احمد العتيبي-1
10-15-2007, 04:00 PM
الإثنين,تشرين الأول 15, 2007
شجرة الزيتون
http://www.maktoobblog.com/userFiles/a/s/asil/images/65820061008olivetreeformbadarneh2.jpg
كم شجرة زيتون اقتلعت إسرائيل من أرضنا؟ كم أحرقت وجرفت وسرقت؟ كم قتلت إسرائيل من هذه الشجرة الـمباركة الـمعطاء التي (يكاد زيتها يضيء ولـو لـم تمسسه نار، نور على نور)، ولا تزال تقتل، منذ احتلالها الهمجي لأرضنا؟ مليون شجرة؟ أكثر من مليون؟ لعل جهازنا الـمركزي للإحصاء لديه الرد الإحصائي لهذه الإبادة الـمستمرة.
أذكر في الثمانينيات، أن نشرة متواضعة كانت تصدر أسبوعيا، عن جمعية الدراسات العربية في القدس، تعنى على وجه الخصوص، بأعداد الأشجار الـمثمرة، وبخاصة شجرة الزيتون، وغير الـمثمرة أيضا، التي كانت القوات العسكرية الإسرائيلية، والـمستوطنون اليهود على حـد سواء، يقومون باقتلاعها أو حرقها أو تمزيقها وتحطيمها بأنياب ومخالب الجرافات، وجنازير الدبابات، والـمناشير الكهربائية، وأحيانا سرقتها ونقلها بجذورها الحية إلى الـمستوطنات، وربما إلى شوارع تل أبيب كأشجار زينة. نشرة تستوعب الـمعنى الاقتصادي، بأهميته وبتنبه القاتل له، لتتجاوزه بوعي وإدراك، إلى الـمعنى الوجودي الفلسطيني الأعمق في التراث والثقافة والتاريخ.
وأذكر أننا كنا في صحافتنا الـمحلية آنذاك، نولي عناية كبيرة بما يجيء في هذه النشرة، فنعيد نشره على الصفحات الأولى من الصحف، دون عرضه على الرقابة العسكرية الإسرائيلية، كما نفعل عادة "بحكم القانون السائد الذي هو حكم القوي على الضعيف" مع بقية الأخبار، متحملين "ردة فعل" تلك الرقابة ضدنا، بما فيها السجن لبعض صحافيينا، أو فرض الإقامة الجبرية عليهم في مكان محدد، أو منعهم من السفر خارج البلاد، جراء هذا التمرد على "قوانين" الاحتلال في هذا الشأن بالذات.
وأذكر أن واحـدة من افتتاحيات صحيفة "الفجر" ، كانت عن شجرة الزيتون، افتتاحية لـم تكن ذات طابع سياسي مباشر أو غير مباشر، ولو في كلـمة واحـدة. كانت أقرب إلى كونها قصيدة أو أغنية تفيض بالحب العميق لشجرة الزيتون، وبحرص شعبنا الفلسطيني على ديمومة هذا الحب النبيل جيلاً بعد جيل. غير أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية شطبتها. ولأنني كنت، كما يبدو، لا أدرك بعد، مدى عمق الكراهية الـمتغلغلة في العقل الإسرائيلي العسكري لشجرة الزيتون، فقد أرسلت تلك الافتتاحية للرقابة الـمتربعة على قمة ذاك العقل، متوهماً أنه سوف يجيزها، على اعتبار أنها مجرد نشيد إنساني زراعي بسيط يفيض بالـمحبة والسلام. لكن الشطب السريع كان مصيرها.
انقشع الوهم. ويجوز أنني كنت بشيء من الخبث والحيلة، اختبر ذلك العقل نفسه بتلك الافتتاحية، فسقط، أو على الأصح نجح، على الفور في الاختبار، ليزيد التأكيد الصارم على إرهابه وحقده، بنفي أدنى علاقة له مع معاني وتراث وتجليات شجرة الزيتون في هذه الأرض.
دهمني هذا التذكر، وأنا أقرأ الخبر الذي بثته "وفـا" ونشرته "الأيام" في 8/10/2007 حول سرقة إسرائيل لشجرة الزيتون، هذه الـمرة، سرقة غير عادية على مستوى العالـم كله، من خلال اختيارها لهذه الشجرة بالذات، كممثل لها في "حديقة العالـم للورود" التي تقيمها الصين بمناسبة استضافة الألعاب الأولـمبية على أراضيها.
يقول الخبر إن سلطة جودة البيئة عندنا استنكرت هذه الفعلة الإسرائيلية بشدة، وطالبت الجانب الصيني، عبر وزارة خارجيتنا، بإلغاء هذا التمثيل الإسرائيلي الذي "يعكس عقلية الـمحتل الهادفة لطمس الحقائق والتاريخ الفلسطيني.. حيث تعتبر شجرة الزيتون رمزاً فلسطينياً خالداً من رموز الحضارة والتراث والزراعة الفلسطينية".
شكراً لسلطة جودة البيئة. ونأمل أن تستجيب الصين الصديقة والداعمة لحقوق شعبنا، لهذا الـمطلب الشرعي. قد ترى الصين أن الـمسألة بسيطة، ولا تحتاج للاستنكار. وبالتالي، قد تهمل مطلبنا، وتعتبره مجرد احتجاج فولكلوري عابر من جانبنا، بخاصة ونحن ندخل في مفاوضات سلام مع إسرائيل تستلزم السكينة والهدوء!
ولكن الواقع أن الـمسألة كبيرة وواسعة في سياق هذا الرمز الـمسروق، وفي سياق مئات الرموز الأخرى التي سرقتها إسرائيل، ضمن منهجها في تحطيم تراثنا الشعبي أو طمسه وتخريبه أو تهويده وادعائه لنفسها، من الثوب الفلاحي الـمطرز، إلى أكلة الحمص والفلافل، إلى الطابون، إلى الأغاني والأمثال والحكايات، إلى كل شيء تراثي بأشكاله الـمختلفة، الـمادية والشفاهية والـمسلكية، في حياتنا وتاريخنا.
إسرائيل سرقت الأرض. وهجرت أو قتلت سكانها الأصليين. ثم زرعتها بمستوطنين يهود من بلدان مختلفة وثقافات شتى. وهي تحسب أن دائرة السرقة والاغتصاب والقتل لا تكتمل، إلا بسرقتها واغتصابها لتراث هذه الأرض وهؤلاء السكان الأصليين. وهو ما تفعله على مدار الساعة منذ نشأتها، دون اكتراث من جانبها بأية مفاوضات. بل قد تجد في هذه الـمفاوضات ما يوفر لها فرصة الاختباء وراءها.
تنقل حكاياتنا الشعبية عن شجرة الزيتون أنها قالت للفلاح الفلسطيني: "لا أريدك أن تقلّـمني مثل بقية الأشجار، أو تحرث التراب حولي وتنظفه من الأعشاب الضارة. أريدك فقط أن تزورني ما بين حين وآخر، لتسلـم عليّ، وترتاح تحت ظلالي، ولأفرح أنا بلقائك!". كم هي رائعة هذه الشجرة الراسخة في الأرض، والـمكتفية من فلاحها بمجرد لقائه الطيب، ليكون له منها كفايته الطيبة من خيرها الوفير! وهو في هذا الخير لا يتلكأ أو يتأخر لحظة واحدة، عن زيارة محبوبته الخالدة، ورعايتها والسهر على نموها وازدهارها، والدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة وحكمة.
ومع اقتراب موسم قطاف الزيتون لهذا العام، كم مجنزرة إسرائيلية ستقتحم حقول القطاف، وتمنع أهلنا بزخّات الرصاص والغاز السام، من الوصول إلى الشجرة الأغلى؟ وكم من الدم الفلسطيني سوف ينزف على ثرى هذه الحقول؟ ولن أنسى ما حييت في إرث هذا القطاف، صورة تلك الفلاحة، أختي هي أو أختك، أمي أو أمك، على صدر الصفحة الأولى من إحدى صحفنا، وهي تحتضن ما بقي من جذع زيتونة لها، ورثتها عن أجدادها وجدّاتها، ثم حطمتها ومزقتها العربدة الإسرائيلية الإجرامية. تحتضن وتبكي كما سحابة تمطر. كما زلزلة تصعد من الجذع الـمذبوح. كما الزيتونة الشهيدة. الفلاحة الشهيدة. الأرض الشهيدة. كما الحب الـمقدّس الباقي.
http://www.maktoobblog.com/userFiles/a/s/asil/images/504219image.jpg
كتبها سامية فارس في 10:03 صباحاً ::
شجرة الزيتون
http://www.maktoobblog.com/userFiles/a/s/asil/images/65820061008olivetreeformbadarneh2.jpg
كم شجرة زيتون اقتلعت إسرائيل من أرضنا؟ كم أحرقت وجرفت وسرقت؟ كم قتلت إسرائيل من هذه الشجرة الـمباركة الـمعطاء التي (يكاد زيتها يضيء ولـو لـم تمسسه نار، نور على نور)، ولا تزال تقتل، منذ احتلالها الهمجي لأرضنا؟ مليون شجرة؟ أكثر من مليون؟ لعل جهازنا الـمركزي للإحصاء لديه الرد الإحصائي لهذه الإبادة الـمستمرة.
أذكر في الثمانينيات، أن نشرة متواضعة كانت تصدر أسبوعيا، عن جمعية الدراسات العربية في القدس، تعنى على وجه الخصوص، بأعداد الأشجار الـمثمرة، وبخاصة شجرة الزيتون، وغير الـمثمرة أيضا، التي كانت القوات العسكرية الإسرائيلية، والـمستوطنون اليهود على حـد سواء، يقومون باقتلاعها أو حرقها أو تمزيقها وتحطيمها بأنياب ومخالب الجرافات، وجنازير الدبابات، والـمناشير الكهربائية، وأحيانا سرقتها ونقلها بجذورها الحية إلى الـمستوطنات، وربما إلى شوارع تل أبيب كأشجار زينة. نشرة تستوعب الـمعنى الاقتصادي، بأهميته وبتنبه القاتل له، لتتجاوزه بوعي وإدراك، إلى الـمعنى الوجودي الفلسطيني الأعمق في التراث والثقافة والتاريخ.
وأذكر أننا كنا في صحافتنا الـمحلية آنذاك، نولي عناية كبيرة بما يجيء في هذه النشرة، فنعيد نشره على الصفحات الأولى من الصحف، دون عرضه على الرقابة العسكرية الإسرائيلية، كما نفعل عادة "بحكم القانون السائد الذي هو حكم القوي على الضعيف" مع بقية الأخبار، متحملين "ردة فعل" تلك الرقابة ضدنا، بما فيها السجن لبعض صحافيينا، أو فرض الإقامة الجبرية عليهم في مكان محدد، أو منعهم من السفر خارج البلاد، جراء هذا التمرد على "قوانين" الاحتلال في هذا الشأن بالذات.
وأذكر أن واحـدة من افتتاحيات صحيفة "الفجر" ، كانت عن شجرة الزيتون، افتتاحية لـم تكن ذات طابع سياسي مباشر أو غير مباشر، ولو في كلـمة واحـدة. كانت أقرب إلى كونها قصيدة أو أغنية تفيض بالحب العميق لشجرة الزيتون، وبحرص شعبنا الفلسطيني على ديمومة هذا الحب النبيل جيلاً بعد جيل. غير أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية شطبتها. ولأنني كنت، كما يبدو، لا أدرك بعد، مدى عمق الكراهية الـمتغلغلة في العقل الإسرائيلي العسكري لشجرة الزيتون، فقد أرسلت تلك الافتتاحية للرقابة الـمتربعة على قمة ذاك العقل، متوهماً أنه سوف يجيزها، على اعتبار أنها مجرد نشيد إنساني زراعي بسيط يفيض بالـمحبة والسلام. لكن الشطب السريع كان مصيرها.
انقشع الوهم. ويجوز أنني كنت بشيء من الخبث والحيلة، اختبر ذلك العقل نفسه بتلك الافتتاحية، فسقط، أو على الأصح نجح، على الفور في الاختبار، ليزيد التأكيد الصارم على إرهابه وحقده، بنفي أدنى علاقة له مع معاني وتراث وتجليات شجرة الزيتون في هذه الأرض.
دهمني هذا التذكر، وأنا أقرأ الخبر الذي بثته "وفـا" ونشرته "الأيام" في 8/10/2007 حول سرقة إسرائيل لشجرة الزيتون، هذه الـمرة، سرقة غير عادية على مستوى العالـم كله، من خلال اختيارها لهذه الشجرة بالذات، كممثل لها في "حديقة العالـم للورود" التي تقيمها الصين بمناسبة استضافة الألعاب الأولـمبية على أراضيها.
يقول الخبر إن سلطة جودة البيئة عندنا استنكرت هذه الفعلة الإسرائيلية بشدة، وطالبت الجانب الصيني، عبر وزارة خارجيتنا، بإلغاء هذا التمثيل الإسرائيلي الذي "يعكس عقلية الـمحتل الهادفة لطمس الحقائق والتاريخ الفلسطيني.. حيث تعتبر شجرة الزيتون رمزاً فلسطينياً خالداً من رموز الحضارة والتراث والزراعة الفلسطينية".
شكراً لسلطة جودة البيئة. ونأمل أن تستجيب الصين الصديقة والداعمة لحقوق شعبنا، لهذا الـمطلب الشرعي. قد ترى الصين أن الـمسألة بسيطة، ولا تحتاج للاستنكار. وبالتالي، قد تهمل مطلبنا، وتعتبره مجرد احتجاج فولكلوري عابر من جانبنا، بخاصة ونحن ندخل في مفاوضات سلام مع إسرائيل تستلزم السكينة والهدوء!
ولكن الواقع أن الـمسألة كبيرة وواسعة في سياق هذا الرمز الـمسروق، وفي سياق مئات الرموز الأخرى التي سرقتها إسرائيل، ضمن منهجها في تحطيم تراثنا الشعبي أو طمسه وتخريبه أو تهويده وادعائه لنفسها، من الثوب الفلاحي الـمطرز، إلى أكلة الحمص والفلافل، إلى الطابون، إلى الأغاني والأمثال والحكايات، إلى كل شيء تراثي بأشكاله الـمختلفة، الـمادية والشفاهية والـمسلكية، في حياتنا وتاريخنا.
إسرائيل سرقت الأرض. وهجرت أو قتلت سكانها الأصليين. ثم زرعتها بمستوطنين يهود من بلدان مختلفة وثقافات شتى. وهي تحسب أن دائرة السرقة والاغتصاب والقتل لا تكتمل، إلا بسرقتها واغتصابها لتراث هذه الأرض وهؤلاء السكان الأصليين. وهو ما تفعله على مدار الساعة منذ نشأتها، دون اكتراث من جانبها بأية مفاوضات. بل قد تجد في هذه الـمفاوضات ما يوفر لها فرصة الاختباء وراءها.
تنقل حكاياتنا الشعبية عن شجرة الزيتون أنها قالت للفلاح الفلسطيني: "لا أريدك أن تقلّـمني مثل بقية الأشجار، أو تحرث التراب حولي وتنظفه من الأعشاب الضارة. أريدك فقط أن تزورني ما بين حين وآخر، لتسلـم عليّ، وترتاح تحت ظلالي، ولأفرح أنا بلقائك!". كم هي رائعة هذه الشجرة الراسخة في الأرض، والـمكتفية من فلاحها بمجرد لقائه الطيب، ليكون له منها كفايته الطيبة من خيرها الوفير! وهو في هذا الخير لا يتلكأ أو يتأخر لحظة واحدة، عن زيارة محبوبته الخالدة، ورعايتها والسهر على نموها وازدهارها، والدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة وحكمة.
ومع اقتراب موسم قطاف الزيتون لهذا العام، كم مجنزرة إسرائيلية ستقتحم حقول القطاف، وتمنع أهلنا بزخّات الرصاص والغاز السام، من الوصول إلى الشجرة الأغلى؟ وكم من الدم الفلسطيني سوف ينزف على ثرى هذه الحقول؟ ولن أنسى ما حييت في إرث هذا القطاف، صورة تلك الفلاحة، أختي هي أو أختك، أمي أو أمك، على صدر الصفحة الأولى من إحدى صحفنا، وهي تحتضن ما بقي من جذع زيتونة لها، ورثتها عن أجدادها وجدّاتها، ثم حطمتها ومزقتها العربدة الإسرائيلية الإجرامية. تحتضن وتبكي كما سحابة تمطر. كما زلزلة تصعد من الجذع الـمذبوح. كما الزيتونة الشهيدة. الفلاحة الشهيدة. الأرض الشهيدة. كما الحب الـمقدّس الباقي.
http://www.maktoobblog.com/userFiles/a/s/asil/images/504219image.jpg
كتبها سامية فارس في 10:03 صباحاً ::