المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تابع معنا سلسلة ( أسئلة التوبة ) للشيخ محمد المنجد - حفظه الله -


اخو من طاع الله
06-22-2006, 04:13 PM
السؤال:الأول




هل يغفر الله لفتاة تعودت على الخروج مع الشباب ، وهي الآن تريد أن تمتنع عن ذلك ، وقد طلبت من الله المغفرة ، وبدأت تلبس الحجاب ؟.



الجواب:

الحمد لله

لا شك أن هذا العمل الذي كنت عليه من الأمور المحرمة التي لا يرضاها الله عز وجل ، ويراجع للأهمية جواب سؤال رقم ( 1114 )

لكن فضل الله واسع فهو أرحم الراحمين وهو أرحم من الوالدة بولدها ، ولذلك فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها ، فإذا تاب الإنسان إلى الله عز وجل توبة نصوحاً فإن الله يغفر له قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) التحريم/8 .

قال ابن كثير : عسى من الله مُوجِبَة .

وقد جاء في الحديث الحسن الذي رواه ابن ماجة عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ ) ( الزهد/4240 ) وحسنه الألباني في " صحيح سنن ابن ماجة " برقم ( 3427 ) ، ولا شك أن رجوع المسلم إلى الله وتوبته إليه من الأمور التي تبعث في النفس السرور بهذا الأمر ، كيف لا والله عز وجل يفرح بذلك فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلاةِ ) كتاب التوبة/4927 ، فاحمدي الله عز وجل أن وفقك للتوبة وأرشدك إلى طريق الهداية ، واحذري من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ ومن الضلال بعد الهداية ، فعليك بالثبات على هذا الأمر وعدم التهاون بأي شيء من المحرمات التي كانت قبل التوبة ، والبعد عن رفقاء السوء ، والصبر عن ذلك ، لأن رفقاء السوء سيبذلون قصارى جهدهم في التثبيط تارة ، وبالتشكيك من مغفرة الله تارة ، فعليك أن لا تلتفتي إلى شيء من ذلك ، بل اجتهدي في التقرب إلى الله بالطاعات وعليك بإيجاد رفقة بديلة من نساء صالحات حتى يكنَّ عونا لك في طريق الهداية .

نسأل الله لك الثبات على دينه وشرعه والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .


.........................
وأنقل لكم
السؤال:رقم( 1114 )



السؤال :
أنا أحب رجلاً مسلماً حباً شديداً وأريد أن أتزوجه . وأنا أعلم أن الله يحرم العلاقة غير الشرعية بين الرجل والمرأة والمرأة والرجل. وأشعر بالأسى في نفسي على هذه العلاقة. أشعر بذلك لأننا نرتبط بهذه العلاقة التي يمقتها الله . وهو لن يتزوجني لأنه فقد احترامه لي.
ماذا يقول القرآن في هذه المسألة ؟



الجواب:

الجواب:
الحمد لله
قال الله تعالى :
( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) النساء 25
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية :
وقوله تعالى "محصنات" أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه ولهذا قال "غير مسافحات" وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة - وقوله تعالى "ولا متخذات أخدان" قال ابن عباس : "المسافحات" هن الزواني المعلنات يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحدا أرادهن بالفاحشة : وقال ابن عباس : ومتخذات أخدان يعني أخلاء وكذا روي عن أبى هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي قالوا : أخلاء وقال الحسن البصري يعني الصّديق وقال الضحاك أيضا "ولا متخذات أخدان" ذات الخليل الواحد المقرة به نهى الله عن ذلك يعني تزويجها ما دامت كذلك ..
وقال تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (5) سورة المائدة
قال ابن كثير رحمه الله :
وقوله " محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان " فكما شرط الإحصان في النساء وهي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل محصنا عفيفا ولهذا قال غير مسافحين وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ولا متخذي أخدان أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن كما تقدم في سورة النساء سواء ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا لهذه الآية .. وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى عند قوله " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين " .
ومن القصص التي تبيّن حرمة اتّخاذ العشيقات وحرمة الزواج بهنّ قصّة مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ وَكَانَ رَجُلا يَحْمِلُ الأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ قَالَ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهَا عَنَاقٌ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ وَإِنَّهُ كَانَ وَعَدَ رَجُلا مِنْ أُسَارَى مَكَّةَ يَحْمِلُهُ قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى ظِلِّ حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ قَالَ فَجَاءَتْ عَنَاقٌ فَأَبْصَرَتْ سَوَادَ ظِلِّي بِجَنْبِ الْحَائِطِ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ عَرَفَتْهُ فَقَالَتْ مَرْثَدٌ فَقُلْتُ مَرْثَدٌ فَقَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلا هَلُمَّ فَبِتْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ قَالَ قُلْتُ يَا عَنَاقُ حَرَّمَ اللَّهُ الزِّنَا .. فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحُ عَنَاقًا فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَتْ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَرْثَدُ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فَلا تَنْكِحْهَا . رواه الترمذي 3101 وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وكذلك جاء عن عبد الله بن مغفل أن امرأة كانت بغيّا في الجاهلية فمرّ بها رجل أو مرّت به فبسط يده إليها فقالت : مه ، إن الله أذهب بالشرك وجاء بالإسلام فتركها وولّى وجعل ينظر إليها حتى أصاب وجهه الحائط ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : أنت عبد أراد الله بك خيرا ، إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا عجّل له عقوبة ذنبه حتى يُوافى به يوم القيامة . رواه الحاكم 1/349 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي . يُنظر صحيح الجامع رقم 308 .
فهذه الآيات والأحاديث تدلّ دلالة واضحة على تحريم إقامة علاقة أو صداقة بين الرجال والنساء الأجنبيات ومفاسد هذه وما تؤدي إليه من أنواع البلاء واضحة في الواقع وللعيان ، وقد ورد سؤال مشابه برقم 2085 ، نسأل الله أن يباعد بيننا وبين الحرام ، وأن يقينا أسباب سخطه ، وأن يُعيذنا من غضبه وأليم عقابه ، وصلى الله على نبينا محمد .




السؤال الثاني




هل من الكفر اقتراف الذنب جهاراً ، وتحدثنا عن فعل المعصية كمشاهدة الأفلام أو استماع الأغاني ؟ وهل هذا الحكم ينطبق على صغائر الذنوب وكبائرها ؟ .
أرجو أن تهتم بهذا السؤال لأن عدداً من الإخوة والأخوات الحديثي الإسلام يواجهون هذه المشكلة ..





الجواب:

الحمد لله

مما لا شك فيه أن المجاهرة بالمعاصي والكبائر ذنبٌ فوق الذنب ، وقد تؤدي بصاحبها إلى الكفر في حال المجاهرة بها استهانة بتحريمها وافتخاراً بفعلها ، ولا فرق بين الصغائر والكبائر في هذا الحكم .

عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه " .

رواه البخاري ( 5721 ) ومسلم ( 2990 ) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

هناك قسم ثالث فاسق مارد ماجن ، يتحدث بالزنى افتخاراً والعياذ بالله ، يقول : إنه سافر إلى البلد الفلاني ، وإلى البلد الفلاني ، وفجر وفعل وزنى بعدة نساء ، وما أشبه ذلك ، يفتخر بهذا.

هذا يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ؛ لأن الذي يفتخر بالزنى مقتضى حاله أنه استحل الزنى والعياذ بالله ، ومن استحل الزنى فهو كافر . " شرح رياض الصالحين " ( 1 / 116 ) .

ولا شك أن المعاصي درجات والإثم يتفاوت فيها بحسب حال العاصي أثناء المعصية وحاله بعدها ، فليس المتخفي بمعصيته المستتر بها كالمجاهر ، وليس النادم بعدها كالمفتخر بها .

قال ابن القيم :

وبالجملة فمراتب الفاحشة متفاوتة بحسب مفاسدها ، فالمتخذ خدناً من النساء والمتخذة خدناً من الرجال أقل شرّاً من المسافح والمسافحة مع كل أحدٍ ، والمستخفي بما يرتكبه أقل إثماً من المجاهر المستعلن ، والكاتم له أقل إثماً من المخبِر المحدِّث للناس به ، فهذا بعيد من عافية الله تعالى وعفوه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... " .

" إغاثة اللهفان " ( 2 / 147 ) .

الخدن والخدنة : العشيق والعشيقة .

والأصل : أن يُعقب المسلمُ ذنبه بتوبة واستغفار وندم وعزم على عدم العوْد لها ، لا أن يُعقبها بافتخار ومجاهرة وحديث بها .

روى أحمد (8792) والترمذي (3334) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ، فَذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ [ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ] ) . حسنه الألباني في صحيح الترمذي (2654) .

بقي هناك مسألة ذكرتها في سؤالك وهي حصول المجاهرة من حديثي الإسلام ، وهؤلاء لا زالوا يجهلون شرائع الإسلام ، فهم يُعذرون إن كانوا يجهلون الأحكام الشرعية ، ولكنهم يٌعلّمون .

فاحرص على إرشادهم ، وعرض هذا الجواب عليهم .

وفقنا الله لما يحب ويرضى

والله أعلم .

اخو من طاع الله
06-22-2006, 04:16 PM
السؤال:الثالث




أقمت علاقة غير شرعية مع رجل متزوج وعدني بالزواج لكن كل ما أطلب منه تعجيل الأمر يعتذر بحجج مختلفة ويبتعد عني لمدة ثم يعود ليقضي حاجته . لكن تبت إلى الله وأتضرع إلى الله سبحانه أن يتقبل توبتي لكن لن أسامحه لأنني شابة مسلمة وأخاف الله لكنه أوقعني في الحرام ، والآن يتقدم إلى خطبتي رجل تقي عفيف ، لكن أحس بالذنب فهل أقبل أم لا ؟.


الجواب:

الحمد لله

أولاً :

إنا لله وإنا إليه راجعون . هذا هو نتيجة الاختلاط والتساهل في إقامة العلاقات المحرمة بين الرجال والنساء ، وكم جَرَّ هذا التساهل علينا من مصائب وأحزان وآلام ، يكتوي بنارها مَنْ ابتليت في عرضها ، وفقدت شرفها ، ثم تركها الذئب على قارعة الطريق ، فلم تعد صالحة له ، وهيهات أن يثق فيها وقد قبلت الخيانة ، وهو غير مستعد للزواج أصلا ، وإنما الهدف هو المتعة الرخيصة ، وقضاء الوقت مع المغفلة المسكينة .

ويكتوي بنارها أهلها إذا افتضح أمرها ، ويكتوي بنارها كل مؤمن في قلبه حياة ، يسمع مثل هذه المآسي والآلام ، ويكتوي بنارها المجتمع كله إذا انتشرت الفاحشة وعمَّت الرذيلة .

ثانياً :

نحمد الله أنك قد تبت من هذه الأفعال الشنيعة ، ونسأله سبحانه أن يتقبل منك ، وأن يعفو عنك ، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء . لكن ما حدث معك عبرة لغيرك ، وكم نادى العلماء والدعاة والمصلحون بضرورة الحذر من فتنة الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، وأهمية الوقوف عند حدود الله تعالى في الكلام والاستماع والنظر والمصافحة والخلوة ، حتى تحفظ الأعراض ، وتصان الفروج ، في حين ظل دعاة الرذيلة يهونون من هذا الأمر ، ويرخصون فيه ، ويدعون إليه ، ويسمونه تحررا وتمدنا ورقيا ، والأمر كما قال الله : ( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ) النساء/27.

والمهم أن تستمري في التوبة والندم ، وأن تكثري من التضرع واللجوء إلى الله ، لعل الله أن يتجاوز عنك ، ويسترك في الدنيا والآخرة .

ولا حرج عليك في قبول الزواج من هذا الرجل التقي الذي تقدم لخطبتك ، ما دمت قد تبت إلى الله تعالى مما اقترفت ، ولا يلزمك إخباره بشيء مما مضى ، بل لا يجوز لك إخباره ، واستتري بستر الله تعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل ) رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663) .

وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).

وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا ، أن الله سيستره في الآخرة ، والمهم ألا يتمادى ، وأن لا يغتر بعفو الله وحلمه ، فإن الله لو شاء أن يفضحه لفضحه ، وهو سبحانه يمهل ولا يهمل .

والله أعلم .


السؤال الرابع





سؤالي هو كيف أتخلص من المعاصي ، أنا أعرف الخطأ والصواب في الإسلام؟

الجواب:


الحمد لله

إن الله سبحانه وتعالى حين حرَّم على العبد المعاصي لم يتركه سُدى ، بل أمدَّه عز وجل بما يعينه على تركها ، ومن الوسائل المعينة على ذلك :

1- تقوية الإيمان بالله عزَّ وجل والخوف منه .

2- مراقبة الله عزَّ وجل واستحضار أنه مع العبد ، وأنه يراه ، وأن كل ما يعمل مُسجَّل عليه .

3- أن يقارن بين اللذة العاجلة للمعصية والتي سرعان ما تنتهي ، وبين عقوبة العاصي يوم القيامة ، وجزاء من امتنع من المعصية .

4- أن يبتعد عن الوسائل التي تعينه على المعصية : كالنظر الحرام ، وأصدقاء السوء ، وارتياد أماكن المعاصي .

5- أن يحرص على مجالسة الصالحين وصحبتهم .





السؤال:الخامس




قرأت أن من نتائج الذنوب العقوبة من الله ومحق البركة ، فبكيت خوفاً من ذلك أرشدوني ؟.



الجواب:

الحمد لله
لا شك أن اقتراف الذنوب من أسباب غضب الله عز وجل ومن أسباب محق البركة وحبس الغيث ، وتسليط الأعداء كما قال سبحانه : ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ) الأعراف/30 ، وقال سبحانه : ( فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) العنكبوت/40

والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ) فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الذنوب والتوبة مما سلف منهما مع حسن الظن بالله ورجائه سبحانه المغفرة والخوف من غضبه وعقابه ، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن عباده الصالحين : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ) الأنبياء/90 ، وقال سبحانه وتعالى : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً ) الأسراء/57 ، وقال عز وجل : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويُطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) التوبة/71

ويُشرع للمؤمن والمؤمنة مع ذلك الأخذ بالأسباب التي أباح الله عز وجل وبذلك يجمع بين الخوف والرجاء والعمل بالأسباب متوكلاً على الله سبحانه معتمد عليه في حصول المطلوب والسلامة من المرهوب والله سبحانه هو الجواد الكريم القائل عز وجل :
( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق/2-3 ، والقائل سبحانه :
( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً ) الطلاق/4 ، وهو القائل سبحانه : ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تُفلحون ) النور/31 فالواجب عليك أيتها الأخت في الله التوبة إلى الله سبحانه مما سلف من الذنوب والاستقامة على طاعته مع حسن الظن به عز وجل والحذر من غضبه وابشري بالخير الكثير والعاقبة الحميدة .



الشيخ عبد العزيز بن باز في الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة ج/3 ص 1136

اخو من طاع الله
06-22-2006, 04:18 PM
السؤال: السادس




فضولي يدفعني للسؤال في أمر من الأمور كي لا ننهج الطريق الذي حرمه الله ..... فقد سبق وأن سمعنا فتوى من شيخ لا اعلم اسمه أنه قد فرض كفارة لمتتبعي الأفلام المدبلجة ..... والله أعلم أنها صيام أربعين يوم ..... فعلى أي أساس بنوا هذه الكفارة أي على أي ذنب .... كيف للمسلم أن يكفر عن هذه المسلسلات إذا كان قد تابع العديد منها .... وهل لكل حلقة منها أو كل مسلسل منها كفارة لوحدها وعلى هذا على الإنسان 5 أو 10 كفارات لنفس الذنب ...
الجواب:


الحمد لله

الواجب عليك التوبة النصوح إلى الله وذلك بالندم على هذا الذنب والإقلاع عنه وعدم العودة إليه ، وعليك بالإكثار من الاستغفار ، والأعمال الصالحة لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) هود/114 ، وهذه هي التي تكفر عنك ذنوبك في النظر المحرَّم والسمع المحرَّم ، وأما من يقول بأنه يلزمك كفارة – كمثل الذي ذكرت - على مشاهدة الأفلام فعليه أن يأتي بالدليل على ذلك إذ لا يجوز إيجاب شيء على الناس من غير دليل صحيح ، ومن أوجب على الناس ما لم يوجبه الله فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله ، فلا يجوز اختراع كفّارات للذنوب وتعيينها وتحديدها دون دليل شرعي .

والصيام في الجملة دون تحديد عدد معين من الأيام من ضمن الحسنات التي تُذهب السيئات . وفقنا الله وإياك للتوبة النصوح.



الشيخ محمد صالح المنجد



السؤال: السابع




نحن نعلم أن من عمل حسنة فله أجرها وأجر من اتبعه كذلك السيئة لكن إذا تاب الشخص هل يلحق به إثم السيئة التي علّمها غيره والتي كان هو السبب في معرفته بها ؟.



الجواب:

الحمد لله

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مثل هذا السؤال فأجاب :

الظاهر أنه لا يلحقه إثم من آثامهم لأن الرجل تاب . وإذا تاب عفى الله عن كل ما يتعلق بهذه المعصية ، ومن سؤال هذا السائل يتبين لنا خطر البدعة ، لأن البدعة إذا سنها الإنسان وهي بدعة سيئة وكل بدعة ضلالة واتخذها الناس سنة صاروا يحيون هذه البدعة بناء على فعله والعياذ بالله فيلحقه من إثمها لكن إذا تاب فإن ظاهر النصوص أن من تاب من الذنب كمن لا ذنب له ... أهـ.



اللقاء الشهري الشيخ ابن عثيمين



السؤال: الثامن




أنا مسلمة متزوجة . وقد وُلدت لعائلة مسلمة . لكني ، لم أكن أعلم عن أحكام الإسلام الشيء الكثير . وقد وقعت في الكثير من المعاصي الكبيرة ، مما جعلني أشعر وكأني أسوء إنسان في هذا العالم . والآن ، فأنا أحاول تحصيل العلم ، العلم المتعلق بهذا الدين العظيم ، وأن أطبق أحكامه . لكني ، لا أشعر بالسلام والراحة في قلبي . أنا دوما أتساءل : كيف لي أن أعرف ما إذا كان الله ، رب العالمين ، قد غفر لي أم لا ؟ ما هي الأمور الصالحة التي يمكنني فعلها كي تمسح ذنوبي العظيمة التي وقعت فيها سابقا ؟ كيف لي أن أتقرب من ربي ؟ يا الله ، أرني ما يدل على أنك رحمتني .
أنا لا أستطيع أن أنام بشكل جيد ، ولا أستطيع أن أرتاح ، ولا أستمتع بأي شيء . أنا أشعر دوما وكأني سأموت في أي وقت وسيسألني الله . كيف أجيبه سبحانه ، فأنا ليس عندي ما أقوله . أنا أبكي من داخلي دائما . يا الله ، أخبرني كيف أتخلص من جميع ذنوبي .
أنا أكتب لك لأني قرأت كتابك "أريد أن أتوب ، ولكن .." مرارا . وأشعر بعد قراءتها بشيء من الراحة عندما أقرأ قول الله تعالى : "لا تقنطوا من رحمة الله .." الآية 53 من سورة الزمر . وهذا هو الأمل الوحيد في حياتي .
هل تظن أن الله سيغفر لي وأنا تلك المرأة العاصية التي وقعت في كل معاصي ؟ لقد صليت صلاة التوبة وأنا أحاول أن أغير طريقة حياتي في جميع الجوانب ليرضى ربي علي . أتعهد بأن أتبع أحكام الإسلام فيما بقي من عمري .



الجواب:

الحمد لله

أولاً :

الحمد لله الذي وفقك للتوبة ، وهداك بعد الضلال ، وأنار لك الطريق ، وحبب إليك الإيمان وزينه في قلبك ، فله الحمد أولاً وآخراً .

ثم هنيئاً لكِ أيتها السائلة على التوفيق للتوبة ، وهذه نعمة تحتاج إلى شكر ، فالله يتوب على من تاب . يُراجع السؤال (14289) .

ثانياً :

قولك : " كيف أعرف أن الله قد غفر لي أم لا ؟ "

اعلمي بأن من تاب توبة ً صادقة تاب الله عليه والله غفور رحيم ، وعد من تاب أن يغفرله ذنوبه فقال : ( قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 ، والله إذا وعد فإنه لا يخلف الميعاد .

وقال تعالى : ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان/71 . ففي هذه الآية بين الله لنا أنه يبدل سيئات التائب إلى حسنات ، وهذا من فضائل التوبة .

ثالثاً : قولك : " كيف أتخلص من ذنوبي ؟ "

هذه مسألة مهمة ، وهي الأسباب التي تكفر الذنوب : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب :

أحدها : التوبة ، وهذا متفق عليه بين المسلمين . قال تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) ،وقال تعالى : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم } ، وقال تعالى : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) ، وأمثال ذلك .

السبب الثاني : الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أذنب عبدٌ ذنباً فقال أي رب أذنبت ذنباً فاغفر لي ، فقال : علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي .. الحديث " . رواه البخاري (6953) ومسلم (4953) .

وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون ثم يستغفرون فيُغفَرُ لهم " ( التوبة/4936 ).

السبب الثالث :الحسنات الماحية ، كما قال تعالى : ( أقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفَاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " رواه مسلم (344) وقال : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غُفِرَله ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري (37) ومسلم (1268) ، وقال : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَله ما تقدم من ذنبه " رواه البخاري (1768) ، وقال : " من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " رواه البخاري (1690) ، وقال : " فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " رواه البخاري (494) ومسلم (5150) ، وقال : " من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله بكل عضوٍ منها عضواً منه من النار ، حتى فرجه بفرجه " رواه مسلم (2777) . وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح ، وقال : " الصدقةُ تُطْفِئُ الخطيئة كما يُطْفِئُ الماءُ النارَ، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطبَ . "

والسبب الرابع الدافع للعقاب : دعاءُ المؤمنين للمؤمن ، مثل صلاتهم على جنازته ، فعن عائشة ، وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من ميت يصلى عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شُفِعُوا فيه " رواه مسلم (1576) ، وعن ابن عباس قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجلٍ مسلمٍ يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً ، إلا شفعهم الله فيه " رواه مسلم (1577) . وهذا دعاء له بعد الموت .

السبب الخامس : " ما يعمل للميت من أعمال البر ، كالصدقةِ ونحوها ، فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة ، واتفاق الأئمة ، وكذلك العتق والحج ، بل قد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه ." رواه البخاري (5210) ومسلم (4670)

السبب السادس : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة ، كما قد تواترت عنه أحاديث الشفاعة ، مثل قوله في الحديث الصحيح : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " صححه الألباني في صحيح أبي داوود (3965) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة ، فاخترت الشفاعة ..." انظر صحيح الجامع (3335) .

السبب السابع : المصائب التي يُكَفِرُ الله بها الخطايا في الدنيا ، كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " ما يُصيب المؤمن من وصبٍ ولا نصب ولا همٍ ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخاري (5210) ومسلم (4670) .

السبب الثامن : ما يحصل في القبر من الفتنة ، والضغطة ، والروعة ( أي التخويف ) ، فإن هذا مما يُكَفَرُ به الخطايا .

السبب التاسع : أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها .

السبب العاشر : رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد ." المرجع مجموع فتاوى ابن تيمية ج7 ص " 487- 501 " .

رابعاً : قولك " هل تظن أن الله سيغفر لي ؟!! ... "

نعم ، لو تبتي توبة صادقة ، فإن الله وعد من تاب بالتوبة ، والأدلة على ذلك قد تقدمت . فإياك أيتها الأخت أن تقنطي من رحمة الله ، وتذكري قصة الرجل الذي قتل مئة شخص ، ثم تاب فتاب الله عليه ، وإليك القصة كما رواها الإمام مسلم في صحيحه في كتاب التوبة (2766) : " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ، فَقَالَ : لا ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَتْ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ " .

فيستفاد من هذا الحديث فوائد منها :

1- أن الله يغفرالذنوب كلها عن التائب مهما بلغت ، ويدل له قوله تعالى : ( قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

2- أن على التائب أن يبتعد عن رفقة السوء الذين كانوا معه على المعصية ، وعليه أن يصاحب رفقةً صالحة ، تعينه على الخير ، وتدله عليه .

3- على المسلم أن يعيش في حياته بين الخوف والرجاء ، فهو يخاف ذنوبه ويخشى منها ، ولا يأمن مكر الله ولا يجزم لنفسه بدخول الجنة ، فإن الصحابة رضوان الله عليهم رغم صلاحهم وتقواهم لم يكن هذا حالهم ، بل كانوا يخافون ربهم ويعبدونه رغباً ورهباً ، وخوفاً وطمعاً ، فالمسلم إذاً يعمل الطاعات ويتوب ويطمع في رحمة الله ويعلم أن الله يغفر لمن تاب ويتوب عليه فيرجو أن يغفر الله له ، ويعلم أن الله يتقبل من عبده العمل الصالح ويحب ذلك منه فيجتهد في عمل الصالحات راجياً القبول ، فإذا عاش بهذه الحال : خائفاً من ذنوبه ، راجياً رحمة ربه أصبح مجتهداً في الطاعة بعيداً عن المعصية يسأل الله أن يُثيبه على الصالحات حتى يلقاه وهو راضٍ عنه ، ويستعيذ بالله من أن يقلب قلبه أو يغير حاله ، كما كان يدعو عليه الصلاة والسلام : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " .

نسأل الله لنا ولك الثبات على دينه ، والمزيد من فضله ، إنه سميع مجيب .



الشيخ محمد صالح المنجد

اخو من طاع الله
06-22-2006, 04:20 PM
السؤال:التاسع




منذ سبع سنوات ذهبت عند عراف ثم عند كاهن وكنت حينها مصاباً بالوساس .
وكنت أعلم أن الذهاب إلى الكاهن أو العراف شرك ، ولكني لم أكن أعرف معنى الشرك وأنه خروج من الملة . وبعد هذه السنين تبت إلى الله تعالى من كل الذنوب والمعاصي ، وبدأت أقرأ في كتب التوحيد حتى أصحح عقيدتي ، فوجدت أني وقعت في الشرك الأكبر . فهل لي من توبة ؟ وهل أعيد الشهادة ؟.



الجواب:

الحمد لله

أولاً :

نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة ، ونسأله سبحانه أن يرزقك الثبات والاستقامة على الحق .

ثانياً :

قد تظاهرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم الذهاب إلى الكهان والعرافين ، انظر السؤال (8291) .

ولكن ليس كل من ذهب إلى كاهن أو عراف يكون مشركاً شركاً أكبر خارجاً عن الملة ، بل الذهاب إلى الكاهن أو العراف فيه تفصيل ، فقد يكون شركاً أكبر ، وقد يكون معصية ، وقد يكون جائزاً .


قال الشيخ ابن عثيمين :

" والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه ، فهذا محرم ، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً ، كما ثبت في صحيح مسلم (2230) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) .

القسم الثاني : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به ، فهذا كفر بالله عز وجل ، لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب ، وتصديق البشري دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى : ( قًُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ ) النمل/65 . ولهذا جاء في الحديث الصحيح : ( من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) .

القسم الثالث : أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ليبين حاله للناس ، وأنها كهانة وتمويه وتضليل ، وهذا لا بأس به ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى ابن صياد ، فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في نفسه ، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم ماذا خَبَّأ له ؟ فقال : الدخ . يريد الدخان " انتهى .

"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (2/184) .

وعليه ؛ فمن أتى إلى عراف أو كاهن وكان مصدقاً له فيما يقول ومعتقدا أنه يعلم الغيب فقد كفر كفرا أكبر يخرج به من الإسلام ، وأما إذا لم يكن معتقدا لصدقه فلا يكفر .

وعلى كل الأحوال فباب التوبة مفتوح ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) رواه الترمذي ( 3537) .

أي : ما لم تبلغ الروح إلى الحلقوم ، وكل ذنب يتوب منه الإنسان فإن الله يتوب عليه ، قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

فأي ذنب وقع فيه الإنسان ثم تاب منه قبلت توبته ، حتى الشرك .

انظر السؤال (9393)

والأصل أن الكافر – ومثله المرتد عن الإسلام- يطلب منه أن ينطق بالشهادتين حتى يدخل في الإسلام ، فإن كان ذهابك إلى الكاهن من القسم الثاني السابق ذكره ، فلا بد من الإتيان بالشهادتين ، وحيث إنك قد تبت واستقمت فلا شك أنك قد كررت الشهادتين مرات ومرات ، فلا يلزمك الآن شيء ، وعليك العزم على عدم العودة لمثل هذا مرة أخرى .

واجتهد في طلب العلم حتى تعبد الله على بصيرة .

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى .




السؤال العاشر



لدي صديقة تعرفت على شخص منذ 6 سنوات والحمد لله تم الزواج ، ولكن قبل الزواج تم فعل الفاحشة ، وصديقتي نادمة جدّاً تبكي ليل نهار وتصلي الصلوات ، مع كل يوم صلاة استغفار ، وبعد الزواج ذهبوا للعمرة وينويان الحج ، ولكن زوجها يريد أطفالاً وهي خائفة أن تنجب طفلاً مشوهاً عقاباً من الله سبحانه وتعالى وتقول : إن من زنى يلاقي عذاباً في الدنيا والآخرة حتى لو تاب ، هل هذا صحيح ؟ وهل سيدخل النار ؟.



الجواب:

الحمد لله

نحمد الله تعالى على أن وفقهما للتوبة ، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثيبهما وأن يثبتهما ، ولا شك أن ما فعلاه من الفاحشة سبب لعقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة .

والتوبة الصادقة من هذا الفعل ، والندم على فعله ، والعزم على عدم العوْد إليه ، والبكاء على ما وقع من تفريط في جنب الله تعالى وهتك حرمات المسلمين : يُرجى أن يكون خيراً لهذا التائب وأن يكون سبباً في تبديل سيئاته حسنات .

ولا ينبغي لهذه الأخت أن يصل بها المقام في التوبة إلى حدِّ القنوط من رحمة الله ، فقد يدخل الشيطان عليها من هذا الباب ويصدها عن التوبة وفعل الخير .

فيحسن منها أن تندم وتبكي وتتوب وتستغفر تعظيماً لما وقع منها ومن زوجها من معصية ، ولكن لا يحسن منها القنوط من رحمة الله وظن السوء به تعالى .

وقد أعلمنا ربنا تعالى أنه يغفر الذنوب جميعاً مهما عظمت وكثرث لمن تاب منها ، ونهانا عن القنوط من رحمته ، فقال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .

وأعلمنا تعالى أنه يبدل السيئات حسنات لمن صدق في توبته ، ولو وقع منه الشرك والقتل والزنا ، وهي أعظم الذنوب ، فقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان/68 – 70 .

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده ، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .

وبه يُعلم خطأ القول : ( إن الزاني يعذَّب في الدنيا والآخرة ولو تاب ) وما سبق من الأدلة يدل على بطلان هذا القول ، بل يرغِّب الله تعالى عباده في التوبة ، ويثيبهم عليها إن فعلوا ، ولا يعاقبهم .

ولا داعي للخوف من الإنجاب ، ولا داعي للقلق .

واسألوا الله تعالى الذرية الصالحة ، واستعينوا بربكم تبارك وتعالى ، وأكثروا من الأعمال الصالحة ، ونسأل الله تعالى أن يوفقكما لما فيه رضاه .

والله أعلم .

النـايــــــف
07-07-2006, 02:08 PM
جزاك الله كل خير اخوي عبدالله الحافي


وجعلها الله في موازين حسناتك


على هذا الموضوع


تحياتي لك ،،،،،