القوبع العضياني
03-15-2007, 07:50 PM
بعض الناس يعرفون حدودهم جيدًا وبعضهم الآخر يتجاهلون لكنهم يعلمون أنهم مخطئون (لكنهم لا يبالون) وبعضهم يخطئ ولا يعلم، فيحتاج أن يتعلم. لكن الأدهى والأمر هو أن تهتز المفاهيم في عقل بعض الناس ليصبح الخطأ هو الصواب والعكس بالعكس، فهذه الاختلاطات في الامور تحتاج إلى وقفة بل إلى وقفات، ولنبدأ من البداية.
في الزمان الماضي وهو ليس ببعيد عندما كانت المدن صغيرة والشوارع ضيقة، والجيران يعرفون بعضهم جيدًا بل يتزاورون ويتطاعمون أيضًا، أي يرسل كل بيت إلى الجيران مما طبخ ذلك اليوم. وكان الأطفال يتعلمون مبادئ السلوك الجيد في المنزل أولاً وفي الشارع ثانيًا ولا يأنف أحد من الكبار أن يوجه من أخطأ في الشارع بحب ويتقبل الاثنان الموقف من فعل ورد فعل. بمعنى آخر؛ إذا أخطأ طفل في الشارع وأصر على اللعب في الشارع، وجهه من هو أكبر منه ولم يهز كتفيه ويقول أنا مالي (ثم يلعن الدنيا ويلوم جيل هذه الأيام) كلا بل يشارك في الإصلاح. وكذلك الطفل يقبل التوجيه ولا يهز رأسه قائلاً (وأنت ايش دخلك)، وهكذا كانت تسير الحياة، والكل يتعلم من الآخر متطبعين بالأدب والاحترام والتقدير للكبير وللمجتمع وللشارع، فالشارع له الكثير من الحقوق التي تغيرت (أقصد الغبار الذي يخفي المعدن الأصيل) بفعل نمط الحياة السريع ومشاغل الناس وبعد الأهل عن أبنائهم، لن أفرط ولا أبالغ في بعض الأمثلة السيئة في عالمنا العربي... لماذا؟ لكي ننظر ونصلح ما يمكن إصلاحه ونعود إلى ما كنا عليه أو بعضه، عسى ولعل، أن يتعلم الجميع احترام الشارع.
سمعت بعض الإخوان يذكر موقفًا جعلني أرفع حاجبي دهشة لما وصلنا إليه، يقول إن أحد الشباب كان يسير مع زميل له مشعلاً سيجارة وما زال يأخذ مصروفه من والده ثم قابل أستاذًا له وجهًا لوجه. دعونا نعد قليلاً إلى زماننا البسيط ماذا كنا سنفعل في ذلك الموقف؟ لا أبالغ إن قلت إن الكثير منا عندما يرى أستاذًا له يحاول أن يسلك طريقًا آخر حتى لا يلحظه وإن اضطر أصلح من هندامه ثم سلم على أستاذه باحترام ثم يسرع الخطى، ودون سيجارة طبعًا. تعالوا نعد إلى الموقف الآخر في هذه الأيام ذاك الأستاذ عندما رأى تلميذه المدخن أبت عليه نفسه إلا أن يوجهه بكل حب فضرب على كتفيه قائلاً يا بني... لكنه لم يكمل فقد فاجأه الولد قائلاً بعصبية (أنت قد المسكة دي يابوي) ضحك المدرس، لكنه ضحك أشبه ما يكون بالبكاء وانصرف لحال سبيله.
موقف آخر! اثنان من الشباب الذين يهتمون بالثوب المكوي والشماخ المنشي (وذاك شيء جيد) تقابلا في الشارع، شارع فرعي صغير، أحدهما في سيارته والآخر راجلاً يتحدثان، وخذ من تلك السواليف، إلى أن جاء رجل بسيارته (وهو بالمناسبة من حدثني فالموقف أمامكم كما ذكر) متجهًا إلى موعد ما فوجد الشابين قد سدا الطريق، توقف الرجل ونظر إليهما لعلهما يفسحان الطريق لكنهما لم يباليا، وبعد فترة أطلق منبه سيارته منبهًا بشكل مؤدب لكنهما لم يستجيبا وكأنهما قد تملكا الشارع دون صك، فقال لنفسه لعلهما يتحدثان في موضوع مهم وخطير من موضوعات هذه الأيام، عن الفضائيات والجوالات والإنترنتات.
فأطلق بوق سيارته بصوت أعلى قليلاً... وفجأة ترك ذاك الشاب صديقه متوجهًا إلى صاحبنا قائلاً له: عسى ما شر؟! فرد الرجل لا، أبدًا.. لدي موعد ولست مستعجلاً كثيرًا وأستطيع الانتظار بعض دقائق أخرى إذا لم ينته حديثكما بعد، فضحك الفتى. (لحسن الحظ) ما زال لديه شيء من الحياء ثم أفسح الطريق.
أما الموقف الثالث، فكثيرًا ما يتكرر في الشارع.
وهو أن كثيرًا من الناس يوقفون سياراتهم بوضع غير مناسب من مبدأ (فراشة لا تبالي...) وكم من الخلافات نشبت بين الناس على المواقف في الأمكنة المزدحمة في الشوارع، لكن الموقف هنا مختلف، فالمكان هو أحد المستشفيات الكبرى، جاء الطبيب ليوقف سيارته في موقفه الخاص لكنه وجد موقفه مشغولاً بسيارة أخرى والسيارة غريبة عن المكان لأنها دون ملصق (ستيكر) فماذا يفعل؟ هل يتصل برجال الأمن (ليكلبشوا) السيارة أم يبحثوا عن سبب الدخول وكيفيته لهذه السيارة إلى مرآب السيارات المحكم أو المفترض فيه الانضباط. لكنه لم يرد أن يصعد الموقف، وافترض حسن النية وأن الخطأ ممكن حدوثه، فأوقف سيارته خلف السيارة المخطئة لو جاز التعبير بما سمح له المكان أو كأنه أراد أن يقفل الطريق على خروج السيارة، حتى يتعرف إلى صاحبها، المهم عاد في المساء ليركب سيارته متجهًا إلى منزله لكن لفت نظره وجود ورقة تحت مساحة السيارة، موجهة من المخطئ الأول، وهي بالنص الحرفي (هالحين من قل المواقف. والله لو ما اللي في بيتك من بزران، كان عرفت أخليك توقف زين يالذكي، ومرة ثانية خلك مؤدب حيل يالشاطر) انتهت!
ما لفت نظري ودعاني إلى كتابة هذا المقال هو اختلال الموازين لدى بعض الشباب وطريقة الحكم على بعض الأمور، فقد تداعت بشكل لافت للنظر إلى درجة أن الزاوية قد مالت إلى 180 درجة ولم يعوا أو يميزوا بين الخطأ والصواب. عافانا الله وعافاكم وأصلح شبابنا.
ملاحظة عابرة: أعتقد لو أن خطباء المساجد وجهوا الشباب إلى أهمية الشارع وحقوقه بشكل غير تقليدي، أي ليس بطريقة إلقاء الأوامر، بل جعل المتلقي يستنبط النتيجة والتوصية بشكل جميل، بعد ذكر مواقف مشابهة وكيفية التعامل معها، وجعل المقارنة الحسنة بين الأجيال السابقة... لأصلحنا الكثير.
في الزمان الماضي وهو ليس ببعيد عندما كانت المدن صغيرة والشوارع ضيقة، والجيران يعرفون بعضهم جيدًا بل يتزاورون ويتطاعمون أيضًا، أي يرسل كل بيت إلى الجيران مما طبخ ذلك اليوم. وكان الأطفال يتعلمون مبادئ السلوك الجيد في المنزل أولاً وفي الشارع ثانيًا ولا يأنف أحد من الكبار أن يوجه من أخطأ في الشارع بحب ويتقبل الاثنان الموقف من فعل ورد فعل. بمعنى آخر؛ إذا أخطأ طفل في الشارع وأصر على اللعب في الشارع، وجهه من هو أكبر منه ولم يهز كتفيه ويقول أنا مالي (ثم يلعن الدنيا ويلوم جيل هذه الأيام) كلا بل يشارك في الإصلاح. وكذلك الطفل يقبل التوجيه ولا يهز رأسه قائلاً (وأنت ايش دخلك)، وهكذا كانت تسير الحياة، والكل يتعلم من الآخر متطبعين بالأدب والاحترام والتقدير للكبير وللمجتمع وللشارع، فالشارع له الكثير من الحقوق التي تغيرت (أقصد الغبار الذي يخفي المعدن الأصيل) بفعل نمط الحياة السريع ومشاغل الناس وبعد الأهل عن أبنائهم، لن أفرط ولا أبالغ في بعض الأمثلة السيئة في عالمنا العربي... لماذا؟ لكي ننظر ونصلح ما يمكن إصلاحه ونعود إلى ما كنا عليه أو بعضه، عسى ولعل، أن يتعلم الجميع احترام الشارع.
سمعت بعض الإخوان يذكر موقفًا جعلني أرفع حاجبي دهشة لما وصلنا إليه، يقول إن أحد الشباب كان يسير مع زميل له مشعلاً سيجارة وما زال يأخذ مصروفه من والده ثم قابل أستاذًا له وجهًا لوجه. دعونا نعد قليلاً إلى زماننا البسيط ماذا كنا سنفعل في ذلك الموقف؟ لا أبالغ إن قلت إن الكثير منا عندما يرى أستاذًا له يحاول أن يسلك طريقًا آخر حتى لا يلحظه وإن اضطر أصلح من هندامه ثم سلم على أستاذه باحترام ثم يسرع الخطى، ودون سيجارة طبعًا. تعالوا نعد إلى الموقف الآخر في هذه الأيام ذاك الأستاذ عندما رأى تلميذه المدخن أبت عليه نفسه إلا أن يوجهه بكل حب فضرب على كتفيه قائلاً يا بني... لكنه لم يكمل فقد فاجأه الولد قائلاً بعصبية (أنت قد المسكة دي يابوي) ضحك المدرس، لكنه ضحك أشبه ما يكون بالبكاء وانصرف لحال سبيله.
موقف آخر! اثنان من الشباب الذين يهتمون بالثوب المكوي والشماخ المنشي (وذاك شيء جيد) تقابلا في الشارع، شارع فرعي صغير، أحدهما في سيارته والآخر راجلاً يتحدثان، وخذ من تلك السواليف، إلى أن جاء رجل بسيارته (وهو بالمناسبة من حدثني فالموقف أمامكم كما ذكر) متجهًا إلى موعد ما فوجد الشابين قد سدا الطريق، توقف الرجل ونظر إليهما لعلهما يفسحان الطريق لكنهما لم يباليا، وبعد فترة أطلق منبه سيارته منبهًا بشكل مؤدب لكنهما لم يستجيبا وكأنهما قد تملكا الشارع دون صك، فقال لنفسه لعلهما يتحدثان في موضوع مهم وخطير من موضوعات هذه الأيام، عن الفضائيات والجوالات والإنترنتات.
فأطلق بوق سيارته بصوت أعلى قليلاً... وفجأة ترك ذاك الشاب صديقه متوجهًا إلى صاحبنا قائلاً له: عسى ما شر؟! فرد الرجل لا، أبدًا.. لدي موعد ولست مستعجلاً كثيرًا وأستطيع الانتظار بعض دقائق أخرى إذا لم ينته حديثكما بعد، فضحك الفتى. (لحسن الحظ) ما زال لديه شيء من الحياء ثم أفسح الطريق.
أما الموقف الثالث، فكثيرًا ما يتكرر في الشارع.
وهو أن كثيرًا من الناس يوقفون سياراتهم بوضع غير مناسب من مبدأ (فراشة لا تبالي...) وكم من الخلافات نشبت بين الناس على المواقف في الأمكنة المزدحمة في الشوارع، لكن الموقف هنا مختلف، فالمكان هو أحد المستشفيات الكبرى، جاء الطبيب ليوقف سيارته في موقفه الخاص لكنه وجد موقفه مشغولاً بسيارة أخرى والسيارة غريبة عن المكان لأنها دون ملصق (ستيكر) فماذا يفعل؟ هل يتصل برجال الأمن (ليكلبشوا) السيارة أم يبحثوا عن سبب الدخول وكيفيته لهذه السيارة إلى مرآب السيارات المحكم أو المفترض فيه الانضباط. لكنه لم يرد أن يصعد الموقف، وافترض حسن النية وأن الخطأ ممكن حدوثه، فأوقف سيارته خلف السيارة المخطئة لو جاز التعبير بما سمح له المكان أو كأنه أراد أن يقفل الطريق على خروج السيارة، حتى يتعرف إلى صاحبها، المهم عاد في المساء ليركب سيارته متجهًا إلى منزله لكن لفت نظره وجود ورقة تحت مساحة السيارة، موجهة من المخطئ الأول، وهي بالنص الحرفي (هالحين من قل المواقف. والله لو ما اللي في بيتك من بزران، كان عرفت أخليك توقف زين يالذكي، ومرة ثانية خلك مؤدب حيل يالشاطر) انتهت!
ما لفت نظري ودعاني إلى كتابة هذا المقال هو اختلال الموازين لدى بعض الشباب وطريقة الحكم على بعض الأمور، فقد تداعت بشكل لافت للنظر إلى درجة أن الزاوية قد مالت إلى 180 درجة ولم يعوا أو يميزوا بين الخطأ والصواب. عافانا الله وعافاكم وأصلح شبابنا.
ملاحظة عابرة: أعتقد لو أن خطباء المساجد وجهوا الشباب إلى أهمية الشارع وحقوقه بشكل غير تقليدي، أي ليس بطريقة إلقاء الأوامر، بل جعل المتلقي يستنبط النتيجة والتوصية بشكل جميل، بعد ذكر مواقف مشابهة وكيفية التعامل معها، وجعل المقارنة الحسنة بين الأجيال السابقة... لأصلحنا الكثير.