( أبـو ريـان )
08-31-2007, 08:33 PM
يعيش البيت العربي وضعا انفلاتيا في مشاهدة القنوات الفضائية التي اقتحمت البيوت دون استئذان وشاركت الأسرة في خصوصياتها وفي أدق علاقاتها الاجتماعية. وبدأت العلاقة بين أفراد الأسرة تأخذ شكلا مغايرا للمفاهيم الأسرية التقليدية فأصبحت القنوات الفضائية شريكا للأسرة والمدرسة في تربية النشء إن لم تكن هي الأول في هذا السياق. فهي تحدد للأسرة مواعيد تناول الطعام ومواعيد الزيارات والتواصل الاجتماعي. فمن أجل مباراة كرة قدم مثلا يمكن لرب الأسرة أن يلغي كل الالتزامات العائلية وكل المواعيد مع الأصدقاء. فما بالك بالأطفال الذين يقضون الساعات والساعات في التنقل بين القنوات الفضائية بلا حسيب أو رقيب ويشاهدون البرامج الغث والسمين منها. وفي أيام العطل والإجازات أو في رمضان يصلون الليل بالنهار في مشاهدة البرامج والمسلسلات بصورة مذهلة لا يتركون مهلة حتى لالتقاط الأنفاس. لقد أصبحت البرامج الفضائية تقرر للأسرة والأطفال مواعيد المذاكرة والنوم والطعام والشراب. تكفي هنا الإشارة إلى استطلاع أجري على أطفال تتراوح أعمارهم ما بين السادسة والثالثة عشرة. طلب من العينة الإجابة على سؤال واحد هو "لو كنت وحيدا في جزيرة معزولة عن العالم، ماذا تأخذ معك؟" احتل التلفزيون المرتبة الأولى وفضله الأطفال حتى على الطعام والشراب.
وإذا علمنا أيضا أن معدل الوقت الذي يقضيه الأطفال في مشاهدة القنوات الفضائية حتى سن الثامنة عشرة هو أكثر بكثير من معدل الوقت الذي يقضونه داخل الصف في المدرسة. يحق لنا أن نثير بعض الأسئلة حول دور القنوات الفضائية وأثرها على الأطفال، مثل: ما هي الآثار السلبية والإيجابية للقنوات الفضائية على الأطفال؟ وكيف يجب التعامل مع القنوات الفضائية للحد من آثارها السلبية ومضاعفة آثارها الإيجابية؟ وهل يوجد بديل للتلفزيون؟
الآثار السلبية
علاوة على أن هناك علاقة مباشرة بين بدانة الأطفال وطول أمد مشاهدة التلفزيون، يؤخذ على التلفزيون والقنوات الفضائية سواء طال أمد المشاهدة أو قصر ما يلي:
يشاهد الأطفال عددا لا يحصى من مشاهد العنف على القنوات الفضائية. وهذه المشاهد لا تقتصر على البرامج الاعتيادية التي تبثها القنوات من خلال الأفلام والمسلسلات المدبلجة التي يتابعها بعض الأطفال بشغف والصور المتحركة والأغاني المصورة (فيديو كليبس) وإنما تعداها الأمر إلى نشرات الأخبار المليئة بأخبار الحروب والجرائم والسرقات والكوارث وما إلى ذلك من مظاهر العنف. تجمع معظم الدراسات الميدانية على أن هذه المشاهد تدخل في وجدان الأطفال أن العنف شيء طبيعي ومقبول ومن الممكن أن يمارسوه على الآخرين وكذلك تقوي من النزعة العدوانية لديهم وعدم القدرة على ضبط النفس، واستخدام العنف بدل التفاوض، والشعور الدائم بعدم الأمان والخوف والقلق.
يضطر الأطفال لمشاهدة الإعلانات التجارية الموجهة خصيصا لهم التي تروج للأغذية الخالية من القيمة الغذائية والمواد الأخرى المتعلقة في الملبس والمشرب واللعب التي تؤثر على ذوق الأطفال في اختيارهم الغذاء واللباس والألعاب. فمن النادر أن ترى إعلانات تروج لأطعمة صحية وذات قيمة غذائية عالية مثل الفواكه والخضروات. معظم الإعلانات تروج لحياة استهلاكية تعلم الأطفال الشراء والشراء ليس إلاّ.
تضح أن الأطفال الذين يكثرون من مشاهدة ما هب ودب من برامج على القنوات الفضائية دون ترشيد هم أقل إبداعا وابتكارا وخيالا من الأطفال الذين يشاهدون برامج منتقاة ويبحثون عن نشاطات أخرى لتمضية أوقات فراغهم.
تجمع الدراسات على أن الأطفال الذين يشاهدون القنوات الفضائية لأوقات غير محدودة ودون تمييز لما يشاهدون كالبرامج التي دار حولها جدل ولغط كبيرين مثل: برامج تلفزيون الواقع وستار أكاديمي وسوبر وستار وأشباهها مضافا إليها برامج الكاميرا الخفية والأغاني المصورة ذات المضمون الهابط والخادشة للحياء التي أصبحت قاسما مشتركا بين جميع القنوات الفضائية دون استثناء العربية والغربية منها على السواء، يطورون مجموعة من السلوكات والتصرفات الغريبة منها على سبيل المثال لا الحصر: الأنانية وعدم التعاون مع الآخرين، وعدم الإحساس بمشاعر الآخرين بل وازدرائهم وعدم احترامهم، والتقليد الأعمى في الملبس والمأكل والمشرب وفي موديلات الشعر وفي المشية وفي أسلوب الحديث مع الآخرين، وتطوير نمط حياة استهلاكي وقتل روح الإنتاج والإبداع لديهم، والسلبية وعدم الاكتراث بما يدور حولهم.
اكتشفت دراسة حديثة (2004) في أمريكا أن الأطفال الصغار جدا، في السنة الثانية من أعمارهم، الذين يشاهدون التلفزيون لمدة 3 إلى5 ساعات يوميا يواجهون احتمالا بمشاكل نقص الانتباه مع بلوغهم سن الذهاب إلى المدرسة. ويفهم من ذلك أن التلفزيون يهدد الدماغ ويعيد تشكيله. وتعزز هذه الدراسة أبحاثا سابقة أظهرت أن مشاهدة التلفزيون يقصر أمد الانتباه وتوصي بعدم السماح للأطفال دون سن الثانية بمشاهدة التلفزيون.
الآثار الإيجابية
إن القنوات الفضائية شأنها شأن الوسائل الإعلامية الأخرى تؤثر في مفاهيم وتصورات وطموحات الأطفال مما تجعل بعضهم، على الأقل، معرضين لقيم وممارسات تعزز الاستقلال في الرأي، والرغبة في الحوار، والميل إلى التفكير النقدي، وانتهاز فرص التعلم الذاتي مما يجبر الكبار على الحوار والتعامل معهم كمتلقين إيجابيين.
لا يمكن هنا إنكار دور القنوات الفضائية في التطوير المعرفي للأطفال وتعليمهم وتوسيع مداركهم. فالفضائيات تقدم معلومات جاهزة ومحددة في إطار يساعد على تنمية الخيال والابتكار لدى الأطفال. يوجد قنوات فضائية جادة ورصينة تبث برامج مخصصة للأطفال تساهم في رفع مستواهم الثقافي والعلمي. فهل نتصور أمام هذه الفضائيات أن ييقى الأطفال كما كان عليه حال آبائهم وأجدادهم مع الكم المعرفي الهائل الذي يقدم من خلال القنوات الفضائية؟ يستطيع الأطفال اختيار ما هو مناسب إذا اضطلع البيت والمدرسة بمسؤولياتهما في هذا الإطار.
أشارت بعض الدراسات في السعودية إلى أن مشاهدة القنوات الفضائية المحسوبة تزيد من قدرة الأطفال على الاستيعاب والتذكر وذلك لاعتمادها على حاستي السمع والبصر ولجاذبيتها في الحركة والصورة. وكذلك تتيح القنوات الفضائية لبعض الأطفال حرية الاختيار وتعلمهم حس الرقابة الذاتية عند غياب الرقابة الأسرية مما يعطيهم الإحساس بالاستقلالية والأمان والقدرة على اتخاذ القرار. وأشارت نفس الدراسات إلى أن بعض البرامج والمسلسلات تنقل الطفل من عالمه الواقعي إلى عالم خيالي يتقمص فيه إحدى شخصياته المفضلة التي يمكن أن يقتدي بها ويتعلم منها.
التعامل مع القنوات الفضائية
وللحد من الآثار السلبية للقنوات الفضائية، هناك الكثير يمكن عمله من قبل المدرسة والمسجد والمنتديات الاجتماعية والثقافية والبيت في نشر الوعي حول دور القنوات الفضائية وكيفية الاستفادة منها والتقليل من آثارها السلبية على الأطفال. وفي هذا المقام نحن معنيون بتقديم بعض الاقتراحات للآباء والأمهات كي تكون مشاهدة القنوات الفضائية ممتعة ومفيدة قدر الإمكان. بعض الاقتراحات هي:
على الآباء أن يقوموا بترشيد مشاهدة القنوات الفضائية وذلك بوضع قوانين محددة لمشاهدة التلفزيون مثل تحديد نوعية البرامج التي يمكن للأطفال مشاهدتها وتحديد عدد الساعات المخصصة في اليوم لمشاهدة التلفزيون.
على الآباء أن يشجعوا مشاهدة البرامج التي تتضمن شخصيات إيجابية التي تصلح لأن تكون قدوة في التعامل مع العادات الجيدة والأخلاق الحسنة. ويستطيع الآباء الدخول في نقاش مع أطفالهم حول هذه البرامج والإجابة على أسئلتهم.
حتى لا يتحول التلفزيون إلى جليسة أطفال، على الآباء أن يحثوا أطفالهم على ممارسة نشاطات أخرى غير مشاهدة التلفزيون والتي تنمي الإبداع مثل القراءة والرسم والرياضة واللعب الإبداعي والموسيقى. وعلى الآباء أن يبدأوا بأنفسهم أولا كي يكونوا مثالا يحتذى بهم فيلجأوا إلى ممارسة نشاطات أخرى غير الجلوس والتحكم عن بعد والتنقل بين القنوات الفضائية. فليشاركوا أبناءهم في الرياضة والألعاب المختلفة
يمكن للأسرة كلها أن تختار الوقت المناسب لمشاهدة برامج بعينها مع الأطفال كي تتم الإجابة على أسئلتهم وتزويدهم بمعلومات إضافية عند الحاجة مما يزيد من فرص التعلم والمتعة ويزيد من الألفة والترابط بين أفراد الأسرة الواحدة.
يجب تعليم الأطفال على أن يكونوا مشاهدين ناقدين ومساعدتهم على التمييز بين ما هو خيال وما هو واقع لأن الطفل في مرحلة ما قبل التجريد في نظر (جان بياجيه) لا يقدر على التفكير المنطقي فقد يواجه صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال. وكذلك تجب مساعدتهم على التمييز ما بين هو تافه من البرامج العديدة التي تبث على مدار الساعة في القنوات الفضائية وما هو ذو قيمة منها.
بديل التلفزيون
قد يلجأ البعض إلى حلول أخرى غير التي ذكرت آنفا. فمثلا قد يرى في حرمان الأطفال من مشاهدة التلفزيون أو يقرر ألاّ يقتني جهاز التلفزيون في البيت انطلاقا من قناعات دينية أو تربوية ترى في وجود التلفزيون مفسدة وأي مفسدة ووجوده في البيت حرام أو أن يكون عائقا أمام تربيته في البيئة المحيطة. ولكن قبل اتخاذ مثل هذا القرار وقبل أن يضطر للتراجع عنه فيما بعد، ندعو مثل هؤلاء إلى التفكير مليا فيما يلي:
قبل أن تحرم أطفالك من مشاهدة التلفزيون، عليك أن تكون القدوة الحسنة لهم فلا يجوز لك أن تشاهد ما تريد وتحرمهم من ذلك. وأن تسمح لهم بمشاهدة النشرات الإخبارية مثلا. مع العلم أن الأخبار فيها ما فيها من أخبار الحروب والنزاعات والسرقات والحوادث والكوارث الحقيقية وما إلى ذلك التي سيكون أثرها عليهم أكبر وأعمق من البرامج الأخرى لأنها أكثر واقعية.
عندما تحرم أطفالك من مشاهدة القنوات الفضائية، عليك أن توفر البدائل للأطفال والبيئة المناسبة للنمو الاجتماعي والعاطفي والعقلي. لأنه مهما كانت كمية ونوعية المعرفة المكتسبة من المدرسة تظل قاصرة عن توفير التنمية العقلية والنفسية والاجتماعية التي يحتاجها الطفل في مختلف مراحل تطوره. فعليهم أن يردموا الهوة المعرفية التي لا تتيحها المدرسة بتوفير الوسائل والألعاب التي تعلم المهارات الاجتماعية والإبداعية. وعليهم أن يوفروا الوقت والاستعداد لملازمتهم ومواكبتهم في تعلمهم وتزويدهم بالمعارف والمعلومات التي يفتقدونها نتيجة حرمانهم من مشاهدة التلفزيون. ولكن هيهات أن يستطيعوا ذلك!
وباختصار شديد، إن التلفزيون بقنواته الفضائية نعمة ونقمة. وأن القنوات الفضائية ليست شرا مطلقا ولا خيرا مطلقا. يمكن للمدرسة والبيت والمجتمع بأكمله أن يجعلوا مشاهدة التلفزيون والقنوات الفضائية أكثر متعة وفائدة إذا انخرط الجميع في تحمل مسؤولياتهم.
(( منقول ))
وإذا علمنا أيضا أن معدل الوقت الذي يقضيه الأطفال في مشاهدة القنوات الفضائية حتى سن الثامنة عشرة هو أكثر بكثير من معدل الوقت الذي يقضونه داخل الصف في المدرسة. يحق لنا أن نثير بعض الأسئلة حول دور القنوات الفضائية وأثرها على الأطفال، مثل: ما هي الآثار السلبية والإيجابية للقنوات الفضائية على الأطفال؟ وكيف يجب التعامل مع القنوات الفضائية للحد من آثارها السلبية ومضاعفة آثارها الإيجابية؟ وهل يوجد بديل للتلفزيون؟
الآثار السلبية
علاوة على أن هناك علاقة مباشرة بين بدانة الأطفال وطول أمد مشاهدة التلفزيون، يؤخذ على التلفزيون والقنوات الفضائية سواء طال أمد المشاهدة أو قصر ما يلي:
يشاهد الأطفال عددا لا يحصى من مشاهد العنف على القنوات الفضائية. وهذه المشاهد لا تقتصر على البرامج الاعتيادية التي تبثها القنوات من خلال الأفلام والمسلسلات المدبلجة التي يتابعها بعض الأطفال بشغف والصور المتحركة والأغاني المصورة (فيديو كليبس) وإنما تعداها الأمر إلى نشرات الأخبار المليئة بأخبار الحروب والجرائم والسرقات والكوارث وما إلى ذلك من مظاهر العنف. تجمع معظم الدراسات الميدانية على أن هذه المشاهد تدخل في وجدان الأطفال أن العنف شيء طبيعي ومقبول ومن الممكن أن يمارسوه على الآخرين وكذلك تقوي من النزعة العدوانية لديهم وعدم القدرة على ضبط النفس، واستخدام العنف بدل التفاوض، والشعور الدائم بعدم الأمان والخوف والقلق.
يضطر الأطفال لمشاهدة الإعلانات التجارية الموجهة خصيصا لهم التي تروج للأغذية الخالية من القيمة الغذائية والمواد الأخرى المتعلقة في الملبس والمشرب واللعب التي تؤثر على ذوق الأطفال في اختيارهم الغذاء واللباس والألعاب. فمن النادر أن ترى إعلانات تروج لأطعمة صحية وذات قيمة غذائية عالية مثل الفواكه والخضروات. معظم الإعلانات تروج لحياة استهلاكية تعلم الأطفال الشراء والشراء ليس إلاّ.
تضح أن الأطفال الذين يكثرون من مشاهدة ما هب ودب من برامج على القنوات الفضائية دون ترشيد هم أقل إبداعا وابتكارا وخيالا من الأطفال الذين يشاهدون برامج منتقاة ويبحثون عن نشاطات أخرى لتمضية أوقات فراغهم.
تجمع الدراسات على أن الأطفال الذين يشاهدون القنوات الفضائية لأوقات غير محدودة ودون تمييز لما يشاهدون كالبرامج التي دار حولها جدل ولغط كبيرين مثل: برامج تلفزيون الواقع وستار أكاديمي وسوبر وستار وأشباهها مضافا إليها برامج الكاميرا الخفية والأغاني المصورة ذات المضمون الهابط والخادشة للحياء التي أصبحت قاسما مشتركا بين جميع القنوات الفضائية دون استثناء العربية والغربية منها على السواء، يطورون مجموعة من السلوكات والتصرفات الغريبة منها على سبيل المثال لا الحصر: الأنانية وعدم التعاون مع الآخرين، وعدم الإحساس بمشاعر الآخرين بل وازدرائهم وعدم احترامهم، والتقليد الأعمى في الملبس والمأكل والمشرب وفي موديلات الشعر وفي المشية وفي أسلوب الحديث مع الآخرين، وتطوير نمط حياة استهلاكي وقتل روح الإنتاج والإبداع لديهم، والسلبية وعدم الاكتراث بما يدور حولهم.
اكتشفت دراسة حديثة (2004) في أمريكا أن الأطفال الصغار جدا، في السنة الثانية من أعمارهم، الذين يشاهدون التلفزيون لمدة 3 إلى5 ساعات يوميا يواجهون احتمالا بمشاكل نقص الانتباه مع بلوغهم سن الذهاب إلى المدرسة. ويفهم من ذلك أن التلفزيون يهدد الدماغ ويعيد تشكيله. وتعزز هذه الدراسة أبحاثا سابقة أظهرت أن مشاهدة التلفزيون يقصر أمد الانتباه وتوصي بعدم السماح للأطفال دون سن الثانية بمشاهدة التلفزيون.
الآثار الإيجابية
إن القنوات الفضائية شأنها شأن الوسائل الإعلامية الأخرى تؤثر في مفاهيم وتصورات وطموحات الأطفال مما تجعل بعضهم، على الأقل، معرضين لقيم وممارسات تعزز الاستقلال في الرأي، والرغبة في الحوار، والميل إلى التفكير النقدي، وانتهاز فرص التعلم الذاتي مما يجبر الكبار على الحوار والتعامل معهم كمتلقين إيجابيين.
لا يمكن هنا إنكار دور القنوات الفضائية في التطوير المعرفي للأطفال وتعليمهم وتوسيع مداركهم. فالفضائيات تقدم معلومات جاهزة ومحددة في إطار يساعد على تنمية الخيال والابتكار لدى الأطفال. يوجد قنوات فضائية جادة ورصينة تبث برامج مخصصة للأطفال تساهم في رفع مستواهم الثقافي والعلمي. فهل نتصور أمام هذه الفضائيات أن ييقى الأطفال كما كان عليه حال آبائهم وأجدادهم مع الكم المعرفي الهائل الذي يقدم من خلال القنوات الفضائية؟ يستطيع الأطفال اختيار ما هو مناسب إذا اضطلع البيت والمدرسة بمسؤولياتهما في هذا الإطار.
أشارت بعض الدراسات في السعودية إلى أن مشاهدة القنوات الفضائية المحسوبة تزيد من قدرة الأطفال على الاستيعاب والتذكر وذلك لاعتمادها على حاستي السمع والبصر ولجاذبيتها في الحركة والصورة. وكذلك تتيح القنوات الفضائية لبعض الأطفال حرية الاختيار وتعلمهم حس الرقابة الذاتية عند غياب الرقابة الأسرية مما يعطيهم الإحساس بالاستقلالية والأمان والقدرة على اتخاذ القرار. وأشارت نفس الدراسات إلى أن بعض البرامج والمسلسلات تنقل الطفل من عالمه الواقعي إلى عالم خيالي يتقمص فيه إحدى شخصياته المفضلة التي يمكن أن يقتدي بها ويتعلم منها.
التعامل مع القنوات الفضائية
وللحد من الآثار السلبية للقنوات الفضائية، هناك الكثير يمكن عمله من قبل المدرسة والمسجد والمنتديات الاجتماعية والثقافية والبيت في نشر الوعي حول دور القنوات الفضائية وكيفية الاستفادة منها والتقليل من آثارها السلبية على الأطفال. وفي هذا المقام نحن معنيون بتقديم بعض الاقتراحات للآباء والأمهات كي تكون مشاهدة القنوات الفضائية ممتعة ومفيدة قدر الإمكان. بعض الاقتراحات هي:
على الآباء أن يقوموا بترشيد مشاهدة القنوات الفضائية وذلك بوضع قوانين محددة لمشاهدة التلفزيون مثل تحديد نوعية البرامج التي يمكن للأطفال مشاهدتها وتحديد عدد الساعات المخصصة في اليوم لمشاهدة التلفزيون.
على الآباء أن يشجعوا مشاهدة البرامج التي تتضمن شخصيات إيجابية التي تصلح لأن تكون قدوة في التعامل مع العادات الجيدة والأخلاق الحسنة. ويستطيع الآباء الدخول في نقاش مع أطفالهم حول هذه البرامج والإجابة على أسئلتهم.
حتى لا يتحول التلفزيون إلى جليسة أطفال، على الآباء أن يحثوا أطفالهم على ممارسة نشاطات أخرى غير مشاهدة التلفزيون والتي تنمي الإبداع مثل القراءة والرسم والرياضة واللعب الإبداعي والموسيقى. وعلى الآباء أن يبدأوا بأنفسهم أولا كي يكونوا مثالا يحتذى بهم فيلجأوا إلى ممارسة نشاطات أخرى غير الجلوس والتحكم عن بعد والتنقل بين القنوات الفضائية. فليشاركوا أبناءهم في الرياضة والألعاب المختلفة
يمكن للأسرة كلها أن تختار الوقت المناسب لمشاهدة برامج بعينها مع الأطفال كي تتم الإجابة على أسئلتهم وتزويدهم بمعلومات إضافية عند الحاجة مما يزيد من فرص التعلم والمتعة ويزيد من الألفة والترابط بين أفراد الأسرة الواحدة.
يجب تعليم الأطفال على أن يكونوا مشاهدين ناقدين ومساعدتهم على التمييز بين ما هو خيال وما هو واقع لأن الطفل في مرحلة ما قبل التجريد في نظر (جان بياجيه) لا يقدر على التفكير المنطقي فقد يواجه صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال. وكذلك تجب مساعدتهم على التمييز ما بين هو تافه من البرامج العديدة التي تبث على مدار الساعة في القنوات الفضائية وما هو ذو قيمة منها.
بديل التلفزيون
قد يلجأ البعض إلى حلول أخرى غير التي ذكرت آنفا. فمثلا قد يرى في حرمان الأطفال من مشاهدة التلفزيون أو يقرر ألاّ يقتني جهاز التلفزيون في البيت انطلاقا من قناعات دينية أو تربوية ترى في وجود التلفزيون مفسدة وأي مفسدة ووجوده في البيت حرام أو أن يكون عائقا أمام تربيته في البيئة المحيطة. ولكن قبل اتخاذ مثل هذا القرار وقبل أن يضطر للتراجع عنه فيما بعد، ندعو مثل هؤلاء إلى التفكير مليا فيما يلي:
قبل أن تحرم أطفالك من مشاهدة التلفزيون، عليك أن تكون القدوة الحسنة لهم فلا يجوز لك أن تشاهد ما تريد وتحرمهم من ذلك. وأن تسمح لهم بمشاهدة النشرات الإخبارية مثلا. مع العلم أن الأخبار فيها ما فيها من أخبار الحروب والنزاعات والسرقات والحوادث والكوارث الحقيقية وما إلى ذلك التي سيكون أثرها عليهم أكبر وأعمق من البرامج الأخرى لأنها أكثر واقعية.
عندما تحرم أطفالك من مشاهدة القنوات الفضائية، عليك أن توفر البدائل للأطفال والبيئة المناسبة للنمو الاجتماعي والعاطفي والعقلي. لأنه مهما كانت كمية ونوعية المعرفة المكتسبة من المدرسة تظل قاصرة عن توفير التنمية العقلية والنفسية والاجتماعية التي يحتاجها الطفل في مختلف مراحل تطوره. فعليهم أن يردموا الهوة المعرفية التي لا تتيحها المدرسة بتوفير الوسائل والألعاب التي تعلم المهارات الاجتماعية والإبداعية. وعليهم أن يوفروا الوقت والاستعداد لملازمتهم ومواكبتهم في تعلمهم وتزويدهم بالمعارف والمعلومات التي يفتقدونها نتيجة حرمانهم من مشاهدة التلفزيون. ولكن هيهات أن يستطيعوا ذلك!
وباختصار شديد، إن التلفزيون بقنواته الفضائية نعمة ونقمة. وأن القنوات الفضائية ليست شرا مطلقا ولا خيرا مطلقا. يمكن للمدرسة والبيت والمجتمع بأكمله أن يجعلوا مشاهدة التلفزيون والقنوات الفضائية أكثر متعة وفائدة إذا انخرط الجميع في تحمل مسؤولياتهم.
(( منقول ))