ابوعبدالكريم
11-01-2008, 03:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
بــرُ كِـلاب بن أمية بن الأسكر الكناني بوالديه
كان أمية بن الأسكر الكناني يحب الجهاد في سبيل الله ، فطلب من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخرجـه للجهاد في بلاد فـــارس ففعل عمر وجاهد أمية
هناك ، ثم عــاد إلى المدينة ، وبقي فيهــا فترة حتى كبر سنه ورق عظمه.
وكان لأمية الكناني ولــد يقال له كلاب ، كبر بين يديه حتى أصبح شاباً فتياً يافعاً ، وكان كلاب هـــذا عابداً زاهداً باراً بوالديه ، فأحبه أمية أشد ما يحب الأب ابنه ، فتعلقت به نفسه.
وذات يوم نادى الخليفة عمر ابن الخطاب للخروج إلى الجهاد ، فجاءه أمية وقال : يا أمير المؤمنين ،إني والله أحب الجهاد في سبيل الله ، وما يمنعني اليوم من الخروج إليه إلا ضعف جسدي وكبر سني ، فقام ابنه الوحيد كلاب فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أبيع الله نفسي ، وأبيع دنياي بآخرتي ، فتعلق به أبوه وقــال : لا تدع أبواك شيخين كبيرين ضعيفين ربياك صغيراً ؛ فمــا زال كلاب بأبيه يحاول فيه ويرضيه حتى أذن له بالخروج إلى الجهاد.
وخرج كلاب إلى الجهاد فغاب عن أبويه ، وكان أمية كل ما تذكر ولده كلاب بكى وبكت زوجتــه ، وذات يوم جلس أمية خــارج بيته فـرأى حمامة تطعم فراخها ، فتذكر ابنه كلاب وأخذ يبكي ، ثم أنشد قائلاً :
لمـن شيخـان قـد نشدا كلابا *** كـتاب الله لــو قبل الكتابا
أنـاديه فـيـعـرض في إباءٍ *** فلا وأبي كلاب ما أصابـا
إذا هتفـت حمـامـة بطن وجٍ *** على بيضاتها ذكرا كلابـا
فـــإنْ مهـاجـريـن تـكنافـــاه *** ففارق شيخه خطِأً وخـابا
تركـتَ أباك مـرعـشة يداه *** وأمك ما تسيغ لهـا شرابا
تنفـض مهـده شفقـاً عليه *** وتجنبه أبا عرها الصعابـا
فإنك قـد تركـت أباك شيخاً *** يطـارق أينقاً شـرباً طِرابا
فإنك والتماس الأجر بعــدي *** كباغي الماء يتبع السرابا
وازدادَ بكاء أمية على ولده حتى ضعف بصره - ويقال عمي بصره - فقال سأذهب إلى عمر وأقسم عليه أن يرد علي ابني ، فردته زوجته ، فنهرها وذهب ، فلما دخل على الفاروق رضي الله عنه ، أنشد أبياتاً يقول فيها :
أعــاذل قــد عذلتِ بغير علـمٍ *** ومـا تدرين عـاذل ما ألاقي
فـــإمــا كـنتِ عاذلـتي فردي *** كـــلابـاً إذ تــــوجه للعـــراقِ
فتى الفتيان في عسرٍ ويسرٍ *** شــديدَ الـركنِ في يـوم التلاقي
فـلا وأبيكِ ما باليت وجــدي *** ولا شفـقي عليكِ ولا اجتهــــادِ
فلــو فلقَ الفــؤاد شديد وجد *** لهـم ســــواد قلبـي بـانفــلاقِ
ســأستعـدِ على الفاروقِ رباً *** لـــه دفـــعُ الحجيج إلى بسـاقِ
وأدعــــو الله مجتهـداً عليه *** ببـطـــنِ الأخشبين إلى بقــاقِ
إن الفــاروق لم يـردُدْ كلاباً *** إلـى شيخين هـــامهمــا زواقِ
فتأثر عمر تأثراً بالغاً ، وأرسل إلى أمير الجيش في العراق أن يردد كلاباً ، فأمر أمير الجند كلاب أن يرجع إلى المدينة ، فرجع كلاب لا يدري ما الأمر ، ولا يدري لمـاذا خُص بهذا الخطــاب ، ولما وصــل المدينة ذهب إلى عمــر ابن الخطاب قبل أبويه ، فقال له عمر : يا بني ما بلغ من برك بأبيك ؟ فقال كـلاب : كنت أؤثره على نفسي وأكفيه أمره ، وكنت إذا أردت أن أحلب لــه لبناً أجيء إلى أغزر ناقة في إبلي فأريحها ، وأتركها حتى تستقر،ثم اغسل ضروعها حتى تبرد،ثم أحلب له فيخرج الحليب بارداً،ثم أسقيه إياه،فأرسل عمر إلى أمية أن يحضر إليه ، فجاء أمية يتهادى قـد انحنى ظهــره ، فلما جلس قال له عمر : يا أمية ، كيف تجدك ؟ فقال:كما ترى يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : يا أبا كلاب ، ما أحب الأشياء إليك ؟ قــال أمية : ما أحب اليوم شيء ، ما أفرح بخير ولا يسوءني شر ، فقال عمر: ومع ذلك يا أمية ما ذا تتمنى ؟ فقال أمية : بلى ، أتمنى كلاب ، أحب أنه عندي فأضمه ضمه ، وأشمه شمه ، فرق له عمر وقال : ستبلغ ما تحب إن شاء الله .
وأمر عمر كلاب أن يحلب الناقة كما كان يحلبها لأبيه ، ثم أخذ عمر الإناء الذي فيه الحليب وأعطاه لأمية وقــال : اشرب يا أبا كـلاب ، فلما قــرب أمية الإناء من فمه ، توقف برهة وقال : يا أمير المؤمنين ، والله إني لأشم رائحة يدي كلاب ، فجاء عمر بكلاب لأمية وقال :هذا كلاب يا أبا كلاب ، فوثب أمية من مكانه وضم ابنه وهو يبكي ، فبكى كلاب لبكاء أبيه ، وبكى عمر لبكائهما ، وبكى الجميع حتى ضج المجلس بالبكاء.
وقال عمر لكلاب:يا كلاب،ألزم أبويك وجاهد فيهما ما بقيا ، ثم شأنك بنفسك بعدهما ، وأمر بعطاءه وصرفه مع أبيه.
وقال كلاب يبين أنه لم يترك أبويه لدنياه ، وإنما تركهما لآخرته :
لعمركَ ما تركتُ أبا كلابٍ *** كبير السن مكتئباً مصابا
وأمــاً لا يـزالُ لهـا حنينُُ *** تناديني بعد رقدتها كلابا
ولكني رجوت به ثوابا
الموضوع مليء بالفوائد والعبر ، وأعظم فائدة يعلمنا إياها الفاروق رضي الله عنه ، أن أجر بر الوالدين أعظم عند الله من أجر المجاهد في سبيل الله على مــا لــه من فضل عظيم, فــأين العاقين لوالديهم وأين المقصرين بحـق والديهم يتعضون من بر كلاب لوالديه أنه درس لمن اتعظ فويل لعاق والديه والمقصر بحقهما أنها موعظة يا أخواني وأخواتي أصحو من غفلتكم وهني لمن بر بوالديه وندم علا ما فات وطلب منهم السماح ولازم على طــاعتهم و خدمتهم ومواساتهم وإدخال السرور عليهم ومقابلتهم بوجــه بشوش وكـلام طيب والدعاء لهم وطلبهم العفو ولإباحة عنه عن التقصير منه في ما مضى هذا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين .
وبه نستعين
بــرُ كِـلاب بن أمية بن الأسكر الكناني بوالديه
كان أمية بن الأسكر الكناني يحب الجهاد في سبيل الله ، فطلب من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخرجـه للجهاد في بلاد فـــارس ففعل عمر وجاهد أمية
هناك ، ثم عــاد إلى المدينة ، وبقي فيهــا فترة حتى كبر سنه ورق عظمه.
وكان لأمية الكناني ولــد يقال له كلاب ، كبر بين يديه حتى أصبح شاباً فتياً يافعاً ، وكان كلاب هـــذا عابداً زاهداً باراً بوالديه ، فأحبه أمية أشد ما يحب الأب ابنه ، فتعلقت به نفسه.
وذات يوم نادى الخليفة عمر ابن الخطاب للخروج إلى الجهاد ، فجاءه أمية وقال : يا أمير المؤمنين ،إني والله أحب الجهاد في سبيل الله ، وما يمنعني اليوم من الخروج إليه إلا ضعف جسدي وكبر سني ، فقام ابنه الوحيد كلاب فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أبيع الله نفسي ، وأبيع دنياي بآخرتي ، فتعلق به أبوه وقــال : لا تدع أبواك شيخين كبيرين ضعيفين ربياك صغيراً ؛ فمــا زال كلاب بأبيه يحاول فيه ويرضيه حتى أذن له بالخروج إلى الجهاد.
وخرج كلاب إلى الجهاد فغاب عن أبويه ، وكان أمية كل ما تذكر ولده كلاب بكى وبكت زوجتــه ، وذات يوم جلس أمية خــارج بيته فـرأى حمامة تطعم فراخها ، فتذكر ابنه كلاب وأخذ يبكي ، ثم أنشد قائلاً :
لمـن شيخـان قـد نشدا كلابا *** كـتاب الله لــو قبل الكتابا
أنـاديه فـيـعـرض في إباءٍ *** فلا وأبي كلاب ما أصابـا
إذا هتفـت حمـامـة بطن وجٍ *** على بيضاتها ذكرا كلابـا
فـــإنْ مهـاجـريـن تـكنافـــاه *** ففارق شيخه خطِأً وخـابا
تركـتَ أباك مـرعـشة يداه *** وأمك ما تسيغ لهـا شرابا
تنفـض مهـده شفقـاً عليه *** وتجنبه أبا عرها الصعابـا
فإنك قـد تركـت أباك شيخاً *** يطـارق أينقاً شـرباً طِرابا
فإنك والتماس الأجر بعــدي *** كباغي الماء يتبع السرابا
وازدادَ بكاء أمية على ولده حتى ضعف بصره - ويقال عمي بصره - فقال سأذهب إلى عمر وأقسم عليه أن يرد علي ابني ، فردته زوجته ، فنهرها وذهب ، فلما دخل على الفاروق رضي الله عنه ، أنشد أبياتاً يقول فيها :
أعــاذل قــد عذلتِ بغير علـمٍ *** ومـا تدرين عـاذل ما ألاقي
فـــإمــا كـنتِ عاذلـتي فردي *** كـــلابـاً إذ تــــوجه للعـــراقِ
فتى الفتيان في عسرٍ ويسرٍ *** شــديدَ الـركنِ في يـوم التلاقي
فـلا وأبيكِ ما باليت وجــدي *** ولا شفـقي عليكِ ولا اجتهــــادِ
فلــو فلقَ الفــؤاد شديد وجد *** لهـم ســــواد قلبـي بـانفــلاقِ
ســأستعـدِ على الفاروقِ رباً *** لـــه دفـــعُ الحجيج إلى بسـاقِ
وأدعــــو الله مجتهـداً عليه *** ببـطـــنِ الأخشبين إلى بقــاقِ
إن الفــاروق لم يـردُدْ كلاباً *** إلـى شيخين هـــامهمــا زواقِ
فتأثر عمر تأثراً بالغاً ، وأرسل إلى أمير الجيش في العراق أن يردد كلاباً ، فأمر أمير الجند كلاب أن يرجع إلى المدينة ، فرجع كلاب لا يدري ما الأمر ، ولا يدري لمـاذا خُص بهذا الخطــاب ، ولما وصــل المدينة ذهب إلى عمــر ابن الخطاب قبل أبويه ، فقال له عمر : يا بني ما بلغ من برك بأبيك ؟ فقال كـلاب : كنت أؤثره على نفسي وأكفيه أمره ، وكنت إذا أردت أن أحلب لــه لبناً أجيء إلى أغزر ناقة في إبلي فأريحها ، وأتركها حتى تستقر،ثم اغسل ضروعها حتى تبرد،ثم أحلب له فيخرج الحليب بارداً،ثم أسقيه إياه،فأرسل عمر إلى أمية أن يحضر إليه ، فجاء أمية يتهادى قـد انحنى ظهــره ، فلما جلس قال له عمر : يا أمية ، كيف تجدك ؟ فقال:كما ترى يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : يا أبا كلاب ، ما أحب الأشياء إليك ؟ قــال أمية : ما أحب اليوم شيء ، ما أفرح بخير ولا يسوءني شر ، فقال عمر: ومع ذلك يا أمية ما ذا تتمنى ؟ فقال أمية : بلى ، أتمنى كلاب ، أحب أنه عندي فأضمه ضمه ، وأشمه شمه ، فرق له عمر وقال : ستبلغ ما تحب إن شاء الله .
وأمر عمر كلاب أن يحلب الناقة كما كان يحلبها لأبيه ، ثم أخذ عمر الإناء الذي فيه الحليب وأعطاه لأمية وقــال : اشرب يا أبا كـلاب ، فلما قــرب أمية الإناء من فمه ، توقف برهة وقال : يا أمير المؤمنين ، والله إني لأشم رائحة يدي كلاب ، فجاء عمر بكلاب لأمية وقال :هذا كلاب يا أبا كلاب ، فوثب أمية من مكانه وضم ابنه وهو يبكي ، فبكى كلاب لبكاء أبيه ، وبكى عمر لبكائهما ، وبكى الجميع حتى ضج المجلس بالبكاء.
وقال عمر لكلاب:يا كلاب،ألزم أبويك وجاهد فيهما ما بقيا ، ثم شأنك بنفسك بعدهما ، وأمر بعطاءه وصرفه مع أبيه.
وقال كلاب يبين أنه لم يترك أبويه لدنياه ، وإنما تركهما لآخرته :
لعمركَ ما تركتُ أبا كلابٍ *** كبير السن مكتئباً مصابا
وأمــاً لا يـزالُ لهـا حنينُُ *** تناديني بعد رقدتها كلابا
ولكني رجوت به ثوابا
الموضوع مليء بالفوائد والعبر ، وأعظم فائدة يعلمنا إياها الفاروق رضي الله عنه ، أن أجر بر الوالدين أعظم عند الله من أجر المجاهد في سبيل الله على مــا لــه من فضل عظيم, فــأين العاقين لوالديهم وأين المقصرين بحـق والديهم يتعضون من بر كلاب لوالديه أنه درس لمن اتعظ فويل لعاق والديه والمقصر بحقهما أنها موعظة يا أخواني وأخواتي أصحو من غفلتكم وهني لمن بر بوالديه وندم علا ما فات وطلب منهم السماح ولازم على طــاعتهم و خدمتهم ومواساتهم وإدخال السرور عليهم ومقابلتهم بوجــه بشوش وكـلام طيب والدعاء لهم وطلبهم العفو ولإباحة عنه عن التقصير منه في ما مضى هذا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين .