المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نمي شخصيتك.. صحح تفكيرك,


ابـو حـمـود
08-15-2006, 04:56 PM
موضوع جميل قرأته وحبيت انكم تقرونه

على أمل انه يعجبكم



نمي شخصيتك.. صحح تفكيرك,

ملامح نحو أخطاء التفكير، وعيوبه



التفكير شيء مهم.. وإذا عود الإنسان نفسه على التفكير الصحيح.. فإن ثمار ذلك سوف تكون طيبةً بإذن الله.. ربما يستفيد منها المعلم ذاته، أو يستفيد منها في تلقينها طلابه، في أن يجعل جزء ( لا يزيد عن عشر دقائق مثلا) من درسه، ليناقش أخطاء التفكير معهم... أو من الممكن أن تناقش في إحدى مجالس الأصدقاء......... أو قد لا تعجبك لا هذه الفكرة ولا تلك، فتفضل فقط أن تقرأها، لنفسك...
أتمنى للجميع ـ ولنفسي ـ الفائدة...

لماذا نخطئ

من الواضح أننا لا نستخدم التفكير دائماً، فالأمور المحسوسة لا تحتاج إلى استخدام الفكر في إدراكها، فإذا أردنا معرفة مساحة غرفة احتجنا إلى أداة نقيس بها.. ولكن حين تتعطل الوسيلة التي كنا نستخدمها، وندخل في مشكلة تأمين بديل عنها... حينها سنستخدم ما لدينا من الخبرات والمعلومات لنعثر على البديل... وهذا هو التفكير.

إن العقل البشري ـ بإمكاناته وبدهياته ـ يشبه إلى حد بعيد (بيئة الرحلة) المكونة من السيارة والطعام والشراب والخيام والملابس وأدوات الدفاع عن النفس.. وما شاكل ذلك. والمعلومات التي بحوزتنا تجاه قضية نفكر فيها تشبه الخرائط التي بحوزة أعضاء الرحلة. والحل الذي نسعى للحصول عليه، هو الوصول للبلدة في حلتنا الموهومة.

إذا تساءلنا عن أسباب إخفاقنا في الوصول إلى حل، وإخفاق أعضاء الرحلة في الوصول إلى البلد المستهدف، وجدنا خطأ ما وقع معنا ومعهم، ومنعنا ومنعهم من تحقيق ما استهدفناه.

فماذا يمكن أن يكون ذلك الخطأ؟

1- هناك احتمال في أن تكون أدوات الرحلة (من طعام مثلا) غير كافية للوصول إلى ذلك البلد. وهكذا حين يكون هناك وهن أو خلل في إمكاناتنا الذهنية من خيال وذاكرة وقدرات على التحليل والتركيب، فإن الوصول إلى حل جيد سيكون غير ممكن.

2-قد يعود إخفاق الفريق في الوصول إلى البلد المستهدف، عائدا إلى أن الخرائط التي في حوزته قديمة جدا أو غير دقيقة، فلم توفر لهم الإرشاد الكافي للوصول. فإذا كنا مثلا نفكر في إيجاد حلول للبطالة، ولم نجد معلومات حديثة ودقيقة، فإن عقولنا مهما كانت ممتازة لن تصل إلى الحل النظري الذي نريد.

3-قد يمارس بعض أعضاء الفريق ضغوطاً على قائد الفريق ليسير في طريقه على خلاف قناعاته، أو على خلاف ما تقوله الخرائط التي لديه، مما يؤدي إلى ضياع الفريق وعدم وصوله إلى ما يريد. هذه الضغوط تتمثل غالباً في أهوائنا وميولنا ورغباتنا، وخضوع العقل للرغبات أمر مشهود، ولا سيما عند ضعف الوازع الأخلاقي وتحلل الشخصية.

4-قد يعترض فريق الرحلة عقبات خارجية، كما لو اعترض سبيلهم سباع أو عواصف. وهكذا حالنا، نتعرض لضغوط اجتماعية مبناها على الأعراف والتقاليد الخاطئة، فنضطر إلى أن نصل إلى حلول نصف صحيحة.

5-إذا كان أعضاء الفريق يريدون الوصول إلى مدينة وليس إلى قرية صغيرة، فإن العارفين بطرق تلك المدينة سيكونون أكثر، أما إذا لم يكونوا يريدون الوصول إلى بلد معينة، وإنما إلى كنز عظيم مدفون فإنهم لن يتوقعوا أي مساعدة من أي أحد. وهكذا إن كنا نفكر في مشكلة ـ كالتدخين مثلا ـ فإننا نأمل أن نلقى المشورة من جهات عديدة. ولكن إذا كنا نفكر في قضية دقيقة وجزئية خاصة، فإن الذين يمكن أن يساعدوننا قلة أو غير موجودون، مثل أن يفكر شخصا في أسلوب لتغيير نظرة زوجته إليه أو في تخفيف المشاحنات بين أبنائه..

إننا لا ندرك إلا القليل القليل من الأحداث التاريخية والفرص السانحة والعقبات المعترضة.

وهكذا فالعوامل التي تؤدي إلى وقوعنا في الأخطاء أثناء التفكير عديدة ومتشعبة...

العجز عن التفصيل

إن من جملة المشكلات التي تنشأ من تفكير الأميين وأشباه الأميين ((العجز عن التفصيل والتقسيم))--> واللجوء إلى التفكير عبر الكليات.

وأساس هذه الوضعية هو أن الإنسان كائن اقتصادي يسعى دائماً إلى تقليل ما يبذله ما وجد إلى ذلك سبيلاً. ونحن حتى نوفر الجهد العقلي نحاول دائماً أن نتخلص من التفاصيل؛ وذلك لأن الناس في البيئات الأمية وشبه الأمية يستخدمون الذاكرة والطلاقة الشفوية في التواصل والتعاون مع المشكلات أكثر من استخدامهم الكتابة والتسجيل على الورق.
وهذا ملحوظ في إعلام كثير من الجماعات والأحزاب حيث التعبيرات المفضلة هي: ممتاز جداً، وسيء جداً، وقوي جداً، وضعيف جداً، وقريب جداً، وبعيد جداًَ.. أما نصف الممتاز والجيد والمتوسط والضعيف والمقبول إلخ.. فإنه يُنظر إليها على أنها تعبيرات رخوة لا تعبر عن الحقيقة، وهي أيضا تفاصيل لا حاجة إليها.

هذا العجز عن التفصيل ليس ناشئاً من عجز في العقل، ولكن من خلل في الثقافة، وخلل في التربية الفكرية؛ فالشاب الذي نشأ في جماعة ليس لها من همّ سوى مديح الذات ونقد الآخرين، لماذا يهتم بالتفاصيل، وأين يجهدها؟

إن الإعراض عن استخدام التفاصيل المطلوبة قد حجّم مساحات الحوار، وأشاع فينا ـ من حيث لا ندري ـ روح التحزب والشحناء والبغضاء. وعلى سبيل المثال فإن المجموعة التي ترى أنها مستقيمة جداً في سلوكها، ومصيبة جداً في اجتهادها ومذهبيتها، مضطرة إلى أن تنظر إلى من يخالفها أنه منحرف جداً ومخطئ جداً، لأن ذلك هو الذي يجعل رؤيتها لنفسها أشد وضوحاً وأعظم تبلوراً.

أما المجموعة التي تعتقد أنها مستقيمة ومصيبة، أو عليها بعض الملاحظات في السلوك، وعندها بعض الأخطاء في الاجتهاد، فإنها تكون قادرة على رؤية الاستقامة في السلوك والصواب في الاجتهاد لدى من يخالفها في منهجيتها، وبذلك تتوفر أرضية لقبول النقد ومراجعة الذات وفهم الآخر والتعاون معه وإنصافه وإعذاره. فهل لنا أن نتأمل بصدق وتجرد عدد المرات التي نقع فيها في هذا الخطأ؟


الخلط بين النظام المفتوح والنظام المغلق

يميل العقل البشري إلى الاعتقاد بالصواب المطلق. ويبدو أن ذلك يتم جرياً خلف قانون السهولة، إذ إنّ إدراك المطلق أسهل من إدراك النسبي.

أي جهد يبذل في أي مجال من مجالات الحياة يخضع لواحد من نظامين: نظام نسميه النظام المفتوح، ونظام نسميه النظام المغلق.

يكون النظام مغلقاً حين ينعدم تأثره بالعوامل الخارجة عنه. وبذلك يكون ارتباط العمليات المختلفة داخل النظام قوياً قوة مطلقة، وأوضح مثال على ذلك النظم الكيميائية، فإن مقدار معيناً من عناصر كيميائية محددة يتفاعل تفاعلاً واحداً ويعطي نتائج موحدة كلما فعلنا ذلك على مقتضى شروط التفاعل الأول. وبناء على هذا النظام تقوم الصناعات الكيميائية في كل أنحاء العالم.

أما النظام المفتوح فالوضع معه مختلف حيث يتم السماح لنظم أخرى باختراق النظام الذي نتبعه في عمل ما، والتشويش عليه، وجعل نتائج العمل في ظله مظنونة. وأظهر مثال على ذلك ما يتم في الأعمال التربوية والتجارية.
فنحن إذ نربي نتبع نظاماً معيناً في تعاملنا التربوية والتجارية، ولا يخالجنا الشك في جودة ذلك النظام، ولذا فإننا نتوقع نتائج جيدة لممارساتنا التربوية؛ لكن بما أننا نربي على أساس نظام مفتوح فإن نتائج تربيتنا لا تكون دائماً كما نتوقع، حيث يكون للمدرسة والشارع والإعلام والأقرباء والزملاء.. تأثيراتٌ ما في أبنائنا.
وقل نحواً من هذا في ممارسة الأعمال التجارية.

حين لا يدرك الناس طبيعة النظام الذي يعملون في ظله يقعون في اضطراب شديد، فالجهل بأن العمل التجاري ـ مثلاً ـ يجري في ظل نظام مفتوح، جعل بعض الذين أسسوا شركات مساهمة يمنون المساهمين بأرباح كبيرة مع نفي أي احتمال للخسارة؛ وبعد مدة كانت الأرباح أقل من الوعود، أو كانت الخسائر هي الشيء الذي أمكن تحقيقه.

وقل نحواً من هذا في أولئك الذين يجهلون أنهم يربون في ظل نظام مفتوح، فاستخدموا أساليب تربوية بالية؛ مما جعل تأثير الشارع في أبنائهم أقوى من تأثيرهم، فلم يحصلوا إلا على قليل مما يريدون.

لو قارنا الأساليب الدعوية التي تتم في بلد مثل أندونيسيا بالأساليب التي يستخدمها المبشرون، لأدركنا أن المبشرين هناك يدركون أنهم يعملون في عالم جديد، ولذا فإنهم يستخدمون أحدث ما توصل إليه العلم في الاتصال بالناس والتأثير فيهم، ولوجدنا ـ مع الأسف ـ أم معظم الدعاة هناك ما زال يظن أنه المؤثر الوحيد في الساحة، وأنه لا منافس له، فلم يطوروا أساليبهم، ولم يرقّوا لغة خطابهم، ولا حدّثوا وسائلهم، وهكذا...

اللجوء إلى الحل الوسط:

عند العجز عن اتخاذ قرار، وعند التباس الأمور، وفي حالات الخوف يجد الناس أنفسهم مدفوعين إلى الابتعاد عن الآراء والحلول المتطرفة، ويأنسون بالحلول والآراء المتوسطة، وليس هذا شأن الناس العاديين، بل هو ما يصير إليه في كثير من الأحيان أكثر الناس حرصاً على الوصول إلى الحقيقة، وهم القضاة، حيث يلجؤون إلى الصلح والذي يقوم أساساً على مبدأ الحل الوسط. وهم يفعلون ذلك غالباً عند غموض المواقف وانعدام الأدلة.

ولست هنا أقول: إن الحلول المتوسطة هي حلول خاطئة دائماً على المستوى النظري وعلى المستوى الأخلاقي، فذلك لا يصح، فالله ـ جل وعلا ـ مدح في كتابه الصلح حين قال: (والصلح خير)
وهو كما ذكرت يقوم على موقف وسط بين موقفي المتنازعين؛ ولكني أريد هنا أن أوضح أن هناك انطباعاًَ سائداً لدى كثير من الناس بأن الحلول المتوسطة هي دائماً حلول جيدة وعادلة، وهذا ليس بصحيح ولا مقبول. وسأعرض هذه القضية من خلال النقاط الآتية:

1.ليست الحلول المتوسطة دائماً صحيحة، فقد يتم عرض ثلاثة آراء، وتكون الثلاثة خاطئة: الوسط والطرفان، لأن هناك رأياً رابعاً هو الصحيح، ولكن لم يتم الاهتداء إليه، أو لم يتم عرضه، كما لو أن شخصاً قال: إن 4+4=14 فقال آخر: إن 4+4=10، فقال ثالث: إن 4+4=6. والحق طبعاً مع غير هذه الآراء.

2.قد يكون الحق الصريح في أحد الطرفين، وحينئذ فإن اللجوء إلى الحل المتوسط قد ينطوي على نوع من الخطأ السلوكي، أو التنازل عن أمر لا يصح التنازل عنه، وذلك على نحو ما يفعله اليهود في فلسطين حين دخلوا بيوتاً غير بيوتهم، وطردوا أهلها منها، والآن جاء الوسطاء وفي جعبتهم مجموعة من الحلول الوسط حيث يطلب من صاحب البيت أن يوقع على التنازل عن بيته للص الغاصب، ويفوز هو بغرفة من غرفه! والأعجب من هذا أن يظهر اللص بمظهر المتسامح والمتنازل والمتفضل إذ سمح لصاحب البيت بالإقامة في غرفة من غرف بيته!!
ومن الوجهة الشرعية المحضة لا يكون ثمة لجوء إلى حل وسط بين حلال صريح وحرام صريح، أو بين واجب صريح ومحظور صريح، إلا في حالات الضرورة والإكراه المعتبرة شرعاً.

3.يمكن في حالة اللجوء إلى الحلول المتوسطة أن نأخذ أفضل ما في الطرفين وأسوأ ما فيهما؛ فحين يكون طرفا المثلث متساويين فإن قمة المثلث تشكل أفضل الوسط، وهكذا إذا أردنا أن نأخذ أفضل ما في الطرفين، فعلينا أن نحاول الارتقاء في اتجاه قمة المثلث، كما أن الذين يتجهون نحو قاعدة المثلث يأخذون أسوأ ما في الطرفين، وكل منهما يمكن أن يسمى حلاً وسطاً.

وهكذا فهناك أشخاص كثيرون ينحازون للقديم، ويرفضون الجديد. وهناك أناس آخرون انسلخوا عن القديم وغرقوا في الجديد. وثمة فريق رابع يحاول أن يأخذ أفضل ما في القديم وأفضل ما في الجديد. إذن من الممكن للحل المتوسط أن يمثل قمة الصواب والصلاح، كما يمكن له أن يشكل قمة الخطأ والفساد، وبهذا يتضح أن انجذاب الناس إلى الحلول المتوسطة على نحو ساذج ومتعجل كثيراً ما ينطوي على أخطاء فادحة!

الاهتمام بالصغير المباشر

التركيب العام لعقولنا وثقافتنا شديد الحساسية والتنبه للأشياء المباشرة مهما كانت صغيرة، كما أنه على العكس من ذلك مصاب بالتبلد تجاه الأمور غير المباشرة مهما كانت كبيرة.
فالأخطار الكبرى المألوفة وغير الحادة لا يراها الناس، والأخطار الصغيرة المفاجئة تثير أوسع الاهتمامات إذا وصلت إليهم عن طريق مباشر. قتلُ محمد الدرة قد أثار كثيراً من المسلمين في أنحاء العالم، وفتّق قرائح كثير من الشعراء على نحو لم يصنعه قتل ألوف الفلسطينين عبر سنوات طويلة ماضية. وما ذاك إلا لأن الناس رأوا عبر شاشات الفضائيات صورة حية لتلك الجريمة المنكرة. أما موت الألوف من المسلمين بطرق مختلفة فإننا عرفناه وسمعنا به على شكل روايات وحكايات تتناقل فكان أثر ذلك ضعيفاً.

ويبدو أن الفزع من الأخطار المباشرة شيء موروث من الحياة البدائية الأولى فكان جل ما يحتاطون له يتمثل في حماية أنفسهمن من صولة وحش كاسر أو سيل جارف أو إعصار مدمر.

أما اليوم فقد اختلفت الأمور لكن عقولنا لم تختلف. تتصاعد الأخطار الكبرى التي تهدد وجود الأمم على المستوى الروحي والمادي ولا أحد يلقي بالاً لذلك؛ لأن عقولنا ليست مجهزة للتعامل معها. في العالم اليوم بطالة رهيبة وانتشار مخيف لأمراض الإيدز والسرطان والحساسية، كما أن في العالم نضوباًً متزايداً للمياه العذبة وتمدداً للتصحر. وفي العالم اليوم تراجع للتماسك الأسري، كما أن الإحساس بالاهداف الكبرى بات في أضعف حالاته لدى معظم الناس...

كل هذه الأشياء لا تثير ردود فعل تُذكر عند بني البشر، وصار موقفنا تجاهها لا يفسر إلا على أنه غفلة أو استسلام!

صارت الصدمات هي المنبه الوحيد الصالح لإيقاظنا، فحادثة (شرنوبيل) في روسيا شكلت صدمة للعالم، وفتحت عيون الناس على المخاطر المحتملة لاستخدام الطاقة النووية أكثر بكثير مما فعلته ألوف التحذيرات من علماء البيئة والأطباء وغيرهم.

حين وقعت الردة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) نهض المسلمين لمعالجتها، وقد تمكنوا من الخلاص من مخاطرها في وقت قياسي، لأنها شكلت صدمة للوعي الإسلامي المبتهج بانتصارات الإسلام السريعة؛ لكن تراجع التدين والالتزام الذي يحدث لدى معظم المسلمين كلما ابتعدوا عن فترة صدر الإسلام، لم يثر إلا القليل من الاحتجاج والقليل من الانزعاج. وهكذا فقدت الأمة مركزها الريادي في العالم عبر قرون من التراجعات البطيئة وغير المحسوسة دون أن يُصدم الوعي الإسلامي الصدمة التي تحرر طاقات المسلمين، على نحو ما حدث أيام الردة.

ويقول الدكتور عبد الكريم بكار في كتابه " من أجل إنطلاقة حضارية شاملة":
قام بعض علماء الأحياء بتجربة علمية حيث وضعوا ضفدعاً حياً في ماء، ثم سخنوا الماء على نار هادئة جداً. وقد كانت النتيجة مثيرة؛ حيث إن الضفدع سلق دون أن يبدي حراكاً! فقد تحول المحرض على القفز إلى مخدر بسبب طريقة ملامسته. وهذا ما يفسر لنا حالة الشعوب التي استعمرت، ثم خرج الاستعمار من ديارها؛ فقد صار تقليدها للمستعمر بعد أن خرج من ديارها أشد بكثير من تقليدها له وهو جاثم على صدرها؛ حيث استخدم المستعمر بعد ذلك النفوذ غير المباشر.

إن المشكلة أن التغيرات البطيئة تجعل قدرة الناس على القبض على بداية الانحدار وإدارك ظروفه وأسبابه ضعيفة جداً. وهذا ما يجعل المعالجة عسيرة.

وهنا يأتي دور المفكرين النابهين الذين يُحسون بالانحراف البطيء الذي يصيب أمتهم وحضارتهم فإن مهمتهم أن يقرعوا طبول الخطر بسبب معرفتهم بسنن الله في المجتمعات والثقافات، وبسبب (حاسة الاستشعار عن بُعد) التي يمتلكونها. إن عامة الناس يحسون بالكارثة وبالفتنة حين تظللهم، أما المفكرون فهم الذين يشعرون بالخطر قبل إحداقه. وفي هذا يقول سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ : الفتنة إذا أدبرت عرفها كل الناس، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم.

وتأملوا معي قول الله تعالى وقد حذر هذه الأمة مما وقع فيه أهل الكتاب السابقون من انحراف؛ من جراء بُعد العهد وتطاول الأمد، فقال سبحانه: ( ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أُوتوا الكتب من قبلُ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ). ـ سورة الحديد: الأية 16 ـ.


لعل هذا كله يحفز شبابنا على أن يبدعوا في إيجاد مقاييس ومجسّات نتحسس من خلالها التغيرات البطيئة والتحولات غير المباشرة التي تهدد كيان الأمة دون أن تشعر بها. ولن نستطيع القيام بشيء ذي قيمة في هذا الشأن ما لم نوسع المساحات التي يغطيها وعينا وشعورنا، فنبصر الأخطار والانحرافات على امتداد حقب زمنية متطاولة.



ملطوش بأدب