الخصيلي الكلابي
07-16-2006, 05:29 PM
مجلة العرب عدد الجماديان سنة 1427هـ
ورد إلى "العرب" من الأستاذ فالح ذياب العتيبي من مكة المكرمة ما يلي:
"اطلعت مؤخرًا على بحثٍ نُشر في مجلة "العرب" للأخ الأستاذ تركي بن مطلق القداح العتيبي بعنوان "تحقيق نسب وبلاد بني شبابة" الذي ذهب فيه إلى انتساب قبيلة عتيبة إلى شبابة الكنانية، وهو نفس القول الذي ذهب إليه الأستاذ راشد بن حمدان المسعودي في تعقيب له بمجلة العرب، ولقد رغب إليّ أخي الأستاذ تركي في اتصال هاتفي أن أدْلي بدلوي في محاولة للاقتراب من الحقيقة في مسألة نسب عتيبة.
وبعد قراءتي لبحثه الذي نُشر بالمجلة على جزأين وتناول فيه عددًا من أقوال المؤرخين والنسّابين بخصوص بني شبابة وديار كنانة، رأيتُ أن أبعث إليكم بمرئياتي حول الموضوع، راجيًا أن يُنشر اجتهادي هذا قريبًا في مجلة العرب مع وافر الشكر. وسيكون تعقيبي من خلال النقاط التالية:
حول نسب عتيبة
1- ياقوت لم يقل أنّ خيف ذي القبر في نخلة الشامية بل قال: "خيف ذي القبر أسفل من خيف سلام، وخيف سلام بلد بقرب عُسفان على طريق المدينة"(1). فبهذا لا تكون نخلة الشامية منـزلاً لسعد كنانة! هذا إن وجد شيء اسمه سعد كنانة!!
ومسروح التي ذكرها ياقوت من سكان خيف ذي القبر قد تكون مسروح سعد هوازن، وقد تكون مسروح حرب؛ لأنها قديمة الوجود في تلك الديار.
2- كنانة يوجد فيهم (سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة) فقط اسم جد وهو لا يُنسب إليه أحد، فلا يقال "السعدي الكناني" بل المذكور هو الليثي، وفي كل كتب التراجم والسِّيَر والأنساب لا يقف نسب أيّ كناني عند سعد بل لابد من ليث وهو صاحب النسبة. وإطلاق نسبة السعدي في الحجاز ولفظة بني سعد معلوم أنها تعود إلى سعد بن بكر بن هوازن؛ ولذا درج المؤرخون القدامى ومنهم الفاسي على إطلاق نسبة بني سعد بدون الحاجة إلى ذِكْر أبيه بكر بن هوازن نظرًا لشهرته في الحجاز.
3- الفاسي قال: "سراة شبابة هي سراة بني سعد". وشبابة التي ذكرها البلاذري هي من بني مالك بن كنانة، بينما هناك سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة؛ مما يعني أنّ شبابة وسعد الكنانيين مختلفان في الآباء وليس هذا من ذاك. والتسمية بشبابة ليست مقتصرة على كنانة بل هي في زهران وإياد، فما المانع من وجود اسم شبابة "وقد يكون لقبًا" في بني سعد بن بكر بن هوازن.
4- لو كانت عتيبة من شبابة كنانة فكيف تنقطع صلتها بفروع كنانة الأخرى كالجحادلة وبني شعبة جنوبي مكة، وهي الديار الأصيلة لكنانة ولم يُسمع قط بأدنى صلة بينهما لا في قديم الزمن ولا في حديثه، ولا حتى من فرد و احد أو عتيبي واحد رغم قرب المكان.
5- الحروب التي كانت تقع بين هذيل وكنانة، ولكنْ لهذيل أيضًا حروب مع سعد هوازن وبخاصة فيما يقرب من (البوباة) في الجاهلية واستمرار ذلك في الإسلام إلى وقعة استقلال بني سعد بجبل عروان قرابة 300هـ ولشدة ما وقع بينهما من عداء قام حلف شبابة وخندف، فهذيل خندفية النسب من مدركة بن إلياس بن مضر والتحقت بها قبائل غير خندفية النسب عداءً لعتيبة. ومن المعروف أنّ كنانة رأس خندف فلو كانت عتيبة كنانية لما ميّزت هذيل هذا الحلف باسم خندف مادام أنّ رأس الحلف المخاصم لها خندفي أيضًا؛ فالتسمية بشبابة تنفي علاقته بخندف وتؤيد صلته بقيس إذ بين القيسية وخندف حروب معلومة وتنافس ظاهر بينما الحروب التي قامت بين هذيل وكنانة في الجاهلية كانت في أغلبها غارات صعاليك ولم تصل إلى حدّ قيام حلفين مضادّين.
6- قاعدة النسب الأولى "الناس مأمونون على أنسابهم" وعوارف عتيبة وقدماؤها نصُّوا على النسب إلى سعد هوازن، ولو قلنا أنّ الأمر اختلط عليهم لشهرة حليمة السعدية فكيف نردّ ما ورد في وثيقة لعلوان الجار الله السعدي من شيوخ بني سعد بن بكر بن هوازن في العراق قبل حوالي مائة عام سمَّى فيها فروعًا من بني سعد ورد فيها: " -في نجد رئيسهم عقاب بن غصن، -في الحجاز قرب الطائف في قرية لغب رئيسهم ساعد المطر، -بني سعد الساكنين في الحجاز في قرية دار الحمراء رئيسهم قليل بن عايد، -بني سعد في الحجاز في قرية كلاخ رئيسهم قنيبس بن غالي"(2). وهؤلاء من عتيبة معروفون، وقوم علوان في العراق لديهم شجرة نسب موثّقة صحيحة العدد إلى سعد بن بكر بن هوازن.
7- تأمّل هذه المسمّيات، إنها في نسب بني سعد بن بكر بن هوازن قديمًا ولها وجود في نسب عتيبة الحاضر: أبو ذؤيب-ذؤيبة-وقدان-عطية-بنو شُهيب-أبو برقان (صحابي)-بجاد-الشرابيون في بني سعد العراق.
إنّ الأسماء وحدها لا تكفي ولكن إذا عاضدتها أدلة أخرى فإنها تصبح قرينة ظاهرة الوضوح وبخاصة في الذويبات (أبو ذؤيب) الذي اشتهر في بني سعد قديمًا أيام الرضاعة النبوية، والذويبات اليوم وفي قرون مضت لهم منـزلة في عتيبة خاصة زمن كونها في الحجاز بمثابة المشيخة، أفلا يدلّ ذلك على شيء؟!
8- ماذا يعني وجود أربعة رجال من هوازن باسم عتيبة في عصور مختلفة منهم اثنان من بني سعد بن بكر بن هوازن والآخران نصرى وجُشمي بينما لن نظفر بكناني واحد يُدعى (عُتَيبة)؟!
9- إذا كانت نخلة وجنوب الطائف وجنوب مكة منازل كنانة فأين منازل بني سعد بن بكر بن هوازن؟ هل هي مقتصرة على البوباة؟! بينما ذُكر أنّ من منازل هوازن السراة (سراة الطائف).
10- ذكر الهمداني في قبائل السراة "بنو سعد من كنانة، ثم سارة بني شبابة" ولم يقل بأنّ شبابة من كنانة أيضًا، ولا يلزم أن تكون شبابة التي ذكرها البلاذري هي هذه الواردة في كلام الهمداني؛ فالسراة ذات امتداد طويل وتسكنها قبائل عديدة، والهجرات والانقراض والارتحال واردة في تاريخ القبائل، والهمداني نفسه يقول: "سراة بجيلة نجدها بنو المعترف وأصلهم من تميم وقال لي بعضهم إنهم من عُكل" فأين هؤلاء الآن؟ إنه لا يُعرف أحد من تميم أو عُكل في هذه السروات في وقتنا هذا.
مع إمكانية وقوع تحريف في جملة مِن كنانة فقد يكون أصلها بن بكر.
11- الديار والمواقع، حتى مع تماثل أسماء القبائل قديمًا وحديثًا، لا تكون مؤكِّدة للنسب إذا عارضتها أمور أخرى؛ فوجود شبابة مِن كنانة وبني سعد مِن كنانة (إن صحّت هذه النسبة القديمة ولا أراها تصحّ) في جنوب الطائف في زمن الهمداني والبلاذري لا يعني انتساب عتيبة إليهم؛ فالعربي مهما جهل من أسماء أجداده واتصال نسبه فهو قطعًا لا يجهل أصله الذي هو منه؛ فالعتبان وهم عشرات الألوف وعلى مدى قرون من الزمن لم يُذكر عن أحد منهم معرفته بكنانة التي لا يجهلها الجحادلة وبنو شعبة المنتمون إليها اليوم رغم بُعد الزمن، وكذا معرفة عتيبة بانتمائها إلى سعد هوازن كما في مشجرة الدُّخَنة؛ وقد قرأت في الأنساب نسبة التميمي في فلسطين إلى أصلين مختلفين أحدهما تميم بن أوس الداري اللخمي من قحطان، والثانية تميم بن مر القبيلة المضرية المعروفة؛ فهاتان نسبتان مختلفتان مع أنّ البلد واحد والاسم واحد والعصر واحد، بينما شبابة كنانة قديمة وبينهما وبين ظهور عتيبة قرون متطاولة وفي هذه القرون تنقرض قبائل وتتشكل قبائل وتظهر مسمّيات جديدة؛ وشبابة كنانة -كما تقدّم- ليست من نسل سعد كنانة، ولم يُذكر أنّ في نسل سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة من اسمه شبابة.
12- هناك شجرتا نسب إحداهما عراقية والأخرى حجازية، العراقية لدى بني سعد في العراق الآن، وهي توصلهم إلى سعد بن بكر بن هوازن بعدد صحيح من الآباء (ثلاثة لكل مائة سنة) وقد ورد فيها اسم (عتيبة) بن معلة بن غريب بن غيث بن عبد الدايم بن سعد بن عبدالرحمن بن الحارث (أبو ذؤيب) بن شجنة بن ناصرة بن قُصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن.
وقد ورد تقديم وتأخير في هذه الأسماء في نصوص أخرى، إلاّ أنه يُستفاد من مجموعها كون عتيبة بعد الهجرة بما يقارب الثلاثمائة سنة ويزيد، وقد مرّ أن شيخ بني سعد في العراق عدَّ عتيبة في الحجاز من سعد هوازن، وفي هذه الشجرة تصريح باسمه. وفي نص آخر لهذه السلسلة: شبيب بن خالد بن شيث بن عدنان بن علة بن غريب بن غيث بن عبدالدايم بن عبدالله بن محمد بن علي بن سعد بن الحجاج بن بدر بن هلال بن سعد بن عبدالرحمن ابن الحارث بن شجنة...
أمّا المشجّرة الحجازية وعمرها أربعمائة عام حسب الوثيقة التي وردت فيها فهي تذكر نفيع بن رايق بن فلاح بن شملان (شملي) بن زياد بن علي بن كتيم بن كعب بن بطيان بن سعد بن حجاج بن مسعود بن أكوع بن عتيب بن كعب بن هوازم بن صالح بن شباب.
ويتضح في هذه السلسلة الخلل والاضطراب والتصحيف بعكس السلسلة العراقية التي تبدو واضحة، إلاّ أنّ المتأمّل بدقة يجد ملامح من الشبه والقرب بينهما، فسعد بن الحجاج مذكور فيهما، وهوازم قريب تصحيفه من هلال، وهناك شبيب في العراقية وشباب في الحجازية، ولا ريب في أنّ عتيب خطأ صوابه عتيبة؛ إذ لو كان اسمه كذلك لقيل قبيلة عتيب ولم يُقل عتيبة، ويضاف إلى هذا أنّ ابن دُخين يُنهي نسب عتيبة عند رجل اسمه ناصر بن سعد، وفي "الجمهرة" نصر بن سعد بن بكر بن هوازن، وكذلك ناصرة بن فُصيّة بن نصر بن سعد، فالذي يظهر أنّ ابن دُخين يعني أحدهما، وفي كل الأحوال فإنّ سلسلتي النسب المتقدمتين وكل الأسماء التي ذكرتها تبيّن صراحة نسب عتيبة إلى سعد بن بكر بن هوازن سواءً كان عتيبة أبًا أو أُمًّا وسواء كان شبابة لقبًا أو اسمًا لأحد بني سعد؛ فأبو ذؤيب، جدّ الذويبات، اسمه الحارث وغلبت كنيته على اسمه وما أكثر هذا في الأنساب، فمعظم أجداد القبائل يعرفون بألقابهم دون أسمائهم ومن أمثلة ذلك ثقيف وقريش وبارق ومذحج وعدوان وغامد وجذام وكندة وغيرها كثير. ومن القبائل من ينتسب إلى الأم كمثل بجيلة وباهلة؛ فالاحتمال وارد أن ينطبق ذلك على عتيبة وشبابة أيضًا وفي المجمل فإنّ اضطراب سلسلة النسب أو تحريفها أو نقصان أسماء منها لا يدل على بُطلانها بالكلية؛ إذ إنّ مؤثرات الزمن ورداءة النسخ تنال من المدوّن في الغالب، والله أعلم.
الهوامش:
(1) ياقوت، معجم البلدان، 2/413.
(2) جاسم السعدي: هوازن وبنو سعد، ص158-159، بغداد، مطبعة الزاهر، 1423هـ.
- ملحوظة: الوقداني الذي ذكره الهجري وقال إنه مِن أحلاف ثقيف، ظنّه حمد الجاسر، رحمه الله، حليفًا لثقيف، وليس بصواب، فهو ثقفيّ نسبًا مِن فرع الأحلاف، وهم بنو غاضرة بن حُطيط بن جشم بن ثقيف، وبنو عوف بن ثقيف يُطلق عليهم الأحلاف، تحالفوا على بني مالك بن حُطيط بن جُشم بن ثقيف فعُرِفوا بالأحلاف؛ ولذا قال الهجري: الوقداني مِن أحلاف ثقيف، ولو كان حليفًا لهم لقال: مِن حلفاء ثقيف. وفرق بين اللفظين كبير.
ورد إلى "العرب" من الأستاذ فالح ذياب العتيبي من مكة المكرمة ما يلي:
"اطلعت مؤخرًا على بحثٍ نُشر في مجلة "العرب" للأخ الأستاذ تركي بن مطلق القداح العتيبي بعنوان "تحقيق نسب وبلاد بني شبابة" الذي ذهب فيه إلى انتساب قبيلة عتيبة إلى شبابة الكنانية، وهو نفس القول الذي ذهب إليه الأستاذ راشد بن حمدان المسعودي في تعقيب له بمجلة العرب، ولقد رغب إليّ أخي الأستاذ تركي في اتصال هاتفي أن أدْلي بدلوي في محاولة للاقتراب من الحقيقة في مسألة نسب عتيبة.
وبعد قراءتي لبحثه الذي نُشر بالمجلة على جزأين وتناول فيه عددًا من أقوال المؤرخين والنسّابين بخصوص بني شبابة وديار كنانة، رأيتُ أن أبعث إليكم بمرئياتي حول الموضوع، راجيًا أن يُنشر اجتهادي هذا قريبًا في مجلة العرب مع وافر الشكر. وسيكون تعقيبي من خلال النقاط التالية:
حول نسب عتيبة
1- ياقوت لم يقل أنّ خيف ذي القبر في نخلة الشامية بل قال: "خيف ذي القبر أسفل من خيف سلام، وخيف سلام بلد بقرب عُسفان على طريق المدينة"(1). فبهذا لا تكون نخلة الشامية منـزلاً لسعد كنانة! هذا إن وجد شيء اسمه سعد كنانة!!
ومسروح التي ذكرها ياقوت من سكان خيف ذي القبر قد تكون مسروح سعد هوازن، وقد تكون مسروح حرب؛ لأنها قديمة الوجود في تلك الديار.
2- كنانة يوجد فيهم (سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة) فقط اسم جد وهو لا يُنسب إليه أحد، فلا يقال "السعدي الكناني" بل المذكور هو الليثي، وفي كل كتب التراجم والسِّيَر والأنساب لا يقف نسب أيّ كناني عند سعد بل لابد من ليث وهو صاحب النسبة. وإطلاق نسبة السعدي في الحجاز ولفظة بني سعد معلوم أنها تعود إلى سعد بن بكر بن هوازن؛ ولذا درج المؤرخون القدامى ومنهم الفاسي على إطلاق نسبة بني سعد بدون الحاجة إلى ذِكْر أبيه بكر بن هوازن نظرًا لشهرته في الحجاز.
3- الفاسي قال: "سراة شبابة هي سراة بني سعد". وشبابة التي ذكرها البلاذري هي من بني مالك بن كنانة، بينما هناك سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة؛ مما يعني أنّ شبابة وسعد الكنانيين مختلفان في الآباء وليس هذا من ذاك. والتسمية بشبابة ليست مقتصرة على كنانة بل هي في زهران وإياد، فما المانع من وجود اسم شبابة "وقد يكون لقبًا" في بني سعد بن بكر بن هوازن.
4- لو كانت عتيبة من شبابة كنانة فكيف تنقطع صلتها بفروع كنانة الأخرى كالجحادلة وبني شعبة جنوبي مكة، وهي الديار الأصيلة لكنانة ولم يُسمع قط بأدنى صلة بينهما لا في قديم الزمن ولا في حديثه، ولا حتى من فرد و احد أو عتيبي واحد رغم قرب المكان.
5- الحروب التي كانت تقع بين هذيل وكنانة، ولكنْ لهذيل أيضًا حروب مع سعد هوازن وبخاصة فيما يقرب من (البوباة) في الجاهلية واستمرار ذلك في الإسلام إلى وقعة استقلال بني سعد بجبل عروان قرابة 300هـ ولشدة ما وقع بينهما من عداء قام حلف شبابة وخندف، فهذيل خندفية النسب من مدركة بن إلياس بن مضر والتحقت بها قبائل غير خندفية النسب عداءً لعتيبة. ومن المعروف أنّ كنانة رأس خندف فلو كانت عتيبة كنانية لما ميّزت هذيل هذا الحلف باسم خندف مادام أنّ رأس الحلف المخاصم لها خندفي أيضًا؛ فالتسمية بشبابة تنفي علاقته بخندف وتؤيد صلته بقيس إذ بين القيسية وخندف حروب معلومة وتنافس ظاهر بينما الحروب التي قامت بين هذيل وكنانة في الجاهلية كانت في أغلبها غارات صعاليك ولم تصل إلى حدّ قيام حلفين مضادّين.
6- قاعدة النسب الأولى "الناس مأمونون على أنسابهم" وعوارف عتيبة وقدماؤها نصُّوا على النسب إلى سعد هوازن، ولو قلنا أنّ الأمر اختلط عليهم لشهرة حليمة السعدية فكيف نردّ ما ورد في وثيقة لعلوان الجار الله السعدي من شيوخ بني سعد بن بكر بن هوازن في العراق قبل حوالي مائة عام سمَّى فيها فروعًا من بني سعد ورد فيها: " -في نجد رئيسهم عقاب بن غصن، -في الحجاز قرب الطائف في قرية لغب رئيسهم ساعد المطر، -بني سعد الساكنين في الحجاز في قرية دار الحمراء رئيسهم قليل بن عايد، -بني سعد في الحجاز في قرية كلاخ رئيسهم قنيبس بن غالي"(2). وهؤلاء من عتيبة معروفون، وقوم علوان في العراق لديهم شجرة نسب موثّقة صحيحة العدد إلى سعد بن بكر بن هوازن.
7- تأمّل هذه المسمّيات، إنها في نسب بني سعد بن بكر بن هوازن قديمًا ولها وجود في نسب عتيبة الحاضر: أبو ذؤيب-ذؤيبة-وقدان-عطية-بنو شُهيب-أبو برقان (صحابي)-بجاد-الشرابيون في بني سعد العراق.
إنّ الأسماء وحدها لا تكفي ولكن إذا عاضدتها أدلة أخرى فإنها تصبح قرينة ظاهرة الوضوح وبخاصة في الذويبات (أبو ذؤيب) الذي اشتهر في بني سعد قديمًا أيام الرضاعة النبوية، والذويبات اليوم وفي قرون مضت لهم منـزلة في عتيبة خاصة زمن كونها في الحجاز بمثابة المشيخة، أفلا يدلّ ذلك على شيء؟!
8- ماذا يعني وجود أربعة رجال من هوازن باسم عتيبة في عصور مختلفة منهم اثنان من بني سعد بن بكر بن هوازن والآخران نصرى وجُشمي بينما لن نظفر بكناني واحد يُدعى (عُتَيبة)؟!
9- إذا كانت نخلة وجنوب الطائف وجنوب مكة منازل كنانة فأين منازل بني سعد بن بكر بن هوازن؟ هل هي مقتصرة على البوباة؟! بينما ذُكر أنّ من منازل هوازن السراة (سراة الطائف).
10- ذكر الهمداني في قبائل السراة "بنو سعد من كنانة، ثم سارة بني شبابة" ولم يقل بأنّ شبابة من كنانة أيضًا، ولا يلزم أن تكون شبابة التي ذكرها البلاذري هي هذه الواردة في كلام الهمداني؛ فالسراة ذات امتداد طويل وتسكنها قبائل عديدة، والهجرات والانقراض والارتحال واردة في تاريخ القبائل، والهمداني نفسه يقول: "سراة بجيلة نجدها بنو المعترف وأصلهم من تميم وقال لي بعضهم إنهم من عُكل" فأين هؤلاء الآن؟ إنه لا يُعرف أحد من تميم أو عُكل في هذه السروات في وقتنا هذا.
مع إمكانية وقوع تحريف في جملة مِن كنانة فقد يكون أصلها بن بكر.
11- الديار والمواقع، حتى مع تماثل أسماء القبائل قديمًا وحديثًا، لا تكون مؤكِّدة للنسب إذا عارضتها أمور أخرى؛ فوجود شبابة مِن كنانة وبني سعد مِن كنانة (إن صحّت هذه النسبة القديمة ولا أراها تصحّ) في جنوب الطائف في زمن الهمداني والبلاذري لا يعني انتساب عتيبة إليهم؛ فالعربي مهما جهل من أسماء أجداده واتصال نسبه فهو قطعًا لا يجهل أصله الذي هو منه؛ فالعتبان وهم عشرات الألوف وعلى مدى قرون من الزمن لم يُذكر عن أحد منهم معرفته بكنانة التي لا يجهلها الجحادلة وبنو شعبة المنتمون إليها اليوم رغم بُعد الزمن، وكذا معرفة عتيبة بانتمائها إلى سعد هوازن كما في مشجرة الدُّخَنة؛ وقد قرأت في الأنساب نسبة التميمي في فلسطين إلى أصلين مختلفين أحدهما تميم بن أوس الداري اللخمي من قحطان، والثانية تميم بن مر القبيلة المضرية المعروفة؛ فهاتان نسبتان مختلفتان مع أنّ البلد واحد والاسم واحد والعصر واحد، بينما شبابة كنانة قديمة وبينهما وبين ظهور عتيبة قرون متطاولة وفي هذه القرون تنقرض قبائل وتتشكل قبائل وتظهر مسمّيات جديدة؛ وشبابة كنانة -كما تقدّم- ليست من نسل سعد كنانة، ولم يُذكر أنّ في نسل سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة من اسمه شبابة.
12- هناك شجرتا نسب إحداهما عراقية والأخرى حجازية، العراقية لدى بني سعد في العراق الآن، وهي توصلهم إلى سعد بن بكر بن هوازن بعدد صحيح من الآباء (ثلاثة لكل مائة سنة) وقد ورد فيها اسم (عتيبة) بن معلة بن غريب بن غيث بن عبد الدايم بن سعد بن عبدالرحمن بن الحارث (أبو ذؤيب) بن شجنة بن ناصرة بن قُصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن.
وقد ورد تقديم وتأخير في هذه الأسماء في نصوص أخرى، إلاّ أنه يُستفاد من مجموعها كون عتيبة بعد الهجرة بما يقارب الثلاثمائة سنة ويزيد، وقد مرّ أن شيخ بني سعد في العراق عدَّ عتيبة في الحجاز من سعد هوازن، وفي هذه الشجرة تصريح باسمه. وفي نص آخر لهذه السلسلة: شبيب بن خالد بن شيث بن عدنان بن علة بن غريب بن غيث بن عبدالدايم بن عبدالله بن محمد بن علي بن سعد بن الحجاج بن بدر بن هلال بن سعد بن عبدالرحمن ابن الحارث بن شجنة...
أمّا المشجّرة الحجازية وعمرها أربعمائة عام حسب الوثيقة التي وردت فيها فهي تذكر نفيع بن رايق بن فلاح بن شملان (شملي) بن زياد بن علي بن كتيم بن كعب بن بطيان بن سعد بن حجاج بن مسعود بن أكوع بن عتيب بن كعب بن هوازم بن صالح بن شباب.
ويتضح في هذه السلسلة الخلل والاضطراب والتصحيف بعكس السلسلة العراقية التي تبدو واضحة، إلاّ أنّ المتأمّل بدقة يجد ملامح من الشبه والقرب بينهما، فسعد بن الحجاج مذكور فيهما، وهوازم قريب تصحيفه من هلال، وهناك شبيب في العراقية وشباب في الحجازية، ولا ريب في أنّ عتيب خطأ صوابه عتيبة؛ إذ لو كان اسمه كذلك لقيل قبيلة عتيب ولم يُقل عتيبة، ويضاف إلى هذا أنّ ابن دُخين يُنهي نسب عتيبة عند رجل اسمه ناصر بن سعد، وفي "الجمهرة" نصر بن سعد بن بكر بن هوازن، وكذلك ناصرة بن فُصيّة بن نصر بن سعد، فالذي يظهر أنّ ابن دُخين يعني أحدهما، وفي كل الأحوال فإنّ سلسلتي النسب المتقدمتين وكل الأسماء التي ذكرتها تبيّن صراحة نسب عتيبة إلى سعد بن بكر بن هوازن سواءً كان عتيبة أبًا أو أُمًّا وسواء كان شبابة لقبًا أو اسمًا لأحد بني سعد؛ فأبو ذؤيب، جدّ الذويبات، اسمه الحارث وغلبت كنيته على اسمه وما أكثر هذا في الأنساب، فمعظم أجداد القبائل يعرفون بألقابهم دون أسمائهم ومن أمثلة ذلك ثقيف وقريش وبارق ومذحج وعدوان وغامد وجذام وكندة وغيرها كثير. ومن القبائل من ينتسب إلى الأم كمثل بجيلة وباهلة؛ فالاحتمال وارد أن ينطبق ذلك على عتيبة وشبابة أيضًا وفي المجمل فإنّ اضطراب سلسلة النسب أو تحريفها أو نقصان أسماء منها لا يدل على بُطلانها بالكلية؛ إذ إنّ مؤثرات الزمن ورداءة النسخ تنال من المدوّن في الغالب، والله أعلم.
الهوامش:
(1) ياقوت، معجم البلدان، 2/413.
(2) جاسم السعدي: هوازن وبنو سعد، ص158-159، بغداد، مطبعة الزاهر، 1423هـ.
- ملحوظة: الوقداني الذي ذكره الهجري وقال إنه مِن أحلاف ثقيف، ظنّه حمد الجاسر، رحمه الله، حليفًا لثقيف، وليس بصواب، فهو ثقفيّ نسبًا مِن فرع الأحلاف، وهم بنو غاضرة بن حُطيط بن جشم بن ثقيف، وبنو عوف بن ثقيف يُطلق عليهم الأحلاف، تحالفوا على بني مالك بن حُطيط بن جُشم بن ثقيف فعُرِفوا بالأحلاف؛ ولذا قال الهجري: الوقداني مِن أحلاف ثقيف، ولو كان حليفًا لهم لقال: مِن حلفاء ثقيف. وفرق بين اللفظين كبير.