المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح مبسط جداً لأزمة المال الأمريكية


احمد العتيبي-1
10-11-2008, 10:33 PM
شرح مبسط جداً لأزمة المال الأمريكية


بقلم د. أنس بن فيصل الحجي (http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=10563)
أكاديمي وخبير في شؤون النفط



يعيش "سعيد أبو الحزن" مع عائلته في شقة مستأجرة وراتبه ينتهي دائما قبل نهاية الشهر. حلم سعيد أن يمتلك بيتاً في "أمرستان"، ويتخلص من الشقة التي يستأجرها بمبلغ 700 دولار شهرياً. ذات يوم فوجئ سعيد بأن زميله في العمل، نبهان السَهيان، اشترى بيتاً بالتقسيط. ما فاجأ سعيد هو أن راتبه الشهري هو راتب نبهان نفسه، وكلاهما لا يمكنهما بأي شكل من الأشكال شراء سيارة مستعملة بالتقسيط، فكيف ببيت؟ لم يستطع سعيد أن يكتم مفاجأته فصارح نبهان بالأمر، فأخبره نبهان أنه يمكنه هو أيضاً أن يشتري بيتا مثله، وأعطاه رقم تلفون المكتب العقاري الذي اشترى البيت عن طريقه.

لم يصدق سعيد كلام نبهان، لكن رغبته في تملك بيت حرمته النوم تلك الليلة، وكان أول ما قام به في اليوم التالي هو الاتصال بالمكتب العقاري للتأكد من كلام نبهان، ففوجئ بالاهتمام الشديد، وبإصرار الموظفة "سهام نصابين" على أن يقوم هو وزوجته بزيارة المكتب بأسرع وقت ممكن. وشرحت سهام لسعيد أنه لا يمكنه الحصول على أي قرض من أي بنك بسبب انخفاض راتبه من جهة، ولأنه لا يملك من متاع الدنيا شيئا ليرهنه من جهة أخرى. ولكنها ستساعده على الحصول على قرض، ولكن بمعدلات فائدة عالية. ولأن سهام تحب مساعدة "العمال والكادحين" أمثال سعيد فإنها ستساعده أكثر عن طريق تخفيض أسعار الفائدة في الفترة الأولى حتى "يقف سعيد على رجليه". كل هذه التفاصيل لم تكن مهمة لسعيد. المهم ألا تتجاوز الدفعات 700 دولار شهريا.

باختصار، اشترى سعيد بيتاً في شارع "البؤساء" دفعاته الشهرية تساوي ما كان يدفعه إيجاراً للشقة. كان سعيد يرقص فرحاً عندما يتحدث عن هذا الحدث العظيم في حياته: فكل دفعة شهرية تعني أنه يتملك جزءا من البيت، وهذه الدفعة هي التي كان يدفعها إيجارا في الماضي. أما البنك، "بنك التسليف الشعبي"، فقد وافق على إعطائه أسعار فائدة منخفضة، دعما منه "لحصول كل مواطن على بيت"، وهي العبارة التي ذكرها رئيس البلد، نايم بن صاحي، في خطابه السنوي في مجلس رؤساء العشائر.

مع استمرار أسعار البيوت في الارتفاع، ازدادت فرحة سعيد، فسعر بيته الآن أعلى من الثمن الذي دفعه، ويمكنه الآن بيع البيت وتحقيق أرباح مجزية. وتأكد سعيد من هذا عندما اتصل ابن عمه سحلول ليخبره بأنه نظرا لارتفاع قيمة بيته بمقدار عشرة آلاف دولار فقد استطاع الحصول على قرض قدره 30 ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من البيت. وأخبره أنه سينفق المبلغ على الإجازة التي كان يحلم بها في جزر الواق واق، وسيجري بعض التصليحات في البيت. أما الباقي فإنه سيستخدمه كدفعة أولية لشراء سيارة جديدة.


القانون لا يحمي المغفلين

إلا أن صاحبنا سعيد أبو الحزن وزميله نبهان السهيان لم يقرآ العقد والكلام الصغير المطبوع في أسفل الصفحات. فهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. هذه الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن. وهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة سترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة. وهناك فقرة أخرى تقول إنه إذا تأخر عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مرات. والأهم من ذلك فقرة أخرى تقول إن المدفوعات الشهرية خلال السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد. هذا يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت، إلا بعد مرور ثلاث سنوات.

بعد أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخرى بعد مرور عام كما نص العقد. وعندما وصل المبلغ إلى 950 دولاراً تأخر سعيد في دفع الدفعة الشهرية، فارتفعت الدفعات مباشرة إلى 1200 دولار شهريا. ولأنه لا يستطيع دفعها تراكمت عقوبات إضافية وفوائد على التأخير وأصبح سعيد بين خيارين، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية، فاختار الأول، وتوقف عن الدفع. في العمل اكتشف سعيد أن زميله نبهان قد طرد من بيته وعاد ليعيش مع أمه مؤقتا، واكتشف أيضاً أن قصته هي قصة عديد من زملائه فقرر أن يبقى في البيت حتى تأتي الشرطة بأمر الإخلاء. مئات الألوف من "أمرستان" عانوا المشكلة نفسها، التي أدت في النهاية إلى انهيار أسواق العقار.

أرباح البنك الذي قدم قرضا لسعيد يجب أن تقتصر على صافي الفوائد التي يحققها من هذا القرض، ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. قام البنك ببيع القرض على شكل سندات لمستثمرين، بعضهم من دول الخليج، وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. هذا يعني أن البنك كسب كل ما يمكن أن يحصل عليه من عمولات وحول المخاطرة إلى المستثمرين. المستثمرون الآن يملكون سندات مدعومة بعقارات، ويحصلون على عوائد مصدرها مدفوعات سعيد ونبهان الشهرية. هذا يعني أنه لو أفلس سعيد أو نبهان فإنه يمكن أخذ البيت وبيعه لدعم السندات. ولكن هؤلاء المستثمرين رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات. نعم، استخدموا ديونا للحصول على مزيد من الديون! المشكلة أن البنوك تساهلت كثيرا في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف كمية الرهن. باختصار، سعيد يعتقد أن البيت بيته، والبنك يرى أن البيت ملكه أيضاً. المستثمرون يرون أن البيت نفسه ملكهم هم لأنهم يملكون السندات. وبما أنهم رهنوا السندات، فإن البنك الذي قدم لهم القروض، بنك "عمايرجبل الجن"، يعتقد أن هناك بيتا في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات، إلا أن كمية الديون تبلغ نحو 30 ضعف قيمة البيت!

أما سحلول، ابن عم سعيد، فقد أنفق جزءا من القرض على إجازته وإصلاح بيته، ثم حصل على سيارة جديدة عن طريق وضع دفعة أولية قدرها ألفا دولار، وقام بنك "فار سيتي" بتمويل الباقي. قام البنك بتحويل الدين إلى سندات وباعها إلى بنك استثماري اسمه "لا لي ولا لغيري"، الذي احتفظ بجزء منها، وقام ببيع الباقي إلى صناديق تحوط وصناديق سيادية في أنحاء العالم كافة. سحلول يعتقد أنه يمتلك السيارة، وبنك "فار سيتي" يعتقد أنه يملك السيارة، وبنك "لالي ولا لغيري" يعتقد أنه يمتلك السيارة، والمستثمرون يعتقدون أنهم يملكون سندات لها قيمة لأن هناك سيارة في مكان ما تدعمها. المشكلة أن كل هذا حصل بسبب ارتفاع قيمة بيت سحلول، وللقارئ أن يتصور ما يمكن أن يحصل عندما تنخفض قيمة البيت، ويطرد سحلول من عمله!


القصة لم تنته بعد!

بما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم هذه السندات بناء على قدرة المديون على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير "أأأ"، وهناك سندات أخرى ستحصل على "ب" وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء. لتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. وهكذا أصبح سعيد ونبهان وسحلول أبطال الاقتصاد العالمي الذي تغنى به الكاتب "توماس فريدمان".

في النهاية، توقف سعيد عن سداد الأقساط، وكذلك فعل نبهان وسحلول وغيرهم، ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة. أما الذين اشتروا تأمينا على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركة التأمين "أي آي جي". عمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تخفيف المخاطر عن طريق التخفيض من عمليات الإقراض، الأمر الذي أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام عملياتها اليومية، وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور، الأمر الذي أجبر حكومة أمرستان على زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لإنعاش الاقتصاد الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون! أما "توماس فريدمان" فقد قرر أن يكسب مزيدا من الملايين حيث سينتهي من كتابة قصة سعيد أبو الحزن عما قريب.


يتبع

احمد العتيبي-1
10-11-2008, 10:34 PM
تتمة شرح أزمة المال الأمريكية:

إنه القانون يا شمعون!

د. أنس بن فيصل الحجي (http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=10709)
أكاديمي وخبير في شؤون النفط


صرخ شمعون أبو الذهب، رئيس بنك "التسليف للتنمية"، في وجه كبير المحاسبين عارف الصالح: هل أنت مجنون، ما هذه الخسائر؟ كيف تسجل أن ما لدينا من أصول عقارية هو ثلاثة مليارات فقط؟ ألم ندفع 70 مليارا لشراء هذه الأصول؟ هل تريد أن تدمر البنك في ظل الأزمة الحالية؟" ثم هجم عليه ومسكه من تلابيب قميصه وهزه بعنف "قل لي، لماذا تريد أن تُدمّر سمعتي، هل تريد أن تجعلني مسخرة في أمرستان؟" وتناثرت الأوراق التي كانت في يده على الأرض.

حاول عارف، وهو رجل خمسيني عرف بنزاهته وإخلاصه، أن يلجم غضبه وهو ينظر إلى الموظفين والموظفات الذين وقفوا وراء جدار مكتبه الزجاجي ينظرون إليهما. بلع ريقه عدة مرات، حاول أن يتكلم، ولكن صوته اختفى. تراخى على الكرسي بعد أن أفلت من يد شمعون، ثم نظر إليه وقال: "إنه القانون يا شمعون". خرج شمعون من مكتب عارف وعروق رقبته تكاد تنفجر، دخل مكتبه وأغلق الباب وراءه. جلس على كرسيه وهو يرتجف، دار بكرسيه الدوار في الاتجاه المعاكس باتجاه النافذة الضخمة، وبدأ ينظر إلى المدينة بعمائرها الشاهقة، والبحر يملأ الأفق. لكم أراحه هذا المنظر من قبل. هذه محاسن العمل في الطابق التسعين.

فجأة أفاق من أحلام اليقظة، واكتشف أنه مر عليه أكثر من نصف ساعة على هذه الوضعية. أدار الكرسي، نظر إلى الأوراق المرتبة بعناية على المكتب، كبس زرا وقال مخاطبا سكرتيرته "لميس، قولي لعارف أن يأتي إلى مكتبي حالاً… ها.. آ… آ…و… وقولي له أن يجلب معه الأوراق التي كانت معي". قام بسرعة، دخل إلى حمامه الخاص، نظر في المرآة، مسح بيده على رأسه لتمسيد بعض الشعرات الناتئة، ثم عاد وجلس على كرسيه بهدوء.

دخل عارف والتوتر ظاهر على وجهه وهو يمسك الأوراق في كلتا يديه. رحب به شمعون بشكل مصطنع ثم قال بسرعة، آسف لما حصل هناك، إن مهمتي أن أحمي البنك، وهذه الخسائر غير معقولة. اجلس واشرح لي كيف وصلت إلى هذه الأرقام. ما علاقة القانون بذلك؟

اختار عارف أحد الكرسيين أمام المكتب، وضع الأوراق أمامه بشكل منحرف بحيث يستطيع هو وشمعون النظر إليها. حاول أن يفكر بما سيقول، ولكن الغضب والخوف أطارا كل الأفكار من رأسه، حاول مرة أخرى، ولكنه لم يستطع. عندها سحب شمعون الأوراق باتجاهه ثم قال: "لقد استعاد البنك ملكية 20 بيتا في مدينة سمافيل، متوسط تكلفة البيت مليون دولار، كيف تكتب هناك أن قيمتها كلها ثلاثة ملايين دولار، هكذا بشخطة قلم انخفضت قيمتها من 20 مليون دولار إلى ثلاثة ملايين دولار؟ عارف، أنت تعلم أننا مازلنا نملك هذه البيوت، كيف حصل هذا؟".

كان هذا الوقت كافيا لعارف أن يلملم أشلاء الأفكار التي تناثرت في تلافيف دماغه. نظر إلى شمعون وقال: "كما تعلم فإن حكومة أمرستان غيرت القوانين المالية منذ فترة وطالبت الشركات والبنوك بأن تقدم تقاريرها المالية وفقا لمبدأ "التسعير حسب سعر السوق" وليس حسب مبدأ "القيمة العادلة" الذي كان يستخدم سابقاً". هز شمعون رأسه بشكل يوحي بأنه تذكر هذا القانون، وأنه بدأ يتفهم ما يحصل. ثم تابع عارف "وفقاً لهذا فإن علينا تسعير الأصول وفقا لسعر السوق، فإذا انخفضت أسعار العقارات التي نملكها فإن علينا أن نعكس هذا التغير في دفاترنا المحاسبية، بغض النظر عن تكلفتها أو قيمتها العادلة، وهذا يفسر خسائرنا الكبيرة.

بدأ الغضب يلوح في وجه شمعون مرة أخرى ثم قال: "وماذا سيحصل لو ارتفعت أسعار العقارات وبعنا هذه البيوت العشرين بعشرين مليوناً أو أكثر، ربما ثلاثين"، أجاب عارف بسرعة وهو يبتسم "عندها، وفقا لهذا القانون، سنسجل كل الفرق على أنه أرباح صافية"! نظر شمعون إلى عارف بتعجب، ثم شاركه الابتسام وتابع قائلا، يعني أن أغلب خسائرنا هي على الورق فقط! هل هذا يعني أن الأزمة الحالية مبالغ فيها؟".

قلب شمعون الصفحة ونظر إلى الصفحة الثانية "وماذا عن استثماراتنا في شركة "مرطان للاتصالات"، لقد استثمرنا 100 مليون، وأعطيناهم المبلغ منذ أسبوعين، ويتوقع للشركة نجاح باهر، كيف تسجل هنا هذا المبلغ خسائر؟ أجاب عارف بسرعة "إنه القانون، مرة أخرى، يا شمعون" الشركة جديدة وليس لديها أي أصول، وقيمتها السوقية صفر، لذلك فإن هذا الاستثمار يُسجّل الآن في الدفاتر المحاسبية على أنه خسائر".

ردد شمعون نظره بين الأوراق وعارف ثم قال، هذا يعني أيضاً أن خسائرنا على الورق فقط، وماذا لو نجحت الشركة في الربع المقبل أو ... حتى العام المقبل، ماذا يحصل؟

تنهد عارف ثم قال "عندها سنسجل الزيادة في قيمة الشركة والاستثمارات على أنها أرباح!

عندها قال شمعون بوجه صارم يوحي لعارف بأن اللقاء انتهى "إنه قانون مثير للسخرية، إنه لعبة غير معقولة، ولكنه القانون، كيف تتحول الاستثمارات إلى خسائر ثم إلى أرباح؟".

خرج عارف من المكتب وأغلق الباب وراءه بلطف. أدار شمعون كرسيه وبدأ ينظر إلى الأفق البعيد، وبدأ يفكر: يا له من قانون عجيب، بنكي يساوي يوما 40 مليارا، ويوما 200 مليار، وربما 500 مليار، ولكن الأصول نفسها والتكاليف نفسها! لا بد أن سياسيي أمرستان فقدوا عقولهم.

رن جرس الهاتف بشكل مفاجئ جعله ينتفض، أدار كرسيه، حمل السماعة ليسمع لميس تقول: السيد "شرتوح أبو فضة"، رئيس بنك "الأمانة والصدق والإخلاص"، على الخط رقم 2.

رفع السماعة، وبعد عبارات ترحيبية مألوفة قال السيد شرتوح إن حكومة أمرستان تجري معه تحقيقا لأن بنكه ثمّن العقارات التي يملكها بأعلى من قيمتها، رغم أنه ثمّنها بسعر السوق وفقا للقانون وليس بقيمتها العادلة. احمر وجه شمعون وقال "كيف حصل هذا، هذا غير معقول". وتابع شرتوح قوله "بما أن القانون يركز إلى "سعر السوق"، وسعر السوق يتحدد من قبل البائعين والمشترين، فإن أي أصول، بما في ذلك البيوت، لا قيمة لها إذا لم يكن هناك أي مشترين، لذلك فإن الحكومة تطالبنا بأن نثمّن البيوت التي لم يتقدم أحد لمحاولة شرائها في تقاريرنا المالية بصفر. نعم، بصفر! بيت سعره أكثر من نصف مليون دولار علينا أن نظهره كخسائر في دفاترنا! تنهد شمعون وقال "لا تهتم كثيرا، أخبرني كبير المحاسبين اليوم أنه متى تحسن السوق فإن أي ارتفاع في قيمة هذه البيوت سيسجل أرباحاً صافية"، ولكن شرتوح قاطعه بحدة "ولكني لم أتصل بك لهذا السبب، اتصلت بك لسبب آخر". اعتذر شمعون عن المقاطعة وقال تفضل، تفضل".

مرت لحظات قبل أن يبدأ شرتوح بالكلام ثم قال "كما تعلم فإن هناك مشكلة سيولة في أمرستان، وحاولنا الاقتراض من عدة بنوك ولكنهم رفضوا لأن تقريرنا المالي يوضح أننا حققنا خسائر كبيرة وفقا لقانون التسعير حسب السوق، مع أن خسائرنا، حسب القيمة العادلة للأصول، محدودة جدا، وما زلنا نملك هذه الأصول وهذه العقارات. حاولنا أن نضع البيوت رهنا، ولكن لأن القانون جعل بعضها بلا قيمة، وبعضها بأقل من قيمته بكثير، رفضت هذه البنوك إقراضنا. وها أنا أتصل بك للحديث عن إمكانية الحصول على قرض منكم".

جاء جواب شمعون سريعا وتلقائيا دون تفكير "كلنا في الهوا سوا، كلنا لدينا المشكلة نفسها، آسف لا أستطيع مساعدتك"، قال ذلك وهو يتذكر مقولة سمعها منذ زمن بعيد "إن أغلى ما تملك وقت الأزمات هو الكاش، فلا تفرط فيه مهما كانت المغريات"، ثم أردف "ولكن لماذا لا تتصل بمندوب مجلس الشعب في منطقتك وتطالبه بتغيير القانون! أعتقد أنه لو تم تغيير القانون فإن أسعار العقارات سترتفع. عندها ستوافق البنوك على أخذها رهنا مقابل القرض الذي تحتاج إليه". سمع شمعون صوت تنهيدة عميقة، ثم حشرجة، ثم سعال عنيف، ثم جاء صوت شرتوح مبحوحا "إلغاء القانون لن يغير شيئا، لأن الأزمة الحالية أزمة ثقة، وإذا أُعْطِيَتْ الحرية للشركات بأن تسعر أصولها فإن هذا سيعمق هذه الأزمة، لأنه يمكن لبعض الشركات أن تُثمّن أصولها بأعلى من قيمتها".

انتهت المكالمة، تنهد شمعون بعمق، مسك رأسه بين يديه بعد أن أحس بوجع فيه. مد يده إلى الدرج، أخرج علبة البندول، بلع أربع حبات مرة واحدة، دون ماء. أدار الكرسي، وهو يتمتم، "الحكومة هي السبب، إنه القانون يا شمعون"، ثم نظر إلى الأفق البعيد .. إلى المجهول!