صقر الخوالد
02-05-2007, 12:21 AM
ينتسب الجبريون إلى بني عقيل
الأمير سيف بن زامل الجبري:
في بداية العقد الثالث من القرن التاسع بدأت نهاية حكم بني جروان تلوح في الأفق فقد استشرى خطر زعيم الجبرين سيف بن زامل الجبري وازداد نشاطه في سبيل تقويض العرش الجرواني والإطاحة به. ولم يدخر آخر أمراء آل جروان إبراهيم بن ناصر وسعاً محاولة القبض على سيف الجبري لإعدامه غير أن الأخير ابتدره بهجوم مكثف فظفر بقتله وانتزاع السلطة منه وأعلن نفسه ملكاً على الأحساء. ونظراً لحميد سيرته في الحكم بين الناس فقد أحبته الرعية وأخلصت له الولاء والطاعة، وكان له أخوان هما هلال، وأجود الذي تبوأ سدة الحكم على إثر وفاة الأمير سيف.
الأمير أجود بن زامل:
ولد الأمير أجود بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري في بادية الأحساء في شهر رمضان سنة ثمانمائة وإحدى وعشرين هجرية- 1418م فآل إليه الحكم بعد وفاة أخيه سيف بن زامل فكان عهده من أزهى العهود وأكثرها ازدهاراً بالأمن والرخاء والعلم والإصلاح، وقد دانت له جميع أراضي البحرين حتى استرد السلطة في القطيف وجزيرة أوال من السلطان سرغل بن نور شاه سنة ثمانمائة وثمانين هجرية- 1475/.
كما استملك الأمير أجود جزيرة هرمز من السلطان الذكور لقاء وقوفه إلى جانب في نزاع سرغل مع إخوته على العرش، وقد اتسع ملك الأمير أجود فشمل نجد حيث سار سنة تسعمائة هجرية- 1494م على رأس جيش كبير من الحاضرة والبادية وصحب بوادي زغب والعوازم وهيتم على ثاج وغنم منهم شيئاً كثيراً وقتل عدة رجال من الفريقين. ثم توجه إلى نجد وصبح الدواسر على الرويضة وأخذهم وقتل منهم عدة رجال. وكان الجبريون قد أخضعوا نجد لنفوذهم قبل هذا التاريخ. وفي سنة ثمانمائة وثلاث وتسعين هجرية- 1487م قام ابنه سيف بالأستيلاء على عُمان وانتزاع السلطة فيها من يد شهاب بن نبهان وجعل على ولايتها عمر ابن الخطاب الأباضي وأقفل عائداً إلى وطنه، وفي ذات العام قام الأمير أجود بن زامل بأداء فريضة الحج بخمسة عشر ألفاً من أتباعه كما حج أيضاً سنة تسعمائة وإحدى عشر هجرية –1505م في جمع عظيم يقال إنهم يزيدون على ثلاثين ألف، فأكثر من البذل والصدقات على أهل الحرمين وغيرهم. وقد كان لسيرته الحميدة في مملكته ولما يتحلى به من صفات الملك الصالح شهرة واسعة وصيت عريض تغنت بمناقبة العامة من أهل البلاد وأشاد بفضائلة الخاصة من علماء عصره، يقول السمودي في نعته( 1 ) :
(رئيس أهل نجد ورأسها سلطان البحرين والقطيف، فريد الوصف والنعت في جنسه صلاحاً وأفضالاً وحسن عقيده أبو الجود بن جبر أيده الله تعالى وسدده).
وقال السخاوي( 2 )
(وصار رئيس نجد ذا أتباع يزيدون على الوصل مع فروسية تعددت في بدنه جراحات كثيرة بسببها، وله إلمام ببعض فروع المالكية واعتناء بتحصيل كتبهم استقر في قضائه بعض أهل السنة منهم بعد أن كانوا شيعة وأقام الجمعة والجماعات وأكثر من الحج في أتباع كثيرين يبلغون آلافاً مصاحباً للتصديق والبذل).
وقال ابن لعبون( 3 ) وهو يتحدث عن الجبور:
(وكان للجبور المذكورين دولة ورياسة بادية وحاضرة في الأحساء والقطيف وعُمان وتلك النواحي ومعظمها في القرن التاسع، وأشهرهم في الرياسة والملك والسخاء والجود أجود ابن زامل الجبري العقيلي كان له صيت عظيم هو وبنوه).
وقد وصفه الوزير عمادالدين محمود بن أحمد القواني الجيلاني الشهير بخواجه جيهان والذي يعتبر أشهر رجال السلطة البهمينية في الهند التي إمتد حكمها من سنة ثمانمائة وثمان وأربعين هجرية- 1444م إلى سنة تسعمائة وثلاث هجرية- 1526م).
يقول في معرض حديثة عن أجود: (إنه ملك ملوك العرب مالك البر واليم) وقد عمر السطان أجود بن زامل حتى نيف على التسعين وليس في المصادر المتوفرة ما يشير إلى تاريخ وفاته إلا أن حجه سنة تسعمائة وإحدى عشرة هجرية- 1505م ثم حج ابنه محمد سنة تسعمائة واثنتي عشرة هجرية- 1506م ونعته أنذاك بسلطان البحرين يجعل من المراحج أن وفاة الأمير أجود كانت بين هذين التاريخين.
وقد أعقب الأمير أجود خمسة أبناءهم: محمد، وزامل، ومقرن، وسيف، وعلى. ومن آثاره قصر بقرية المنيزلة من قرى الهفوف الشرقية لا تزال رسومه باقية.
الأمير محمد بن أجود بن زامل:
حين تسلم الأمير محمد مقاليد الملك من والده أجود بن زامل كانت الدولة على جانب عظيم من العزة والازدهار، وعلى النقيض من ذلك كان حكم الأشراف في مكة، فقد أفضى خلافهم على الإمارة إلى ضعف السلطة عجزها عن كبح جماح رجال البادية فاستشرى نشاطهم الإرهابي في تلك البلاد وتوالت غارات النهب والسلب على مدينة جدة فاضطرب الأمن بالحجاز وعمت الفوضى واستبد الهلع والرعب في قلوب الناس، فكتب شريف مكة بركات بن محمد للسلطان محمد بن أجود في هجر يطلب منه النجدة لوضع حد لعبث رجال البادية( 4 ) فسار السلطان محمد بن أجود إلى مكة في خمسين ألفاً من عسكره ودخلوها محرمين فوجدوا الأوضاع الأمنية قد استقرت بها بعدما بعث الغوري من مصر بجيش لنجدة الأشراف تمكن من تعقب الأعراب والأخذ على أيديهم وكفى الله المؤمنين القتال. حينئذ أنعم الأمير ممد ابن أجود باشا العسكر المصري بخلعه سنية ثم عاد إلى وطنه بمن معه بعد أداء مناسك العمرة.
الأمير مقرن بن زامل:
تسلم السلطة بعد وفاة الأمير محمد بن أجود ابن أخيه مقرن بن زامل ونافسه في الاستيلاء عليها خاله الأمير صالح بن سيف الجبري ولعل صالح هذا تمكن من حكم البحرين لبعض الوقت، فقد وصفه العزى( 5 ) بأنه السلطان بن السلطان كما وصفه بأنه عادل في ملكه ولعله قد انفرد بحكم الأحساء وهو الأكثر احتمالاً، ومما يعزز هذا الاحتمال أن ابن إياس( 6 ) قد وصف الأمير مقرن بأنه متملك جزيرة البحرين إلى بلاد هرمز دون الإشارة إلى الحكم في الأحساء. على أن الحرب قد استمرت بينهما سجالاً غير أن صالح بن سيف الجبري زهد أخيراً في الملك وتوابعه فانصرف إلى طلب العلم، فقصد لهذه الغاية مدينة دمشق سنة تسعمائة وسبع وعشرين هجرية- 1521م مستخفياً تحت اسم مستعار وكانت وفاته في بلده سنة تسعمائة وثلاثين هجرية- 1523م.
أما الأمير مقرن قد استمر في السلطة، وفي أيامه أخذ البرتغاليون في الظهور على مياه الخليج والبحر الأحمر، كما شرع العثمانيون في سبيل التصدي للبرتغاليين بإقامة الصلات بينهم وبين زعامات المنطقة فزودوا الأمير مقرن بعدد من الجنود الأتراك وبعض البنادق لتدريب قواته على استعمال السلاح الحديث.
وفي سنة تسعمائة وست وعشرين هجرية- 1520م توجه الأمير مقرن لأداء مناسك الحج والعمرة وقيل إنه لما دخل مكة والمدينة تصدق على أهلها بنحو خمسين ألف دينار. وكان البرتغاليون في هذه الأثناء قد وضعوا بلاده ضمن خريطة أطماعهم فاضطر للعودة من الحجاز ليتولى بنفسه الإشراف على تنظيم قواته استعداداً للمعركة الفاصلة بينه وبين هؤلاء الغزاة فشرع في إعداد أسطول بحري مستعيناً في بنائه بصناع مهرة من الترك والعرب والفرس كما أخذ في إعادة تحصين القلاع والأسوار في القطيف وجزر البحرين.
أسباب الغزو البرتغالي للبحرين
لمعرفة أهم الحوافز التي صاغت البرتغاليين لحرب الجبريين وانتزاع جزر البحرين منهم لابد من الإشارة إلى طبيعة العلاقة بين الجبريين وملوك هرمز منذ أيام حكم السلطان أجود. ففي أعقاب وفاة فخر الدين توران شاه ملك هرمز اندلع اختلاف حاد بين أولاده الأربعة وهم: مقصود، وشهاب الدين، وسلغور، وياس، فأفضى ذلك النزاع إلى أن قتل كل منهم الآخر، فهرع سلغور إلى السطان أجود بن زامل يطلب منه النجدة والمساعدة في تمكينه من الاستيلاء على مقاليد الحكم في هرمزمقابل إسقاط ما يدعيه حكام هرمز من حقوق في جزر البحرين والقطيف، فأجابه السلطان أجود إلى ما طلب، وتم الاتفاق على ذلك في معاهدة محررة وقعها الطرفان، لذلك أعد السلطان أجود جيشاً جعل على قيادته ابنه زامل، فسار إلى هرمز ووطأ الأمر لسلغور وتوجه ملكاً عليها، غير أن هذا الملك لم يكد يستقر في الحكم حتى تناسى اتفاقه مع الجبريين فأظهر التمرد وأرسل إلى السلطان أجود يطلب منه دفع عائدات بساتين في البحرين والقطيف غير أن السلطان الجبري أبى ذلك وتمسك بنصوص المعاهدة المبرمة بينهما. فشن سلغور على البحرين غارات متعددة أسفرت عن اتفاقية أخرى بين سلغور وأجود تنص على أن تصبح جزر البحرين تحت إدارة الجبور مقابل دفع مكوس سنوية لحكام هرمز من واردات البحرين. إلا أن الجبريين لم يدفعوا الإتاوة المقررة فتجدد الصراع واشتد بين الطرفين، وتوفى الأمير أجود واصبحت السلطة الفعلية في هرمز بيد خواجة عطار وهو عم ملكها فقام بمهاجمة البحرين في سنة تسعمائة وسبع عشرة هجرية- 1511م.
ويستشف من المصادر البرتغالية أن للمدعو فرير بن رحال وهو أحد وزراء الأمير مقرن بجزيرة أوال يداً في هذا الصراع. إلا أن الجبريين لم يقفوا من هذا الغزو مكتوفي الأيدي قام مقرن بن زامل بمهاجمة هرمز من ناحية عمان الداخل، فاضطر خواجه عطار للانسجاب من البحرين وظفر السلطان بفرير بن رحال فأعدمه على الفور.
وتنفرد التحفة النبهانية( 7 ) بالإشارة إلى أن الغزو الفارسي للبحرين جاء بمساع من زوجة الوزير فرير بن رحّال ثاأراً لزوجها الذي قتله السلطان مقرن في قصة وصفه الشيخ عبدالله خالد الخليفة بقوله "إن هذه القصة يغلب عليها الخيال في جميع أدوارها"، ومهما يكن من شيء فإن توران شاه قد اتخذ من امتناع مقرن عن دفع عائدات بساتين القطيف والبحرين له ذريعة لبسط النفوذ على هاتين المدينتين، وقد علل توران شاه للبرتغاليين عجزه عن دفع الضرائب لهم بأن مقرن يتعرض للسفن التي تبحر بين هرمز والبصرة الأمر الذي شجع البرتغاليين على أخذ زمام المبادرة في القضاء على دولة الجبريين لأن الاستعمار البرتغالي لم يكن ليسقط من حساباته خطر الجبريين عليه باعتبار دولتهم من أهم القوى وأقدرها على حشد القبائل العربية ضد مخططاته التوسعية في الخليج. لهذه الأسباب ولما لجزر البحرين وسواحلها من أهمية استراتيجية واقتصادية عقد البرتغاليون العزم على إلحاق هذه البلاد بدائرة نفوذهم، فمهدوا لغزوها بالسطو على السفن ونهب حمولاتها ثم أعقبوا ذلك بهجوم على جزيرة البحرين قادة خواجه عطار في سنة تسعمائة وثمان عشرة هجرية- 1511م غير أن الجبريين أرغموه على التراجع إلى هرمز، وبعد سبع سنوات من هذا الحادث قاد بيرو وهو ابن أخير البوكيرك أسكولاً من أربع سفن للإغارة على البحرين ولم يعد بطائل.
سقوط البحرين في يد البرتغاليين واستشهاد الأميرمقرن بن زامل:
وفي 15 يوليو 1521م قدم أنطونيو كوريا لغزو البحرين على رأس قوة قوامها أربعمائة جندي برتغالي مزودين بالمدافع الثقيلة في أربع سفن مدعمة بقوة أخرى أقبلت من هرمز بقيادة رئيس شرف الدين مكونة من ثلاثة آلاف مقاتل من مرتزقة الفرس والعرب، وقد أخذت الأهبة للهجوم على جزيرة أوال، وكان الأمير مقرن قد أعد العدة للتصدي لهذا الغزو فحصن القلاع ووضع المتاريس، وبنى حاجزً عره متران ونصف من الجس والجير وجعل واجهته من جذوع النخل حتى أضحى يقوم مقام سور منيع وقسم جنوده على السور كأعظم ما يكون القادة العسكريين( 8 ) وكان جيشه مكوناً من اثني عشر ألف جندي من العرب فيهم ثلاثمائة فارس وأربعمائة من الرماة وعشرون جندي من الأتراك مسلحين بالبنادق كانوا يقومون بتدريب العرب على استعمالها.
وحين أزفت المعركة بين الفريقين أمر مقرن قواته بأن تصطف بمحاذاة سور قلعة البحرين في حين ظل القائد البرتغالي بسفنه ينتظر المدد ستة أيام حاول أثناءها البرتغاليون التسلل إلى البر إلا أن محاولتهم باءت بالفشل فاضطروا للتراجع إلا سفنهم تحت جنح الظلام، ولما استكمل أنطونيو كوريا اسعداداته للغزو الضراوة كان أثناءها القائد البرتغالي بحمل علماً وينتقل بين صفوف جنوده يحثهم على اقتحام القلعة ويذكى يهم روح العزيمة والصمود في قتال أهل البحرين وفي هذه الأثناء أصيب بجرح في ذراعه الأيمن، وكادت شجاعة المسلمين وحرارة الطقس وما ظهر على الغزاة من إرهاق شديد أن تحسم المعركة لصالح الجبريين لولا أن القائد مقرن الذي كان يتصدر الصفوف بكل جرأة( 9 ) أصيب بجرح في ساقه وقيل بطلق ناري في رأسه وهو يطوف بجنوده يحثهم على القتال ويستنهض هممهم وعلى الفور نقل إلى الجامع حتى وافاه الأجل بعد ثلاثة أيام في رواية أو بعد ستة أيام في رواية أخرى، وكان لاستشهاده وقع الصاعقة على رؤوس جنوده فانهارت معنوياتهم ودبت الهزيمة في صفوفهم فشدد الغزاة عليهم الضربات كما ضاعفوا قصف القلعة بالمدافع الثقيلة إلى أن أزالوا جزءاً كبيراً من أسوارها، وقد تولى إمره الجيش بعد استشهاد السلطان مقرن ابن أخته الشيخ حميد فأمر الجند بالانسحاب إلى القطيف مصطحبين معهم جثمان مقرن رغبة في إرساله للأحساء ليدفن فيها. وتعقب الغزاة السفينة التي تقل جثمان الأمير فتمكن شرف الدين قائد قوات هرمز من الظفر بها فاحتز رأس القائد مقرن وحمله معه إلى هرمز. وقيل أن أنطونيو كوريا هو الذي قبض على السفينة المقلة لجثمان مقرن وأنه هو الذي احتز رأسه.
ويفهم من رواية انفرد بذكرها ابن إياس( 10 ) أن السلطان مقرن كان على قيد الحياة عندما وع في كمين أعده الإفرنج المخذولون وقد افتدى نفسه منهم بألف ألف دينار فلم يقبلوا إلى أن مات صبراً بين أيديهم، وهذه الرواية لا يمكن قبولها إلا إذا كان الأمير مقرن قد جرح في المعركة مع البرتغاليين وظل على قيد الحياة إلى أن وقع في قبضتهم أثناء محاولة انسحاب البقية الباقية من جيشه إلى القطيف.
وبإستشهاد الأمير مقرن وتدمير قلعة البحرين تم للبرتغاليين حسم المعركة لصالحهم، وعين كوريا على رأسها والياً عربياً أطلقت عليه المصادر البرتغالية إسم لوكات فبسطوا نفوذهم على البحرين وألحقوها بتبعية هرمز( 12 ) ووضعوا حامية برتغالية في قلعتها بعد ترميمها وقد أطلقوا على مدينتها اسم المنامة وذلك في 27 يوليو 1521م حيث انفصلت جزيرة أوال منذ هذا التاريخ عن حكم الجبريين ولم يعد في أيديهم سوى الأحساء وقطر.
وبعد انتزاع جزيرة أوال من أيدي الجبريين واستشهاد أميرهم مقرن من أهم الإنجازات التي احرزها البرتغاليون في الخليج، فقد نقشت المعركة على مسلة من الحجز كما رسم رأس الأمير مقرن على درع أنطونيوا كوريا الذي نسجت حوله في الكتب البرتغالية قصص البطولات وعده البرتغاليون من الأبطال الخياليين، وقد أمر ملك البرتغال يوحنا الثالث بأن يقرن اسم البحرين باسم انطونيوا كوريا بعد أن أنعم عليه بوسام النصر وإذن له بأن يلبس الدرع الذي به رسم رأس البطل مقرن.
وكان الأمير مقرن بن زامل من أبرز رجال عصره يصفه ابن إياس بقوله:
"وكان أميراً جليل القدر معظماً مبجلاً، وفي سعة المال، مالكي المذهب، سيد عريان الشرق على الاطلاق" وقد عد موته من أشد الحوادث في التاريخ الإسلامي وأعظمها.
أما جعيثن اليازيدي من شعراْ العامية في زمانه فيقول في مدحه:-
ولاقيت بعد السير ياناق مقرن**** وقابلت وجهاً فيه للحمد شاهد
نشا بين سيف العريري 13 )زامل ****فيالك من عم كريم وماجد
نشا أجود وسلطان قيس14 ) وركنها****عن الضيم أو في المعضلات الشدايد
حمى بالقنا هجراً إلى ضاحي اللوى15 ) ****إلى العارض 16 ) المنقاد نابي الفرايد
ونجد رعى ربعى زاهي فلاته**** على الرغم من سادات لام17 ) وخالد
وسادات حجر 18 ) من يزيد ومزيد 19 )****قد اقتادهم قود الفلا بالقلايد
ولاة هجر بعد استشهاد الأمير مقرن
في أعقاب استشهاد الأمير مقرن بن زمل تولى أمر البلاد تحت إشراف البرتغاليين عمه على ابن أجود مدة شهر واحد ثم تلاهن ابن أخيه ناصر بن محمد بن أجود ومكث في الحكم ثلاث سنوات ثم باع الملك لقطن بن علي بن هلال بن زامل ومات بعد سنة من حكمه، وخلفه ابنه الذي تنازل لغصيب بن زامل بن هلال، وفي عهد غصيب اشتد النزاع بين آل جبر على الحكم فاستعان بعضهم بالشيخ راشد بن مغامس والي البصرة فكانوا كلامستجير من الرمضاى بالنار فقد قدم الشيخ راشد إلى هجر وانتزع الحكم من أيدي آل جبر ونصب نفسه ملكاً عليها وترك أخاه محمداً على ولاية البصرة.
ولاية السلطان راشد بن مغامس
حين استفحل الخلاف بين أمراء آل جبر انتهى بهم المطاف إلى الاستعانة بالشيخ راشد بن مغامس الذي تمكن من الاستقلال بالبصرة في سنة تسعمائة وإحدى وثلاثين هجرية- 1515م فسار راشد بن مغامس على رأس جيش كثي متوجهاص إلى هجر ونجح في تصفية الخلاف بين آل جبر لصالحه وانتزع السلطة من الجبريين وأعلن نفسه حاكماً على الأحساء والقطيف سنة تسعمائة وثلاث وثلاثين هجرية- 1526م وقد اتخذ الأحساء قاعدة لملكه وجعل أخاه محمداً والياً على البصرة. وبعد أن استتب له الأمر في البحرين سار إلى مكة لأداء فريضة الحج والعمرة وبصحبته أخوه محمد وقاضيه الشيخ العلامة جمال الدين محمد بن عبدالعزيز الشهير برفرف وعلى إثر استيلاء العثمانيين على العراق ودخولهم بغداد سنة تسعمائة وأربع عشرة هجرية- 1508م تقدم السلطان راشد بن مغامس بالولاء لسلطان العثماني سليمان الأول القانوني( 20 ) وأعطاه مفتاح مدينة البصرة، إلا أن راشد بن مغامس سرعان ما ساءت العلاقة بينه وبين الترك فتحركت في نفسه النزعة الاستقلالية واتصل بالقائد البرتقالي في هرمز لويس خلقو سنة تسعمائة وإحدى وخمسين هجرية- 1544م يطلب منه المساعدة على قتال العثمانيين في البصرة فوافق القائد البرتغالي على نجدة ابن مغامس شريطة تخليه عن القطيف للبرتغاليين، وهناك لم تجد الدولة العثمانية مناصاص من حكم المنطقة حكماً مباشراً باعتبارها خط الدفاع الشرقي عن المقدسات الإسلامية في الحجاز ضد أطماع البرتغاليين الذين تصاعد نشاطهم على شواطئ الخليج آنذاك. لذلك أمر السلطان سليمان الأول وإلى بغداد الياس باشا بأن يسير على رأس جيش للاستيلاء على البصرة، فقام بالاستيلاء عليها سنة تسعمائة وست وخمسين هجرية- 1550م فعينعلى ولايتها محمد باشا فروخ، الأمر الذي ألجا السلطان راشد إلى الفرار من وجه السلطة العثمانية حيث توارى في نجد، ويرجع الأستاذ أبوعبدالرحمن الظاهري أن زوال دولة ابن مغامس في البحرين كانت على يد الجبريين الذين نجحوا في استرداد الحكم فهو يقول( 21 ) (وقد دلت القرائن على أن دولة راشد لم تستمر في الأحساء إلى سنة تسعمائة وثلاثة وستين هجرية- 1555م وهو تاريخ استيلاء الأتراك على هذه المنطقة لأن شعر الجليف دل على أن مقرن بن غصيب استرد ملك آبائه، ووجدنا في شعر الخلاوي أن ميع بن سالم من حكام الأحساء، وأفاد الغزاوي أن منيعاً آخر أمراء بني جبر فعلمنا أن دولة آل مغامس زالت على يد آل جبر في الأحساء وزالت على يد الأتراك في البصرة) الأمر الذي يحمل على الاعتقاد أن آل جبر قد استردوا نفوذهم على الأحساء إبان فترة النزاع بين أبن مغامس والعثمانيين.
ومما يزيدنا أطمئناناً إلى هذا الاعتقاد أيضاً أن المصادر البرتغالية قد أشارت في أكثر من وثيقة إلى أن الأحساء في سنة تسعمائة وست وثلاثين هجرية 1529م إلى سنة تسعمائة وإحدى وخمسين هجرية- 1545م كانت تحت سلطة ملك أطلقت عليه تلك المصادر اسم الشيخ ماننج بن رشيد مرة والشيخ "مانا" مرة أخرى. وإذا أخذنا في الاعتبار ما يقع في الأسماء المدونة بغير العربية من تصحيف وتحريف نتيجة عسر النطق بها صحيحة على ألسنة غير العرب وكذلك التقارب اللفظي بين ماننج ومانا، ومنيع يمكننا القول أن المعنى بالاسمين الواردين في الوثائق البرتغالية سالفة الذكر هو اسم منيع الذي وصفه العزاوي بآخر أمراء بني جبر وكون ماننج منسوباً إلى رشيد في إحدى الوثائق البرتغالية ومنيع منسوباً إلى سالم عند الخلاوي لا يقف حائلاً دون ما ذهبنا إليه إذ قد يكون رشيد أو راشد اسماً لوالد سالم أو أن أسرة منيع في آل جبر كانت تعرف بهذا الاسم لذلك أغفلت الوثائق المذكورة عند الكلام عن المنيع ذكر اسم أبيه واكتفت بذكر اسمه واسم الأسرة التي ينتمي إليها. حينئذ يكون اسمه كاملاً منيع بن سالم بن رشيد آل جبر.
هذا وأن الغموض في الأحداث والخلط في أسماء معايشيها من أصعب الأمور التي تواجه الباحث في تاريخ معظم أجزاء شبه الجزيرة ومناطق الخليج ومن بينهاهجر فيهذه الفترة التي تعد الوثائف البرتغالية من أهم مصادرها بالرغم مما ينطوي عليه من قصور في المعلومات الخاصة بهذه البلاد وما تحتويه من تشويه لحقائق التاريخ لكون هذه الوثائق قد كتبت من قبل أشخاص كان همهم الأول خدمة أنفسهم وتمجيد أعمالهم بغية الحظوة بالزلفي لدى رهبان الكنيسة ورجال البلاط في لشبونه.
وفيما نحن بصدده من الحديث عن من نعتقد أنه آخر أمراء بني جبر نورد من الوثائق البرتغالية وثيقتين تناولت إحداهما محاولات منيع (ماننج) ضم البحرين والبصرة إلى دائرة نفوذه. وهي رسالة موجهة من وزير هرمز ركن الدين إلى الرئيس المعزول شرف، ولكونها غير مؤرخة فإن وجود شرف في المنفى ووجود القبطان مرتين أبو نصودو ميلو على رأس إدارة هرمز يسمح بتأريخ الحدث بعد سنة 1529م على حد قول الأستاد أحمد بوشرب من المغرب.
أما الرسالة الثانية فقد وصلتنا عن طريق برنالين دوسوزا أحد قواد الأسطول البرتغالي بالهند الذي جاء إلى هرمز لحمايتها من هجوم تركي كان متوقعاً. وهي تقرير تضمن قيام ملك الأحساء منانا (منيع) باسترداد القطيف من ملك هرمز سنة تسعمائة وست وأربعين هجرية- 1539م ثم عودة القطيف لسيطرة هرمز في أعقاب هجوم شنه البرتغاليين عليها سنى تسعمائة وإحدى وخمسين هجرية 1545م ونظراً لما تلقيه هاتان الوثيقتان من أضواء على الأحداث بالمنطقة في هذه الفترة والتي يتضح من خلالها حرص ملوك الأحساء على وحدة البلاد ورفضهم للسيطرة الأجنبية على أي جزء منها فإننا نورد من هاتين الرسالتين ماله صلة بهده البلاد.
الرسالة الأولى: وهي من الرئيس ركن الدين وزير هرمز إلى الرئيس شرف حول محاولات ملك الأحساء السيطرة على البحرين والقطيف والبصرة بعد الديباجة والمعلومات غير ذات الصلة بموضوعنا نورد منها قوله( 22 ) : (أعلموا بعد هذا أن الملك محمد حاكم البحرين في صحة جيدة، وأن ملك الأحساء الشيخ ماننج بن رشيد مقبل على القطيف وعازم على الاستيلاء على البحرين وأنه تم تبادل عدة رسائل بينهما حتى أن سعيد بن عبدالله وهو من سكان الأحساء توسط بينهما فأمضيا هدنة إلا أن ملك الأحساء جمع عدداً كبيراً من المحاربين وعاد للاستقرار بالقطيف داخل قلعة جديدة أمر ببنائها بعد أمر بهدم القلعة القديمة. وما أن علم رجاله وباقي مرافقيه من سكان المنطقة بنواياه الرامية إلى محاربة مسلمي البحرين حتى فرَّ عنه أغلبهم بصحبة أبنائهم وزوجاتهم. وكان أول هؤلاء الفارين محمد بن رحال وذويه الذين رحلوا جميعاً مع آخرين لوضع أنفسهم تحت حماية والي البحرين. كما أن أحد أعيان المسلمين المسمى الشيخ محمد بن مسلمة قدم بدوره إلى البحرين صحبة قومه وذلك رغم أنه من الأحساء.
ولما رأىالملك ذلك انتقل إلىالبصرة.وبينما كان مخيماً بجوانبها انض عليه سكانها في أعداد كثيرة وهزموه وقتلوا له عدداً كبيراً من المحاربين بينما تمكن هو من الفرار على ظهر فرسه وذلك بعد أن تعرض لجروح بليغة وبالأحساء التي عاد إليها استطاع جمع عدد كبير من الرجال ضمنهم أعراب كثيرون. وحينذاك وصله خبر موت ملك البصرة الذي كان أحد أقاربه والذي كان يدين للأتراك بالولاء، والذي خلفه صبي بايعه سكان البصرة ملكاً على مدينتهم، وما أن علم ملك الأحساء بذلك حتى توجه مع رجاله نحو البصرة، واستغل حاكم البحرين الرئيس محمد ذلك وجمع عدداً كبيراً من الفرس والعرب وهاجم القطيف بحيث أحرق له مائة وخمسين مركباً ما بين كبير وصغير كانت من قبل في ملكية عاهل هرمز قبل أن تخونه وتصبح في حوزة ملك الأحساء.
ولما وصل ملك الأحساء إلى البصرة فتح له أعيان المدينة الأبواب بايعوه ملكاً. وفور تلك البيعة بالبصرة علم بإحراق حاكما البحرين لمراكبه، فأمر بمصادرة كل مراكب تجار البحرين الموجودة بالبصرة بالاستيلاء على سلعهم. غير أن أعيان المدينة استاءوا لذلك طردوه من مدينيتهم وبايعوا عوضاً عنه أحد أقاربه المسمى الشيخ يحيى، وأعادوا السفن والسلع لمسلمي البحرين وعرضوا لهم كل ما فقدوه.
والشيخ يحيى هذا رجل فاضل يرغب كثيراً في الحصول على صداقة البرتغاليين، أما ملك البصرة المذكور الذي طرده السكان منها فإنه عاد إل الأحساء وهو لا يزال يحلم بالاستيلاء على البحرين ويعد بالقيام بذلك في أقرت الآجال، ولن يصعب عليه ذلك لشدة قوته وكثرة جنوده. ولما علمت بهذه الأحداث التحقب بالقبطان مرتين أفونصودو ميلو لإشعاره بها وكذا الكاتب وأعيان البرتغاليين وقلت لهم إن عليهم إرسال أسطول لحماية البحرين أو بناء قلعة بالقطيف لضمان أمن البحرين، إلا أن القبطان أجابني منذ ثلاثة أيام أن مولانا الملك بتحمل مصاريف ضخمة بالهند وبهرمز الأمر الذي يحول دون إرسال أسطول إلى البحرين،و اقترح أن يجمع حاكم البحرين كل محاربين وأقاربه وأن يستولى لمدة سنة على الجبايات التي قد تكون هناك للفرس وذلك قصد تجهيز أسطول يمكنه من الأستيلاء على القطيف لذا بعث إليه القبطان برسالة موقعة من طرفة وكذا من لدن الكاتب يخبرانه يها أن العمل باقتراحهما يمثل خدمة لملك البرتغال، وأنه في حالة استيلائه على القطيف فأنه سيحتفظ بها لنفسه دون أن ينازعه في ملكيتها أحد، وأكدا له أن ملك هرمز موافق بدوره على ذلك. وبعث له ملك هرمز بدوره خطاباً آخر أن الحاكم لم ينفذ الاقتراح بعد.
ولقد تطوع محمد بن رحال ومحمد بن مسلمة بالمساهمة في نفقات تجهيز ذلك الأسطول. أما الرسالة الثانية فهي من برنالدو دو سوزا إلى الملك البرتغالي حول هجوم برتغالي على الخليج ونورد منها ما يلي( 23 ) :
وفور تأكدنا من عدم مجئ الأتراك أخبرني لوبش فلكاو أنه منذ ست سنوات انتزع ملك الأحساء الشيخ "مانا" من مملة هرمز قلعة ومدينة القطيف وأنه منذ ذلك التاريخ وملك هرمز ووزيره يطلبان من القباطنة السابقين، وكذا منه أن يمدوه بالعون اللازم لاسترجاعها وذلك طبقاً لما نحم ملزمونبه بشأن كل الحصون التابعة لملك هرمز، وليس فقط هذا الحصن الذي استولينا عليه في عهدنا هذا. لكن القباطنة السابقين كانوا يمتلصون باستمرار مدعين عدم توفر الجنود القادرين على الذهاب إلى هناك، الأمر الذي لايمكننا الآن التذرع به لوجودي هنا رفقة رجال لم تعد الحاجة إليهم لعدم مجئ الأتراك ولكون ملك هرمز ووزيره تعهدا بتحمل مصاريف الحملة، وذلك رغم أنهما غير ملزمين بذلك، وأنهما لا يطلبان أكثر من أن يرافقني الجنود البرتغاليون الذين يقدرون على ذلك، وكذا المدفعية والبارود اللازمين.
وبعد أن تأكد لوبش فلكاو من أن استرجاع تلك القلعة والمدينة يمثل فائدة وخدمة لجلالتكم ومن كونه يعطينا اعتباراً، وبعد أن وضعت بدوري كل هذه الاعتبارات نصب عيني، لاحظت أنه من الأفيد الذهاب إلى هناك خصوصاً وأن الأمر لا يمثل أي مغامرة، وأنه لا يتطلب أكثر من إشغال جنودنا الأمر الذي فضلته على بقائهم خاملين بهرمز.
وإثر اتخاذي القرار اتممت استعدادي بسرعة وانطلقت رفقة 200 برتغالي وستة أو سبعة آلاف فارسي وعربي أمره ملك هرمز والوزير بمرافقتي، والذين جعل على رأسهم الرئيس نور الدين بن الرئيس شرف الذي يعتبر من أهم الشخصيات.
وبعد مغادرتنا لهرمز وصلنا بعد أيام قليلة إلى البحرين حيث مكثت أياماً قليلة لأنهي جمع قطع الأسطول ولتوفير بعض الأشياء اللازمة للحصار لكوننا لم نكن إلا على بعد تسعة لغوات من القطيف.
وفور جمع كل ما كان ضرورياً انطلقت من جديد، وفي اليوم التالي اقتحمنا الميناء الذي دخلناه خلال الليل، ووطئت أقدامنا الأرض قبل الفجر، فكان في انتظارنا ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف محارب كانوا بالمدينة قتلوا لنا حوالي ثلاثين أو أربعين فارسياً من فرقتي وبرتغاليين اثنين وقتلنا لهم بدورنا عدداً أكبر مما أرغمهم على الأبتعاد عن المدينة التي كان باقي سكانها قد فروا عنها، وبما أن اليابسة أضحت آمنة فإننا انزلنا المدفعية التي شرعت فور ذلك في قذف الأسوار في قسم لم يكن يتوفر على خندق. وهكذا قصفناه خلال أربعة أيام أي أكثر ما يمكن للمدفعية أن تتحمله. وبما أننا لم نتمكن إلا من إسقاط قسم منه على علو يسمح باستعمال السلالم فإنني قررت اقتحام المدينة قبل إسقاط قسم أكبر لمناعة تلك الأسوار ولكون ذلك يتطلب أياماً أخرى خصوصاً بعد أن علمت أن نفس الملك قادم للدفاع عنها لكونه كان بالأحساء التي تبعد عن القطيف بسميرة ثلاثة أيام وأنه كانعلى رأس 14000 أو 15000 محارب وعدد كبير من الفرسان وضاربي البنادق، هذا فضلاً عما سببته لنا مدفعية وبنادق القلعة من متاعب وكذا حالات الاستنفار التي كانت تان باستمرار بسبب هجمات أولئك 3000 أو 4000 محارب الذين اصطدمنا معهم وقت إنزال جنودنا، الأمر الذي أتعب كثيراً محاربينا وخصوصاً منهم الفرس الذين لم يكونوا متعودين على مثل هذا المجهود.
ورغم ما يمثله دخول المدينة اعتماداً على السلالم من خطورة فأني فضلته كثيراً على البقاء في انتظار هجمات أخرى، إلا أنهم ما أن علموا باستعدادنا لنصب تلك السلالم حتى شرعوا ابتداءً من منتصف الليل في أخلائها، واعترف لجلالتكم أن ذلك أحدث فرحاً كبيراً في المحلة ولكي يحول البرتغاليون دون فرار أكثرهم تسلقوا الأسوار خلال الليل وقتلوا بعضهم وأسروا أعداداً أكبر الأمر الذي أدهش المسلمين المرافقين لنا أكثر مما أدهش الأعداء الخائفين لكونهم لم يكونوا متعودين على اقتحام القلاع في مثل ذلك الظلام.
وفور ذلك علمت خلال اليوم التالي أن الشيخ "مانا" وصل إلى محل يبعد عن القلعة 2 لغوات على رأس الجيش الذي هب به للدفاع عن المدينة وأنه حسب ما قيل لي، ما إن علم بسقوطها حتى عاد من حيث أتى ولم يصلنامنه أي أذى.
وبعد تحطيم ما استطعت تحطيمه من القلعة سلمتها للرئيس نور الدين على الشكل الذي سلمت لهم باقي قلاع مملكة هرمز، وتوجهت نحو هرمز لقرب الوقت الذي يجب علي فيه الالتحاق بالهند.
___________________
الهوامش
( 1 ) وفاء الوفاء للسمهودي 3/1093.
( 2 ) الضوء اللامع للسخاوي 1/190.
( 3 ) تايخ ابن لعبون ص32.
( 4 ) الشيخ بن فرج- السلاح العدة، النسخة التيمورية- ص12.
( 5 ) الكواكب السائرة 1/215.
( 6 ) بدائع الزهور تحقيق الدكتور محمد زياد ص201.
( 7 ) التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية- تأليف العلامة الشيخ محمد بن الشيخ خليفة بن حمد بن موسى ص71، دار أحياء العلوم بيروت.
( 8 ) مجلة الوثيقة- العدد الرابع- السنة الثانية- ربيع الآخر 1404هـ ص124.
( 9 ) مجلة الوثيقة- العدد الرابع- السنة الثانية- ربيع الآخر 1404هـ ص125.
( 10 ) بدائع الزهور- تحقيق الدكتور محمد زيادة.
( 11 ) مجلة الوثيقة- العدد الرابع- السنة الثانية ربيع الآخر 1404هـ ص125.
( 12 ) تقع هرمز على مدخل الخليج العربي وهي جزيرة قاحلة يعدم فيها الماء والنبات حيث لا يوجد بها سوى ثلاثة آبار وخزانات تجلب إليها المياه من مناطق فارس الداخلية، وهي مع ذلك مدينة بالغة الأهمية حيث تتحكم في مدخل الخليج العربي من جهة وفي تجارة الشرق الأقصى من جهة أخرى وكانت هرمز على مستوى علا من الغنى والرفاهية وهي مدينة جميلة جداً ورغم أنها كان تدين في بداية القرن 16 بولاء اسمي لملك الفرس وتدفع له ضريبة سنوية فإنها كانت تتحكم في جل جزر وموانيء الخليج العربي من عمان إلى القطيق والبحرين وكانت تلك السيطرة السياسية والتجارية توفر لملكها موارد مهمة فقد ذكرت المصادر البرتغالية أن ضرائب المناطق التابعة لها كانت تقدر سنوياً 41.300أشرفي بينما كان مجموع الضرائب الجمركية يصل إلى 100.000 أشرفي ونظر لهذه الأهمية السياسية والتجارية والاستراتيجية حول البرتغاليين هرمز إلى أحد أهم مدنهم بالشرق وحرصوا على وضعها تحت سيطرتهم.
( 13 ) الغريزي- نشبة آل عرير من عقيل.
( 14 ) قيس عيلان- القبيلة العظيمة.
( 15 ) ضاحي اللوى- طرق الرمل، رمب يبرين المتصل بالدهناء جنوب الأحساء.
( 16 ) العارض- عارض لليمامة- جبل طويق.
( 17 ) لام- قبيلة من طيء معروفة.
( 18 ) حجر المدينة الشهيرة التي قامت الرياض على انقاضها.
( 19 ) يزيد ومزيد- عشيرتان من بني حنيفة.
( 19 ) هوابن السلطان سليم الأول الذي انتزع الخلافة من العباسيين في مصر.
( 21 ) أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري- أنساب الأسر الحكمة في الأحساء القسم الأول ص241.
( 22 ) الوثيقة- العدد الرابع- السنة الثانية ربيع الآخر 1404هـ ص134، 135.
( 23 ) مجلة الوثيقة- العدد الرابع السنة الثانية- ربيع الآخر 1404هـ ص137، 138.
الأمير سيف بن زامل الجبري:
في بداية العقد الثالث من القرن التاسع بدأت نهاية حكم بني جروان تلوح في الأفق فقد استشرى خطر زعيم الجبرين سيف بن زامل الجبري وازداد نشاطه في سبيل تقويض العرش الجرواني والإطاحة به. ولم يدخر آخر أمراء آل جروان إبراهيم بن ناصر وسعاً محاولة القبض على سيف الجبري لإعدامه غير أن الأخير ابتدره بهجوم مكثف فظفر بقتله وانتزاع السلطة منه وأعلن نفسه ملكاً على الأحساء. ونظراً لحميد سيرته في الحكم بين الناس فقد أحبته الرعية وأخلصت له الولاء والطاعة، وكان له أخوان هما هلال، وأجود الذي تبوأ سدة الحكم على إثر وفاة الأمير سيف.
الأمير أجود بن زامل:
ولد الأمير أجود بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري في بادية الأحساء في شهر رمضان سنة ثمانمائة وإحدى وعشرين هجرية- 1418م فآل إليه الحكم بعد وفاة أخيه سيف بن زامل فكان عهده من أزهى العهود وأكثرها ازدهاراً بالأمن والرخاء والعلم والإصلاح، وقد دانت له جميع أراضي البحرين حتى استرد السلطة في القطيف وجزيرة أوال من السلطان سرغل بن نور شاه سنة ثمانمائة وثمانين هجرية- 1475/.
كما استملك الأمير أجود جزيرة هرمز من السلطان الذكور لقاء وقوفه إلى جانب في نزاع سرغل مع إخوته على العرش، وقد اتسع ملك الأمير أجود فشمل نجد حيث سار سنة تسعمائة هجرية- 1494م على رأس جيش كبير من الحاضرة والبادية وصحب بوادي زغب والعوازم وهيتم على ثاج وغنم منهم شيئاً كثيراً وقتل عدة رجال من الفريقين. ثم توجه إلى نجد وصبح الدواسر على الرويضة وأخذهم وقتل منهم عدة رجال. وكان الجبريون قد أخضعوا نجد لنفوذهم قبل هذا التاريخ. وفي سنة ثمانمائة وثلاث وتسعين هجرية- 1487م قام ابنه سيف بالأستيلاء على عُمان وانتزاع السلطة فيها من يد شهاب بن نبهان وجعل على ولايتها عمر ابن الخطاب الأباضي وأقفل عائداً إلى وطنه، وفي ذات العام قام الأمير أجود بن زامل بأداء فريضة الحج بخمسة عشر ألفاً من أتباعه كما حج أيضاً سنة تسعمائة وإحدى عشر هجرية –1505م في جمع عظيم يقال إنهم يزيدون على ثلاثين ألف، فأكثر من البذل والصدقات على أهل الحرمين وغيرهم. وقد كان لسيرته الحميدة في مملكته ولما يتحلى به من صفات الملك الصالح شهرة واسعة وصيت عريض تغنت بمناقبة العامة من أهل البلاد وأشاد بفضائلة الخاصة من علماء عصره، يقول السمودي في نعته( 1 ) :
(رئيس أهل نجد ورأسها سلطان البحرين والقطيف، فريد الوصف والنعت في جنسه صلاحاً وأفضالاً وحسن عقيده أبو الجود بن جبر أيده الله تعالى وسدده).
وقال السخاوي( 2 )
(وصار رئيس نجد ذا أتباع يزيدون على الوصل مع فروسية تعددت في بدنه جراحات كثيرة بسببها، وله إلمام ببعض فروع المالكية واعتناء بتحصيل كتبهم استقر في قضائه بعض أهل السنة منهم بعد أن كانوا شيعة وأقام الجمعة والجماعات وأكثر من الحج في أتباع كثيرين يبلغون آلافاً مصاحباً للتصديق والبذل).
وقال ابن لعبون( 3 ) وهو يتحدث عن الجبور:
(وكان للجبور المذكورين دولة ورياسة بادية وحاضرة في الأحساء والقطيف وعُمان وتلك النواحي ومعظمها في القرن التاسع، وأشهرهم في الرياسة والملك والسخاء والجود أجود ابن زامل الجبري العقيلي كان له صيت عظيم هو وبنوه).
وقد وصفه الوزير عمادالدين محمود بن أحمد القواني الجيلاني الشهير بخواجه جيهان والذي يعتبر أشهر رجال السلطة البهمينية في الهند التي إمتد حكمها من سنة ثمانمائة وثمان وأربعين هجرية- 1444م إلى سنة تسعمائة وثلاث هجرية- 1526م).
يقول في معرض حديثة عن أجود: (إنه ملك ملوك العرب مالك البر واليم) وقد عمر السطان أجود بن زامل حتى نيف على التسعين وليس في المصادر المتوفرة ما يشير إلى تاريخ وفاته إلا أن حجه سنة تسعمائة وإحدى عشرة هجرية- 1505م ثم حج ابنه محمد سنة تسعمائة واثنتي عشرة هجرية- 1506م ونعته أنذاك بسلطان البحرين يجعل من المراحج أن وفاة الأمير أجود كانت بين هذين التاريخين.
وقد أعقب الأمير أجود خمسة أبناءهم: محمد، وزامل، ومقرن، وسيف، وعلى. ومن آثاره قصر بقرية المنيزلة من قرى الهفوف الشرقية لا تزال رسومه باقية.
الأمير محمد بن أجود بن زامل:
حين تسلم الأمير محمد مقاليد الملك من والده أجود بن زامل كانت الدولة على جانب عظيم من العزة والازدهار، وعلى النقيض من ذلك كان حكم الأشراف في مكة، فقد أفضى خلافهم على الإمارة إلى ضعف السلطة عجزها عن كبح جماح رجال البادية فاستشرى نشاطهم الإرهابي في تلك البلاد وتوالت غارات النهب والسلب على مدينة جدة فاضطرب الأمن بالحجاز وعمت الفوضى واستبد الهلع والرعب في قلوب الناس، فكتب شريف مكة بركات بن محمد للسلطان محمد بن أجود في هجر يطلب منه النجدة لوضع حد لعبث رجال البادية( 4 ) فسار السلطان محمد بن أجود إلى مكة في خمسين ألفاً من عسكره ودخلوها محرمين فوجدوا الأوضاع الأمنية قد استقرت بها بعدما بعث الغوري من مصر بجيش لنجدة الأشراف تمكن من تعقب الأعراب والأخذ على أيديهم وكفى الله المؤمنين القتال. حينئذ أنعم الأمير ممد ابن أجود باشا العسكر المصري بخلعه سنية ثم عاد إلى وطنه بمن معه بعد أداء مناسك العمرة.
الأمير مقرن بن زامل:
تسلم السلطة بعد وفاة الأمير محمد بن أجود ابن أخيه مقرن بن زامل ونافسه في الاستيلاء عليها خاله الأمير صالح بن سيف الجبري ولعل صالح هذا تمكن من حكم البحرين لبعض الوقت، فقد وصفه العزى( 5 ) بأنه السلطان بن السلطان كما وصفه بأنه عادل في ملكه ولعله قد انفرد بحكم الأحساء وهو الأكثر احتمالاً، ومما يعزز هذا الاحتمال أن ابن إياس( 6 ) قد وصف الأمير مقرن بأنه متملك جزيرة البحرين إلى بلاد هرمز دون الإشارة إلى الحكم في الأحساء. على أن الحرب قد استمرت بينهما سجالاً غير أن صالح بن سيف الجبري زهد أخيراً في الملك وتوابعه فانصرف إلى طلب العلم، فقصد لهذه الغاية مدينة دمشق سنة تسعمائة وسبع وعشرين هجرية- 1521م مستخفياً تحت اسم مستعار وكانت وفاته في بلده سنة تسعمائة وثلاثين هجرية- 1523م.
أما الأمير مقرن قد استمر في السلطة، وفي أيامه أخذ البرتغاليون في الظهور على مياه الخليج والبحر الأحمر، كما شرع العثمانيون في سبيل التصدي للبرتغاليين بإقامة الصلات بينهم وبين زعامات المنطقة فزودوا الأمير مقرن بعدد من الجنود الأتراك وبعض البنادق لتدريب قواته على استعمال السلاح الحديث.
وفي سنة تسعمائة وست وعشرين هجرية- 1520م توجه الأمير مقرن لأداء مناسك الحج والعمرة وقيل إنه لما دخل مكة والمدينة تصدق على أهلها بنحو خمسين ألف دينار. وكان البرتغاليون في هذه الأثناء قد وضعوا بلاده ضمن خريطة أطماعهم فاضطر للعودة من الحجاز ليتولى بنفسه الإشراف على تنظيم قواته استعداداً للمعركة الفاصلة بينه وبين هؤلاء الغزاة فشرع في إعداد أسطول بحري مستعيناً في بنائه بصناع مهرة من الترك والعرب والفرس كما أخذ في إعادة تحصين القلاع والأسوار في القطيف وجزر البحرين.
أسباب الغزو البرتغالي للبحرين
لمعرفة أهم الحوافز التي صاغت البرتغاليين لحرب الجبريين وانتزاع جزر البحرين منهم لابد من الإشارة إلى طبيعة العلاقة بين الجبريين وملوك هرمز منذ أيام حكم السلطان أجود. ففي أعقاب وفاة فخر الدين توران شاه ملك هرمز اندلع اختلاف حاد بين أولاده الأربعة وهم: مقصود، وشهاب الدين، وسلغور، وياس، فأفضى ذلك النزاع إلى أن قتل كل منهم الآخر، فهرع سلغور إلى السطان أجود بن زامل يطلب منه النجدة والمساعدة في تمكينه من الاستيلاء على مقاليد الحكم في هرمزمقابل إسقاط ما يدعيه حكام هرمز من حقوق في جزر البحرين والقطيف، فأجابه السلطان أجود إلى ما طلب، وتم الاتفاق على ذلك في معاهدة محررة وقعها الطرفان، لذلك أعد السلطان أجود جيشاً جعل على قيادته ابنه زامل، فسار إلى هرمز ووطأ الأمر لسلغور وتوجه ملكاً عليها، غير أن هذا الملك لم يكد يستقر في الحكم حتى تناسى اتفاقه مع الجبريين فأظهر التمرد وأرسل إلى السلطان أجود يطلب منه دفع عائدات بساتين في البحرين والقطيف غير أن السلطان الجبري أبى ذلك وتمسك بنصوص المعاهدة المبرمة بينهما. فشن سلغور على البحرين غارات متعددة أسفرت عن اتفاقية أخرى بين سلغور وأجود تنص على أن تصبح جزر البحرين تحت إدارة الجبور مقابل دفع مكوس سنوية لحكام هرمز من واردات البحرين. إلا أن الجبريين لم يدفعوا الإتاوة المقررة فتجدد الصراع واشتد بين الطرفين، وتوفى الأمير أجود واصبحت السلطة الفعلية في هرمز بيد خواجة عطار وهو عم ملكها فقام بمهاجمة البحرين في سنة تسعمائة وسبع عشرة هجرية- 1511م.
ويستشف من المصادر البرتغالية أن للمدعو فرير بن رحال وهو أحد وزراء الأمير مقرن بجزيرة أوال يداً في هذا الصراع. إلا أن الجبريين لم يقفوا من هذا الغزو مكتوفي الأيدي قام مقرن بن زامل بمهاجمة هرمز من ناحية عمان الداخل، فاضطر خواجه عطار للانسجاب من البحرين وظفر السلطان بفرير بن رحال فأعدمه على الفور.
وتنفرد التحفة النبهانية( 7 ) بالإشارة إلى أن الغزو الفارسي للبحرين جاء بمساع من زوجة الوزير فرير بن رحّال ثاأراً لزوجها الذي قتله السلطان مقرن في قصة وصفه الشيخ عبدالله خالد الخليفة بقوله "إن هذه القصة يغلب عليها الخيال في جميع أدوارها"، ومهما يكن من شيء فإن توران شاه قد اتخذ من امتناع مقرن عن دفع عائدات بساتين القطيف والبحرين له ذريعة لبسط النفوذ على هاتين المدينتين، وقد علل توران شاه للبرتغاليين عجزه عن دفع الضرائب لهم بأن مقرن يتعرض للسفن التي تبحر بين هرمز والبصرة الأمر الذي شجع البرتغاليين على أخذ زمام المبادرة في القضاء على دولة الجبريين لأن الاستعمار البرتغالي لم يكن ليسقط من حساباته خطر الجبريين عليه باعتبار دولتهم من أهم القوى وأقدرها على حشد القبائل العربية ضد مخططاته التوسعية في الخليج. لهذه الأسباب ولما لجزر البحرين وسواحلها من أهمية استراتيجية واقتصادية عقد البرتغاليون العزم على إلحاق هذه البلاد بدائرة نفوذهم، فمهدوا لغزوها بالسطو على السفن ونهب حمولاتها ثم أعقبوا ذلك بهجوم على جزيرة البحرين قادة خواجه عطار في سنة تسعمائة وثمان عشرة هجرية- 1511م غير أن الجبريين أرغموه على التراجع إلى هرمز، وبعد سبع سنوات من هذا الحادث قاد بيرو وهو ابن أخير البوكيرك أسكولاً من أربع سفن للإغارة على البحرين ولم يعد بطائل.
سقوط البحرين في يد البرتغاليين واستشهاد الأميرمقرن بن زامل:
وفي 15 يوليو 1521م قدم أنطونيو كوريا لغزو البحرين على رأس قوة قوامها أربعمائة جندي برتغالي مزودين بالمدافع الثقيلة في أربع سفن مدعمة بقوة أخرى أقبلت من هرمز بقيادة رئيس شرف الدين مكونة من ثلاثة آلاف مقاتل من مرتزقة الفرس والعرب، وقد أخذت الأهبة للهجوم على جزيرة أوال، وكان الأمير مقرن قد أعد العدة للتصدي لهذا الغزو فحصن القلاع ووضع المتاريس، وبنى حاجزً عره متران ونصف من الجس والجير وجعل واجهته من جذوع النخل حتى أضحى يقوم مقام سور منيع وقسم جنوده على السور كأعظم ما يكون القادة العسكريين( 8 ) وكان جيشه مكوناً من اثني عشر ألف جندي من العرب فيهم ثلاثمائة فارس وأربعمائة من الرماة وعشرون جندي من الأتراك مسلحين بالبنادق كانوا يقومون بتدريب العرب على استعمالها.
وحين أزفت المعركة بين الفريقين أمر مقرن قواته بأن تصطف بمحاذاة سور قلعة البحرين في حين ظل القائد البرتغالي بسفنه ينتظر المدد ستة أيام حاول أثناءها البرتغاليون التسلل إلى البر إلا أن محاولتهم باءت بالفشل فاضطروا للتراجع إلا سفنهم تحت جنح الظلام، ولما استكمل أنطونيو كوريا اسعداداته للغزو الضراوة كان أثناءها القائد البرتغالي بحمل علماً وينتقل بين صفوف جنوده يحثهم على اقتحام القلعة ويذكى يهم روح العزيمة والصمود في قتال أهل البحرين وفي هذه الأثناء أصيب بجرح في ذراعه الأيمن، وكادت شجاعة المسلمين وحرارة الطقس وما ظهر على الغزاة من إرهاق شديد أن تحسم المعركة لصالح الجبريين لولا أن القائد مقرن الذي كان يتصدر الصفوف بكل جرأة( 9 ) أصيب بجرح في ساقه وقيل بطلق ناري في رأسه وهو يطوف بجنوده يحثهم على القتال ويستنهض هممهم وعلى الفور نقل إلى الجامع حتى وافاه الأجل بعد ثلاثة أيام في رواية أو بعد ستة أيام في رواية أخرى، وكان لاستشهاده وقع الصاعقة على رؤوس جنوده فانهارت معنوياتهم ودبت الهزيمة في صفوفهم فشدد الغزاة عليهم الضربات كما ضاعفوا قصف القلعة بالمدافع الثقيلة إلى أن أزالوا جزءاً كبيراً من أسوارها، وقد تولى إمره الجيش بعد استشهاد السلطان مقرن ابن أخته الشيخ حميد فأمر الجند بالانسحاب إلى القطيف مصطحبين معهم جثمان مقرن رغبة في إرساله للأحساء ليدفن فيها. وتعقب الغزاة السفينة التي تقل جثمان الأمير فتمكن شرف الدين قائد قوات هرمز من الظفر بها فاحتز رأس القائد مقرن وحمله معه إلى هرمز. وقيل أن أنطونيو كوريا هو الذي قبض على السفينة المقلة لجثمان مقرن وأنه هو الذي احتز رأسه.
ويفهم من رواية انفرد بذكرها ابن إياس( 10 ) أن السلطان مقرن كان على قيد الحياة عندما وع في كمين أعده الإفرنج المخذولون وقد افتدى نفسه منهم بألف ألف دينار فلم يقبلوا إلى أن مات صبراً بين أيديهم، وهذه الرواية لا يمكن قبولها إلا إذا كان الأمير مقرن قد جرح في المعركة مع البرتغاليين وظل على قيد الحياة إلى أن وقع في قبضتهم أثناء محاولة انسحاب البقية الباقية من جيشه إلى القطيف.
وبإستشهاد الأمير مقرن وتدمير قلعة البحرين تم للبرتغاليين حسم المعركة لصالحهم، وعين كوريا على رأسها والياً عربياً أطلقت عليه المصادر البرتغالية إسم لوكات فبسطوا نفوذهم على البحرين وألحقوها بتبعية هرمز( 12 ) ووضعوا حامية برتغالية في قلعتها بعد ترميمها وقد أطلقوا على مدينتها اسم المنامة وذلك في 27 يوليو 1521م حيث انفصلت جزيرة أوال منذ هذا التاريخ عن حكم الجبريين ولم يعد في أيديهم سوى الأحساء وقطر.
وبعد انتزاع جزيرة أوال من أيدي الجبريين واستشهاد أميرهم مقرن من أهم الإنجازات التي احرزها البرتغاليون في الخليج، فقد نقشت المعركة على مسلة من الحجز كما رسم رأس الأمير مقرن على درع أنطونيوا كوريا الذي نسجت حوله في الكتب البرتغالية قصص البطولات وعده البرتغاليون من الأبطال الخياليين، وقد أمر ملك البرتغال يوحنا الثالث بأن يقرن اسم البحرين باسم انطونيوا كوريا بعد أن أنعم عليه بوسام النصر وإذن له بأن يلبس الدرع الذي به رسم رأس البطل مقرن.
وكان الأمير مقرن بن زامل من أبرز رجال عصره يصفه ابن إياس بقوله:
"وكان أميراً جليل القدر معظماً مبجلاً، وفي سعة المال، مالكي المذهب، سيد عريان الشرق على الاطلاق" وقد عد موته من أشد الحوادث في التاريخ الإسلامي وأعظمها.
أما جعيثن اليازيدي من شعراْ العامية في زمانه فيقول في مدحه:-
ولاقيت بعد السير ياناق مقرن**** وقابلت وجهاً فيه للحمد شاهد
نشا بين سيف العريري 13 )زامل ****فيالك من عم كريم وماجد
نشا أجود وسلطان قيس14 ) وركنها****عن الضيم أو في المعضلات الشدايد
حمى بالقنا هجراً إلى ضاحي اللوى15 ) ****إلى العارض 16 ) المنقاد نابي الفرايد
ونجد رعى ربعى زاهي فلاته**** على الرغم من سادات لام17 ) وخالد
وسادات حجر 18 ) من يزيد ومزيد 19 )****قد اقتادهم قود الفلا بالقلايد
ولاة هجر بعد استشهاد الأمير مقرن
في أعقاب استشهاد الأمير مقرن بن زمل تولى أمر البلاد تحت إشراف البرتغاليين عمه على ابن أجود مدة شهر واحد ثم تلاهن ابن أخيه ناصر بن محمد بن أجود ومكث في الحكم ثلاث سنوات ثم باع الملك لقطن بن علي بن هلال بن زامل ومات بعد سنة من حكمه، وخلفه ابنه الذي تنازل لغصيب بن زامل بن هلال، وفي عهد غصيب اشتد النزاع بين آل جبر على الحكم فاستعان بعضهم بالشيخ راشد بن مغامس والي البصرة فكانوا كلامستجير من الرمضاى بالنار فقد قدم الشيخ راشد إلى هجر وانتزع الحكم من أيدي آل جبر ونصب نفسه ملكاً عليها وترك أخاه محمداً على ولاية البصرة.
ولاية السلطان راشد بن مغامس
حين استفحل الخلاف بين أمراء آل جبر انتهى بهم المطاف إلى الاستعانة بالشيخ راشد بن مغامس الذي تمكن من الاستقلال بالبصرة في سنة تسعمائة وإحدى وثلاثين هجرية- 1515م فسار راشد بن مغامس على رأس جيش كثي متوجهاص إلى هجر ونجح في تصفية الخلاف بين آل جبر لصالحه وانتزع السلطة من الجبريين وأعلن نفسه حاكماً على الأحساء والقطيف سنة تسعمائة وثلاث وثلاثين هجرية- 1526م وقد اتخذ الأحساء قاعدة لملكه وجعل أخاه محمداً والياً على البصرة. وبعد أن استتب له الأمر في البحرين سار إلى مكة لأداء فريضة الحج والعمرة وبصحبته أخوه محمد وقاضيه الشيخ العلامة جمال الدين محمد بن عبدالعزيز الشهير برفرف وعلى إثر استيلاء العثمانيين على العراق ودخولهم بغداد سنة تسعمائة وأربع عشرة هجرية- 1508م تقدم السلطان راشد بن مغامس بالولاء لسلطان العثماني سليمان الأول القانوني( 20 ) وأعطاه مفتاح مدينة البصرة، إلا أن راشد بن مغامس سرعان ما ساءت العلاقة بينه وبين الترك فتحركت في نفسه النزعة الاستقلالية واتصل بالقائد البرتقالي في هرمز لويس خلقو سنة تسعمائة وإحدى وخمسين هجرية- 1544م يطلب منه المساعدة على قتال العثمانيين في البصرة فوافق القائد البرتغالي على نجدة ابن مغامس شريطة تخليه عن القطيف للبرتغاليين، وهناك لم تجد الدولة العثمانية مناصاص من حكم المنطقة حكماً مباشراً باعتبارها خط الدفاع الشرقي عن المقدسات الإسلامية في الحجاز ضد أطماع البرتغاليين الذين تصاعد نشاطهم على شواطئ الخليج آنذاك. لذلك أمر السلطان سليمان الأول وإلى بغداد الياس باشا بأن يسير على رأس جيش للاستيلاء على البصرة، فقام بالاستيلاء عليها سنة تسعمائة وست وخمسين هجرية- 1550م فعينعلى ولايتها محمد باشا فروخ، الأمر الذي ألجا السلطان راشد إلى الفرار من وجه السلطة العثمانية حيث توارى في نجد، ويرجع الأستاذ أبوعبدالرحمن الظاهري أن زوال دولة ابن مغامس في البحرين كانت على يد الجبريين الذين نجحوا في استرداد الحكم فهو يقول( 21 ) (وقد دلت القرائن على أن دولة راشد لم تستمر في الأحساء إلى سنة تسعمائة وثلاثة وستين هجرية- 1555م وهو تاريخ استيلاء الأتراك على هذه المنطقة لأن شعر الجليف دل على أن مقرن بن غصيب استرد ملك آبائه، ووجدنا في شعر الخلاوي أن ميع بن سالم من حكام الأحساء، وأفاد الغزاوي أن منيعاً آخر أمراء بني جبر فعلمنا أن دولة آل مغامس زالت على يد آل جبر في الأحساء وزالت على يد الأتراك في البصرة) الأمر الذي يحمل على الاعتقاد أن آل جبر قد استردوا نفوذهم على الأحساء إبان فترة النزاع بين أبن مغامس والعثمانيين.
ومما يزيدنا أطمئناناً إلى هذا الاعتقاد أيضاً أن المصادر البرتغالية قد أشارت في أكثر من وثيقة إلى أن الأحساء في سنة تسعمائة وست وثلاثين هجرية 1529م إلى سنة تسعمائة وإحدى وخمسين هجرية- 1545م كانت تحت سلطة ملك أطلقت عليه تلك المصادر اسم الشيخ ماننج بن رشيد مرة والشيخ "مانا" مرة أخرى. وإذا أخذنا في الاعتبار ما يقع في الأسماء المدونة بغير العربية من تصحيف وتحريف نتيجة عسر النطق بها صحيحة على ألسنة غير العرب وكذلك التقارب اللفظي بين ماننج ومانا، ومنيع يمكننا القول أن المعنى بالاسمين الواردين في الوثائق البرتغالية سالفة الذكر هو اسم منيع الذي وصفه العزاوي بآخر أمراء بني جبر وكون ماننج منسوباً إلى رشيد في إحدى الوثائق البرتغالية ومنيع منسوباً إلى سالم عند الخلاوي لا يقف حائلاً دون ما ذهبنا إليه إذ قد يكون رشيد أو راشد اسماً لوالد سالم أو أن أسرة منيع في آل جبر كانت تعرف بهذا الاسم لذلك أغفلت الوثائق المذكورة عند الكلام عن المنيع ذكر اسم أبيه واكتفت بذكر اسمه واسم الأسرة التي ينتمي إليها. حينئذ يكون اسمه كاملاً منيع بن سالم بن رشيد آل جبر.
هذا وأن الغموض في الأحداث والخلط في أسماء معايشيها من أصعب الأمور التي تواجه الباحث في تاريخ معظم أجزاء شبه الجزيرة ومناطق الخليج ومن بينهاهجر فيهذه الفترة التي تعد الوثائف البرتغالية من أهم مصادرها بالرغم مما ينطوي عليه من قصور في المعلومات الخاصة بهذه البلاد وما تحتويه من تشويه لحقائق التاريخ لكون هذه الوثائق قد كتبت من قبل أشخاص كان همهم الأول خدمة أنفسهم وتمجيد أعمالهم بغية الحظوة بالزلفي لدى رهبان الكنيسة ورجال البلاط في لشبونه.
وفيما نحن بصدده من الحديث عن من نعتقد أنه آخر أمراء بني جبر نورد من الوثائق البرتغالية وثيقتين تناولت إحداهما محاولات منيع (ماننج) ضم البحرين والبصرة إلى دائرة نفوذه. وهي رسالة موجهة من وزير هرمز ركن الدين إلى الرئيس المعزول شرف، ولكونها غير مؤرخة فإن وجود شرف في المنفى ووجود القبطان مرتين أبو نصودو ميلو على رأس إدارة هرمز يسمح بتأريخ الحدث بعد سنة 1529م على حد قول الأستاد أحمد بوشرب من المغرب.
أما الرسالة الثانية فقد وصلتنا عن طريق برنالين دوسوزا أحد قواد الأسطول البرتغالي بالهند الذي جاء إلى هرمز لحمايتها من هجوم تركي كان متوقعاً. وهي تقرير تضمن قيام ملك الأحساء منانا (منيع) باسترداد القطيف من ملك هرمز سنة تسعمائة وست وأربعين هجرية- 1539م ثم عودة القطيف لسيطرة هرمز في أعقاب هجوم شنه البرتغاليين عليها سنى تسعمائة وإحدى وخمسين هجرية 1545م ونظراً لما تلقيه هاتان الوثيقتان من أضواء على الأحداث بالمنطقة في هذه الفترة والتي يتضح من خلالها حرص ملوك الأحساء على وحدة البلاد ورفضهم للسيطرة الأجنبية على أي جزء منها فإننا نورد من هاتين الرسالتين ماله صلة بهده البلاد.
الرسالة الأولى: وهي من الرئيس ركن الدين وزير هرمز إلى الرئيس شرف حول محاولات ملك الأحساء السيطرة على البحرين والقطيف والبصرة بعد الديباجة والمعلومات غير ذات الصلة بموضوعنا نورد منها قوله( 22 ) : (أعلموا بعد هذا أن الملك محمد حاكم البحرين في صحة جيدة، وأن ملك الأحساء الشيخ ماننج بن رشيد مقبل على القطيف وعازم على الاستيلاء على البحرين وأنه تم تبادل عدة رسائل بينهما حتى أن سعيد بن عبدالله وهو من سكان الأحساء توسط بينهما فأمضيا هدنة إلا أن ملك الأحساء جمع عدداً كبيراً من المحاربين وعاد للاستقرار بالقطيف داخل قلعة جديدة أمر ببنائها بعد أمر بهدم القلعة القديمة. وما أن علم رجاله وباقي مرافقيه من سكان المنطقة بنواياه الرامية إلى محاربة مسلمي البحرين حتى فرَّ عنه أغلبهم بصحبة أبنائهم وزوجاتهم. وكان أول هؤلاء الفارين محمد بن رحال وذويه الذين رحلوا جميعاً مع آخرين لوضع أنفسهم تحت حماية والي البحرين. كما أن أحد أعيان المسلمين المسمى الشيخ محمد بن مسلمة قدم بدوره إلى البحرين صحبة قومه وذلك رغم أنه من الأحساء.
ولما رأىالملك ذلك انتقل إلىالبصرة.وبينما كان مخيماً بجوانبها انض عليه سكانها في أعداد كثيرة وهزموه وقتلوا له عدداً كبيراً من المحاربين بينما تمكن هو من الفرار على ظهر فرسه وذلك بعد أن تعرض لجروح بليغة وبالأحساء التي عاد إليها استطاع جمع عدد كبير من الرجال ضمنهم أعراب كثيرون. وحينذاك وصله خبر موت ملك البصرة الذي كان أحد أقاربه والذي كان يدين للأتراك بالولاء، والذي خلفه صبي بايعه سكان البصرة ملكاً على مدينتهم، وما أن علم ملك الأحساء بذلك حتى توجه مع رجاله نحو البصرة، واستغل حاكم البحرين الرئيس محمد ذلك وجمع عدداً كبيراً من الفرس والعرب وهاجم القطيف بحيث أحرق له مائة وخمسين مركباً ما بين كبير وصغير كانت من قبل في ملكية عاهل هرمز قبل أن تخونه وتصبح في حوزة ملك الأحساء.
ولما وصل ملك الأحساء إلى البصرة فتح له أعيان المدينة الأبواب بايعوه ملكاً. وفور تلك البيعة بالبصرة علم بإحراق حاكما البحرين لمراكبه، فأمر بمصادرة كل مراكب تجار البحرين الموجودة بالبصرة بالاستيلاء على سلعهم. غير أن أعيان المدينة استاءوا لذلك طردوه من مدينيتهم وبايعوا عوضاً عنه أحد أقاربه المسمى الشيخ يحيى، وأعادوا السفن والسلع لمسلمي البحرين وعرضوا لهم كل ما فقدوه.
والشيخ يحيى هذا رجل فاضل يرغب كثيراً في الحصول على صداقة البرتغاليين، أما ملك البصرة المذكور الذي طرده السكان منها فإنه عاد إل الأحساء وهو لا يزال يحلم بالاستيلاء على البحرين ويعد بالقيام بذلك في أقرت الآجال، ولن يصعب عليه ذلك لشدة قوته وكثرة جنوده. ولما علمت بهذه الأحداث التحقب بالقبطان مرتين أفونصودو ميلو لإشعاره بها وكذا الكاتب وأعيان البرتغاليين وقلت لهم إن عليهم إرسال أسطول لحماية البحرين أو بناء قلعة بالقطيف لضمان أمن البحرين، إلا أن القبطان أجابني منذ ثلاثة أيام أن مولانا الملك بتحمل مصاريف ضخمة بالهند وبهرمز الأمر الذي يحول دون إرسال أسطول إلى البحرين،و اقترح أن يجمع حاكم البحرين كل محاربين وأقاربه وأن يستولى لمدة سنة على الجبايات التي قد تكون هناك للفرس وذلك قصد تجهيز أسطول يمكنه من الأستيلاء على القطيف لذا بعث إليه القبطان برسالة موقعة من طرفة وكذا من لدن الكاتب يخبرانه يها أن العمل باقتراحهما يمثل خدمة لملك البرتغال، وأنه في حالة استيلائه على القطيف فأنه سيحتفظ بها لنفسه دون أن ينازعه في ملكيتها أحد، وأكدا له أن ملك هرمز موافق بدوره على ذلك. وبعث له ملك هرمز بدوره خطاباً آخر أن الحاكم لم ينفذ الاقتراح بعد.
ولقد تطوع محمد بن رحال ومحمد بن مسلمة بالمساهمة في نفقات تجهيز ذلك الأسطول. أما الرسالة الثانية فهي من برنالدو دو سوزا إلى الملك البرتغالي حول هجوم برتغالي على الخليج ونورد منها ما يلي( 23 ) :
وفور تأكدنا من عدم مجئ الأتراك أخبرني لوبش فلكاو أنه منذ ست سنوات انتزع ملك الأحساء الشيخ "مانا" من مملة هرمز قلعة ومدينة القطيف وأنه منذ ذلك التاريخ وملك هرمز ووزيره يطلبان من القباطنة السابقين، وكذا منه أن يمدوه بالعون اللازم لاسترجاعها وذلك طبقاً لما نحم ملزمونبه بشأن كل الحصون التابعة لملك هرمز، وليس فقط هذا الحصن الذي استولينا عليه في عهدنا هذا. لكن القباطنة السابقين كانوا يمتلصون باستمرار مدعين عدم توفر الجنود القادرين على الذهاب إلى هناك، الأمر الذي لايمكننا الآن التذرع به لوجودي هنا رفقة رجال لم تعد الحاجة إليهم لعدم مجئ الأتراك ولكون ملك هرمز ووزيره تعهدا بتحمل مصاريف الحملة، وذلك رغم أنهما غير ملزمين بذلك، وأنهما لا يطلبان أكثر من أن يرافقني الجنود البرتغاليون الذين يقدرون على ذلك، وكذا المدفعية والبارود اللازمين.
وبعد أن تأكد لوبش فلكاو من أن استرجاع تلك القلعة والمدينة يمثل فائدة وخدمة لجلالتكم ومن كونه يعطينا اعتباراً، وبعد أن وضعت بدوري كل هذه الاعتبارات نصب عيني، لاحظت أنه من الأفيد الذهاب إلى هناك خصوصاً وأن الأمر لا يمثل أي مغامرة، وأنه لا يتطلب أكثر من إشغال جنودنا الأمر الذي فضلته على بقائهم خاملين بهرمز.
وإثر اتخاذي القرار اتممت استعدادي بسرعة وانطلقت رفقة 200 برتغالي وستة أو سبعة آلاف فارسي وعربي أمره ملك هرمز والوزير بمرافقتي، والذين جعل على رأسهم الرئيس نور الدين بن الرئيس شرف الذي يعتبر من أهم الشخصيات.
وبعد مغادرتنا لهرمز وصلنا بعد أيام قليلة إلى البحرين حيث مكثت أياماً قليلة لأنهي جمع قطع الأسطول ولتوفير بعض الأشياء اللازمة للحصار لكوننا لم نكن إلا على بعد تسعة لغوات من القطيف.
وفور جمع كل ما كان ضرورياً انطلقت من جديد، وفي اليوم التالي اقتحمنا الميناء الذي دخلناه خلال الليل، ووطئت أقدامنا الأرض قبل الفجر، فكان في انتظارنا ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف محارب كانوا بالمدينة قتلوا لنا حوالي ثلاثين أو أربعين فارسياً من فرقتي وبرتغاليين اثنين وقتلنا لهم بدورنا عدداً أكبر مما أرغمهم على الأبتعاد عن المدينة التي كان باقي سكانها قد فروا عنها، وبما أن اليابسة أضحت آمنة فإننا انزلنا المدفعية التي شرعت فور ذلك في قذف الأسوار في قسم لم يكن يتوفر على خندق. وهكذا قصفناه خلال أربعة أيام أي أكثر ما يمكن للمدفعية أن تتحمله. وبما أننا لم نتمكن إلا من إسقاط قسم منه على علو يسمح باستعمال السلالم فإنني قررت اقتحام المدينة قبل إسقاط قسم أكبر لمناعة تلك الأسوار ولكون ذلك يتطلب أياماً أخرى خصوصاً بعد أن علمت أن نفس الملك قادم للدفاع عنها لكونه كان بالأحساء التي تبعد عن القطيف بسميرة ثلاثة أيام وأنه كانعلى رأس 14000 أو 15000 محارب وعدد كبير من الفرسان وضاربي البنادق، هذا فضلاً عما سببته لنا مدفعية وبنادق القلعة من متاعب وكذا حالات الاستنفار التي كانت تان باستمرار بسبب هجمات أولئك 3000 أو 4000 محارب الذين اصطدمنا معهم وقت إنزال جنودنا، الأمر الذي أتعب كثيراً محاربينا وخصوصاً منهم الفرس الذين لم يكونوا متعودين على مثل هذا المجهود.
ورغم ما يمثله دخول المدينة اعتماداً على السلالم من خطورة فأني فضلته كثيراً على البقاء في انتظار هجمات أخرى، إلا أنهم ما أن علموا باستعدادنا لنصب تلك السلالم حتى شرعوا ابتداءً من منتصف الليل في أخلائها، واعترف لجلالتكم أن ذلك أحدث فرحاً كبيراً في المحلة ولكي يحول البرتغاليون دون فرار أكثرهم تسلقوا الأسوار خلال الليل وقتلوا بعضهم وأسروا أعداداً أكبر الأمر الذي أدهش المسلمين المرافقين لنا أكثر مما أدهش الأعداء الخائفين لكونهم لم يكونوا متعودين على اقتحام القلاع في مثل ذلك الظلام.
وفور ذلك علمت خلال اليوم التالي أن الشيخ "مانا" وصل إلى محل يبعد عن القلعة 2 لغوات على رأس الجيش الذي هب به للدفاع عن المدينة وأنه حسب ما قيل لي، ما إن علم بسقوطها حتى عاد من حيث أتى ولم يصلنامنه أي أذى.
وبعد تحطيم ما استطعت تحطيمه من القلعة سلمتها للرئيس نور الدين على الشكل الذي سلمت لهم باقي قلاع مملكة هرمز، وتوجهت نحو هرمز لقرب الوقت الذي يجب علي فيه الالتحاق بالهند.
___________________
الهوامش
( 1 ) وفاء الوفاء للسمهودي 3/1093.
( 2 ) الضوء اللامع للسخاوي 1/190.
( 3 ) تايخ ابن لعبون ص32.
( 4 ) الشيخ بن فرج- السلاح العدة، النسخة التيمورية- ص12.
( 5 ) الكواكب السائرة 1/215.
( 6 ) بدائع الزهور تحقيق الدكتور محمد زياد ص201.
( 7 ) التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية- تأليف العلامة الشيخ محمد بن الشيخ خليفة بن حمد بن موسى ص71، دار أحياء العلوم بيروت.
( 8 ) مجلة الوثيقة- العدد الرابع- السنة الثانية- ربيع الآخر 1404هـ ص124.
( 9 ) مجلة الوثيقة- العدد الرابع- السنة الثانية- ربيع الآخر 1404هـ ص125.
( 10 ) بدائع الزهور- تحقيق الدكتور محمد زيادة.
( 11 ) مجلة الوثيقة- العدد الرابع- السنة الثانية ربيع الآخر 1404هـ ص125.
( 12 ) تقع هرمز على مدخل الخليج العربي وهي جزيرة قاحلة يعدم فيها الماء والنبات حيث لا يوجد بها سوى ثلاثة آبار وخزانات تجلب إليها المياه من مناطق فارس الداخلية، وهي مع ذلك مدينة بالغة الأهمية حيث تتحكم في مدخل الخليج العربي من جهة وفي تجارة الشرق الأقصى من جهة أخرى وكانت هرمز على مستوى علا من الغنى والرفاهية وهي مدينة جميلة جداً ورغم أنها كان تدين في بداية القرن 16 بولاء اسمي لملك الفرس وتدفع له ضريبة سنوية فإنها كانت تتحكم في جل جزر وموانيء الخليج العربي من عمان إلى القطيق والبحرين وكانت تلك السيطرة السياسية والتجارية توفر لملكها موارد مهمة فقد ذكرت المصادر البرتغالية أن ضرائب المناطق التابعة لها كانت تقدر سنوياً 41.300أشرفي بينما كان مجموع الضرائب الجمركية يصل إلى 100.000 أشرفي ونظر لهذه الأهمية السياسية والتجارية والاستراتيجية حول البرتغاليين هرمز إلى أحد أهم مدنهم بالشرق وحرصوا على وضعها تحت سيطرتهم.
( 13 ) الغريزي- نشبة آل عرير من عقيل.
( 14 ) قيس عيلان- القبيلة العظيمة.
( 15 ) ضاحي اللوى- طرق الرمل، رمب يبرين المتصل بالدهناء جنوب الأحساء.
( 16 ) العارض- عارض لليمامة- جبل طويق.
( 17 ) لام- قبيلة من طيء معروفة.
( 18 ) حجر المدينة الشهيرة التي قامت الرياض على انقاضها.
( 19 ) يزيد ومزيد- عشيرتان من بني حنيفة.
( 19 ) هوابن السلطان سليم الأول الذي انتزع الخلافة من العباسيين في مصر.
( 21 ) أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري- أنساب الأسر الحكمة في الأحساء القسم الأول ص241.
( 22 ) الوثيقة- العدد الرابع- السنة الثانية ربيع الآخر 1404هـ ص134، 135.
( 23 ) مجلة الوثيقة- العدد الرابع السنة الثانية- ربيع الآخر 1404هـ ص137، 138.