المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عمّن تبحث المرأة؟


عبدالله الدوسري
09-14-2008, 02:10 PM
عمّن تبحث المرأة؟

(1)
حتّى أفلام هوليود، لم تتوقّف حتّى الآن عن تقديم صورة الفارس النبيل، سارق قلوب النساء!
وأكاد أجزم أنّه من المستحيل أن تجد فتاة لا يبهرها مشهد فارس يختطف حبيبته على جواده من براثن أعدائه، وينطلق بها نائيا عن الخطر..
ولكن.. هل يعني هذا أنّ نساء اليوم تحبّ الفرسان فعلا؟!
دعنا نختبر هذا:
هل لدى إحداهنّ الاستعداد ـ لو وجدت في البادية هذا الفارس الشاعر النبيل ـ أن تترك المدينة وتعيش معه، معتمدة على حمايته لها ضدّ كلّ الأخطار؟!
هنا أكاد أجزم أنّه من المستحيل أن تكون الإجابة بنعم!
والفكرة التي في ذهني أنّ المرأة خلقت لتنشئ بيتا وتربّي أطفالا.. وهكذا تستمرّ الحياة.. ولو خيّرت المرأة بين أحد أطفالها وزوجها فستختار طفلها.. ولو خيّرت بينه وبين نفسها فستختاره أيضا..
إنّ الحياة وجدت لتستمرّ.. لهذا فإنّ التضحية بالحاضر (الأبوين) في سبيل الغد (الأطفال) أمر شائع في كلّ المخلوقات..
ولكن أين دور الذكر في هذا؟
نفس الدور: على الذكر أن يموت في سبيل حماية صغاره، بل وفي سبيل حماية أنثاه أيضا، لأنّها الأهمّ في حفظ النوع.
لهذا فإنّ الذكر هو الأقوى.. وبالتالي فهو الأشجع بل والأكثر تهورا وحبّا للمغامرة.
من هنا استحقّ الرجل القيادة.. وكلما ازداد قوّة ازداد قيادة.. وازداد شغف المرأة به.
على النقيض، نجد المرأة أكثر حذرا، إلا إذا حاق الخطر بأبنائها..
ولعلّ هذا يجعلنا نفهم لماذا تكون النساء أكثر رفضا للتغيير وأكثر رعبا من الأفكار الثورية التي يمكن أن تودي بمملكتها.. ومن هذا خوف الأمهات المبالغ فيه من انتماء أبنائهنّ لأيّ اتجاه سياسي أو ديني (والدين والساسة في بلادنا من المحاذير).. فوظيفتها الفطرية أن تحمي وتجمع الشمل.. لا أن تترك الجميع عرضة للخطر (وهذا ليس مبررا ضد الدين والعقل، ما دام كلّ شعور وتصرف خاضعا لهما)
لكن.. دعنا من هذا الاسترسال.. إذ يبدو أنّني ما زلت إلى الآن أتكلّم عن عصور سحيقة: فرسان وأخطار و... و... !
فعلا: لم تعد الأخطار كما سبق، ولم تعد المرأة تحتاج لمثل ذلك الرجل الرهيب لحمايتها.. فكلّ شيء طالته المدنية تمّ تدجينه، ولم يعد صد الأخطار يعتمد على العضلات والمبارزة وصرع الوحوش!
إذن فلم يعد للفروسية مكان إلا في القصائد والأفلام!
لقد تحوّل الحصان إلى "بي إم دبليو"، وجراب السيف إلى حافظة متخمة، وكلمات العشق إلى شيكات ممهورة بالقبلات، وإحساس الأمان إلى رغبة طاغية في الامتلاك والاستهلاك، أمّا حماية الأولاد فهي في المدارس الخاصة ومدارس اللغات، لا في الكهوف والخيام!
فأين فارس البادية من كلّ هذا؟!
يكفيه أن يصول في الشعر والقصص والأفلام، أو أن يوضع تمثال له في الميادين، أو أن يطوف بخيال العذاري فيبتسمن.. لكن لا يتمنينه أبدا إلا لو كان قويا بلغة العصر!

عبدالله الدوسري
09-14-2008, 02:12 PM
(2)
في الواقع كلّ هذا التداعيات طافت بذهني، وأنا أفكّر في موضوع آخر.. هو الحب الالكتروني!
فأنا أسأل نفسي دائما: هل هناك مثل هذا الحبّ؟.. أم أنّه صورة أخرى من صور فارس الأحلام الوهميّ الذي لا مكان له في الحقيقة؟!
دعنا أولا نتساءل:
أيّ حقيقة نعني؟!
إننا لا نعرف إلا ضربات الأزرار، وربّما أفكار عقل، وبعض مشاعر..
لكننا نظلّ نتحدّث عن أشباح، بلا خلفيات اجتماعية ولا حاضر ولا مستقبل!
فهل يمكن للمرأة أن تحبّ شخصا بلا مستقبل؟.. مهما بدا فارسا ونبيلا ومفكرا وأديبا و... و... و... ؟!
بدون (الأمان) الذي تكلمنا عنه، لا بدّ في لحظة أن تروح السكرة وتجيء الفكرة!
فلا معنى لفارس بلا شقة حديثة مؤثثة يؤوي إليها أميرته!
ولا معنى لفكرة مجردة في عقل فيلسوف لامرأة أطفالها جياع!
ولا قيمة لأن تموت في سبيل قضية، عند امرأة تريد لطفلها أن يعيش!
ولا طعم لشعر وغزل وحبّ إن ظلّت عدما ولم تترجم إلى استقرار وأسرة وحياة!
هذا أصلا بافتراض أنّ فارس الأحلام فارس فعلا، وليس مدعي فروسية!
ويحقّ له أن يدّعي، ويحقّ له أن يتسلى، ما دام في عالم افتراضيّ بلا ضوابط اجتماعية.. ولا تكلّمني عن الضمير عند معدومي الخُلق!
طيب.. هذا الكلام يدفعنا للتساؤل: ولماذا تقع الفتيات إذن في الغراميات الالكترونية؟!
لنفس الأسباب التي تجعل الزواج في هذا الحبّ استحالة!!
ماذا؟!
سأوضّح لك:
إنّ الحبّ نبات تربته الخيال، حيث تثمر الأحلام الجميلة والمشاعر البهيجة.. هذا متوفّر بغزارة في بيئة الكترونية لا نرى فيها ذكرى مشينة، ولا عائلة تجلب العار، ولا عُذّلا يدسون عند الأهل والمجتمع!
لهذا من السهل أن تقع المراهقة في سحر هذا الخيال الوهمي!
لكن لأنّها ما زالت تحمل جينات امرأة، فإنّ الحبّ عندها يضحي كابوسا إن لم يُفضِ إلى الزواج.. على عكس الشاب المراهق الذي يريد المتعة بلا مسئولية! (بالمناسبة: ألاحظ كثيرا رسوب الفتاة التي تتم خطبتها أو زواجها وهي في الدراسة.. أو على الأقلّ يتراجع مستواها الدراسي.. هذا شيء متوقّع، فقد قفزت للهدف الأخير، فبهت الهدف المرحليّ)!

عبدالله الدوسري
09-14-2008, 02:13 PM
(3)
هذه المنطقة، تذكرني بمقال كتبته منذ عام، كان عنوانه:
الخيال والواقع:
وقلت فيه:
قرأت في أحد المنتديات، أنّ أحد الشباب المتزوّجين كان مشتركا بأحد المنتديات، وكانت زوجته مشتركة أيضا بنفس المنتدى، دون أن يدري أحدهما بأمر الآخر.
ولقد أعجبَ هذا الشابّ بمشاركاتها وبمواضيعها، وتطورت العلاقة بينهما، حتى تكلم معها عبر برنامج Messenger.
وفي يوم من الأيام سألته هل هو متزوج أم لا، فردّ عليها بالنفي، وأخبرها بأنه يحبها ويريد مقابلتها.. ولكنها أخبرته بأنها متزوجة من شخص تحبه جدا.. اعتذر وطلب منها ألا تكلمه بعد ذلك.
وبالصدفة وأثناء تشغيله كمبيوتر زوجته، دخل على المنتدى ولاحظ أن اشتراك زوجته هو نفسه اشتراك الفتاة التي كان يكلمها.. تفاجأ ولم يخبرها.. ومنذ ذلك اليوم وهو يحترمها، وكلّ يوم يقول لها: "أنا أحبّك يا أعظم زوجة"، وهي لا تعلم ما سبب هذا التغيّر المفاجئ!
ولقد انحصر تعليق الأعضاء على هذه، المشاركة في استنكار سماح الزوجة لنفسها بأن تخاطب رجلا غريبا على الإنترنت وهي متزوجة، وسماح الزوج لنفسه بالمثل.. أو في استنكار القصّة نفسها، باعتبارها خياليّة أو ملفّقة.
ولقد كان لي هذا التعليق:
الفارق بين الحبّ والزواج، هو الفارق بين الخيال والواقع:
الخيال لذّته لا تنتهي..
والواقع سريعا ما يزهده الإنسان.. أو على الأقلّ، يفقد إحساسه بجاذبيّته المطلقة.
الخيال يجذب القلبَ ويشغف النفس..
والواقع يجثم علينا بمشاكله ورتابته.
الخيال مطلب..
والواقع فرض!
لهذا فأنا لا أستبعد حدوث مثل هذه القصّة.
نعم:
يزهد الزوج في زوجته بالمنزل، ويعشقها على الإنترنت..
لأنّه لا يراها في المنزل إلا منشغلةً عنه..
تستقبله بأنواع المشاكل والهموم والصراعات الأسريّة..
تنسى أن تمتدح مميّزاته..
تنسى أن تقول له كلمة حبّ.
ربّما يدفعها لذلك أنّه أيضا يعود مرهقا فيهملها..
أو أنّها امرأة عاملة، وتعود مرهقة هي الأخرى..
ولكن مهما كانت الأسباب، فإنّ هذا يؤدّي لهبوط مشاعرهما من عالم الخيال إلى أرض الواقع، حيث تتقلّص مساحات الحوار بينهما، بحيث لا تتعدّى نطاق الكلمات الروتينيّة اليوميّة الجافّة.
أمّا على الإنترنت، فإنّ المرأة تكتسب سحرا خاصّا:
إنّها غير مزعجة..
إنّها لا تتحدّث في مشاكل شخصيّة..
إنّها مثقّفة.. مرحة.. هادئة غير عصبيّة..
إنّها رائعة الجمال (كما يصوّر للرجال خياله)..
إنّها جنّة رائعة، تشغل وقته بالتفكير فيها باستمرار..
إنّ هذه القصّة تحدث كثيرا، ولكن بأشكال أخرى..
تحدث عندنا في المجتمع المصريّ في الوظائف المختلطة، وتؤدّي للطلاق وخراب البيوت.
وبعد أن يلتقي بطلا القصّة ((المراهقان)) بالزواج، يزول عالم الخيال، ويرزحان من جديد تحت أعباء عالم الواقع!
وفي هذه الحالة، يفضّل كلّ منهما واقعه القديم ويندم على خسارته!
نعم:
الحبّ جميل ولذيذ.. ولكنّه مجرّد خيال!
أمّا الزواج فهو الحياة.. بحلوه ومرّه.
طوبى للزوجة التي لا تُشعرُ زوجها أنّها مفروضة عليه بورقة..
التي لا تهبط به أبدا من جنان الخيال!
(لنفس هذا السبب، ينصح علماء الاجتماع بعدم إطالة فترة الخطبة، لأنّها تفقد جمالها بالتدريج، بحيث تحلّ مشاكل الواقع محلّ روعة الخيال، وفي هذه الحالة يفضّل كلّ طرف الهروب ما دام لا يزال على البرّ، وتفسخ الخطبة لمشاكل قد تبدو تافهة أمام مشاكل الزواج.. أمّا بعد الزواج، فإنّ كلّ طرف يحاول بذل أقصى ما يستطيع لإنقاذ المركب من الغرق، حفاظا على المصير المشترك وسعادة الأطفال).

عبدالله الدوسري
09-14-2008, 02:14 PM
(4)
حسنا.. لقد تداعت بنا الأفكار بعيدا.. ولكن هل نستطيع أن نتوقّف الآن؟!
في الواقع ما زالت هناك خاطرة تشغلني:
هل يمكن أن تتزوج أديبة؟!
طبعا لا بدّ أن يشغلني هذا السؤال خصوصا، فمعظم ـ إن لم يكن كلّ ـ الفتيات التي اقتربت منهنّ كن موهوبات في الشعر والقصة، وذلك بحكم ترددي على المنتديات الأدبية في الجامعة وأندية الشباب وقصور الثقافة وغيرها..
المشكلة أنّ الإجابة دائما كانت لا!
فدائما هناك شيء ناقص..
وغالبا الرقة!
كيف تكون شاعرة وليست رقيقة؟!
لا أعنى الرقة بمفهومها التقليدي.. هنّ يكتبن الشعر ويصدحن بالغزل(!!)، وعندهّن أكوام من الرومانسية، اختزنّها من الأفلام والمسلسلات والقصص!!.. لكنّ المشكلة أنّ لديهنّ إحساسا زائدا بأهميتهنّ مع قدر من العصبية غير يسير.. وفكرة أن يكون الحبّ انتماء للرجل باهتة في أذهانهنّ.. ربّما هو تمرّد الأدباء وليس استرجالا.. لكنّه لا يتماشى أبدا مع الأنوثة!!
بخلاف هذا، لا تتصوّر إحداهنّ أنّ أعمالها لن تكون محطّ الأنظار وقِبلة الإعجاب.. فكيف يمكن أن تقنعها يوما أنّك لا تقبل ـ ولا يمكن أن تقبل ـ أن تلقي قصيدتها الغزلية في حشد من الرجال، لأنّ الغيرة ستمزقك آرابا؟!.. بلّ إن الغيرة لتمزّقك لو تابعتها الأنظار،
فماذا عن المنتديات الالكترونية؟!
لا يوجد فارق:
كيف يقبل رجل غيور أن تنشر أخته أو حبيبته أو زوجته أو ابنته عواطفها على الملإ، ليناقشها فيها الرجال؟!.. حتّى لو من وراء اسم مستعار؟!
وما المشكلة لو كان اسمها مستعارا؟!
المشكلة أنّ نفسها غير مستعارة.. هل يسعدك أن يتملقها رجل ويجاوز في مدح قصيدتها (وفي الغالب لا يكتفي بهذا، بل يتمادى ليمدحها هي)؟.. ألن تتسرب كلماته إلى نفسها؟.. ألا يقتلك أن رجلا غيرك يغازلها؟!
امم... يبدو أنّ أمثالنا يا صديقي محكوم عليهم أن يظلّوا من أعداء الحرية والتقدمية والمهلبية والتكنولوبيا إلى الأبد، محصورين بنظرتهم الذكورية للمرأة!
لحظة: هل تعني أنّ هناك (ذكورا) يمكن أن ينظروا نظرة (أنثوية) للمرأة؟!
وما هي النظرة الأنثوية للمرأة؟.. أن تراها أنثى، أم أن تراها وأنت كالأنثى؟!
لا لا لا... دعنا من هذه المتاهات اللفظية.. في النهاية لم نصل للّفظ الذي يبيح للمرأة الاسترجال، والأفضل أن نحيل هذا لنقاشنا حول اللغة العربية، وأساليب المضللين!
وكفانا كلاما الآن، وإلا فإن ّالموضوع سيتحوّل من "عمّن تبحث المرأة" إلى "عمّن يبحث الرجل".. إن لم يكن قد تحوّل بالفعل!
خاصة أنّه رأيك أنت، وبالتأكيد هناك آراء تختلف، فأفسح لها المجال.
حسنا.. هأنا أفسحت.. فليقل لي أحدكم إذن: عمّن تبحث المرأة؟