنبي وخطايا جوارحٍ مسرفات
ما جهلت المقام أو كان قلبي مشرئبّاً إلى دروب العصاة
ضعف نفسي وحسن ظني بربي جرّني للقصور في واجباتي
يا رحيما بعبده يا عفوّاً يا محل الآمال والمكرمات
يا إلهي ومن إليه التجائي يا ربيع الأفكار والذكريات
رضّني بالقضاء وامنن بفضلٍ وببردٍ للعيش بعد الوفاة
يا منى خاطري وسلوى فؤادي ليس إلا إلى رضاك التفاتي
منك حولي وقوتي واتكالي يا نصيري فلا تكلني لذاتي
جِدْ على عبدك المرجّى نوالاً من عطايا آلائك المشرقات
واهدي قلبي يا خالقي وارض عنّي فالرضا منك منتهى الأمنيات
أنت ألبستني من الفضل ثوباً بل ثياباً فضفاضةً ضافيات
يا غياث الملهوف من كل كربٍ يا معيناً للمرء في المعضلات
لا تدعني لحادثات الليالي وأجرني مما به الغيب آت
وقني من لهيب نارٍ تلضّى بسياجٍ من التقى والثبات
يا جواداً بلطفه يا عفوّاً لرزايا كبائرٍ أهو هنات
يا ملاذاً تهفو إليه البرايا والمرجى لفك أسر العناة
أُمْحُ عنّي صحائفاً من ذنوبي واعف عنّي يا غافر السيّئات
فاقتراف الذنوب عنوان ضعفي والتمادي في غيّها من سماتي
يا أنيسي عُدّتي واعتمادي وملاذي في ظلمة النائبات
وسروري وبهجتي ورجائي وضيائي في مدلج الحالكات
هذه لوعتي وهذي دموعي واشتياقي وقصّتي وشكاتي
أبتغيها ذخراً ليومٍ عظيمٍ يا إلهي لعلّ فيها نجاتي
وصلاةً زكيّةً وسلاماً للنبي الكريم خير الدعاةِ
بقلم الخطيب الأديب الشيخ : د. ناصر بن مسفر الزهراني
كم نحن بحاجة إلى أن الشعراء ينضمون اجمل الأبيات الطويلة فيمن يستحق المدح الله