أصالةعتيبة
03-09-2007, 01:03 AM
أبو ذر الطائفي ـ سمير الثبيتي العتيبي
عرفته الشيشان بأبي ذر الطائفي، عرفته قائداً شهماً شجاعاً أبياً صاحب خصال كريمة، عرفته فأحبته فاحتضنته، و جربته فقربته، فعانقته. إن أرض الشيشان لتفخر أن في قلبها أمثاله، و إن تربتها لتزهو طربا حين تضم أشكاله، ألا .فسلوا عنه ثلوج البلقان، وسلوا عنه أودية الأفغان وسلوا عنه جبال الشيشان
استمع أخي / فلقد آن الأوان لخط البيان، و تفيض الأشجان فتسطر الكلمات، وتسكب العبرات.
أخي القارئ / إنني لست بالذي أطربه، أو أمدحه بما ليس فيه، فلو أنك عرفته ما لمتني على ما أقول، فإليك صفحات من حياته، ودرراً من كلماته لعل الله أن يوقظ بها قلوباً غافلة، ويصلح بها عقولاً عاطلة فتهب إلى الجهاد و تذود عن البلاد وتنقذ العباد من السفلة الأوغاد من الروس أهل الإلحاد، أو اليهود أهل الإفساد، و غيرهم من أهل الكفر و العناد .
بدأ الشهيد (أبو ذر) مسيرته في طرق الجهاد على أرض البوسنة والهرسك حيث ذهب إلى هناك، ذهب إلى هناك وهو في العشرين من عمره تقريبا وكان ذهابه إلى البوسنة حين سمع عن مآسي المسلمين هناك، فأعد العدة واستعد وغدا إلى أرض البلقان، وفي الطريق حصلت له بعض العقبات ولكن الله يسر له دربه، وسهل أمره ليصنعه صناعة الرجال الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم – كما نحسبه .
و حين وصوله إلى كتيبة المجاهدين، عرفه الأمراء و أحبوه، و رأوا فيه صفات القادة، فلقد كان رحمه الله مفرطاً في .الشجاعة، لا تكاد ترى له مثيلاً ويصعب أن تجد له بديلاً
.و مع ذلك فقد كان مجتهداً في العبادة فكان يصوم صيام داود يصوم يوما و يفطر يوما
إن (أبا ذر) كان نادرة من النوادر فلقد كان ذا همة عالية لا يطيق الجلوس دون عمل، كثير الحركة في خدمة الدين و هو يتحلى مع هذا بالرحمة واللين مع إخوانه المؤمنين، المهم أنه كان جاداً في أمر الجهاد وحريصاً على خدمة الإسلام فلقد كان يصحو وينام ، و همه كيف ينصر الإسلام؟ وكيف يعيد صرح أمة محمد عليه الصلاة و السلام؟ و كيف يحيي مجد الإسلام مرة أخرى؟
فيالها من همة عالية، و يلها من أمنية غالية، قلما تجدها عند كثير من الشباب المسلم الذي إلتهى كثير منهم عن الجهاد بملذات .الدنيا و شهوتها
.انشرح صدر الشهيد لذلك الجهاد المبارك فقام فيه بدور فعال، كما هي حاله في جميع ساحات الجهاد التي شارك فيها
.كان أبو ذر حين إذ أحد القياديين في الجهاد هناك رغم أنها كانت أول تجربة جهادية له
إلا أنه كان مباركاً كالمطر أينما حل نفع – بإذن الله – وكان الشهيد متعلق شديد التعلق بمدربه (أبي ثابت المصري) رحمه الله الذي كان من أفذاذ ونوادر قادة المجاهدين في البوسنة والذي استشهد فيها بعد أن صال وجال، و أكثر في أعداء الله من .القتل و النكال، ثم التحق بجوار ربه الكبير المتعال
كان (أبو ذر) حريصاً على التعلم و الإستفادة من الأمور العسكرية و القتال حتى أنه كان مضرب مثل في الحرص على ذلك، فكان لا يترك شاردة ولا واردة إلا وتجد عنده فيها معرفة، و خاصة في المدفعية كما هو الحال عند استاذه (أبي ثابت) فهذا .الشبل من ذاك الأسد فأبو ثابت ملك المدفعية في البلقان، و أبو ذر ملك المدفعية في الشيشان
لقد كان أبو ذر –رحمه الله – يبقى الشهور الطويلة في الجبهة هناك في البوسنة لا يرجع منه إلى الخط الخلفي حتى إنه بقي مرة ثمانية أشهر لم ينزل من خط النار الأول، كل هذا وهو يعمل في الترصد على العدو و الهجوم عليهم والرباط في الخنادق و سد الثغورحتى تولى إمارة الجبهة كاملة وهو لا يزال في الجبهة، وهذا بعض ما قام به ذلك الصقر أبوذر الطائفي في البوسنة و الهرسك وما خفي كان أعظم .
أبا ذر رحمك الله من مجاهد جاد بنفسه لله تعالى - نحسبك كذلك والله حسيـبك – عرفتك أرض البوسنة أسداً هصوراً وفتىً متقداً حماسة وفداءً فكنت نعم المجاهد الذي يصبر على المرابطة على خط النار . لقد كان إخوانك ينزلون من الجبهة إلى الخطوط الخلفية يستريحون فيها وكنت تأبى ذلك رغبة في لقاء العدو ، وهمة وحماسة لدين الله تعالى .
لقد كان اضطهاد الصرب للمسلمين وانتهاكهم لحرماتهم يؤرقك حتى لم تجد مكاناً يصلح فيه حالك إلا في أرض النكاية بالعدو وشفاء صدور المؤمنين والذب عن حرماتهم(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم).
تلك صفحة مشرقة من حياة الشهيد في البوسنة، وإليك صفحة مضيئة أخرى من صفحات حياته العامرة بالبطولة والفداء، فبعد أن انتهى الجهاد في البوسنة ونصر الله عباده المؤمنين قام أبو ذر رحمه الله بدور آخر لنصرة الإسلام، فأبى الركون إلى الدنيا وأحب أن يكمل استفادته من أرض الجهاد وأن يتم مسيرة الإعداد، فشد رحاله واتجه إلى أفغانستان ليتدرب فيها ويعد نفسه امتثالا لقول الله تعالى: (وَأَعِدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم) بقي الشهيد في أفغانستان فترة طويلة تقارب عام ونصف، كل همه في ذلك نصرة الدين، ولأجل أن ينال الثمرة في العلم العسكري؛ فترتوي منه أرض الجهاد إذا وطئها ولكي ينفع إخوانه المجاهدين.
وبالفعل فلقد استفاد الشهيد أبو ذر –رحمه الله- من الفترة التي قضها في أفغانستان فكلن لا يشغل نفسه إلا بما ينفعه، ولا يضيع وقته بما لا ينفعه، حتى أصبح كادرا لا يستغني عنه في أرض الجهاد.
أضف إلى ذلك ما كان يتحلى به من الشجاعة و الإقدام والكرم والجود وكان معروف بذلك .
وكان مطيعا لأمرائه محبا لهم، فلا يؤمر بأمر إلا وتجده يمتثله، وقد عرف بالصلاح والتقوى وخشية الله كما نحسبه وكان إذا وعضه أحد نظر إلى السماء وفاضت عيناه بالدموع من خشية الله تعالى.
وبعد أن قضى أبو ذر هذه الفترة في أفغانستان واستفاد فائدة عظمى بداء يتطلع في أنحاء الأرض ليرى مكانا تقام فيه شعيرة الجهاد في سبيل الله، أو يجد مكان ينصر في دين الله ، وفي أثناء تطلعه وشوقه إلى أرض الجهاد ظهرت بوادر العدوان الصربي على بلاد كسوفا المسلمة و على أهلها فتاقت نفسه للذهاب وعزم على ملاقاة أعداء الله ليسومهم سوء العذاب –بإذن الله- في كرة أخرى فبعد أن أنكى بهم مع إخوانه في البوسنة سعى مرة ثانية لينال من أعداء الله، ويرد كيدهم بعون الله.
وكما عرفتك أرض البوسنة عرفتك أرض كوسوفا حيث قل الناصر فنفرت بنفسك نصرة لإخوانك ومع صعوبة الدخول إلى أرض العدو إلا أنك أصررت على ذلك وصبرت حتى تحقق لك ما تريد من نصرة المؤمنين، فكنت الوحيد من المجاهدين من غير أهل البلد بل الوحيد من الأنصار الذين ناصروا المسلمين هناك ولم يدخل أحد المنطقة من الأنصار سواه فرحمه الله – فكانت فضيلة من فضائله التي من الله بها عليه، ودخلت مع جيش التحرير لتكون مدرباً لهم ولكنهم لم يأبهوا لشاب صغير فماذا عسى أن يقدم ؟! .
ولما خبروك في المعارك عرفوك فارساً مقداماً وعالماً بالحرب وفنونها ولوك عليهم أميراً في قيادة المعارك والعمليات القتالية، وعلموا حاجتهم لأن يتتلمذوا على يديك فيذيقوا الصرب أشد أنواع النكال ، إن الصرب لم يصابوا بقتالك لهم فقط بل كان مصابهم بتدريبك للأعداد الكثيرة ودعوتك لهم إلى الاستقامة ومعرفة أهداف الجهاد أعظم نكاية للأعداء حاضراً ومستقبلاً .
ولما علمت قوات التحالف التي جاءت لنصرة المسلمين في كوسوفا ، زعموا !! لما علموا بوجودك طالبوا بتسليمك من قبل جيش التحرير الذي أنكروا وجودك لديهم فلما كثرت عليهم الضغوط طلبوا منك الخروج آسفين على ذهابك ، فخرجت ولكن إلى أين ؟ خرجت إلى أرض أخرى تنصر فيها دين الله تعالى .
لقد كان لوجوده –رحمه الله- بين الكسوفيين أثر كبير في نفوسهم فكان مثلاً لهم في العبادة و الجهاد و الدعوة إلى الله،حتى إنه لما أراد الخروج بكى عليه أهل كوسوفا حزناً وحق لهم أن يحزنوا لمثل هذا الرجل و لم يمض على ذلك وقت طويل حتى سمع بالجهاد في الشيشان فلم يلبث حتى انتقل إليها – ليصدق فيه إن شاء الله قول النبي صلى الله عليه وسلم : "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها يبتغي الموت أو القتل مضانة" رواه مسلم .
لقد حاولت الدخول مراراً إلى أرض الشيشان فمنعت وحبست ولكنك لم تجد لك في ذلك عذراً بل كررت المحاولات وتحملت ما يصيبك في سبيلها لماذا ...؟! لأنك كما كنت لا تهنأ بنوم وتلذ بعيش وأنت تسمع صرخات أخواتـك في الشيـشان وهم يحتاجون إلى مشاركتك . عجباً والله فلقد كنت تحمل قلباً كبيراً امتلأ بموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين .
وحين قدم إلى أرض الشيشان فرح به أمراء المجاهدين في الشيشان لما علموا منه الجد و الاجتهاد وسعة العلم والمعرفة في أمور الجهاد فنفع الله به نفعا عظيما، وذاق الكفار منه عذابا أليما، فلطالما اشتكى الروس من قذائف الهاون التي كان يرسلها عليهم أبو ذر الطائفي كالصواعق فيرديهم قتلى وجرحى وكان إذا أصاب هدفه قال: الحمد لله وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .
لقد كان لأبي ذر أثر عظيم وطيب في الجهاد في الشيشان وكانت له مواقف مشرفة، فلنعم الأمير كان، ولنعم القائد الشجاع ، وكما كان أبو ذر قدوة في أفعاله فلقد كانت له درر من أقواله بمثالها يحتذى فخذ طرفا منها: كان رحمه الله يقول: يجب على كل من أراد الجهاد أن يعد نفسه إعداداً جيداً قبل الجهاد ليكون عضواً فعالا على أرض الجهاد ولكي لا يكون عالة على إخوانه، ولكي يكون أنكى على الأعداء .
وكان من دعائه أنه كان يقول : إن كان الله يعلم أنني إن بقيت فسوف أنفع دينه فأسأل الله أن يبقيني، وأما إن علم أنني سأركن إلى الدنيا فأسأل الله أن يرزقني الشهادة عاجلاً غير آجل . وقال مرة عهد علي إن بقيت بعد الجهاد أن أدرس جبال الشيشان كلها و غير ذلك من الكلمات الطيبة المشرفة التي جادت بها روح الشهيد … رحمه الله .
يوم الرفعة واللقاء
لقد نفذت حديث النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم…" فعلياً وعملياً وشعورياً .
يا ترى كم هم الذين يحملون هذه الروح من المسلمين ؟ بل كيف يكون الشأن لو كان10% بل1% من المسلمين يحملون هذا الشعور بل هل يحمل العلماء والدعاة والمصلحون في الأمة هذا الشعور الذي حمله قلب هذا الشاب ؟
أبو ذر ذلك الشاب المتوقد حماسة المتفجر غيرة الذي امتلأ شعوراً بالجسد الواحد فلم يقر له قرار ولم يهدأ له بال وإخوانه المسلمون مضطهدون بأيدي الأعداء وأخواته المسلمات المحصنات يغتصبن على يدي علوج الروم ، كان يقول : إن صراخ النساء وعويل الثكالى في الشيشان أقلقني و أطار نومي ..! نعم لقد رخصت نفسه عليه في ذات الله تعالى فحملها يعرضها على الله في أسواق الجهاد التي قامت ، عرضها في البوسنـة فلم يكتب لها نصيب وعرضها في كوسوفا وكذلك ، ثم عرضها في الشيشان ومازال بها حتى جاءها القبول وربح البيع أبا ذر إن شاء الله .
أبو ذر رحمك الله لقد مضيت وتركت في حلوقنا غصة وفي قلوبنا حرقة وفي عيوننا دموعاً حرى .
أبو ذر لقد عرفتك أرض البوسنة أسداً هصوراً وفتىً مضحياً ورجلاً مقداماً وعرفتك حتى كوسوفا رجلاً غريباً فريداً يثب على الموت كلما سمع فزعة أو هيعة طار إليها يبتغي القتل مظانه . حتى طالب بك حلف الأطلسي الذي جاء لنصرة الكوسوفيين زعموا !! لكنهم رأوا مثل ما أخبر به ربنا جل وعلا (ترهبون به عدو الله وعدوكم) فوالله لقد كان الصرب أعداء الله وكذا كان الأمريكان فخافوك جميعاً .
ثم لم تكتف بهذا كله لأنك قد بعت ولا تريد أن ترجع في البيع ، ولأنك عرفت الطريق فلزمته ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة …) ولم يوهن عزيمتك ويضعف إصرارك أن ردوك من على حدود الشيشان عدة مرات ولم تر مثل ذلك عذراً عن الجهاد ونصرة إخوانك في الشيشان لأنه قد تربع في قلبك وأخذ موضع تصحيح فؤادك .
وفي يوم الثلاثاء في الرابع و العشرين من شهر ربيع الأول عام 1421 هـ قام الشهيد بتفقد رعيته صباحا حيث كان بوما مطيرا فاطمئن لحالهم ثم خرج يستكشف المكان كما عرف من حاله في الترصد والحركة و النشاط وفي الطريق وجد لغما كانت قد زرعته أيد آثمة من أيادي الكافرين فأمر أصحابه بالابتعاد ثم بدأ بإزالتهو في أثناء ذلك شاء الله أن يرفعه و يكرمه بالشهادة بإذن الله – التي طالما تمنها، فثار اللغم المشرك وانفجر، وصار الأمر واستقر، وطار الشهيد أن شاء الله إلى خير مستقر (إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر)
شاهد عيان
ومما يكرم الله به عباده المؤمنين وأولياءه الصالحين ما يكون لهم من الكرامات التي يؤمن بها أهل السنة و الجماعة دون إفراط ولا تفريط، فلقد كان لذلك الشهيد كرامة شهدها أحد الاخوة الأنصار الثقات وشهد بها، حيث أقسم الأخ أن الليلة التي دفن فيها أبو ذر –رحمه الله- رأى القبر في أثناء حراسته بالليل وقد خرج منه نور ارتفع إلى السماء فبدأ الأخ يكبر وهو مذهول من ذلك المنظر العجيب، وما ذلك على الله بعزيز فرحمة الله عليك يا أبا ذر – نسأل الله أن يرفعك في الفردوس الأعلى وأن يحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين وحسن أولئك رفيقا، وما نرى لأبي ذر مثلا إلا قول الله وهو أحسن القائلين (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) نحسبه كذلك ولا نزكي على الله .
عرفته الشيشان بأبي ذر الطائفي، عرفته قائداً شهماً شجاعاً أبياً صاحب خصال كريمة، عرفته فأحبته فاحتضنته، و جربته فقربته، فعانقته. إن أرض الشيشان لتفخر أن في قلبها أمثاله، و إن تربتها لتزهو طربا حين تضم أشكاله، ألا .فسلوا عنه ثلوج البلقان، وسلوا عنه أودية الأفغان وسلوا عنه جبال الشيشان
استمع أخي / فلقد آن الأوان لخط البيان، و تفيض الأشجان فتسطر الكلمات، وتسكب العبرات.
أخي القارئ / إنني لست بالذي أطربه، أو أمدحه بما ليس فيه، فلو أنك عرفته ما لمتني على ما أقول، فإليك صفحات من حياته، ودرراً من كلماته لعل الله أن يوقظ بها قلوباً غافلة، ويصلح بها عقولاً عاطلة فتهب إلى الجهاد و تذود عن البلاد وتنقذ العباد من السفلة الأوغاد من الروس أهل الإلحاد، أو اليهود أهل الإفساد، و غيرهم من أهل الكفر و العناد .
بدأ الشهيد (أبو ذر) مسيرته في طرق الجهاد على أرض البوسنة والهرسك حيث ذهب إلى هناك، ذهب إلى هناك وهو في العشرين من عمره تقريبا وكان ذهابه إلى البوسنة حين سمع عن مآسي المسلمين هناك، فأعد العدة واستعد وغدا إلى أرض البلقان، وفي الطريق حصلت له بعض العقبات ولكن الله يسر له دربه، وسهل أمره ليصنعه صناعة الرجال الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم – كما نحسبه .
و حين وصوله إلى كتيبة المجاهدين، عرفه الأمراء و أحبوه، و رأوا فيه صفات القادة، فلقد كان رحمه الله مفرطاً في .الشجاعة، لا تكاد ترى له مثيلاً ويصعب أن تجد له بديلاً
.و مع ذلك فقد كان مجتهداً في العبادة فكان يصوم صيام داود يصوم يوما و يفطر يوما
إن (أبا ذر) كان نادرة من النوادر فلقد كان ذا همة عالية لا يطيق الجلوس دون عمل، كثير الحركة في خدمة الدين و هو يتحلى مع هذا بالرحمة واللين مع إخوانه المؤمنين، المهم أنه كان جاداً في أمر الجهاد وحريصاً على خدمة الإسلام فلقد كان يصحو وينام ، و همه كيف ينصر الإسلام؟ وكيف يعيد صرح أمة محمد عليه الصلاة و السلام؟ و كيف يحيي مجد الإسلام مرة أخرى؟
فيالها من همة عالية، و يلها من أمنية غالية، قلما تجدها عند كثير من الشباب المسلم الذي إلتهى كثير منهم عن الجهاد بملذات .الدنيا و شهوتها
.انشرح صدر الشهيد لذلك الجهاد المبارك فقام فيه بدور فعال، كما هي حاله في جميع ساحات الجهاد التي شارك فيها
.كان أبو ذر حين إذ أحد القياديين في الجهاد هناك رغم أنها كانت أول تجربة جهادية له
إلا أنه كان مباركاً كالمطر أينما حل نفع – بإذن الله – وكان الشهيد متعلق شديد التعلق بمدربه (أبي ثابت المصري) رحمه الله الذي كان من أفذاذ ونوادر قادة المجاهدين في البوسنة والذي استشهد فيها بعد أن صال وجال، و أكثر في أعداء الله من .القتل و النكال، ثم التحق بجوار ربه الكبير المتعال
كان (أبو ذر) حريصاً على التعلم و الإستفادة من الأمور العسكرية و القتال حتى أنه كان مضرب مثل في الحرص على ذلك، فكان لا يترك شاردة ولا واردة إلا وتجد عنده فيها معرفة، و خاصة في المدفعية كما هو الحال عند استاذه (أبي ثابت) فهذا .الشبل من ذاك الأسد فأبو ثابت ملك المدفعية في البلقان، و أبو ذر ملك المدفعية في الشيشان
لقد كان أبو ذر –رحمه الله – يبقى الشهور الطويلة في الجبهة هناك في البوسنة لا يرجع منه إلى الخط الخلفي حتى إنه بقي مرة ثمانية أشهر لم ينزل من خط النار الأول، كل هذا وهو يعمل في الترصد على العدو و الهجوم عليهم والرباط في الخنادق و سد الثغورحتى تولى إمارة الجبهة كاملة وهو لا يزال في الجبهة، وهذا بعض ما قام به ذلك الصقر أبوذر الطائفي في البوسنة و الهرسك وما خفي كان أعظم .
أبا ذر رحمك الله من مجاهد جاد بنفسه لله تعالى - نحسبك كذلك والله حسيـبك – عرفتك أرض البوسنة أسداً هصوراً وفتىً متقداً حماسة وفداءً فكنت نعم المجاهد الذي يصبر على المرابطة على خط النار . لقد كان إخوانك ينزلون من الجبهة إلى الخطوط الخلفية يستريحون فيها وكنت تأبى ذلك رغبة في لقاء العدو ، وهمة وحماسة لدين الله تعالى .
لقد كان اضطهاد الصرب للمسلمين وانتهاكهم لحرماتهم يؤرقك حتى لم تجد مكاناً يصلح فيه حالك إلا في أرض النكاية بالعدو وشفاء صدور المؤمنين والذب عن حرماتهم(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم).
تلك صفحة مشرقة من حياة الشهيد في البوسنة، وإليك صفحة مضيئة أخرى من صفحات حياته العامرة بالبطولة والفداء، فبعد أن انتهى الجهاد في البوسنة ونصر الله عباده المؤمنين قام أبو ذر رحمه الله بدور آخر لنصرة الإسلام، فأبى الركون إلى الدنيا وأحب أن يكمل استفادته من أرض الجهاد وأن يتم مسيرة الإعداد، فشد رحاله واتجه إلى أفغانستان ليتدرب فيها ويعد نفسه امتثالا لقول الله تعالى: (وَأَعِدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم) بقي الشهيد في أفغانستان فترة طويلة تقارب عام ونصف، كل همه في ذلك نصرة الدين، ولأجل أن ينال الثمرة في العلم العسكري؛ فترتوي منه أرض الجهاد إذا وطئها ولكي ينفع إخوانه المجاهدين.
وبالفعل فلقد استفاد الشهيد أبو ذر –رحمه الله- من الفترة التي قضها في أفغانستان فكلن لا يشغل نفسه إلا بما ينفعه، ولا يضيع وقته بما لا ينفعه، حتى أصبح كادرا لا يستغني عنه في أرض الجهاد.
أضف إلى ذلك ما كان يتحلى به من الشجاعة و الإقدام والكرم والجود وكان معروف بذلك .
وكان مطيعا لأمرائه محبا لهم، فلا يؤمر بأمر إلا وتجده يمتثله، وقد عرف بالصلاح والتقوى وخشية الله كما نحسبه وكان إذا وعضه أحد نظر إلى السماء وفاضت عيناه بالدموع من خشية الله تعالى.
وبعد أن قضى أبو ذر هذه الفترة في أفغانستان واستفاد فائدة عظمى بداء يتطلع في أنحاء الأرض ليرى مكانا تقام فيه شعيرة الجهاد في سبيل الله، أو يجد مكان ينصر في دين الله ، وفي أثناء تطلعه وشوقه إلى أرض الجهاد ظهرت بوادر العدوان الصربي على بلاد كسوفا المسلمة و على أهلها فتاقت نفسه للذهاب وعزم على ملاقاة أعداء الله ليسومهم سوء العذاب –بإذن الله- في كرة أخرى فبعد أن أنكى بهم مع إخوانه في البوسنة سعى مرة ثانية لينال من أعداء الله، ويرد كيدهم بعون الله.
وكما عرفتك أرض البوسنة عرفتك أرض كوسوفا حيث قل الناصر فنفرت بنفسك نصرة لإخوانك ومع صعوبة الدخول إلى أرض العدو إلا أنك أصررت على ذلك وصبرت حتى تحقق لك ما تريد من نصرة المؤمنين، فكنت الوحيد من المجاهدين من غير أهل البلد بل الوحيد من الأنصار الذين ناصروا المسلمين هناك ولم يدخل أحد المنطقة من الأنصار سواه فرحمه الله – فكانت فضيلة من فضائله التي من الله بها عليه، ودخلت مع جيش التحرير لتكون مدرباً لهم ولكنهم لم يأبهوا لشاب صغير فماذا عسى أن يقدم ؟! .
ولما خبروك في المعارك عرفوك فارساً مقداماً وعالماً بالحرب وفنونها ولوك عليهم أميراً في قيادة المعارك والعمليات القتالية، وعلموا حاجتهم لأن يتتلمذوا على يديك فيذيقوا الصرب أشد أنواع النكال ، إن الصرب لم يصابوا بقتالك لهم فقط بل كان مصابهم بتدريبك للأعداد الكثيرة ودعوتك لهم إلى الاستقامة ومعرفة أهداف الجهاد أعظم نكاية للأعداء حاضراً ومستقبلاً .
ولما علمت قوات التحالف التي جاءت لنصرة المسلمين في كوسوفا ، زعموا !! لما علموا بوجودك طالبوا بتسليمك من قبل جيش التحرير الذي أنكروا وجودك لديهم فلما كثرت عليهم الضغوط طلبوا منك الخروج آسفين على ذهابك ، فخرجت ولكن إلى أين ؟ خرجت إلى أرض أخرى تنصر فيها دين الله تعالى .
لقد كان لوجوده –رحمه الله- بين الكسوفيين أثر كبير في نفوسهم فكان مثلاً لهم في العبادة و الجهاد و الدعوة إلى الله،حتى إنه لما أراد الخروج بكى عليه أهل كوسوفا حزناً وحق لهم أن يحزنوا لمثل هذا الرجل و لم يمض على ذلك وقت طويل حتى سمع بالجهاد في الشيشان فلم يلبث حتى انتقل إليها – ليصدق فيه إن شاء الله قول النبي صلى الله عليه وسلم : "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها يبتغي الموت أو القتل مضانة" رواه مسلم .
لقد حاولت الدخول مراراً إلى أرض الشيشان فمنعت وحبست ولكنك لم تجد لك في ذلك عذراً بل كررت المحاولات وتحملت ما يصيبك في سبيلها لماذا ...؟! لأنك كما كنت لا تهنأ بنوم وتلذ بعيش وأنت تسمع صرخات أخواتـك في الشيـشان وهم يحتاجون إلى مشاركتك . عجباً والله فلقد كنت تحمل قلباً كبيراً امتلأ بموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين .
وحين قدم إلى أرض الشيشان فرح به أمراء المجاهدين في الشيشان لما علموا منه الجد و الاجتهاد وسعة العلم والمعرفة في أمور الجهاد فنفع الله به نفعا عظيما، وذاق الكفار منه عذابا أليما، فلطالما اشتكى الروس من قذائف الهاون التي كان يرسلها عليهم أبو ذر الطائفي كالصواعق فيرديهم قتلى وجرحى وكان إذا أصاب هدفه قال: الحمد لله وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى .
لقد كان لأبي ذر أثر عظيم وطيب في الجهاد في الشيشان وكانت له مواقف مشرفة، فلنعم الأمير كان، ولنعم القائد الشجاع ، وكما كان أبو ذر قدوة في أفعاله فلقد كانت له درر من أقواله بمثالها يحتذى فخذ طرفا منها: كان رحمه الله يقول: يجب على كل من أراد الجهاد أن يعد نفسه إعداداً جيداً قبل الجهاد ليكون عضواً فعالا على أرض الجهاد ولكي لا يكون عالة على إخوانه، ولكي يكون أنكى على الأعداء .
وكان من دعائه أنه كان يقول : إن كان الله يعلم أنني إن بقيت فسوف أنفع دينه فأسأل الله أن يبقيني، وأما إن علم أنني سأركن إلى الدنيا فأسأل الله أن يرزقني الشهادة عاجلاً غير آجل . وقال مرة عهد علي إن بقيت بعد الجهاد أن أدرس جبال الشيشان كلها و غير ذلك من الكلمات الطيبة المشرفة التي جادت بها روح الشهيد … رحمه الله .
يوم الرفعة واللقاء
لقد نفذت حديث النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم…" فعلياً وعملياً وشعورياً .
يا ترى كم هم الذين يحملون هذه الروح من المسلمين ؟ بل كيف يكون الشأن لو كان10% بل1% من المسلمين يحملون هذا الشعور بل هل يحمل العلماء والدعاة والمصلحون في الأمة هذا الشعور الذي حمله قلب هذا الشاب ؟
أبو ذر ذلك الشاب المتوقد حماسة المتفجر غيرة الذي امتلأ شعوراً بالجسد الواحد فلم يقر له قرار ولم يهدأ له بال وإخوانه المسلمون مضطهدون بأيدي الأعداء وأخواته المسلمات المحصنات يغتصبن على يدي علوج الروم ، كان يقول : إن صراخ النساء وعويل الثكالى في الشيشان أقلقني و أطار نومي ..! نعم لقد رخصت نفسه عليه في ذات الله تعالى فحملها يعرضها على الله في أسواق الجهاد التي قامت ، عرضها في البوسنـة فلم يكتب لها نصيب وعرضها في كوسوفا وكذلك ، ثم عرضها في الشيشان ومازال بها حتى جاءها القبول وربح البيع أبا ذر إن شاء الله .
أبو ذر رحمك الله لقد مضيت وتركت في حلوقنا غصة وفي قلوبنا حرقة وفي عيوننا دموعاً حرى .
أبو ذر لقد عرفتك أرض البوسنة أسداً هصوراً وفتىً مضحياً ورجلاً مقداماً وعرفتك حتى كوسوفا رجلاً غريباً فريداً يثب على الموت كلما سمع فزعة أو هيعة طار إليها يبتغي القتل مظانه . حتى طالب بك حلف الأطلسي الذي جاء لنصرة الكوسوفيين زعموا !! لكنهم رأوا مثل ما أخبر به ربنا جل وعلا (ترهبون به عدو الله وعدوكم) فوالله لقد كان الصرب أعداء الله وكذا كان الأمريكان فخافوك جميعاً .
ثم لم تكتف بهذا كله لأنك قد بعت ولا تريد أن ترجع في البيع ، ولأنك عرفت الطريق فلزمته ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة …) ولم يوهن عزيمتك ويضعف إصرارك أن ردوك من على حدود الشيشان عدة مرات ولم تر مثل ذلك عذراً عن الجهاد ونصرة إخوانك في الشيشان لأنه قد تربع في قلبك وأخذ موضع تصحيح فؤادك .
وفي يوم الثلاثاء في الرابع و العشرين من شهر ربيع الأول عام 1421 هـ قام الشهيد بتفقد رعيته صباحا حيث كان بوما مطيرا فاطمئن لحالهم ثم خرج يستكشف المكان كما عرف من حاله في الترصد والحركة و النشاط وفي الطريق وجد لغما كانت قد زرعته أيد آثمة من أيادي الكافرين فأمر أصحابه بالابتعاد ثم بدأ بإزالتهو في أثناء ذلك شاء الله أن يرفعه و يكرمه بالشهادة بإذن الله – التي طالما تمنها، فثار اللغم المشرك وانفجر، وصار الأمر واستقر، وطار الشهيد أن شاء الله إلى خير مستقر (إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر)
شاهد عيان
ومما يكرم الله به عباده المؤمنين وأولياءه الصالحين ما يكون لهم من الكرامات التي يؤمن بها أهل السنة و الجماعة دون إفراط ولا تفريط، فلقد كان لذلك الشهيد كرامة شهدها أحد الاخوة الأنصار الثقات وشهد بها، حيث أقسم الأخ أن الليلة التي دفن فيها أبو ذر –رحمه الله- رأى القبر في أثناء حراسته بالليل وقد خرج منه نور ارتفع إلى السماء فبدأ الأخ يكبر وهو مذهول من ذلك المنظر العجيب، وما ذلك على الله بعزيز فرحمة الله عليك يا أبا ذر – نسأل الله أن يرفعك في الفردوس الأعلى وأن يحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين وحسن أولئك رفيقا، وما نرى لأبي ذر مثلا إلا قول الله وهو أحسن القائلين (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) نحسبه كذلك ولا نزكي على الله .