فواز الشيباني
03-31-2006, 04:25 AM
ابن ثعلي شاعر عرف في أوساط شعراء النخبة وشهرته إعلامياً لم تكن بمستوى حذقه الشعري وتفوقه. عاش ابن ثعلي جزءاً كبيراً من حياته بادياً بعيداً عن المدن فجاءت أشعاره تصدح بما حوله من عنفوان البادية وصفاء أجوائها وتكرس الاعتداد بالنفس والمجموع بين ثناياها و ليس أدل على شخصية ابن ثعلي من قوله:
خل القراش وما قفٍ عند راعيه
***في ما قفٍ يرخص طوال السبالي
ما نيب راعي ما قفٍ فيه ما فيه
***يرخص به الرجّال لو كان غالي
أبوي وصّاني وجدّي موصّيه
***على الشرف وأنا بوصّي عيالي
هذه الجوانب الشخصية عند ابن ثعلي اعتمرتها الموهبة الشعرية لتبرز بشكل جلي في فلسفة معينة أخذت مكانها في أبياته.. يقول عن محرضه الشعري:
أنا مغير مولّع القلب يا بدير
***اشري وأبيع بمشترايه وباعي
والله ما أغير أصخّر القاف تصخير
***تصخير ما دوب العصا لين أطاعي
من دق به مثلي هجوس وحواشير
***تضيق به لو الطريق اتساعى
ابن ثعلي أبدع في شعر النظم وله فيه صولات وجولات. طغى على شعره الاعتداد بالنفس والقبيلة وانفرد بجميل شعر الغزل و أجاد في الحكمة والنصح وسبر جوانب الحياة. عبد المعين ابن ثعلي شاعر لا تنقصه الأصالة ولا العنفوان. أما العنفوان فهو مرتكز رئيسي لموهبته الشعرية يدور حوله محاور الاعتداد بالنفس والقبيلة ثم المدح وكثير من الغزل. الغزل غرض رئيسي في شعر ابن ثعلي وإبداعه فيه ناتج عن غنى موهبته الشعرية الصاخبة والمتفردة.
مما أثر عن الأمير الشاعر محمد السديري أنه لقب ابن ثعلي بشاعر عتيبة. ونحن وإن كنا نؤيد الأمير السديري تمام التأييد على تقدم شاعرية ابن ثعلي إلا أننا نعده من ضمن الطبقة الأولى من شعراء عتيبة سواء بسواء من دون أن يتقدم المبدعين منهم أو يتأخر عنهم. لنتفق أن الدلالة واضحة لشهادة من هو بحجم الأمير محمد السديري من ناحية علو كعب ابن ثعلي شعريا.
إبداعاته
يسرنا الإبحار مع رائع شعر ابن ثعلي من خلال قراءة سريعة لمقتطفات من أشعاره مرفقة باستدراكات فيها سبر لاتجاهات ابن ثعلي. ربما استعراض هذه الأمثلة تغني عن الكثير من الشرح والتعليق ويمكن للقارئ أن يستشف منها منهج هذا الشاعر وتقدم إنتاجه الشعري ونباهة معانيه وجزالتها.
المدح
مما أثر عن ابن ثعلي في المدح ما قاله من قصيدة رائعة طويلة سارية منوهاً بأهل العوجا ومنهم آل سعود حفظهم الله بطريقة مختلفة ومقارنة نابهة:
ألا هل العوجا تكلمت فيهم
*******اللي لهم روس العلا مرام
لو كان يكفيهم من المدح ما مضى
******أبطال وكرام عيال كرام
هل الراية الخضرا ليا رزوا العلم
******لا رزت الأعلام للأعلام
على علمهم لا اله إلا الله
*****هو اسمه الغالب على الآسام
هل الدين والتوحيد والعز والشرف
*****أقاموا عمود النصر للإسلام
ثم يعرج على مدح الملك فيصل بن عبد العزيز بعاطفة جياشة بين ثنايا الصدق والمحبة فيقول:
ما هرولت بنت الحصان بمثله
*****فالشرق والغرب وجنوب وشام
أنشهد انه كل عذرا تلحلحت
*****عن مثل فيصل جايةٍ بغلام
يشهد له الله ثم تشهد له العرب
*****والسيف والتاريخ والأقلام
كذلك فله أبيات توضح الالتصاق بالمكان الذي نشأ فيه والذي يسكنه ويرمز للوطن بشكل عام وغيرته الشديدة على ترابه، يقول:
يا دار لو ذقنا لنا فيك لذات
يا ما شربنا فيك من سم ساعه
****تبقين للحيين منا ومن مات
والإنقلاعة ما ش عنك إنقلاعه
*****نرسي كما ترس الحيود المنيفات
من دون حد الدار حمضه وقاعه
هناك نوع مختلف من المدح لدى ابن ثعلي وهو ما كان مشوبا ببعض الطلبات الموجزة . وأوضح مثال لهذا المذهب قصيدة يقول منها:
يا راكب من عندنا فوق عيرات
****حرايرٍ بوروكهنّ انهزاعه
فج الزغون وكلهن صيعريات
*****ومرملات اعءن الحوار ورضاعه
يلفن منصا ضمّر العيدهيات
****راع القديمة والشرف والرفاعه
ويقول:
ملفاك مسلط منوة الهاشلينا
****عيد النظر مغلي بنات الحصانا
قله ترانا يمّها مقبلينا
****شدوا عن العد الذي صار مانا
وكما كان لابن ثعلي مع المدح صولات كان له مع الهجاء وقفات لكنها قليلة جداً ولم يكن فاحشا ولا متعدياً لأنه لم يكن يجنح للهجاء إلا في أضيق المجالات يقول مخاطبا احد الشعراء:
انت لك عامين تلعب بالربابه
****كيف تلعب بالربابة والقصيدة
تحسب إنا ما عليك النا انقلابه
****لو صبرنا عنك تحترّ الحديدة
الوعظ
المتتبع لقصائد ابن ثعلي يجد الأثر الجلي لنبرة التدين وحب الدين بين ثنايا أبياته وربما كان جوا تربويا عاما عاش عليه وتربى في عصر ولد فيه وعاش واشرب باتجاهاته النقية.. يقول:
يالله يا من كل حيٍ يسيله
***انته رجاهم يا رجا كل طلاب
فضلك ولا فضل اليدين البخيله
****إليا التجابك واحدٍ منك ما خاب
اللي شمل عفوه لمن يلتجي له
****ويا من ثنا عفوه لعبده ليا تاب
كما يقول:
يقول ابن ثعلي وهذي هديته
***على جميع المسلمين سلام
قلته وأنا والله ما ذم وامدح
****منيب مدّاحٍ ولا ذمّام
ولا أقول فـ المقفي ولا آكل عرضه
****علي من رب العباد آثام
الوصف والحكم
أبدع ابن ثعلي في الوصف حيث انتشر في ثنايا مدائحه وغزلياته.. يقول في إحدى وصفياته الجميلة :
لديت يمه قلت لا والله الجبار
***لو أدّيت لي هرجتـءك كلمه على السنه
ولقا وراه ليا دموعه على الأحجار
***وصدّيت عنءه ولا دموعي كماهنه
أما الحكم والتجارب فله منهما نصيب وافر وربما كان لعمره المديد وتجربته الزاخرة المتغيرة في الحياة وحياته بين البادية الحاضرة بعد ذلك وتقلبه في الدنيا أثر في ذلك يقول في التحذير من النميمة والغيبة:
احذر هروج اللي يسحّب شليله
****وظيفته نقل الحكا بين الأقراب
عندك حكا فيهم يبيك تحَكي له
****حرءصٍ على غرة رفيقه ليا غاب
ويقول محذراً من اتباع طريق الشر والفتن بما يشابه أبيات زهير بن أبي سلمى في الجاهلية في التحذير من الحرب وعظم خسائرها..يقول ابن ثعلي:
الشر وأسبابه حباله طويله
***تشمل لها ناسٍ مدلّي وجذاب
أول مناشه بالعلوم القليله
***وأتلاه يومٍ تلتحق فيه الأرقاب
وليا تناهت بالحمول الثقيله
****كل ٍ شمت حظه بمخطي وما صاب
ويقول من باب تعرية جوانب واقعية معاشة:
الحُر حُر وماكره من مجانيه
***يرجع لمجنى ماكره وانتسابه
والبوم لو انك تهدّه وتدعيه
***مدعى الصقور أقصاه لا بك ولا به
والقصر لو زخرفت عالي مبانيه
****ما يكتمل بنءيه وساسة خرابه
وفي حكمة بالغة وسبر لأمور الدنيا وان كلا مقدر لما خلق له بعلم الله يقول عبد المعين ابن ثعلي:
أبيع واشري في ليال ٍ مضني
***ليت الزمان اللي بقى مثل ماضيه
ولو الليال بغيبهن علمنّي
*****تركت بعض الشي مره وحاليه
كذلك ابن ثعلي على موعد مع هذه الأبيات الخالدة الموضحة لحقيقة يتم تناسيها كثيرا حيث يقول:
والله اللي يقتضي ممن يريدي
***لا تظنه والقدر ما فيه ظنه
ويش بُعد الموت من حبل الوريدي
****لا دنت تلقا المنايا يجذبنه
ما خلقت إلا شقي ولا سعيدي
****حطك الله بين نار وبين جنه
الغزل والوجد
أما الغزل فقد كتب ابن ثعلي فيه بشكل متميز وأكثر منه وأجاد حيث يعتبر من أوضح أغراض الشعر لديه. نحن لا ندري ان كان طرق ابن ثعلي لباب الغزل بكثرة ناتجا عن معاناة معينة ولكن من المؤكد أن قوة موهبته الشعرية دعته لطرق الغزل بكثرة لأنه مجال فسيح لإثبات الشاعرية وفيه يتسابق الشعراء. لذلك فان فوران الموهبة لديه في نظرنا هو المبرر لهذا... لنقرأ له وهو يقول متحدثا عن تغلغل الهوى بين الجوانح:
ناسٍ يعَرفون الهوى بالتمني
***ما يعرفون الحب ألا بطاريه
أول عراقيل الهوى ضحك سني
****وبين القلوب مناقش الهرج يوشيه
ويقول طرّاد الهوى يرجهني
****حلو القدوم وسم ساعة بتاليه
ويقول في أبيات أخرى لا تقل روعة:
إليا تبسم في ثمانٍ كما اللول
***يُودع صناديق الضماير حطيبه
وعنقٍ طويل وأشقر جزل مجدول
***امجدّل ٍ كفّ الحواقن سبيبه
وصدرٍ وقدٍّ... مبيـّن الفصل مفصول
***لا هب ذعذاع النسيم يغَدي به
والعين عينٍ لأشقر الريش ناجول
***حر ٍ على بُرق الحباري مصيبه
أما هذه الأبيات فتمثل قمة الشعر الغزلي العذري حيث التجاوز عن زلات من أحب ، يقول:
قالوا لي انسى قلت ماهوب معقول
***قالوا نسِيك وقلت ماهي معيبه
الحب ما بين المحبين بوصول
***ما أرضى ولا يرضى عليَ المعيبه
إن عالج الدا بالدوا منه مكفول
****وليا تحمّل ذنبي الله حسيبه
وخاتمة اختياراتنا الغزلية لابن ثعلي قوله يصف من يحب:
عليه من هو جامعٍ داي ودواي
***ما غير ياخذني على ما يريدي
لا مقفيٍ عني ولا مقبلٍ جاي
*****اقريّب مني عليـّه بعيدي
جاني يجر اخطاه مشيه تهدّاي
*****تهدِّي الذرب الفريد الوحيدي
يكسر بعينه في نظره التخزراي
*****رسا ليا شبّت نظرها حديدي
وحار القدم يمه وهوجلت ممشاي
****مشي القضيب اللي برجليه قيدي
من المناحي المميزة التي نحاها ابن ثعلي في شعره هو ما يمكن أن يطلق عليه شعر التوجّد على حياة البادية بجمالها ورونقها الذي افتتن به. ابن ثعلي بدوي صريح أحب البادية ووصفها بما هي أهل له. هو لم يكن بعيدا عن المنازل والقفار والشديد والإبل وتتبع الأمطار فهاهو يقول:
اشد وانزل في مربّ الخواوير
****وامشي مع الحزم السماح الوساعي
اليا اختلط نبت الزهر والنواوير
********ركزت بالعبله عمود الشراعي
غربٍ من النفره جنوب المخاضير
******شرقٍ من الفيضة شمال الكراعي
ياوي.. مرباع ٍ بهاك المزابير
******وياوي.. سلفان بها القلب ياعي
يقول أيضا في شديد البدو:
شافوا لهم برقٍ على نجد سمّار
******تحت مطاليع النجوم وقمرها
يبون مرباع ٍ من الوسم ويسار
****اقفوا على درب البروق ومطرها
ذعذع هوى الغربي وساقوا بمحدار
******وروّح ربيع العين واقبل دهرها
آخر المناحي المميزة التي نحاها ابن ثعلي في شعره هو ما يمكن أن يطلق عليه شعر الاعتداد بالنفس والمجموع والقبيلة. ابن ثعلي يصهر كل ذلك في فلسفة فطرية ترتكز على التميز وان كان يشوبها بعض القلق ومقارفة السكون لأنه مصدر الدعة والراحة وهو لا يريد ذلك. يقول مخاطبا من يحدث نفسه لاعتلاء المراقيب:
يابادي المرقاب لا تعتلي فيه
*****ما دام قلبك دالهٍ عن عذابه
حوّل وخله للشقاوي يعدّيه
****على نحا قلبه يكسّر حسابه
ويتحدث ابن ثعلي بشيء من القلق عن فلسفة خاصة به هنا:
النوم ثلث من اول الليل يكفيه
****يكفيه ثلثٍ بأوله عن عقابه
وثلثين منها الثلث الأوسط وتاليه
*****يأخذ على الجنبين كل انقلابه
كم هي جميلة هذه الاشراقة الشعرية التي أهدتها موهبة عبد المعين ابن ثعلي الشعرية لمحبي الشعر ومتذوقيه. انه شاعر مجيد رائع له العديد من القصائد الفائقة الجودة و من المؤكد أن يسعد بها من يبحر عبر لججها الزاخرة بالجزالة والأصالة. من الجدير بالذكر أننا لم نر له ديوان مطبوع وهذا ما يدعونا للتساؤل عن أسباب التقصير في هذا الجانب وربما كان هناك من يأخذ زمام المبادرة في هذا الجانب فأشعار ابن ثعلي شاهدة على عصر نعيش طرفاً منه شهادة تاريخية وأدبية.
سيرته الذاتية
الحديث عن شاعر بارع بهذه الصفة حديث رائع وابن ثعلي شاعر أصيل غير مطبوع. وفي نبذة وجدتها مخطوطة بخط الشاعر تركي الغنامي "ابن ثعلي هو عبد المعين بن عقل بن هذال بن ثعلي العتيبي ولد في المحاني عام 1331 هـ. عاش ابن ثعلي بادياً يتنقل في طلب المرعى بإبله وذلك بين أطراف الحجاز نزولا إلى عالية نجد مرورا بمنطقة ركبه واستمر على هذا الحال إلى وقت ليس ببعيد عندما استقر في المحاني وامتلك مزرعة فيها قبل أن يتقدم به السن ليستقر أخيرا بالطائف" انتهى ماخطه الغنامي. بالطبع ليس أكثر من تعريف للشاعر ابن ثعلي من تعريفه هو لنفسه، ومن هذا المنطلق يقول عبد المعين ابن ثعلي عن نفسه:
يا ناشد عني ولا تعرفني
****يكفيك ما تسمع من العنواني
اصلي عتيبي ٍ عريبٍ ساسه
*****على ما قال بديوي الو قداني
يقولها راع الدلايل قبلي
*****خير الدلايل جُرّة الفرساني
خل القراش وما قفٍ عند راعيه
***في ما قفٍ يرخص طوال السبالي
ما نيب راعي ما قفٍ فيه ما فيه
***يرخص به الرجّال لو كان غالي
أبوي وصّاني وجدّي موصّيه
***على الشرف وأنا بوصّي عيالي
هذه الجوانب الشخصية عند ابن ثعلي اعتمرتها الموهبة الشعرية لتبرز بشكل جلي في فلسفة معينة أخذت مكانها في أبياته.. يقول عن محرضه الشعري:
أنا مغير مولّع القلب يا بدير
***اشري وأبيع بمشترايه وباعي
والله ما أغير أصخّر القاف تصخير
***تصخير ما دوب العصا لين أطاعي
من دق به مثلي هجوس وحواشير
***تضيق به لو الطريق اتساعى
ابن ثعلي أبدع في شعر النظم وله فيه صولات وجولات. طغى على شعره الاعتداد بالنفس والقبيلة وانفرد بجميل شعر الغزل و أجاد في الحكمة والنصح وسبر جوانب الحياة. عبد المعين ابن ثعلي شاعر لا تنقصه الأصالة ولا العنفوان. أما العنفوان فهو مرتكز رئيسي لموهبته الشعرية يدور حوله محاور الاعتداد بالنفس والقبيلة ثم المدح وكثير من الغزل. الغزل غرض رئيسي في شعر ابن ثعلي وإبداعه فيه ناتج عن غنى موهبته الشعرية الصاخبة والمتفردة.
مما أثر عن الأمير الشاعر محمد السديري أنه لقب ابن ثعلي بشاعر عتيبة. ونحن وإن كنا نؤيد الأمير السديري تمام التأييد على تقدم شاعرية ابن ثعلي إلا أننا نعده من ضمن الطبقة الأولى من شعراء عتيبة سواء بسواء من دون أن يتقدم المبدعين منهم أو يتأخر عنهم. لنتفق أن الدلالة واضحة لشهادة من هو بحجم الأمير محمد السديري من ناحية علو كعب ابن ثعلي شعريا.
إبداعاته
يسرنا الإبحار مع رائع شعر ابن ثعلي من خلال قراءة سريعة لمقتطفات من أشعاره مرفقة باستدراكات فيها سبر لاتجاهات ابن ثعلي. ربما استعراض هذه الأمثلة تغني عن الكثير من الشرح والتعليق ويمكن للقارئ أن يستشف منها منهج هذا الشاعر وتقدم إنتاجه الشعري ونباهة معانيه وجزالتها.
المدح
مما أثر عن ابن ثعلي في المدح ما قاله من قصيدة رائعة طويلة سارية منوهاً بأهل العوجا ومنهم آل سعود حفظهم الله بطريقة مختلفة ومقارنة نابهة:
ألا هل العوجا تكلمت فيهم
*******اللي لهم روس العلا مرام
لو كان يكفيهم من المدح ما مضى
******أبطال وكرام عيال كرام
هل الراية الخضرا ليا رزوا العلم
******لا رزت الأعلام للأعلام
على علمهم لا اله إلا الله
*****هو اسمه الغالب على الآسام
هل الدين والتوحيد والعز والشرف
*****أقاموا عمود النصر للإسلام
ثم يعرج على مدح الملك فيصل بن عبد العزيز بعاطفة جياشة بين ثنايا الصدق والمحبة فيقول:
ما هرولت بنت الحصان بمثله
*****فالشرق والغرب وجنوب وشام
أنشهد انه كل عذرا تلحلحت
*****عن مثل فيصل جايةٍ بغلام
يشهد له الله ثم تشهد له العرب
*****والسيف والتاريخ والأقلام
كذلك فله أبيات توضح الالتصاق بالمكان الذي نشأ فيه والذي يسكنه ويرمز للوطن بشكل عام وغيرته الشديدة على ترابه، يقول:
يا دار لو ذقنا لنا فيك لذات
يا ما شربنا فيك من سم ساعه
****تبقين للحيين منا ومن مات
والإنقلاعة ما ش عنك إنقلاعه
*****نرسي كما ترس الحيود المنيفات
من دون حد الدار حمضه وقاعه
هناك نوع مختلف من المدح لدى ابن ثعلي وهو ما كان مشوبا ببعض الطلبات الموجزة . وأوضح مثال لهذا المذهب قصيدة يقول منها:
يا راكب من عندنا فوق عيرات
****حرايرٍ بوروكهنّ انهزاعه
فج الزغون وكلهن صيعريات
*****ومرملات اعءن الحوار ورضاعه
يلفن منصا ضمّر العيدهيات
****راع القديمة والشرف والرفاعه
ويقول:
ملفاك مسلط منوة الهاشلينا
****عيد النظر مغلي بنات الحصانا
قله ترانا يمّها مقبلينا
****شدوا عن العد الذي صار مانا
وكما كان لابن ثعلي مع المدح صولات كان له مع الهجاء وقفات لكنها قليلة جداً ولم يكن فاحشا ولا متعدياً لأنه لم يكن يجنح للهجاء إلا في أضيق المجالات يقول مخاطبا احد الشعراء:
انت لك عامين تلعب بالربابه
****كيف تلعب بالربابة والقصيدة
تحسب إنا ما عليك النا انقلابه
****لو صبرنا عنك تحترّ الحديدة
الوعظ
المتتبع لقصائد ابن ثعلي يجد الأثر الجلي لنبرة التدين وحب الدين بين ثنايا أبياته وربما كان جوا تربويا عاما عاش عليه وتربى في عصر ولد فيه وعاش واشرب باتجاهاته النقية.. يقول:
يالله يا من كل حيٍ يسيله
***انته رجاهم يا رجا كل طلاب
فضلك ولا فضل اليدين البخيله
****إليا التجابك واحدٍ منك ما خاب
اللي شمل عفوه لمن يلتجي له
****ويا من ثنا عفوه لعبده ليا تاب
كما يقول:
يقول ابن ثعلي وهذي هديته
***على جميع المسلمين سلام
قلته وأنا والله ما ذم وامدح
****منيب مدّاحٍ ولا ذمّام
ولا أقول فـ المقفي ولا آكل عرضه
****علي من رب العباد آثام
الوصف والحكم
أبدع ابن ثعلي في الوصف حيث انتشر في ثنايا مدائحه وغزلياته.. يقول في إحدى وصفياته الجميلة :
لديت يمه قلت لا والله الجبار
***لو أدّيت لي هرجتـءك كلمه على السنه
ولقا وراه ليا دموعه على الأحجار
***وصدّيت عنءه ولا دموعي كماهنه
أما الحكم والتجارب فله منهما نصيب وافر وربما كان لعمره المديد وتجربته الزاخرة المتغيرة في الحياة وحياته بين البادية الحاضرة بعد ذلك وتقلبه في الدنيا أثر في ذلك يقول في التحذير من النميمة والغيبة:
احذر هروج اللي يسحّب شليله
****وظيفته نقل الحكا بين الأقراب
عندك حكا فيهم يبيك تحَكي له
****حرءصٍ على غرة رفيقه ليا غاب
ويقول محذراً من اتباع طريق الشر والفتن بما يشابه أبيات زهير بن أبي سلمى في الجاهلية في التحذير من الحرب وعظم خسائرها..يقول ابن ثعلي:
الشر وأسبابه حباله طويله
***تشمل لها ناسٍ مدلّي وجذاب
أول مناشه بالعلوم القليله
***وأتلاه يومٍ تلتحق فيه الأرقاب
وليا تناهت بالحمول الثقيله
****كل ٍ شمت حظه بمخطي وما صاب
ويقول من باب تعرية جوانب واقعية معاشة:
الحُر حُر وماكره من مجانيه
***يرجع لمجنى ماكره وانتسابه
والبوم لو انك تهدّه وتدعيه
***مدعى الصقور أقصاه لا بك ولا به
والقصر لو زخرفت عالي مبانيه
****ما يكتمل بنءيه وساسة خرابه
وفي حكمة بالغة وسبر لأمور الدنيا وان كلا مقدر لما خلق له بعلم الله يقول عبد المعين ابن ثعلي:
أبيع واشري في ليال ٍ مضني
***ليت الزمان اللي بقى مثل ماضيه
ولو الليال بغيبهن علمنّي
*****تركت بعض الشي مره وحاليه
كذلك ابن ثعلي على موعد مع هذه الأبيات الخالدة الموضحة لحقيقة يتم تناسيها كثيرا حيث يقول:
والله اللي يقتضي ممن يريدي
***لا تظنه والقدر ما فيه ظنه
ويش بُعد الموت من حبل الوريدي
****لا دنت تلقا المنايا يجذبنه
ما خلقت إلا شقي ولا سعيدي
****حطك الله بين نار وبين جنه
الغزل والوجد
أما الغزل فقد كتب ابن ثعلي فيه بشكل متميز وأكثر منه وأجاد حيث يعتبر من أوضح أغراض الشعر لديه. نحن لا ندري ان كان طرق ابن ثعلي لباب الغزل بكثرة ناتجا عن معاناة معينة ولكن من المؤكد أن قوة موهبته الشعرية دعته لطرق الغزل بكثرة لأنه مجال فسيح لإثبات الشاعرية وفيه يتسابق الشعراء. لذلك فان فوران الموهبة لديه في نظرنا هو المبرر لهذا... لنقرأ له وهو يقول متحدثا عن تغلغل الهوى بين الجوانح:
ناسٍ يعَرفون الهوى بالتمني
***ما يعرفون الحب ألا بطاريه
أول عراقيل الهوى ضحك سني
****وبين القلوب مناقش الهرج يوشيه
ويقول طرّاد الهوى يرجهني
****حلو القدوم وسم ساعة بتاليه
ويقول في أبيات أخرى لا تقل روعة:
إليا تبسم في ثمانٍ كما اللول
***يُودع صناديق الضماير حطيبه
وعنقٍ طويل وأشقر جزل مجدول
***امجدّل ٍ كفّ الحواقن سبيبه
وصدرٍ وقدٍّ... مبيـّن الفصل مفصول
***لا هب ذعذاع النسيم يغَدي به
والعين عينٍ لأشقر الريش ناجول
***حر ٍ على بُرق الحباري مصيبه
أما هذه الأبيات فتمثل قمة الشعر الغزلي العذري حيث التجاوز عن زلات من أحب ، يقول:
قالوا لي انسى قلت ماهوب معقول
***قالوا نسِيك وقلت ماهي معيبه
الحب ما بين المحبين بوصول
***ما أرضى ولا يرضى عليَ المعيبه
إن عالج الدا بالدوا منه مكفول
****وليا تحمّل ذنبي الله حسيبه
وخاتمة اختياراتنا الغزلية لابن ثعلي قوله يصف من يحب:
عليه من هو جامعٍ داي ودواي
***ما غير ياخذني على ما يريدي
لا مقفيٍ عني ولا مقبلٍ جاي
*****اقريّب مني عليـّه بعيدي
جاني يجر اخطاه مشيه تهدّاي
*****تهدِّي الذرب الفريد الوحيدي
يكسر بعينه في نظره التخزراي
*****رسا ليا شبّت نظرها حديدي
وحار القدم يمه وهوجلت ممشاي
****مشي القضيب اللي برجليه قيدي
من المناحي المميزة التي نحاها ابن ثعلي في شعره هو ما يمكن أن يطلق عليه شعر التوجّد على حياة البادية بجمالها ورونقها الذي افتتن به. ابن ثعلي بدوي صريح أحب البادية ووصفها بما هي أهل له. هو لم يكن بعيدا عن المنازل والقفار والشديد والإبل وتتبع الأمطار فهاهو يقول:
اشد وانزل في مربّ الخواوير
****وامشي مع الحزم السماح الوساعي
اليا اختلط نبت الزهر والنواوير
********ركزت بالعبله عمود الشراعي
غربٍ من النفره جنوب المخاضير
******شرقٍ من الفيضة شمال الكراعي
ياوي.. مرباع ٍ بهاك المزابير
******وياوي.. سلفان بها القلب ياعي
يقول أيضا في شديد البدو:
شافوا لهم برقٍ على نجد سمّار
******تحت مطاليع النجوم وقمرها
يبون مرباع ٍ من الوسم ويسار
****اقفوا على درب البروق ومطرها
ذعذع هوى الغربي وساقوا بمحدار
******وروّح ربيع العين واقبل دهرها
آخر المناحي المميزة التي نحاها ابن ثعلي في شعره هو ما يمكن أن يطلق عليه شعر الاعتداد بالنفس والمجموع والقبيلة. ابن ثعلي يصهر كل ذلك في فلسفة فطرية ترتكز على التميز وان كان يشوبها بعض القلق ومقارفة السكون لأنه مصدر الدعة والراحة وهو لا يريد ذلك. يقول مخاطبا من يحدث نفسه لاعتلاء المراقيب:
يابادي المرقاب لا تعتلي فيه
*****ما دام قلبك دالهٍ عن عذابه
حوّل وخله للشقاوي يعدّيه
****على نحا قلبه يكسّر حسابه
ويتحدث ابن ثعلي بشيء من القلق عن فلسفة خاصة به هنا:
النوم ثلث من اول الليل يكفيه
****يكفيه ثلثٍ بأوله عن عقابه
وثلثين منها الثلث الأوسط وتاليه
*****يأخذ على الجنبين كل انقلابه
كم هي جميلة هذه الاشراقة الشعرية التي أهدتها موهبة عبد المعين ابن ثعلي الشعرية لمحبي الشعر ومتذوقيه. انه شاعر مجيد رائع له العديد من القصائد الفائقة الجودة و من المؤكد أن يسعد بها من يبحر عبر لججها الزاخرة بالجزالة والأصالة. من الجدير بالذكر أننا لم نر له ديوان مطبوع وهذا ما يدعونا للتساؤل عن أسباب التقصير في هذا الجانب وربما كان هناك من يأخذ زمام المبادرة في هذا الجانب فأشعار ابن ثعلي شاهدة على عصر نعيش طرفاً منه شهادة تاريخية وأدبية.
سيرته الذاتية
الحديث عن شاعر بارع بهذه الصفة حديث رائع وابن ثعلي شاعر أصيل غير مطبوع. وفي نبذة وجدتها مخطوطة بخط الشاعر تركي الغنامي "ابن ثعلي هو عبد المعين بن عقل بن هذال بن ثعلي العتيبي ولد في المحاني عام 1331 هـ. عاش ابن ثعلي بادياً يتنقل في طلب المرعى بإبله وذلك بين أطراف الحجاز نزولا إلى عالية نجد مرورا بمنطقة ركبه واستمر على هذا الحال إلى وقت ليس ببعيد عندما استقر في المحاني وامتلك مزرعة فيها قبل أن يتقدم به السن ليستقر أخيرا بالطائف" انتهى ماخطه الغنامي. بالطبع ليس أكثر من تعريف للشاعر ابن ثعلي من تعريفه هو لنفسه، ومن هذا المنطلق يقول عبد المعين ابن ثعلي عن نفسه:
يا ناشد عني ولا تعرفني
****يكفيك ما تسمع من العنواني
اصلي عتيبي ٍ عريبٍ ساسه
*****على ما قال بديوي الو قداني
يقولها راع الدلايل قبلي
*****خير الدلايل جُرّة الفرساني